ريتا الحكيم - اختلاطات

“باركنسون”! وهنا يطول حديثي عنه وأستفيض في الكلام حتى يمل مني صديقي”شاهر”، إسم يليق بصاحبه؛ فهو على مدار اليوم يشهر عنفه في وجهي، مطلقا تحذيراته عند كل رعشة يد تنتابني أثناء تناولي قهوة الصباح بصحبته؛ لتستكين بعد ذلك وتعود إلى حالتها الطبيعية وكأن شيئا لم يكن. إنه بمثابة جرس إنذار يحوم حولي كالنحلة ويعلن حربه الشعواء على “باركنسون”. يريدني أن أدير له ظهري عند كل هجمة مكثفة تطال أطرافي، فقط كي لا يضطر إلى احتضاني واعتصاري بين ذراعيه لتهدئتي؛ فهو يمقت العناق كثيرا منذ آخر عناق له مع حبيبة غدرت به ورحلت دون كلمة. لطالما سألته عن سبب التزامه بي دون أن أسمع جوابا شافيا أو مقنعا؛ فهو في المراوغة فنان يستحق عليها جائزة كبرى، وأنا كنت أستمتع بأسلوبه الذكي للتملص من الإجابة. عملية استدراجه في الكلام من أصعب المهام التي أقوم بها. إنه بارد ومتحفظ جدا، ولولا تلك التنبيهات التي يطلقها رشا ودراكا لقمع اختلاجاتي لما سمعت له صوتا. بمكر مني كنت أبالغ أحيانا في إرتجافي ليخرج عن طوره ويسمعني صوته الذي غالبا ما يكون صراخا، ويرتمي علي لكأنه يحاول قتلي. هل ما يفعله هو رغبة دفينة في الاقتصاص من حبيبته الخائنة؟ حرت في تفسير الأمر وقررت أن أريحه من ملازمته لي، عسى ولعل يخرج من هذا النفق الضيق الذي يعيش فيه. ترى من منا نفقه أضيق من الآخر؟ أنا يسكنني المرض ويتحكم بحركتي على هواه، وهو تسكنه رغبة خفية بالقتل، ولا يجد متنفسا لها إلا عند اشتداد المرض علي. سأعفيه من هذه المهمة الصعبة وأطلق سراحه رغما عنه. قطعت يدي وجلست أنتظره، مر الوقت طويلا كطول النفق الذي يحتويني مع باركنسون، لم يأت ولم يصنع لي قهوتي، آه! أين أنت الآن يا شاهر؟ أنا في ذروة الهيجان أحتاج لتقريعك كي أهدأ. إنني أرتجف الآن وألفظ أنفاسي الأخيرة. ما كنا يوما يا “شاهر” إلا في نفق واحد وجسد واحد، هيا بنا ولندع “باركنسون” يغزو جسدا آخر.


ريتا الحكيم.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى