زكريا تامر - كوليرا الشعر تجتاح العالم!

كان رجلاً كغيره من الرجال، له بيت وزوجة وطفل وعمل، ولكنه في احدى الليالي أصيب فجأة بالشعر ومن دون تمهيد أو مقدمات، فظن الأطباء أنه مجرد زكام أو حساسية من شيء مجهول، ولم تكن أدويتهم بمجدية، فتحول من مواطن الى شاعر، وابتدأ يكتب الشعر في الليل والنهار يكتب الشعر وهو يتشاجر مع زوجته حول ما تضعه على وجهها من مساحيق وألوان زاعماً انه كلما رآها أحس بأنه يلتقي امرأة لم يقابلها من قبل، ويشفق على زوجها..
ويكتب الشعر وهو يساوم بائع الخضراوات والفاكهة طامعاً في شراء أجود الأنواع بأرخص الأسعار..
ويكتب الشعر وهو محني الرأس يتلقى التوبيخ اليومي من رئىسه في العمل..
ويكتب الشعر وهو ينصت لهزء أصدقائه به..
وكانت اصابته بالشعر اصابة بالغة قابلة للعدوى.
اصيبت زوجته بالمرض نفسه، فصارت تكتب الشعر، وأحسن أشعارها كتبتها وهي تمشط شعرها المشعث أمام مرآة.
وأصيب طفله بالشعر، فبات لا يطلب شراء ألعاب جديدة إلا بوساطة قصائد موزونة، وغدت شكواه من الذباب يصوغها شعراً طلقاً متمرداً على كل الأصفاد.
وأصيبت خادمته بالشعر، فإذا القاذورات تدخل من باب البيت أقزاماً وتخرج من نوافذه عمالقة..
وأصيب بالشعر ساعي البريد الذي يحمل إليه رسائله كل صباح، فصار يوزع رسائل هذا الحي على سكان ذاك الحي..
وأصيب أهل حارته أجمعون بالشعر..
وانتقل مرض الشعر الى حارات أخرى ليتسلل منها الى قرى ومدن مجاورة، ويصل الى جمهوريات وممالك أخرى قريبة وبعيدة.
وأصيب العالم كله بمرض الشعر، وانتقل الى الكواكب الأخرى، وشهدت الأرض أول مرة القصائد الطائرة، وهجر الناس أعمالهم وانصرفوا الى كتابة الشعر، وأخفق العلماء الذين أرادوا ايجاد دواء لذلك الداء بل أصيبوا هم أنفسهم به، وشلت برامج الاستثمار والاستعمار والاستغلال، وتعطل الغزو العسكري والاقتصادي والثقافي وانهارت الجيوش وتفككت وتشرد جنودها، ولم يعد أحد يفكر في الاستيلاء على أوطان الآخرين وثرواتهم، وعاش العالم حياة آمنة لا يعكرها سوى أصوات الشعراء الذين يرددون قصائدهم بأصوات عالية، ولكن هذه الحياة لم تستمر طويلاً لأن الشعراء تنافسوا حول من هو الشاعر الأفضل، فنشأت الخلافات والنزاعات، وأعيد تأليف الجيوش، واسترد السلاح دوره كناقد وحكم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى