إبراهيم عبد المجيد - جوائز الدولة وردم البحر المتوسط

لم أكن أحب أن أتحدث في هذا الموضوع لأن من يتحدث فيه يُتهم عادة بأنه يحتاج الجائزة لنفسه، أي عاقل يعرف أن هذا الأمر لا ينطبق على لسبب بسيط أني حصلت على جائزتي التفوق والتقديرية منذ أكثر من عشر سنوات، وحصلت على جوائز عربية كبيرة ومن ثم لا غرض لي غير نفثة الغضب من هذا الإصرار على نفي مدينة الإسكندرية من جوائز الدولة الأدبية والفنية، رغم أن المدينة مزدهرة بالكتاب والفنانين وكثير منهم لهم وجودهم المصري والعربي وأحيانا العالمي أيضا.
ما حفزني للحديث في هذا الأمر هو ذلك الغضب المكتوم لبعض كتاب الإسكندرية ممن يستحقون الجوائز، لكنهم مُهملون دائما. عادة في مثل هذه الأمور يذهب الكلام إلى المصالح التي تكون وراء الجوائز أو الصداقة التي تربط بين بعض من أعضاء الهيئة العليا للجوائز، وبعض الفائزين، أو أن بعضهم يفوز بالجوائز الكبرى وهم أعضاء في الهيئة العليا نفسها، ويكون دور المرشح هو أن يخرج من القاعة ساعة التصويت، لكنني لا أنجرف وراء هذا الكلام، ولا أقلل من شأن الفائزين. هذا كله قد يثير الهواجس وتهتم به الصحافة لتسخين الجو، لكنني لا أقف عنده ولا أبخس حق أي فائز، حتى لو كان من بين الفائزين من لا قيمة حقيقية له غير منصبه وعلاقاته، فهذا لا يهمني في حديثي. سيندهش القارئ ويتساءل إذن لماذا الغضب وسأقول لكم لماذا الغضب.
جوائز الدولة التقديرية في الأداب ثلاثة وفي الفنون ثلاثة، أي ست جوائز كل عام في المجالين، ولو أخذنا السنوات العشر السابقة سنجد أن هناك ستين جائزة في المجالين. الأمر نفسه في جائزة التفوق، أي 120 جائزة في عشر سنوات. أنظر إلى أسماء الفائزين وقل لي كم أديبا من الإسكندرية من بينهم. ستجد واحدا على الأكثر في جائزة الدولة التقديرية في العشر سنين. أما في التفوق فستجد ثلاثة أو أربعة إذا لم يخني العدد. المدينة التي فيها أسماء مثل المعلم الذي لن يتكرر محمد حافظ رجب، الذي لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية ولا جائزة التفوق الذي علا عنها منذ زمن بعيد. كيف حقا لا يتذكر أحد كاتبا كان افتتاحا للتجديد في القصة القصيرة العربية في الستينيات مثل محمد حافظ رجب التي صارت مقولته «نحن جيل بلا أساتذة» علما وشعارا لجيل الستينيات. هل لأن حافظ رجب ليس له إلا مجموعات قصصية قليلة؟ وهل هي مسألة عدد. إن مجموعة « الكرة ورأس الرجل « غيرت الكتابة القصصية في مصر، وكان لها أيضا تأثير كبير في العالم العربي، لكن حافظ رجب الذي ابتعد عن الحياة الأدبية مبكرا لظروف صحية ونفسية، ولا يزال مبتعدا ويتقدم في العمر ولا هيئة من وزارة الثقافة باعتبار أنها ترى المشهد أكثر، تقوم بترشيحه في أي سنة من السنين. كيف لا يكون التجديد هو الملمح الأهم في الجوائز، خاصة أنه لم يكن تجديدا محبوسا في صاحبه، بل زلزل الحياة الأدبية وقتها، ولا يزال من يقرأ حافظ رجب يشعر بهذا الزلزال.

أي جوائز هذه التي تتغافل هذا الكاتب العظيم الذي لم يكن له أساتذة وصار أستاذا للجميع؟ وإذا تركنا المعلم حافظ رجب وذهبنا إلى أجيال تالية فلماذا حقا لا يفوز مصطفى نصر كروائي مرموق من الإسكندرية بالجائزة التقديرية، وهو الذي تم ترشيحه من أتيليه الإسكندرية أكثر من مرة. المقارنة بينه وبين بعض من فازوا بالجائزة في السنوات العشر الأخيرة تجعله يستحقها عن جدارة. وإذا تركنا مصطفى نصر إلى من هم أصغر سنا سنجد أسماء مهمة مثل علاء خالد وعبد الرحيم يوسف وماهر شريف وشعراء مجددين مثل مهاب نصر ومحمود عبد الصمد وغيرهم، ومعذرة فالأسماء كثيرة جدا، وكلهم جديرون بجائزة التفوق على الأقل. لقد فاز بجائزة التفوق هذا العام كاتبان من الإسكندرية جديران بها هما أحمد فضل شبلول وفؤاد طمان، لكن هذا لا يلغي سؤالي عن عدد الجوائز عبر السنين، ولا يردّ عليّ أحد أن كاتبين حصلا عليها هذا العام، حتى في الجوائز العلمية جاءت جامعة الإسكندرية في المرتبة الرابعة من الجوائز مع جامعة طنطا. الإسكندرية في العلوم غائبة كأنها مستوصف أو عيادة نائية في الريف، وفيها أساتذة كبار في كل مجالات العلوم. وبعضهم يستحق جائزة النيل مثل محمد عوض أستاذ العمارة العظيم. أما النقاد فليس مهما أن ينتشروا في الصحف، لكن أنظروا إلى أسماء أساتذة كبار مثل سحر حمودة وأحمد صبرة ومحمد علي الكردي وقولوا لي أين النقاد من هذه الجوائز، بل ومن خارج الجامعة مثل رشاد بلال، بل انظروا إلى النقاد من جماعة «أكوا» التي تملا الفضاء الإسكندري ثقافة وفنا ويضيق المقال عن أسمائهم، وقولوا لنا أين هم من الجوائز حتى التشجيعية للشباب منهم. إن مركزية القاهرة أمر سياسي وزهقنا منه. لقد كانت الإسكندرية وما زالت منبعا للفنون كلها، وهذا ينقلنا إلى الفن التشكيلي فأتساءل في غيظ حقيقي أين فنانون مثل عصمت داوستاشي ومصطفى عبد الوهاب وأحمد سطوحي وحامد عويس ومريم عبد العليم وأحمد شيحة وأحمد فؤاد حسن وماهر جرجس وعشرات يعرفهم العالم من هذه الجوائز كلها؟ وكم عدد من فازوا بها منهم قياسا على الأرقام التي ذكرتها للجوائز في العشر سنين؟ كم منهم فاز بجائزة تقديرية من الثلاثين عبر العشر سنوات، بل أين متخصص وباحث في الموسيقى كتب معجما ضخما للموسيقى الكلاسيكية وترجم كتبا رائعة من الجائزة التقديرية، وأعني به حسام زكريا؟ لا أحد وما أكثر ما كتبت في هذا. تحبون الإسكندرية في الصيف فقط وتتباهون بأنكم تأكلون عند محمد أحمد وقدورة ولا تذهبون إلى أتيلييه الإسكندرية لتتعرفوا على حركة الفن التشكيلي، ولا حتى تستجيبون لترشيحات الأتيليه. لم نسمع منكم شيئا عما يحدث في شواطئها ولا تراثها المعماري من خراب وتزيدون عليه بتجاهل فنانينها الكبار فخر هذا الوطن. لا يلمني أحد فالحديث حزين. حزين لي ليس لأني ابن الإسكندرية رغم حياتي التي قاربت على نصف قرن في القاهرة، ولكن لأنني أعرف المدينة وأعرف كيف كانت مركزية القاهرة، وبالا على مصر كلها. القاهرة عاصمة سياسية، ولكنها ليست عاصمة ثقافية وجل كتابها وفنانيها من خارجها، لكن يعيشون بها فاكتفت بهم كأنها عاصمة الثقافة وهي كذبة. في الإسكندرية مكتبة الإسكندرية وقصور ثقافة أنشط من غيرها وجمعيات أهلية أدبية فيها روائع من الشباب هم فقط مستغنون عن شهرة القاهرة، لكن كيف لا تذهب القاهرة إليهم. تاريخ من الانفتاح على العالم يشعر به كل من يقف على الشاطئ.
طبعا هناك مظاليم في الجوائز من كل المحافظات، لكن حديثي عن مدينة لا تقل عن القاهرة، وطبعا هناك مظاليم مثل الروائي محمد جبريل وغيره كثير، لكنني أذكركم بحديثي عن المقارنة بين عدد الجوائز في العشرة أعوام السابقة، وعدد من فازوا بها من الإسكندرية مع تقديري لكل من ظلمته الجوائز من مدن أخرى.




جوائز الدولة وردم البحر المتوسط | ابراهيم عبد المجيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى