عبد القادر وساط - بين الشاعر يزيد بن الطثرية و الأديب أحمد بوزفور -

* من الشاعر يزيد بن الطثرية إلى الأديب أحمد بوزفور
------------------------------------------------------

السلام عليك ورحمة الله تعالى وبعد،

فقد أخبرَني من أثق به أنك ذكرتَ مَشاهيرَ قُشَير في مجلس من مجالسك وأثنيتَ على شاعر من شعرائهم، هو الصمة القشيري، وأغفلتَ ذكْر أخيك يزيد بن الطثرية، مع أنه من قُشَير في الصميم.
ولستُ مع ذلك بعاتب عليك، فقد ظلمَني كثيرون قبلك. وهذا ابن سلام الجُمَحي قد وضعني في الطبقة العاشرة من فحول الإسلام، مع شعراء ثلاثة لا يبلغون شأوي، فأولهم شخصٌ هجّاء، سفّاك للدماء، يقال له مُزاحم بن الحارث العُقيلي. وثانيهم رجُلٌ متهور، يدعى أبا دواد الرؤاسيّ، لم يكن له من شاغل سوى الحروب والغارات. وثالثهم رجل مستغلق الشعر، غريب الألفاظ، يقال له القُحَيف!
وليس ابن سلام وحده مَنْ ظلمني، بل فعلَ فعله آخرون، حين نسَبوا لابن الدُّمَينة قصيدتي البائية التي اشتهرَ منها هذا البيت:
بِنَفْسي و أهلي مَنْ إذا عَرضُوا لهُ
ببعض الأذى لم يَدْر كيف يُجيبُ ونسبوا للصمة القشيري قصيدتي الدالية التي أقول فيها:
وليست عشياتُ الحِمىٰ برواجع
إليك ولكنْ خَلِّ عينيك تَدْمَعا
ومن أبياتها المشهورة:
كأنَّا خُلقنا للنوى وكأنما
حرامٌ على الأيام أنْ نَتَجمّعا
نعم أيها الأديب الأريب، لقد كنتُ صاحبَ شعر رقيق تذوب له الأفئدة، مثلما كنت صاحب غزل رفيع ومحادثة للنساء. وقد قال عني ابن خلكان، عن أبي الحسن الطوسي:" كان يزيد شاعرا مطبوعا، عاقلا فصيحا، كامل الأدب، سخيا شجاعا، وافر المروءة."
وقد بَلغَ من كرمي أني مررتُ يوما بخباء فيه نسوة، فقالت لي إحداهنّ :
- يا يزيد، أطعمنا لحماً .
فما كان مني إلا أن نحرتُ لهنّ ناقةً من إبل أخي (ثور.) وبلغ الخبرُ أخي، فأقبلَ فأخذ بشعري وشتمني، ولي في ذلك قصيدة رائية جيدة على البسيط.
وإذا كان النقاد و الشعراء لا يعترفون بمنزلتي الرفيعة في الشعر ، فإن أختي الشاعرة زينب بنت الطثرية قد أنصفتني غاية الإنصاف، و ذلك برثائها لي بَعد مقتلي يوم الفَلَج سنة ١٢٦ للهجرة.
فمما قالته في رثائي:
يَسُرُّك مظلوماً و يُرْضيك ظالماً
وكلُّ الذي حَمّلْتَهُ فهْو حاملُهْ
إذا جَدَّ عند الجدِّ أرضاك جدُّهُ
وذو باطلٍ إنْ شئتَ ألهاك باطلُهْ

وإني لأسأل الله، في ختام هذا الكتاب، ألا يلهيك باطلي، والسلام عليك ورحمة الله.

☆☆☆☆


▪︎ من احمد بوزفور الى يزيد بن الطثرية
--------------------------------------------------------------------

مرحبا صديقي (وايم الله صديقي) وعتابك على رأسي وعيني. وإذن فأنت قُشَيريّ ؟ لم أكن والله أعرف ذلك، فقد ضعفَتْ صلتنا - نحن أبناء هذا الزمن - بالأنساب، ولم نعد نهتم كما كنتم أنتم تهتمون بالقبائل والبطون والأفخاذ! وعلى أية حال، فأنا من المعجبين بشعرك وإن كنت من الجاهلين بنسبك!

والقدماء يقولون، تارة، إن أمك الطثرية من بني طثر اليمنيين، ويزعمون تارة أخرى أنها سُمّيت الطثرية لأنها كانت مولعة باستخراج الزبدة من اللبن (وطثرة اللبن هي زبدته.) أما أنا فأرجح أنها سُميت الطثرية تشبيها لها بالزبدة، وذلك لجمالها وبياضها. ولنا دليل على جمالها في جمال ابنها يزيد الذي كان يلقب (مودقا) لحسن وجهه وحلاوة حديثه. فكان إذا جلس إلى النساء وَدَقَهن، أي أمالهن إليه وجعلهن يتعلقن به.

وأما أروع ما طربتُ له في شعرك، ياصديقي الجميل، فهو صنف من الشعر أكثرتَ منه فأصبح في ديوانك ظاهرة. وفيه تُفدّي الحبيب فتُجيد ، حتى جازَ أن نسميك (يزيد المُفَدّي).

فمن تَفْدياتك البديعة قولك:
بنفسي وأهلي مَنْ إذا عَرَضوا لهُ
ببعض الأذى لم يَدْرِ كيف يجيبُ
وقولك:
بنفسيَ من لا أُخبر الناسَ باسمه
وإن حملتْ حقداً عليَّ عشائرُهْ
ومن لو جَرَتْ شحناءُ بيني وبينه
وحاورني لم أدر كيف أحاوره
وقولك:
ألاَ بأبي مَنْ قد برى الجسمَ حُبُّهُ
ومن هو مَومُوقٌ إليّ حبيبُ
وقولك:
بنفسيَ من لا يستقل بنفسه
ومن هو إن لم يحفظ اللهُ ضائعُ
فما أجمل وأدق وصفك في هذا البيت للحبيب الخجول البريء، الذي لم يُجرِّب ولم يُجرَّب، وهو في الكمّ لم يتفتق بعد.
ثم قولك:
فديتُكِ أعدائي كثيرٌ وشُقتي
بعيدٌ وأشياعي لديكِ قليلُ
وكنتُ إذا ما جئتُ جئتُ بعلة
فأفنيتُ علاتي فكيف أقولُ؟
على أن أجمل وأحلى تفدياتك عندي هي قولك:
بنفسيَ من لَوْ مَرَّ بردُ بنانه
على كبدي كانت شفاءً أناملُهْ
ومَنْ هابَني في كل شيء وهبْتُهُ
فلا هو يعطيني ولا أنا سائلُه
فهاأنذا قد أفصحتُ لك عن حبي لشعرك وتعلقي به، فهل تراني أعتبتُك أم لا يزال في نفسك شيء مني، أيها الشاعرُ المُفَدّي؟



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى