محمد أحمد الروبي - تمنَّيتُ لو كُنتُ كلبًا

إهداء إلى/ صديقي الكلب.

أظل مُتَّكِئًا طَالما أنَّ الكلام
ليس عن الكلاب.
إلى أن يذكرَ أحدهم كلمة كلبٍ أو كلابٍ،
فأجدني -لا إراديًّا- قد اعتدلت في جلستي.

بالفعل الكلاب تستحق الاحترام والتبجيل
على حدٍّ سواء.
أجبني بصراحةٍ لو تكرَّمت:
هل رأيت كلبًا عائدًا آخر الليل يترنح،
وبقدمه قنِّينةٍ لم يتبقى منها
سوى جرعتين من الخمر؟

أو رأيتَ كلبةً تتراقص بعجيزتها مثلاً،
لتثير شهوة كل من مرَّت بجواره؟
أو وقعت عينك
على جروٍ ينبَح في وجه والديه؟

الكلام عن الكلاب مليءٌ بالحكمِ والمَرُوءاتِ
التي قلَّما تجدها عند الإنسانٍ.

أراهن على أن إنسانًا يملك
سُدُسَ وفاء كلبٍ أجربٍ حتَّى!
فلو حدث ذلك لاعتبره أهله وذويه
إلهًا وعبدوه من دون الله.

أنا شخصيًا تعرضَّت لمواقفَ عديدةٍ مع الكلاب، وتعلَّمت منهم ما لم أتعلمه
في جميع المراحل التعليمية التي مررتُ بها.
وسأذكر لكم موقفًا لي مع الكلاب
-على سبيل المثال لا الحصر-:
عَمِلتُ في مزرعةٍ بمنطقةٍ صحراويةٍ خلال إجازةٍ دراسيةٍ.

"كلبٌ أصفرٌ يلُوحُ أمامي.. يلهثُ من العطش".

لا أتذكر صراحةً السبب الذي توجهت من أجله لآخِر حدودِ المزرعة في تلك السَّاعة القائظة من النهار،
إضافةً إلى كَوْنِ أن اللًَّه قد ساقني من أجل هذا الكلب بالطبع!

أحضرت له الماء فشرب بشراهةٍ
حتى ارتوى.
شكرني -عبر نظرة منه- بحفاوةِ أنْ أسقيتهُ من دمي.

رافقني مثل ظِلِّي إلى أن زَجَرتُهُ بعنفٍ
-في ساعة غضبٍ منِّي، وليس لسوء تصرفٍ منه-
آمرًا إياه أن يذهب بعيدًا عني،
فظل يرافقني أيضًا من على بُعْدٍ!
أشرت إليه بالمجيء.. فأتى مسرعًا وكأنما شيئًا لك يحدُث، ولم أنهَرهُ!

قبَّلته من أعماق قلبي،
ووجهَّتُ له رسالة شكرٍ -بلغةٍ تفهمُها الكلاب-
على إخلاصه وسعة صدره،
فهزَّ ذيله وكأنها يقول: "لا عليك يا صديقي، أعرف أنك كنت في نوبة غضب".
تركتُ العمل هناك لمجيء وقت الدراسة.
لكنِّي أحتفظ بصورته بخِزانة هاتفي
وقلبي أيضًا.

الرَّبُ أدرك قبلِي إخلاص الكلبِ ووفائِه اللا محدود؛
فسطَّر اسمه في كتابه المقدس
ليجعلني -أنا الإنسان!- أتعبد به في صلواتي.

تَمنَّيتُ لو كنُتُ كلبًا!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى