طارق الطاهر - متهم يكتب عن متهم.. وقائع حبس أحمد ناجي

في أحد أيام الخميس في نهاية شهر مايو‮ ‬2015،‮ ‬اتصل بي أحد الزملاء من استعلامات مبني أخبار اليوم،‮ ‬يخطرني بوجود واحد من رجال الشرطة،‮ ‬يطلب الاسم الثلاثي لأحمد ناجي،‮ ‬ونسخة من أخبار الأدب من العدد الذي صدر منذ تسعة أشهر‮ (‬أغسطس‮ ‬2015‮)‬،‮ ‬فأخطرته أنني لا أعرف الأسم الثلاثي وأي تحرك يجب أن يكون من خلال إدارة الشئون القانونية بالمؤسسة‮.. ‬وعلي الفور اتصلت بأحمد لأخطره بهذا الأمر‮ ‬غير المفهوم‮.‬
بعدها حدث صمت ولم نتلق أي أمر،‮ ‬حتي فوجئت بفاكس بتاريخ‮ ‬6‮ ‬يونيو موجه من نقابة الصحفيين إلي المؤسسة ينص علي إخطاري أنا وأحمد بالمثول أمام النيابة العامة للتحقيق يوم‮ ‬10‮ ‬يونيو،‮ ‬وذلك لاحتواء مقال علي عبارات فاضحة صور فيها كيفية ممارسة الرذيلة مع إحدي صديقاته علي نحو يخدش الحياء العام،‮ ‬وبالفعل توجهت في الموعد المحدد واستمر التحقيق معي أكثر من‮ ‬90‮ ‬دقيقة،‮ ‬وبعدها استمررت في مبني النيابة لأكثر من ثلاث ساعات حتي يصدر القرار الخاص به،‮ ‬وفي النهاية تم صرفي من مقر النيابة بضمان وظيفتي‮.‬
في التحقيقات تحدثت كثيراً‮ ‬عن التفرقة بين النص الأدبي والمقال والكتاب،‮ ‬وأنه لا يمكن أن نحاسب نصاً‮ ‬أدبياً‮ ‬متخيلاً‮ ‬علي أنه مقال،‮ ‬وأن نخلط بين البطل والمؤلف،‮ ‬حيث قال لي وكيل النيابة العامة الذي حقق معي،‮ ‬إنه سيضيف للاتهام الذي تقدم به الشاكي ضد ناجي،‮ ‬اتهاماً‮ ‬آخر وهو تعاطي الحشيش‮.. ‬حيث وردت هذه الجملة علي لسان بطل العمل،‮ ‬إلا أنني قلت له هناك فارق بين البطل والمؤلف وهو عمل متخيل وليس واقعياً،‮ ‬وهو الموقف الذي ذكرته أمام القاضي في محكمة جنح مستأنف بولاق أبوالعلا،‮ ‬وأقسمت أنه قد حدث،‮ ‬وطلب المحامي ناصر أمين بتسجيله رسمياً‮ ‬في محضر الجلسة وقد فعلت ذلك‮.‬
في بداية التحقيق معي قرأت المحضر الذي يتضمن أقوال الشاكي ووجدت أنه قدم بلاغه لتضرره من المنشور،‮ ‬مما أثر علي صحته وقلبه‮.‬
وبعد شهور من التحقيق تم قيد الأوراق علي أنها جنحة بالمادتين‮ ‬178‮ ‬و200‮ ‬مكرر‮ ‬1‮/‬2‮ ‬من قانون العقوبات،‮ ‬المادة الأولي،‮ ‬موجهة لناجي وهي خاصة بخدش الحياء العام،‮ ‬المادة الثانية خاصة بأنه إذا قصر رئيس التحرير في مهام وظيفته أو من ينوب محله،‮ ‬الأول يعاقب بالغرامة أو الحبس،‮ ‬والثاني بالغرامة التي تتراوح من‮ ‬5‮ ‬إلي‮ ‬10‮ ‬آلاف جنيه،‮ ‬وتم إحالة القضية لمحكمة جنح بولاق أبوالعلا التي استجاب قاضيها في الجلسة الأولي لدفاع ناجي بالاستعانة بمجموعة من النقاد والأدباء لبيان هل ما كتبه ناجي موجود ومنتشر في نصوص أخري أم لا؟ وقدموا بالفعل قائمة من‮ ‬12‮ ‬اسماً‮ ‬اختار منهم القاضي ثلاثة،‮ ‬جابر عصفور،‮ ‬محمد سلماوي،‮ ‬صنع الله إبراهيم‮.. ‬الذين بالفعل في الجلسة الثانية جاءوا وأدلي سلماوي وصنع الله بشهادتيهما،‮ ‬أما د‮. ‬جابر فجاء أثناء تعقيب النيابة علي الشهادات والمرافعات،‮ ‬فقدم طلباً‮ ‬للقاضي بأن يدلي بشهادته،‮ ‬لكن الجلسة كانت قد رُفعت وأخطره باكتفائه بما ورد في الشهادتين‮.‬
ناصر أمين في هذه الجلسة قدم مرافعة شفاهية أكد فيها علي مجموعة من المبادئ القانونية منها وجود نصوص دستورية وقانونية مانعة للعقاب،‮ ‬حيث ينص الدستور المصري الصادر في عام‮ ‬2014‮ ‬في مادته‮ ‬67‮ ‬علي‮: "‬حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة،‮ ‬وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم،‮ ‬وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك‮« ‬وأن المادة‮ ‬71‮ ‬من ذات الدستور تمنع أية عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريقة النشر أو العلانية‮.‬
وبعد أن استمعت محكمة الدرجة الأولي للمرافعات وشهادة الشهود،‮ ‬أصدت حكمها بالبراءة في حيثيات واضحة،‮ ‬تنفي ارتكاب أية جُرم،‮ ‬وتؤكد أن المادتين اللتين رأت النيابة تطبيقهما علي المتهمين لم يتوافرا في حقنا‮: "‬وحيث إنه عن موضوع الدعوي،‮ ‬فلما كانت النيابة العامة أحالت كلا المتهمين بتهمة خدش الحياء العام،‮ ‬أحالت كلا المتهمين طبقاً‮ ‬للمادتين‮ ‬178‮ ‬و200‮ ‬مكرر أ‮/‬2‮ ‬من قانون العقوبات،‮ ‬الأمر الذي يتطلب توافر القصد الجنائي الخاص الذي يتمثل في قصد المتهمين في خدش الحياء العام أو نشر الفجور والرذيلة،‮ ‬وهو يتنافي مع ما قام به المتهم الأول،‮ ‬الذي يعد عملاً‮ ‬أدبياً‮ ‬من وحي خياله وأن ما تضمنه ذلك العمل الأدبي من ألفاظ وعبارات،‮ ‬ارتأت النيابة العامة أنها تخدش الحياء،‮ ‬هو في إطار عمل أدبي وسياق عام لقصة حاكها المتهم الأول من وحي خياله،‮ ‬كما أن ما احتواه العمل الأدبي‮ (‬القصة‮) ‬علي ألفاظ وعبارات جنسية هو أمر دُرج في العديد من المؤلفات والأعمال الأدبية والأشعار قديماً‮ ‬وحديثاً،‮ ‬وهذا ما انتهت إليه شهادة كل من الأستاذ محمد سلماوي والروائي صنع الله إبراهيم،‮ ‬والتي تطمئن إليهما المحكمة من أن العمل الأدبي لا يمكن الانقطاع من سياقه أو أخذ جزء منه وترك الآخر،‮ ‬وإلا انهار ذلك العمل‮.‬
الحيثيات التي أوردها هذا القاضي الجليل لم تشفع لنا،‮ ‬واستأنفت النيابة الحكم،‮ ‬وفي جلسة الاستئناف الأولي أجل المستشار رئيس المحكمة القضية لحضورنا أنا وناجي‮.‬
علي المستوي الشخصي كنت أعرف أن من يبرأ في الدرجة الأولي ليس ضرورياً‮ ‬أن يكون حاضراً‮ ‬في الاستئناف،‮ ‬وتركت الأمر لتقدير ناجي ومحاميه،‮ ‬ووجدت حماساً‮ ‬للحضور،‮ ‬قابلته بحماس مماثل‮.‬
وفي يوم القضية‮ (‬السبت‮ ‬20‮ ‬يونيو‮).. ‬في تمام الساعة التاسعة،‮ ‬كان يفصلني عن محكمة شمال القاهرة التي ستنعقد بها الجلسة خمس دقائق،‮ ‬ففوجئت بتليفون من زميلتي سوسن بشير تسألني عن مكاني،‮ ‬فقلت لها علي الباب،‮ ‬فأخبرتني أنها في داخل القاعة‮.. ‬فدخلت فوجدتها جالسة في الصف الأخير،‮ ‬وقد سألت عن قضيتنا فعلمت أنها رقم‮ ‬46‮ ‬في نهاية الجلسة‮.. ‬حينما قالت لي ذلك شعرت أن القاضي سيحكم أو علي أقصي تقدير سيؤجلها لمدة أسبوع للحكم،‮ ‬ولكن وجودي أنا وأحمد ممكن أن يرجح الاحتمال الأول‮.‬
عندما دخلت القاعة كان بصحبتي زميلتي عائشة المراغي،‮ ‬وبعدها توافد الزملاء مني عبدالكريم،‮ ‬وإيهاب الحضري،‮ ‬ود‮. ‬أحمد مجاهد‮.. ‬وزملاء ناجي وقبلهم دخل المحامي القدير محمد لطيف محامي مؤسسة أخبار اليوم الذي توجه للحديث مع المحامي الأستاذ ناصر أمين حول القضية وملابساتها‮.‬
كان الأستاذ لطيف قبل أسبوعين قرر الترافع عني وهو من مدرسة قانونية لا تنظر للأوراق فقط،‮ ‬بل لكل الملابسات،‮ ‬لذا اتخذ قراراً‮ ‬بأن يكون معنا أقصي الغرامة المقررة عليّ،‮ ‬استقبلت هذا الرأي باندهاش‮.. ‬كيف ذلك وأنا حاصل علي البراءة‮.. ‬صمت وقال‮: ‬عليك أنت وأحمد أن تنسيا البراءة‮.. ‬نحن في جولة جديدة‮.‬
بدأت الجلسة وجاء خلالها ناجي وعدد من أصدقائه،‮ ‬قبل أن ينادي علينا‮ "‬الحاجب‮" ‬وبمجرد النداء ذهبنا أنا وناجي وتقدمنا عدد كبير من الأساتذة المحامين‮.‬
شعرت للحظات بعد حديث ممثل النيابة العامة أننا أمام معركة‮ ‬غير متكافئة وربما تخوفات الأستاذ لطيف ستتحول لواقع‮.. ‬حاولت بقدر الإمكان أن أتحدث أمام المحكمة،‮ ‬ولكن تم تخديري من الجميع‮: ‬القاضي والمحامين‮.. ‬لكنني صممت فتحدثت‮.. ‬ولكنني شعرت أنه في هذه اللحظة الحديث والصمت سواء‮.‬
استمرت الجلسة لأكثر من الساعة والنصف‮.. ‬حدثت مبارزات قانونية‮.. ‬انتهت برفعها وقبل قرار المحكمة بالرفع طلب د‮. ‬أحمد مجاهد أن يتحدث للقاضي فيما أثارته النيابة من خلط بين رقم الإيداع ودور الرقابة علي المصنفات الفنية التابعة لوزارة الإعلام،‮ ‬وحول‮- ‬أيضاً‮- ‬هل سبق أن عرض كتاب ناجي في المعرض أم لا؟ وبالفعل أخرج مجاهد بطاقته التي تلقفتها يد بعد يد،‮ ‬حتي وصلت لنا،‮ ‬فأعطيتها للقاضي الذي رفع الجلسة‮.. ‬وظلت بطاقة د‮. ‬أحمد حتي النهاية ولكنه لم يدل بشهادته‮.‬
بعد أن رفع رئيس المحكمة الجلسة‮.. ‬جلسنا في مكان قريب من الأصدقاء‮.. ‬وطال الانتظار‮.. ‬فشعرت أن حكماً‮ ‬ما سيصدر‮.. ‬حاولت أن أمهد لأحمد‮.. ‬أحمد أنت هتتسجن وأنا سأُغرَّم عشرة آلاف جنيه‮.. ‬أستاذ طارق‮: ‬لن أُحبس‮.. ‬بعدها بلحظات كل شيء تغير‮.. ‬حُبِسَ‮.. ‬وغُرِّمت‮.‬

.

http://www.dar.akhbarelyom.com/files/photos/adab/27022016071034.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى