حسين خلف موسى - المنعطف

لم يكن يخطر ببالي يوماً ما أن اقف أمام سريره ارتجف ، يعتصر قلبي حزنا ، وهو امامي ممدداً ضعيفاً منهاراً منهكاً من شدة المرض يلفظ انفاسه الأخيرة ، وأنا تائها ، ومرتبكا .. ابكي تارة، وادعو الله تارة اخرى بأن يخفف عنه سكرات الموت ، وعنّا المصاب ، انظر إلى وجهه الشاحب ، واحاول أن اشبّع مقلتاي بمرآه مرة والهرب وعدم البقاء مرات كثيرة، وقفتُ إلى جوار سريره بلا وعي، و لم أكن اشعر بوجود احد رغم ازدحام الغرفة بالأشخاص كانت اصواتهم ... تملأ الاجواء بالتوتر والارتباك .
ــ احدهم يطلب اليه النطق بالشهادة..
ــ وآخر يحاول الاتصال بالإسعاف .
ــ وآخر ينظر خلسة ويحاول الكلام فتخرج الكلمات مختنقة لا تكاد تصل إلى مسامع المجاورين له، لم اكن ادري ما الذي استطيع فعله بدأت اتحرك في ارجاء الغرفة بعشوائية وتوتر، مرّت لحظات وأنا على هذا الحال ، ثم توقفت فجأة واتجهتُ الى حافة السرير المقابلة لجسده نظرت اليه طويلاً كانت عيناه مفتوحتان تركزان النظر على إحدى الزوايا وكأنه يرى أحدهم يناديه أتراها شريكة حياته التي سبقته تناديه بشوق للانضمام إليها؟
حاولت أن الفت نظره إلي بدأت اناديه لكنه لم يلتفت إلي كانت هذه المرة الأولى في حياتي التي لم يعرني فيها إي اهتمام، وأنا مُدلله وحبيبه الصغير فلطالما كانت علاقتنا مميزة ورائعة أعرف بأنه كان يحبني أكثر من الجميع وأعلم بأنه كان يشتاق إلي بعد لحظات قصيرة من ابتعادي عنه فلماذا أذن لا يلتفت إلي ... وأنا اناديه واتوسل اليه بأن يكلمني ، مرّت برهةُ قصيرة، وأنا أناجيه علهُ يلتفتُ إلى.
ــ سمعتُ أحدهم يقول: ( إن لله وإن إليه راجعون .. لا حول ولا قوة الا بالله)
أحسستُ بأن كوباً كبيراً من الماء البارد قد صبُ على جسدي المرتعش توجهت مسرعا إلى أحدى يديه، وبدأت اقبلهما.... وأحاول ارغامه على النهوض... لكنه لم يأتي بأي حركة أيقنت بأنه رحل إلى الأبد، وبأنني بتُ وحيد .. فلا أحد سيستطيع أن يسد الفراغ الذي تركه في حياتي... مرّت ساعات طويلة ، وأنا لا ادري بمن حولي... في الصباح... كان المنزل يعج بالناس.... حاولت البقاء بينهم، إجتاحني شوقاً كبير للقائه الأخير... كانت هذه المرة الأولى في حياتي ... التي قبلت فيها جبين شخص متوفي ... عندما اخرجوه شعرت بقلبي الصغير يخرج مهرولاً وراء نعشه المحمول كان النهار طويلاً جداً... وأفواج المعزيين لا تنتهي... وأنا مُتعبا يقتلني الشوق إليه... نهضتُ بلا إي شعور وتوجهتُ إلى غرفته ... كانت اشياؤه ما زالت على حالها عطره ، عكازكه الخشبية، مكتبته الصغيرة، ادويته المنتشرة في جميع الزوايا ، قميصُ لايزال يحمل رائحة جسده، مرّ وقت طويل قبل أن اشعر بأن أحدهم يحرك مقبض الباب في محاولة لفتحه شعرت بالحنق على هذا القادم ليخترق عزلتي... فُتح الباب... ودخل طفل يتيم كان والده قد توفي قبل عدة اشهر.. اتجه نحوي ونظر إلي وقال : (انت جدك مات) ومدّ يده ومسح دموعي ثم تابع وهو يقبلني، لا تحزن وأنا كمان بابا مات.
نظرت إليه وضممته الى صدري، وأنا أبكي على حاله ينتابني شعوراً بالخجل من ضعفي، مقابل براءة هذه الطفل، التي لم يتخطى الثامنة من العمر.... والذي لم يعي بعد معنى اليُتم..


حسين خلف موسى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى