رامي غدير - كأسُ العالم لسوريا!

حين كُسرتْ يدي، خسرَتْ سوريا كأسَ العالم!

... وسقط حارسُ مرمى الصفّ الأوّل الثانويّ متألّمًا على الأرض حين صدَ الكرةَ التي سدّدتُها نحوه. يومها خسرنا المباراة بنتيجة اثنيْن مقابل صفر، لكنّني أذهلتُ الجميعَ بقدرتي على إتقان التسديد بكلتا قدميّ. كنتُ ألعب بثقة المحترفين وخفّتهم؛ ذلك لأنّ الفتاة التي أحبّ تشاهد المباراةَ عبر شباك صفّها.

كانت الحصّة الثالثةُ بعد الظهر هي حصّة الموسيقى، للمعلّمة الشابّة التي لا تأتي. والفتى الذي لا تحبّه حبيبتي ضربني قبيْل انتهاء المبارة على قدمي، فوقعتُ وكُسرتْ يدي. نظرتُ إليه بحزن. قلت: "تبًّا لك. لقد أضعتَ فرصة سوريا في إحراز كأس العالم."

كنتُ واثقًا بأني سأقود فريق سوريا للفوز بكأس العالم!

أنا اللاعب الذي سيُقال بحقّه ما قيل عن "ميسي": "لقد نقل كرةَ القدم من المسرح إلى الشعر." وسيقول عنّي المعلّقُ الرياضيّ عدنان بوظو: "لو أتيح له أن يسدّد من الفضاء نحو الأرض لأخرجها عن مسارها!" أنا اللاعب الذي سيظهر على شاشة التلفاز، وسيشرح كيف يكون للحياة معنًى جميل حين تحرز هدفًا بيدك؛ ففي الثواني الأخيرة من المباراة، ولأنّ الكرة أعلى من رأسي كثيرًا، فقد استخدمتُ يدي، وأحرزتُ هدفًا في مرمى الخصم. وعلى الرغم من أنّ الحكم لم يحتسب الهدف، فقد ركضتُ وخلعتُ كنزتي صارخًا ببهجة: جوووووووول!

الحياة الجميلة هي الهدف الذي يُمتعكَ قبل نهاية الوقت، ولو لم يعترفْ به الحكم. والحياة الأكثر جمالًا ودهشةً هي أن يركض خلفك أصدقاؤك معترفين بهدفك.

في زمن مضى كُسرتْ يدي وخسرتْ سوريا كأسَ العالم: هذا ما كنتُ أؤمن به. فيما بعد أدركتُ أنّني لستُ لاعبًا حقيقيًّا... لكنّني كنتُ صادقًا في عشقي لكرة القدم وواثقًا بأحلامي. الآن سأدخل الأربعين من العمر بقدمي اليسرى، وبكثيرٍ من الشيب في شعري، وبندبةٍ أسفلَ ذقني. سأدخل الأربعين وأنا أردّد: "الفرح في هذا الكون أسرعُ من الأرنب الذي كان يقفز في قصيدة سليمان العيسى."

سأدخل الأربعين وفي هاتفي الجوّال الكثيرُ من الرسائل والأرقام التي لا أعرف أصحابها، كرقم عاملة المقسم في شركة نقل الطرود التي ستتصل بي متساءلةً لماذا لم أعد أرسل لكِ شيئًا؟!

سأقول لها إنّكِ خارج البلاد... ولن أخبرها أنّنا افترقنا حتّى في إشعار الشحن... ربّما علي أن أكسر يدي مرّة أخرى لنلتقي أربعينيين كانا صغيرين في المدرسة.


الحكَم أعلن نهاية المباراة. فريقي خسر: اثنان مقابل صفر. وكنتُ الفائز الوحيد لأنّ الفتاة نزلتْ إلى الملعب، ونظرتْ بلهفة إلى يدي المكسورة.

اللاذقيّة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى