أ. د. عادل الأسطة - الرواية الفلسطينية والنكبة

عاد دال «النكبة» يتردد على مسامعنا من جديد، علما بأنه لم يختفِ بعد هزيمة حزيران اختفاء تاماً، إذ غطى دال «النكسة» عليه، ليتراجع ولا يبقى يستخدم في الغالب إلا من دارسي الأدب الذين يتناولون نتاج الأدب الفلسطيني ما بين ١٩٤٨ و١٩٦٧.
تتالت الأحداث في ذيول هزيمة حزيران وصار الجديد منها يطغى على القديم حتى لكأنه يمحوه ويتسيد مكانه.
هكذا انشغلنا بالحروب الأهلية في الأردن ولبنان وبحرب أكتوبر ١٩٧٣ ثم بالحرب الفلسطينية - الإسرائيلية في العام ١٩٨٢، وبعدها بسنوات بانتفاضة ١٩٨٧ فأوسلو فانتفاضة الأقصى، وصار المهتمون بالأدب الفلسطيني يعقدون المؤتمرات لتناول الإنتاج الأدبي للمرحلة التي يعقد فيها المؤتمر.
كتبت كتب عديدة عن الأدب وهزيمة حزيران وأدب المقاومة وأخرى عن حرب أكتوبر وثالثة عن الحرب اللبنانية ورابعة عن حصار بيروت وخامسة عن الانتفاضة الأولى وسادسة عن أدب السلام وسابعة عن انتفاضة الأقصى وأخيراً عن أدب السجون.
قليلون من الأدباء من التفتوا إلى أدب النكبة، حتى لكأنهم نسوها منذ بدأت فلسطين تختصر في الضفة الغربية وقطاع غزة ومنذ بدأ العرب يعترفون بدولة إسرائيل ويقيمون علاقات معها، علما بأن بعض الروائيين العرب، وأخص هنا إلياس خوري، ذهبوا إلى أن النكبة مستمرة تتواصل منذ العام ١٩٤٨ وأنها لما تنتهِ، فهي حاضرة ما دامت القضية الفلسطينية لم تحل حلاً جذرياً عادلاً وما دامت المخيمات الفلسطينية قائمة في الأرض المحتلة وفي المنافي.
في السنوات الأخيرة صار دال النكبة يتردد على لسان بعض الإسرائيليين المتطرفين الذين يطالبون بضم الضفة الغربية إلى الدولة الإسرائيلية ويصرون على اقتحام الأقصى وتهويده. صار هؤلاء يبشرون الفلسطينيين في القدس وغيرها بنكبة ثانية على الطريق وكل من يتابع أشرطة الفيديو المتعلقة بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لاحظها واستمع إليها وتوقف أمام عبارة «نكبة ثانية في الطريق».
في الحرب الدائرة منذ ٧ / ١٠ / ٢٠٢٣ تكرر الحديث والكتابة عن التهجير والتوطين وطفا دال النكبة مجدداً، لدرجة أن صديقاً لي من مصر طلب مني مقالاً لجريدة الأهرام عن النكبة في الرواية الفلسطينية، وكنت قاربت ذلك تحت عناوين عديدة منها «استحضار النكبة في الرواية الفلسطينية» و»الرواية الفلسطينية في المنفى»، وقاربته أيضاً وأنا أكتب عن روايات فلسطينية وعربية تناولت حرب ١٩٤٨ واللجوء الفلسطيني وحياة المخيمات في الوطن والشتات، (يحيى يخلف «ماء السماء» وإلياس خوري «باب الشمس» و»أولاد الغيتو: اسمي آدم» وسامية عيسى «حليب التين» و»خلسة في كوبنهاجن» ورشاد أبو شاور «وداعاً يا زكرين» و»الحب وليالي البوم» وعمر حمش «مفاتيح البهجة»).
لقد كتب روائيون كثر بعد العام ١٩٩٠ في فلسطين التاريخية وفي المنافي عن مدنهم وقراهم، قبل هجرة أهلها منها وبعد إقامتهم، إثر الهجرة، في المخيمات، كأنهم اكتشفوا أن ما كتب من قبل عن النكبة كان قليلاً وقليلاً جداً.
فلو تأملنا الرواية الفلسطينية منذ حزيران ١٩٦٧ حتى العام ١٩٨٧ وبحثنا عن نكبة ١٩٤٨ فيها لقرأنا أقل القليل.
قاربها إميل حبيبي في «المتشائل» وسلمان ناطور في «وما نسينا»، ولم تقاربها سحر خليفة أو سميح القاسم فيما كتبا من روايات، وقاربها غسان كنفاني في «عائد إلى حيفا» و»أم سعد»، ولكن مقارباتهم كانت قصيرة لا ترقى إلى مستوى النكبة، وجاءت روايات يخلف وأبو شاور لتكتب في موضوعات آنية يطابق زمنها الروائي زمنها الكتابي، وهنا أذكر رواية الأول «العشاق» ورواية الثاني «تفاح المجانين».
والسؤال هو: ماذا عن الرواية الفلسطينية بين ١٩٤٨ و ١٩٦٧؛ الرواية التي كان كتابها يعيشون النكبة التي عانوا منها وكانوا شهوداً عليها؟
لم تصدر في الفترة المشار إليها روايات كثيرة، فقد كان الفن الروائي الفلسطيني في بداياته ولم يكن عوده اشتد، وإذا ما أحصينا الروايات التي صدرت؛ في الأرض المحتلة وفي المنفى، لاحظنا أنها بالكاد تعد على أصابع اليدين ومن أبرزها رواية توفيق معمر «مذكرات لاجئ أو حيفا في المعركة» وروايتا ناصر الدين النشاشيبي «حفنة رمال» و «حبات البرتقال» وأخريان لكنفاني «رجال في الشمس» و»ما تبقى لكم»، والأخير هو من كتب عن ١٩٤٨ وما تلاها، فالأول كتب عن سقوط مدينة حيفا في ١٩٤٨ والثاني تناول فترة ما قبل النكبة، أما كنفاني فكتب عن اللجوء والمنفى.
وهنا يمكن القول إننا إن أردنا أن نقرأ عن النكبة في الأدب الفلسطيني فعلينا أن نقرأ الشعر والقصة القصيرة بالدرجة الأولى، (عبد الكريم الكرمي أبو سلمى في «المشرد»، ونجاتي صدقي «الشيوعي المليونير»، وسميرة عزام في قصصها «لأنه يحبهم» و»فلسطيني» و «عام آخر» و «الحاج محمد باع حجته»، وكنفاني في كثير من قصصه القصيرة، وتوفيق فياض في «الشارع الأصفر».
لماذا لم تكتب النكبة في أدبياتنا؟ وإن كان ما يحدث في غزة نكبة ثانية فهل سيكتبها كتابنا أم أن الصور والفيديوهات كتبتها لحظة بلحظة؟
عموماً كان فن الرواية في فلسطين، بعد النكبة مباشرة، في بداياته، ولهذا غاب حضورها فيه بقدر حضورها على أرض الواقع، والآن هناك روائيون كثر نأمل أن تكتب النجاة لمن يقيمون في غزة ليدونوا الحكاية من داخل الحدث نفسه، وقسم من هؤلاء يمتلك باعاً في كتابة الروايات.

عادل الأسطة
2023-10-29

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى