زكريا تامر - طلب الحكمة

ما إن دخل الرئيس الأميركي الجديد البيت الأبيض بواشنطن وتسلم منصبه الخطير حتى طلب الإطلاع على التقارير الدقيقة التي أعدها مستشاروه وخبراؤه حول حكام العالم وأحوالهم، وتعجب عندما اكتشف أن أبرع الحكام في الحفاظ على مناصبهم هم حكام من البلدان العربية، فرأى أنه من الحكمة والتعقل طلب النصح منهم لتثبيت دعائم حكمه على أرض صلبة تجهل الزلازل، وبادر إلى إرسال الرسائل التي تستجدي النصح الذي ينفع، فلم يتوان الحكام عن تزويده حالاً بما طلبه، فهم كرام أبناء كرام، ومعادن الرجال لا تتضح حقيقتها إلا في أوقات الشدة والمحن.
الحاكم الأول : بعد اندحار الشيوعية والاشتراكية والحرية لم يعد لك عدو سوى الشبع، فإذا شبع الناس صاروا ميالين للعصيان، ولا شيء كالجوع يروض ويهذب ويؤد\ب ويعلّم ويرغم أشمخ رأس على الزحف، فجوّع شعبك يتبعك، وشبع شعبك يأكلك.
الحاكم الثاني : أكثر من تشييد السجون حتى يمتدحك المؤرخون بوصفك رائداً لنهضة عمرانية لا نظير لها، واختر الضعيف المعارض لك واضربه بلا رحمة حتى يتعظ القوي المعارض لك، ويرهب ما ينتظره إذا ما استمر في اللعب بذيوله.
الحاكم الثالث : ضاعف عدد الجنود في جيشك شرط أن تكون مهمته في داخل البلاد، فحدود البلاد هي أسوار قصرك فقط، وهي التي يجب أن تحمى ويدافع عنها ويستشهد في سبيلها.
الحاكم الرابع : تكلم ليل نهار في الإذاعة والتلفزيون والجرائد والمجلات والمؤتمرات والندوات، فكثرة الكلام تمنع الناس من التفكير. وحين يكف الناس عن التفكير، فكل شيء سيكون على ما يرام.
الحاكم الخامس : كن جريئاً باسلاً مقداماً، والغ الحواجز بين جيوبك وجيوب خزائن الدولة، وحين يتم ذلك التوحيد الحميد، فأنت ستمتلك سلاحاً لا يقهر.
الحاكم السادس : كافح تهريب المخدرات وتعاطيها، فالحاكم الصالح لا يحتاج شعبه إلى أية مخدرات لأنه مخدر كلياً، وأي مزيد هو تبديد أخرق للمال بلا جدوى.
وقد أعجب الرئيس الأمريكي بهذه النصائح الثمينة، ولكنه كان رجلاً متردداً، واكتفى بإصدار قرار يقضي بطرد الشواذ جنسياً من الجيش، وانتشى بهذا القرار الجريء الذي سيغيظ البلدان المهددة بالاحتلال الأميركي.
وما إن دخل الرئيس الأميركي الجديد البيت الأبيض مرفوع الرأس مطوقاً بهتافات التأييد والإعجاب حتى أعلن بوضوح أنه لا يريد الخروج من البيت الأبيض في نهاية مدته مطأطىء الرأس تلاحقه صيحات الهزء والشماتة، ولم يجد بداً من نشدان التوجيه السليم والإرشاد السديد من بعض مشاهير الأدباء العرب الذين لم يبخلوا عليه بما يصبو إليه :
شاعر كبير تقليدي : أي توجيه سأقوله لك سبق لي أن قلته في قصائدي الرائعة الرائدة، فليس لك سوى إما أن تتعام اللغة العربية حتى تقرأ قصائدي، وعندئذ ستصيد عصفورين بحجر واحد: لغة جديدة والظفر بالحكمة في أرقى صورها، وإما أن تأمر بترجمة أشعاري إلى الانكليزية، فأصيب أنا حينئذ عصفورين بحجر واحد : تترجم أشعاري وصوري الفوتوغرافية إلى الانكيزية مجاناً وألبي استغاثة مستغيث، ولكن ما تطلبه مني ليس بجدبد علي، فكل المسؤولين العرب هم من أصدقائي، وتعوّدت دائماً إرشادهم إلى الصراط المستقيم والصراط المعوج.
روائي : ما تطلبه مني أعجز عن تلبيته، فلكل عصفور فنن، ولكنك إذا ألفت كتاباً، فسأكتب لك مقدمته وامتدحك فيها بموضوعية ونزاهة.
كاتب قصصي : العالم حالياً شبه مدمر، فاستخدم ما لديك من أسلحة نووية لتدمير ما هو غير مدمر، فالميت المدفون في قبر جيد خير من الميت السائر على قدمين.
شاعر حديث شاب : إذا أيدت الشعر الحديث وآزرته عسكرياً، فلن يقال إنك دخلت البيت الأبيض بل سيقال عليك إنك دخلت التاريخ من بوابته الكبرى المخصصة للعظماء والخالدين.
كاتب مسرحي : في مسرحياتي الشهيرة، كل شيء واضح، والطريق معبد ومشجر، فمن شاء سار، ومن شاء قعد ونام .
ناقد أدبي : ابن سوراً حول الولايات المتحدة الأميركية أعلى من سور الصين، ولا أحد يخرج، ولا أحد يدخل، فتستريح وتريح وتنال مجداً يفوق أمجاد نزار قباني وعبد العزيز البابطين.
مفكر وباحث : يجب التخلص أولاً من ناطحات السحاب، فهي توهم الأميركيين أنهم فوق والشعوب الأخرى تحت.
ومن المؤسف أن الرئيس الأميركي الجديد لم يتح له الإطلاع على تلك الإرشادات المخلصة لأن مترجميه من العربية إلى الانكليزية كانوا زمرة من الصهاينة المتعصبين.
زكريا تامر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى