مليكة ابابوس - المساجلات في الشعر المغربي المعاصر : حبيبة الصوفي نموذجا

من الأصوات الشعرية النسائية المتفردة في المغرب صوت الأستاذة حبيبة الصوفي. كان أول لقاء لي معها سنة 2008. كانت لا تزال تشتغل كأستاذة للغة العربية وآدابها بإحدى الثانويات بمراكش. إنسانة بشوشة طيبة و متواضعة. في المرة الثانية التي التقينا فيها أهدتني مجموعاتها الشعرية التي قراتها و أقرأها باستمتاع كبير ليس فقط لنضج تجربتها الشعرية وتنوع المواضيع التي تطرقت لها ، ولكن كذلك لجرأتها وقدرتها على المساجلات التي تحتاج إلى إلمام بالموضوع وندية على المستوى الفني والمعرفي خولت لها ان تقف أمام شعراء من حجم نزار قباني، و إسماعيل زويريق و أحمد بلحاج آية وارهام، و مولاي رشيد العلوي... المساجلات الرائعة أفردت لها محورا خاصا في ديوان " آدم الذي..." الذي كتب مقدمته الدكتور حسن جلاب أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش.
يقول عنها الشاعر الفلسطيني/السوري طلعت سقيرق : " الشاعرة المغربية المبدعة حبيبة الصوفي تكسر في قفزة واحدة كل قواعد وضوابط الديوان الشعري الذي تعارف عليه الشعراء والناس منذ القدم إلى أيامنا هذه، وإذا كانت الشاعرة حبيبة الصوفي أكثر الشاعرات العربيات جرأة في وضع النقط على الحروف دون الوقوع للحظة واحدة فيما يخرج عن الذوق الرفيع، فإنها أيضا اكثر الشاعرات جرأة على جعل الديوان مرآة حقيقية تقول الكثير من البوح الجميل الرفيع. "

1_ المساجلة بينها وبين الشاعر نزار قباني وطلعت سقيرق واسماعيل زويريق.


يقول نزار قباني في" 10 رسائل الى سيدة في الأربعين"، ديوان " هل تسمعين صهيل احزاني" الصادر في ابريل 1991 :

( إذا ما وصلت الى عامك الأربعين
ستفقدين جنوني ...
وفي الأربعين...
سيدخل نهداك فصل الغياب
ويمضي حمام
ويسقط ريش...
وتبكي قباب...
وأعرف انك في الأربعين
ستقطع عنك مياه المطر..
وأعرف انك في آخر الشهر...
سوف تكونين حقلا بغير ثمر...
وأنك في آخر الليل ,
سوف تكونين ليلا بغير قمر...
وفي الأربعين ..
سيسقط ألف قناع
وألف وريقة تين..
وألف جدار.....
ولن أتفاجأ حين أراك
ككل الإماء....
ككل الجواري...
تزوجت من شهريار..)

وترد حبيبة الصوفي بقصيدة عنوانها : " 4 رسائل إلى سيد في الأربعين"

( تعيرني وهن الأربعين
وبصمة يأس على جسدي بتوالي السنين....
كأنك تنسى امتداد عطائي
بنات يسابقن جيل بنين.....
تعيرني نهد صدر تدلى إإإإ
وكان الطعام..... وكان الشراب ....
لكل رضيع منحته عمري
ليسمو مني شموخ القباب ...
تعيرني اليأس في الأربعين
وأن - التصحر - غطى شعابي ...
وضعف الملامح يغشى رغابي
وأصبح عمري بقايا سراب إإإإ
لقد طفح الكيل يابعض صنعي ...
فكل الذي قد تغير مني .. اندفاع الشباب إإإإإإإإ

و أنت الذي أنت في الأربعين
سيصبح جمرك بعض رماد ....
وينطفىء الدفء في راحتيك
ويصبح نصفك شبه جماد ....
وكل المدائن فيك سكون
يعشش فيها خريف الحصاد إإإإإ
و أنت الذي أنت في الأربعين
ستصبح ذكرى - لعنترة - كان يوما
يسابق الخيول .. وكل الجياد ....
وتقتات من ذكريات تولت
فقد كنت رب الفوارس في كل واد ...
وحلم النساء .. وحلم الصبايا
وكم من فتوحات " ليل الجهاد "إإإإإإإ

سيقصم ظهرك في الأربعين
ستهرب منك نساؤك - جمعا وقصرا -
فما عدت بحرا ... ولا صرت نهرا
وسوس الكهولة يأكل فيك ارتعاشا ونخرا.....
ستبحث عما يعيد اليك الفحولة
فإما البخور ....وإما " الفياغرا "
وبالكاد تكتب حرفا ....
وكم ستعاني لتكتب سطرا إإإ
وتحلم طي كتاب - البطولة - أنك يوما
تحقق نصرا ............
"ولن أتفاجأ حين أراك "
تحدث نفسك تذكر عذرا
فلا تجرحني ظلما وقهرا
لعلي أستر فيما يعانيه -بعضك - سترا إإإإإإإ

و إني في الأربعين
أزلزل دارا ,وأشعل نارا , وأحدث أمرا .....
لأنك طفل كبير
ولا تستطيع إتخاذ قرار الكتابة دوني ...
شعرا .. ونثرا
أنا الكل في الكل منذ البداية
نبض حياتك سرا وجهرا .....
وفي الأربعين , أكون تعلمت درس الحياة ...
و بالحب أدرى إإإ
فلا تجرحني
فما زال في الشعر - ضدك -
أقوال أخرى .....................)

ويتدخل الأستاذ طلعت سقيرق بقصيدة عنونها : " إذا ما وصلت إلى الأربعين" إلى الشاعرة حبيبة الصوفي ورسائلها الأربع : " الى سيد في الأربعين" :

( لعينيك يا أروع الأغنيات أغني
لعينيك يا رقصة الوجد عطرا ونورا
أصوغ جميع قصائد عمري
وأفرط عند يديك شرودا وعشقا
عناقيد فني
أروح ..... أجيء
أواعد كفيك عند حدود المساء
أمد إليك ذراع ذراعي
وأطوي إذا ما لمست يديك شراعي
أضيع وأنسى جميع زماني.....
وأغسل بالهمس والأمنيات أصابع روحي
أعلق في كل لحظة وعد جميع الحكايات
أعطيك من صدر صدري ارتعاشات قلبي
وأطويك حتى انتشاء ضلوعي ...
أسيج بالورد ظل خطاك
وتبقين رغم احتراقي ورغم اشتعال الدماء بخورا
ورقصة دفلى
زماني وعمري وكل التمني)

وفي اتصال هاتفي مع شاعر المغرب الكبير الاستاذ إسماعيل زويريق هذا الصباح، أخبرني أن هناك قصيدة أخرى لم ترد في ديوان " آدم الذي..." يرد فيها على الأستاذة حبيبة الصوفي كتبها بعد وفاة الشاعر نزار قباني وعنوان القصيدة هو " مازال في الشعراء نزار". وعدني الأستاذ إسماعيل زويريق أن يرسلها لي حال عودته الى مراكش. سأضيفها إلى القصائد المذكورة أعلاه حالما أتوصل بها، شاكرة للأستاذ إسماعيل زويريق تفاعله مع الموضوع ومتمنية له عودة سالمة إلى مراكش البهجة.

2_ المساجلة بينها وبين الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام في قصيدته " سيّجتَ روحي أيها الأشر":


وجاءت على لسان امرأة :

( ظللْتُ في شرفة الآمال أنتظر
علّ الذي في الحشا ينأى وينحسر
سيّجْتَ روحي بريح الشك فانفطرت
آمالُها كخريفٍ خانه المطر
أبحرْ إلى لهب اللذات منشرحا
لن تسفح العينُ دمعا أيها الأشرُ

فترد الشاعرة عليه وبصوتها الأنثوي :

( كفّ الجراح، فأنت الروح والنظر
ولن أقول بتاتا.. إنك الأشر
ألحقتَ بي أملا، جرَّعْتني سقما
ثمّ انسحبتَ تجرُّ الذيل تفتخر
أنت الرحى بحصاد الشك تطحنُني
كنتُ الضحيةَ أنت الكفُّ والحجرُ
يا منْ يعبّد بالآلام أرصفتي
كم جئْتَ بابي بعد الغدرِ تعتذر
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى