نمر سعدي - وصايا العاشق.. شعر

إهداء إليَّ

أنتِ حديقةٌ من الغيوم وأصابعي جمرٌ لا ينطفئُ I


(1)
السنبلاتُ الخُضْرُ في صدري
ونهرُ زنابقٍ حمراءَ في يدِكِ التي تهتاجُ في البلَّورِ
يا لبراءةِ العصفورِ في جسَدي
ويا لقوايَ حينَ كدمعةٍ تنهارُ فوقَ رخامِكِ الأعمى
المعذَّبِ بالندى والطينِ..
(2)
تسندُني جهنَّمُ
ترتقي عينايَ في الرؤيا اللعينةِ..
لا يضُرُّ مع اسمِكِ القمريِّ شيءٌ قَطُّ
لكنَّ الطريقَ إلى مجرَّاتِ الحنينِ يقولُ
وجهُكِ وردةٌ في القلبِ.. مشكاةٌ مُدَمَّاةٌ
وخبزي مثلُ حلمي يابسٌ
وسماءُ هاويتي بلا بابٍ لأدخلَها
وكُلُّ الغمغماتِ خفيفةٌ
وخطاكِ ليسَ ترنُّ فوقَ الماءِ
(3)
يا للماءِ حينَ يشفُّ بحرٌ في الظهيرةِ
وهوَ يصهلُ في الدماءِ كجذوةٍ صخريَّةٍ بيضاءَ
تُشعلُ رملَ ظهري الآنَ..
يا للسنبلاتِ الخُضرِ في صدري
ونهرِ زنابقٍ حمراءَ..
(4)
ضوءُ فراشةٍ ينسابُ من قدميكِ
أو من منجمِ الذهَبِ المعتَّقِ واشتباهِ الشمسِ
هذا مهرجانُ الزنجبيلِ إذن
وعرسٌ للندى الصيفيِّ ..
نومُكِ ماءُ صلصالي ونومي سروةٌ وحمامتانِ صغيرتانِ
تربِّيانِ بنفسجاً في ظلِّ تمثالٍ
فلا أدري بماذا كنتُ أحلمُ
كانَ قلبي في حوافِ الأرضِ بحريَّاً وليليَّاً
ويُشبهُ مرَّةً فزَّاعةً سوداءَ أو قمراً هلاميَّاً تخثَّرَ.. مرَّةً أخرى
(5)
بماذا كنتُ أحلمُ؟
آهِ لا أدري...
بغيركِ لستُ أحلمُ ربَّما
ويصيبني ضجرٌ من المدنِ الحديثةِ والبحارِ
يصيبني مطَرٌ خفيفٌ منكِ..
(6)
أيُّ فراشةٍ حجريَّةٍ حطَّت على عينيَّ
فانشقَّ النهارُ كزهرةٍ بريَّةٍ بيضاءَ
تحرسُ نومَ أنكيدو من الدمعِ المنافقِ
في مرايا نسوةٍ كسَّرنَ في دمهِ وصايا الملحِ
كُنَّ على طريقِ الغيمِ والريحِ العقيمِ معاً؟
وكنتِ دليلتي الأولى
وكانَ يدورُ حولَ ظلامهِ أو بئرهِ شمشونُ
يصرخُ صامتاً في الليلِ صرخةَ من يموتُ
تقصَّفتْ كفَّاهُ وهو يدُقُّ صخرَ البرزخِ العاليِ..
(7)
وقلتِ وأنتِ من وجَعِ الغناءِ
تكفكفينَ الطيرَ عن عينيَّ:
كيفَ تسيرُ في المعنى..
تهشُّ على الصدى الخاوي بغيرِ عصاكَ؟
كيفَ تكونُ بكَّاءً وأنتَ من الأثيريِّينَ؟
كيفَ تكونُ مشَّاءً ولمْ تبرَحْكَ دارتُكَ
التي أقوَتْ على الأحلامِ؟
دَعْكِ الآنَ من هذا الهباءِ
فلونُ أقواسِ الغروبِ يزيدُني حزناً بلا سَبَبٍ
(8)
أفكِّرُ بالفتاةِ الأجنبيَّةِ حينَ فاهَتْ بالشهادةِ
وهيَ تسلمُ قلبَها لنصاعةٍ في الغيمِ والمنديلِ
أو في زهرَةٍ الصُبَّارِ
كنتِ شبيهةً فيما أُحبُّ لها(لتلكَ الأجنبيَّةِ)
نخلةً وقرينةً لسمائها الأنثى
فيا لغتي استعيديني من الأنهارِ
أو من جُبِّ أورفيوسَ
كيْ أصفَ اختلاجي مرَّةً
أو أقصصَ الرؤيا على أحدٍ سوايَ
فلا يصدِّقُ ما جنَتهُ يدايَ من طَلْعِ الغبارِ
(9)
لمنْ إذنْ سأرتِّبُ الفوضى
بذوقِ أميرةٍ شرقيَّةٍ حسناءَ
تنحتُ رفرفاتِ الطائرِ الملتاعِ من فمها
ومن غيمِ القصائدِ؟
كيفَ أرسمُ قوسَ أسرابِ السنونو
في حنايا الأرضِ لا في الأفقِ
وهيَ تعودُ من أقصى الشتاءِ إليَّ؟
(10)
كيفَ يشيلُ شمسَ المريماتِ فمي
لكيْ تحمي شفاهي عندَ بابِ الليلِ؟
كانَ الليلُ جلَّاداً بلا قلبٍ ولا آذانَ
ينبحُ أنَّ خمرتهُ التي امتزَجتْ بأنهارِ الدماءِ
تحدَّرَتْ من حكمةٍ سوداءَ صالحةٍ لأنسنةِ الضباعِ...
لمن إذنْ سأهذِّبُ الايقاعَ في المعنى
ومن سأحبُّ بعدَ تقهقرِ الطوفانِ؟
(11)
أكشفُ ما اشتهى السفَّاحُ
من جَسَدي وجسمِكِ
لا أخبِّئُ من ملاءاتِ انتحابِ الكستناءِ
عليكِ غيرَ الظلِّ
يمضغُ ما تبقَّى من صراخِ الأبرياءِ ودمعهم
في رعشةِ الأسمنتِ
لا تقوى عليكِ أصابعُ الجَمرِ
التي قُدَّتْ من الأسفلتِ...
(12)
روَّضني غيابُكِ فانسلَلتِ إليَّ من مطَرٍ المراعي...
وانسحبتِ كظبيةِ النورِ الصغيرةِ من مخالبهم
تمائمُ عطرِكِ الكليِّ لوَّعتْ الذئابَ
فلا تزالُ هناكَ من آثامها تعوي
وتهوي في جحيمِكِ...
عشبةٌ في الماءِ قلبي
ليسَ تعصمها الهشاشةُ من نجومِكِ
والصدى الذاوي لصمتكِ في ورودِ الماءِ
(13)
كنتُ أضعتُ شيئاً
في هروبي من جنودِ معذِّبي..
شيئاً صغيراً منكِ لستُ الآنَ أذكرُهُ
كأني خفتُ من موجٍ يزمجرُ
قابَ قلبي كانَ
حينَ أضعتُ خاتمكِ الذي
وضعتْ ملائكةٌ على قلبي
بخفَّةِ غيمةٍ في الأقحوانِ..
(14)
وفي طريقِ البحرِ أغنيةٌ
تحثُّ دمي على الطيرانِ
لنْ أنسى فلا شَبحي هنا شَبحي
ولا سيناءُ سينائي
اعطني سبباً لأعرفَ
أنَّ ما أنا فيهِ ليسَ من التقمُّصِ
واعطني قلباً لكي أنسى
وأذهبَ في طريقِ البحرِ
(15)
أُصغي للحمامةِ وهيَ تهدلُ
في الصباحِ الشاعريِّ
كم الشتاءُ جميلٌ
الشمسُ استحمَّتْ بالذي استعصى
من الأمطارِ في النجمِ البعيدِ على النزولِ
كم الشتاءُ جميلٌ
البردُ الخفيفُ وقبَّراتُ الروحِ
ناياتُ الهديلِ المطمئنِ
قصيدةٌ عصماءُ في مدحِ الهواءِ
فراشةٌ في الماءِ أسمعها تناديني
فتمحو من شراييني صراخَ الأرضِ..
يا لرمادِ يأجوجٍ ومأجوجٍ...
(16)
أرى بدمي وأسمعُ كلَّ خفقةِ وردةٍ أو طائرٍ
أو كائنٍ أعمى تقرَّى لي يديَّ..
ولا أفكِّرُ بالظلامِ الرطبِ من حولي
وبالصدأِ النظيفِ
فما تراكمَ منهُ حولَ فمي
سيزهرُ بعدَ هذا الليلِ كالنارنجِ حولَ يدِ المدينةِ
أو يُرشُّ على صدى حوريَّةٍ كيْ تستردَّ شبابَها المنسيَّ..
(17)
هذا الليلُ هاويةٌ تزمُّ الضوءَ في قلبي
لأشرسهنَّ إحساساً..
أرى بدمي.. افتحي عينيَّ في أبهى نعاسِ الآسِ يا امرأتي
فأجنحتي مطهرَّةٌ بخمرِ يديكِ أو بالجمرِ فانتبهي
إلى شَبَهي.. فليسَ على الصليبِ سواكِ
لستُ أنا يهوذا.. لا..
فكيفَ همستِ في أذني..
وكانَ يسوعُ أصفى من بكاءِ الماسِ في روحي
وكنتِ تودِّعينَ الذكرياتِ
وتسحبينَ خطاكِ من عطرِ الندى
أبقبلةٍ سلَّمتني.. أبقبلةٍ
رقصتْ سالومي حولَ رأسي
كلَّ هذا الليلِ ضاحكةً..
وباسمي في الفراشِ زنَتْ؟
(18)
أرى عصفورةً بيضاءَ تخفقُ كالغمامةِ حولَ قلبي
حينَ يبكي الشوكُ في عينيَّ تبسمُ لي فأبسمُ
كلَّما تصحو شراييني تعمِّدها بدمعِ الخَلِّ...
ترشدُها إلى ضوءِ المدامةِ في الندامةِ...
لم يقلْ شبَهي أتعرفني؟
ولمْ أجبْ الظلامَ بلا ولا نعَمٍ..
علامَ يصيحُ هذا الديكُ
فوقَ نوافذ الفجرِ الأخيرِ إذنْ؟
(19)
تعذِّبني بنفسجةُ الصباحِ
وما تساقطَ من سماءِ يديكِ
من رُطبٍ ومن عنبٍ ومن صخبٍ يعذِّبني..
تعذِّبني أنوثتُكِ التي استعصتْ على التوصيفِ..
يُفحمني نبيذكُ كلَّما قايضتهُ بالماءِ
هل من أجلِ هذا تقتفي شفتيكِ أقبيتي
وجمرُ أصابعي ما زالَ يلمعُ فيكِ؟
(20)
موسيقا تقطِّرُ لي هواءً عمرُهُ عمرُ النجومِ
تنفَّستهُ العاشقاتُ المرهقاتُ من اكتمالِ هلالهنَّ
زليخةُ الأولى وما قبلَ الأخيرةِ.. ريمُ.. بلقيسُ.. اليمامةُ.. روضُ.. ليلى العامريَّةُ.. وردُ.. لبنى.. بثنةُ البيضاءُ.. عفراءُ.. المنى.. هندُ.. السماءُ.. وكليوبترا.. دعدُ.. حتشبسوتُ.. فاطمةُ التي امتصَّت نحيبَ الماءِ.. لارا الفارسيةُ..
(21)
آهِ موسيقا وموسيقا وموسيقا
وأزهارُ النجومِ مريضةٌ سرعانَ ما تذوي
وتتركُ خيطَ كحلٍ في الفضاءِ الخارجيِّ لبؤبؤيكِ...
(22)
يمرُّ بي شخصٌ غريبُ الحزنِ
يقضمُ نجمةً فمُهُ
يقولُ: هناكَ يجتمعانِ عاشقةٌ ومعشوقٌ
ويأتلفانِ في زوجَيْ حمامٍ طيِّبينِ على شفاهِ النهرِ في الملكوتِ..
(23)
قُدَّتْ خمرةٌ حمراءُ من حجَرٍ لتشرَخَ جسمَ مرآةِ الزمانِ اللولبيَّةِ
(24)
قلتُ للعرَّافةِ انتظري لأكبرَ
واقرئي كفِّي على مهَلٍ
ولكن لا تقولي لي الحقيقةَ فهيَ موجعةٌ
وقلبي الآنَ لا يقوى على التصديقِ
والرؤيا ستحرقني إذا كذَّبتُ..
(25)
حلَّقَ طائرٌ بيديَّ بعثرَني
فقلتُ لسندبادِ الريحِ لملِمْني
وخذ قَلقي الذي ربَّتهُ زرقاءُ اليمامةِ
منذُ كانَ الكونُ رهنَ فقاعةٍ زرقاءَ مثلَ الحبِّ
(26)
كانَ الحبُّ أزرقَ..
كانَ صوتُ الحبِّ في جسدي المسرنمِ
غيمةً زرقاءَ أغفَت في سريرِ الحبِّ
(27)
هل بشريَّةٌ في غابةِ الأسفلتِ هذي الأقحوانةُ؟
ربَّما... أو ربَّما هيَ ما أريدُ من المكانِ
ومن حنينيَ وهو يجهشُ في رمالِ يديَّ من تعَبٍ
كأني لستُ أعرفُها سوى بيديَّ
كانت أمسِ في هذا المكانِ صغيرةً
ومريضةً بالعشقِ أو صخبِ الصباحِ الساحليِّ
وحينَ تبكي أسمعُ البحرَ القريبَ يئنُّ
ثمَّ يصبُّ فيها ظلُّ ناطحةِ السحابِ المرمريُّ..
الأقحوانُ الآدميُّ الساحليُّ سدىً توعَّدني.. وهدَّدني
ونمتُ أنا ولم يمُتْ اشتهاءُ الأقحوانِ
هنا القطاراتُ السريعةُ حوَّلتهُ إلى رمادٍ داكنٍ
للذكرياتِ وللخطى والبحْرِ
(28)
أجملُ هؤلاءِ الفتيةِ الغاوينَ ذاتَ بنفسجٍ وضحىً
سيمضي مفرداً من غيرِ أن تنسى معارجُ قلبهِ الفضيَّةُ الأضواءِ
كيفَ قصيدةٌ في الصبحِ توجعها كشوكةِ نبتةِ الصُبَّارِ في حُلُمٍ..
سيذهبُ في الندى من غيرِ أن يُلوي إلى امرأةٍ ولا بلدٍ
ويأخذُ ما تراكمَ من ثرى نيسانهِ الحافي على عينيهِ
أو أثرَ الزهورِ بغيرِ معنى اللوزِ والدفلى.. ولا ينسى
مذاقَ الذنبِ في تفَّاحةِ النسيانِ
أجملُ أشقياءِ الماءِ
يحملُ صبحَهُ الغافي ويذهبُ في سديمِ ربيعهِ الأرضيِّ
يا لنحيبهِ الضوئيِّ
يا لصدى حفيفِ خطاهُ في رؤياهُ
وهوَ يفيضُ من طينِ العظامِ
ومن مراثي الحبِّ
يا للحبِّ منتصراً على قلقي الذي
ما أنضجتهُ النارُ وهيَ تروِّضُ الدمَ بالفراغِ وبالنيونِ
(29)
تقوِّمُ امرأةٌ سدىً ضلعي
وتسألني: ألستَ تحسُّ حينَ تمسَّني كمجرَّةٍ ثلجيَّةٍ
ذئبينِ يقتتلانِ حولَ حطامِ مسكِ الظبيةِ الناريِّ
أو بحرينِ يشتعلانِ في أطرافِ قلبكَ أو ظنونكَ؟
لستُ أدري الآنَ يا حوَّاءُ..
ثمَّ تقولُ أخرى: كَمْ أطَلْتُ شريعةَ التحديقِ في المرآةِ..
كنتُ ألمِّعُ النمشَ الخفيفَ النرجسيَّ
وأعشقُ الوجهَ الغريبَ
يلوحُ في وجهي ويذهبُ في السرابِ
وعندما انطفأتْ شموعُ الليلِ من حولي
أفقتُ.. ركضتُ في حلمي إلى المرآةِ
لكن في الحقيقةِ لم أجدْ وجهي
ولم أتذكَّرْ الأشياءَ...
أذكرُ أنَّ أزهارَ التفاصيلِ الصغيرةِ في دمي
كانت تشبُّ بغيرِ ريحٍ ثمَّ تنطفئُ..
الرمادَ بقوسهِ الأعمى
يغطِّي زهرةَ الرمَّانِ في قلبي
وأذكرُ أنَّ ديكَ الجنِّ كانَ بكأسِ فخَّارٍ يطوفُ عليَّ
ثمَّ يشُمُّ ماءَ النهرِ فيَّ كنجمةٍ عطشى
ارتمتْ في الشمسِ من أعلى اشتهاءاتي
الغريبُ الآنَ ديكُ الجنِّ
يشربُ خمرتي الفصحى ولا ترويهِ
ثمَّ يقولُ كانتْ ها هنا في الأمسِ خمرةُ وردَ
كانتْ وردُ جرحَ دمي
صليبي في ظلامِ البردْ
(30)
من سلَّ من يدها نهرَ النحيبِ ومن
أضحى يقايضُ عينيها بنوَّارِ؟
ومن أزاحَ محاراتِ البنفسجِ عن
ضفيرةٍ خُلقتْ من موجِ عشتارِ؟
حتى أصابعُها ذابتْ على شفةٍ
من الرمادِ تشهَّتْ خمرَها الجاري
الفلُّ والمسكُ معجونانِ في جسدٍ
بسمِّ أفعى.. وبالزرنيخِ والقارِ
والحامضُ الأنثويُّ الرخصُ يلمعُ في
صلصالِ قلبي وفي آجرِّ فخَّاري
جعلتُ منهُ دمي.. إكسيرَ هاويتي
عبَّادَ شمسي.. نبيذي.. سرَّ أسراري
وردُ التي سيَّجت روحي زنابقُها
البيضاءُ تحرسُ أنهاري وأزهاري
بالحبِّ تطفئُ عينَ الذئبِ حوليَ أو
تحمي فراشةَ إدلاجي وإبكاري
بالبحرِ تغلقُ عينيها وتفتحُ لي
قلبي الذي كانَ شبَّاكاً على النارِ
من قالَ إني سأنساها بأغنيةٍ
يوماً.. وأهدي إلى تروبادورَ جيتاري؟
(31)
أخرجتُ قلبي كسمكةٍ صغيرةٍ من النهرِ وأسكنتهُ قلبَ المحيطِ
هذهِ حالةٌ ليستَ ملتبسةً بقدرِ ما تظنِّينَ
فلماذا تريدينَ أن أفسِّرها لكِ أكثرَ
فأنا أستطيعُ أن أقولَ لكِ على سبيلِ المجازِ
كم أحبُّ الموسيقى المغربية مثلاً ولكن لا أستطيعُ وصفَ النرفانا
التي تسبِّبها لي.. فكلما أردتُ الكلامَ تتساقطُ الكلماتُ مني كالقُبَلِ الهاربةْ
(32)
التآويلُ تنسابُ من ليلهِ
كبكاءِ البحيرةِ في زمهريرِ الغوايةِ
تنسابُ من قلبهِ كدموعِ الندى الذهبيَّةِ
تضفرُ تاجاً لهُ من أصابعِ نسوتهِ ومن الشوكِ
لا يتهجَّاهُ ماءٌ جريحٌ ولا تتمرأى بصلصالهِ فتنةُ الذاهبينَ
وتسندُ أضلاعَهُ نقطةٌ من غبارِ الحنينِ
بلا شهوةٍ كانَ يحلمُ أسفلَ نهرِ اليقينِ
وكانَ الظلامُ بلا رغوةٍ.. يتقرَّاهُ بالعينِ
ثمَّ يقولُ: النهاراتُ سوداءُ سوداءُ
بي ثعلبٌ يتربَّصُ بالعنبِ الأنثويِّ وبالهندباءِ
ويشبهُ كافكا كثيراً
ويقضمُ تفاحةَ القلبِ حتى يضيءَ لحوَّاءَ جسمي
كبرقِ ارتطامِ نجومِ مجرَّةَ آدمَ
بي ثعلبٌ أزرقُ الريشِ لا ينتهي
وبها عنبٌ طافرٌ.. ساهرٌ في الظهيرةِ أو دامعُ النارِ
لا يقتفي أثري في السرابِ ولا يحتويني...
كأني بصورتها تحفرُ الآنَ في القلبِ
سوسنةً وينابيعَ عطشى ومحمومةً
وكأني غريبُ نداءاتها
في سماءِ البلادِ البعيدةِ أو برزخِ التيهِ...
كيسُ الغبارِ على كاهلِ الهوملسِ المتشرِّدِ
في جنَّةِ اللهِ أو في سدومَ
وحلمي على كاهلي
وأصابعُ نارنجةٍ أسرجتْ ليلَ قلبي بعينيَّ
أو بدموعِ الورودِ
كأني بصورتها شربتْ قمراً من وريدي...
ويوغلُ في الريحِ
يسكنُ في نجمة لا تضيءُ
ولا نأمةٌ في المياهِ
ولا قبلةٌ في الشفاهِ تربِّي حقولَ الندى
حولَ ثغرِ الحبيبةِ هذا الصباحَ
سوايَ أنا وشبيهي الذي في نهاراتِ آبَ
المواويلُ تنسابُ من قلبهِ كخطايا النساءِ
وليسَ سوى روحهِ في المرايا
وليسَ سوى جسمهِ في سفرجلةِ الليلِ
أو في رؤى النائمينَ
ولستُ أسمِّيهِ شمسي
وليسَ يعلِّمني الحبَّ والطيرانَ العموديَّ والشِعرَ
أو ما تقولُ الطيورُ الحنونةُ للغائبينَ
ولكن يغطِّي بمثلِ اليبابِ الحليبيِّ عينيَّ حتى المحارِ
لكَيْ لا أروِّي التفاصيلَ إلاَّ شرودَ الاشارةِ
منتبذاً بالظهيرةِ ركناً قصيَّاً
أتمِّمُ نقصانَ رغبةِ أنثى الرخامِ بحمَّى الحياةِ الخفيفةِ
أو أتنادى مع العبثِ المتهالكِ
ليتَ يدي قصفةٌ من شقائقَ منهوبةٍ
لتمسَّ حرائقَ تلكَ البلادِ المطيرةِ في امرأةِ اللازوردِ..
وليتَ فمي خفقةُ الأقحوانةِ تحتَ الركامِ
ويا ليتني لا أخيطُ اشتهاءَكِ
أيتها المرأةُ الافتراضيةُ القلبِ
إلا بعاطفةٍ ليسَ تغري وعولَ خطاكِ الصغيرةَ
يا ليتني لا أقيسُ خواءَكِ في مدنِ التيهِ
إلا بقلبي ووخزِ الهواءِ على بابِ نيسانَ
أحنى الشهورِ عليَّ
وأقسى على الآخرينَ من الموتِ
يا ليتني لا أجيدُ من الشعرِ غيرَ الرثاءِ
لأنهى إرمياءَ عنكِ وعمَّا يحمحمُ
ملءَ بنفسجةِ الماءِ والنارِ في جسمكِ الآنَ
(33)
لا ريبَ في فضَّةِ الغيبِ
أهجسُ أو أتنفَّسُ عطرَ خطاياكِ
لكنني لا أقولُ:
جمالُكِ لم يكُ عبئاً عليَّ
ولم أكُ يوما نبيَّاً ولا شاعراً
قد تركتُ مسيلمةً خلفَ صيفِ الخباءِ المقبَّبِ
بينا سجاحُ كعاصفةِ العطرِ تهتاجُ
خلفَ الحجابِ زنابقُها العصبيَّةُ..
لم أكُ يوماً شقيَّاً
ولكنَّ هذا النهارَ الذي اخضرَّ من دونِ عينيكِ
أورثني حَجَراً مالحاً أسفلَ القلبِ
علَّمني كيفَ أهدي الهباءَ مراثيكِ
وهو يسدِّدُ في البنكِ فاتورةً للبكاءِ
(34)
الآنَ لا قلبي قرنفلةٌ ولا عينايَ نرجستانِ ظامئتانِ
لا نزَقي رماديٌّ
ولا حبَقي حياديٌّ
حملتُ خطايَ واستنْبَتُّ عاطفتي من الصُبَّارِ..
كانَ أخي يقولُ:
احملْ حصى الحَبَّارِ واذهبْ في الخريفِ
ولا تربِّي الزهرةَ الصفراءَ وهيَ تشفُّ
أسفلَ كاحلِ امرأةِ الندى والنارِ
واقطفْ جمرَها بيديكَ..
لا قلبي قرنفلةٌ سيحتشدُ الترابُ بها
يقولُ ليَ الغريبُ:
النسوةُ اللائي انسكبنَ الآنَ في الزبدِ
انحلَلْنَ كرغوةِ الصابونِ في جسدي
تقولُ ليَ الفراشةُ:
خُذْ سماءَ الكحلِ عن صلصالِ أجنحتي
يقولُ ليَ النهارُ: اذهبْ
نصاعةُ ليلكَ انحازتْ إلى
ما يُرشدُ الطيرَ المهاجرَ فيكَ للفردوسِ...
يحتشدُ السرابُ الآنَ بي
ويقولُ لي: كلَّا
احترسْ من كلِّ من سمَّيتَ قبضةَ شوكها فُلَّا
انتبه من قوسها الأعمى فلستَ لسهمها وعلا
لتنهشَكَ النجومُ المستريبةُ
والتي مُسخَتْ ذئاباً أو كلاباً..
لستُ أدري يا غريبةُ
ما الذي مُسختْ نجومُ نهاريَ الفضيَّةُ
الأفعى ترقِّصُ ألفَ حوَّاءٍ
وأنتِ ترقِّصينَ بسحركِ الأفعى كأنَّكِ أمُّها
أو كلَّما انهارتْ قوايَ
تشيِّدينَ ليَ التماثيلَ المعذَّبةَ الجريحةَ
وهيَ تُذهلُ عن خطايا مائهِ النعناعَ
أو تتجمَّعينَ كشهوةِ النُقطِ الأخيرةِ في مرايا الوردِ
لا شفتايَ رملٌ حينَ يصحو الطيرُ
من قلقي المصفَّى بالقصائدِ والنعاسِ
ولا يدايَ بحيرتانِ صغيرتانِ تهدهدانِ
سفينةً بيضاءَ كي تغفو..
ولا وتري وريدي
(35)
كيفَ منكِ سأشفى
إذا اعتلَّ صيفي بأنفاسكِ البيضِ؟
كيفَ أكفكفُ عن شفتيَّ طيورَ القُبَلْ
وهيَ في القلبِ ليلاً تلوبُ
تدلُّ رمادَ الحنينِ على كرنفالِ الغزَلْ؟
كيفَ أقبضُ بالمقلتينِ على نفَسِ الشِعرِ
واللحظاتِ التي احترقتْ مثلَ خفقِ الفراشاتِ
في قبضةِ العنكبوتِ؟
وكيفَ أربِّي على الدمعِ وردَ الأملْ؟
قيلَ لي أنَّ صلصالَكِ المتأنِّقَ قادَ دمي
والمجازَ الحليبيَّ يوماً إلى رغبةٍ لا تصلْ
وبأنَّ أساطيرَكِ العذبةَ العربيَّةَ
محشوَّةٌ بالأكاذيبِ أو بالرمالِ..
وأنَّ ارتعاشاتِ نجمتكِ الذهبيَّةِ لا تُختزَلْ
فرَّ من مخلبي مسكُ ظبيتكِ المتنصِّلُ
من حبَقِ الشهوةِ البكرِ أو من لهيبِ العسَلْ
لم أزلْ ذئبَكِ الطفلَ..
والنسوةُ الأخرياتْ
يكبِّلنَ خاصرتي بالأفاعي
وعينيَّ بالصمتِ والكحلِ والأغنياتْ
(36)
لحظةٌ كفقاعةِ شمسٍ
على شرفةٍ في صباحاتِ حيفا
ورائحةُ امرأةٍ جرَّرتْ
كوكباً تائباً من أقاصي الكاريبيِّ
ترمي لهُ بفتاتِ الندى ومحارِ الرئةْ
إذنْ لحظةٌ وامرأةْ
هيَ من نسلِ حوريَّةٍ هجرتْ جنَّةً مرجأةْ
رغمَ كلِّ الشتاءاتِ
رغمَ البروقِ التي لـمَّعتْ خوذةَ الصيفِ
رغمَ السنينِ وكلِّ النساءِ
وكلَّ المياهِ الفقيرةِ
تلكَ التي رقصتْ تحتَ قنطرةِ القلبِ
ما زالتا تشعلانِ السهامَ الصغيرةَ
كي يستضيءَ بحبِّي كيوبيدُ
في ليلِ أعضائيَ المطفأةْ
لحظةٌ ليسَ تُنسى.. وعطرُ امرأةْ
منذُ عشرينَ عاماً تظلِّلني شمسُها
من غيومٍ رماديَّةٍ صدئةْ
(37)
قالَ رمبو لها بعضَ ما لم أقلهُ مجازاً
أعلِّلُ نفسي
ولكنها نزوةُ الشِعرِ والصعلكة
في سماءِ العبيدِ الخفيضةِ:
لا تتبعيني إلى جنَّتي
آهِ يا إريكا
وردةٌ ليلكةْ
في دمائكِ تهتاجُ من دونِ ليلٍ
ويجتاحها زبدٌ من حليبٍ وشهدٍ وماءٍ
وخبطُ فراشاتها المنهكةْ
مُتعبٌ أنا هذا الصباحَ بحزني
فلا ترسليني إلى حربِكِ الرقميَّةِ
لا تسلمي ضحكةَ الأقحوانةِ للتهلكةْ
(38)
هل كانَ تيدُ هيوزَ مجنوناً ليعشقَ غيرَها؟
وهيَ التي تلتاعُ في فمها المضرَّجِ بالزنابقِ
ضحكةُ الضوءِ الشفيفةُ
ثمَّ تلبسُ نهرَها
ونسيتُ تيدَ هيوزَ هذا اليومَ ثمَّ غفوتُ
لكن لم أجدْ في مرتقى قيلولتي أحداً سواها
يحرسُ الإيقاعَ من خطواتها الزرقاءِ
كانَ هناكَ عنترةُ بن شدَّادٍ
يروِّضُ رغبةَ النعناعِ في المنفى
ويأخذها الى قمَرٍ كنصفِ الشمسِ من يدها
وكانَ بقبلةٍ حرَّى يطوِّقُ خصرَها
(39)
مرَّةً حينَ لم يكن القلبُ أكبرَ من وجعِ الحبِّ
أمَّارةً بالتباريحِ كانتْ يدايَ وكانتْ حبالُ الظنونْ
أرقُّ عليها قليلاً
وكانَ المشرَّدُ في الشارعِ العامِّ يرنو إليَّ ولا يتكلَّمُ..
فيما عصافيرُ روحي تسقسقُ حولَ صدى امرأةٍ
من أقاصي الحنينْ
لم أكنْ عاشقاً مرَّةً مثلما الآنَ
لكنَّ هذي الحياةَ افتراضيةٌ
والرسائلُ مكتوبةٌ في الهواءِ ومختومةٌ بالأنينْ
تُرى كنتُ أحلمُ؟
ليسَ سوى الليلِ ينقرُ ماءَ النوافذِ
ليسَ سوى قُبَلٍ افتراضيةٍ يتابدلهاُ العابرونْ
(40)
سأتركُ ظلِّي ورائي
وأنحلُّ في صخَبٍ مُتعبٍ وهدوءٍ جميلٍ
كما تتفتَّحُ عينا خلاسيَّةٍ
عبرَتْ كالقطاةِ بقربي
على عزلةِ الوردةِ المرجأةْ
يدُها الأنثويةُ في كلِّ شيءٍ
تؤثِّثُ نعناعَها بالندى
يدُها مثلُ شمَّاعةِ القلبِ
في اليمِّ أو في أعالي جبالِ الثلوجِ البعيدةِ
راحتْ تضيءُ بغيرِ احتراقٍ
دمي وكواكبَهُ المطفأةْ
الصباحاتُ عاديَّةٌ كالنعاسِ الخفيفِ
المطعَّمِ بالزنجبيلِ وبالقهوةِ العربيَّةِ
بينا الطيورُ رماديَّةٌ
وأنا لم أكن شاعراً مرَّةً
كي تراودني عن شفاهي القصائدُ هذا الصباحَ
فهل فاشلاً كنتُ في كلِّ شيءٍ؟
وهل لم تكوني حقيقيَّةً مرَّةً يا امرأةْ؟

قصيدةٌ كُتبتْ من كانون ثاني حتى أيَّار 2014
*********




مزامير لحبق أيلول II





قصيدةُ نرسيس


آهِ نرسيسُ.. نرسيسُ كمْ يا صغيري تعذَّبتَ؟
كم دوَّختكَ الرؤى؟
كم حلمتَ بأخرى سوى إريكا
(بشبيهتها أو وصيفتها مثلاً)؟
كم تمرَّغتَ في نجمةٍ لا تضيءُ
قلوبَ المحبِّينَ إلا بعاطفةٍ من رمادٍ وطينٍ؟
كم النسوةُ المرهقاتُ من الحبِّ
سيَّجنَ وجهكَ بالاشتهاءِ البريءِ
لتعشقَهُ ما حييتَ وتشقى بهِ؟
وجهُكَ الآنَ قد ضاعَ منكَ
بلا ندَمٍ في البحيرةِ أو في خطايا المرايا؟
وفي عامِ ألفينِ.. في شهرِ يونيو
هناكَ.. نسيتُ مكانَ التقائكما
(ربمَّا كانَ في مطعمٍ صاخبٍ في نهاياتِ حيفا)
أصابعُ قلبكَ ذابتْ على حجرٍ
آهِ نرسيسُ كم قلتَ لي ببكاءِ الطيورِ الأليفةِ..
من فمها المتوِّغل في وردةِ الحبِّ أو حطبِ المعصيةْ
على بعدِ مليونِ عامٍ تذوَّقتُ أنفاسَها حينما
اختلطتْ بالنبيذِ المكثَّفِ أو بالحليبِ
إلى آخرِ الليلِ والأغنيةْ؟
*****

شاعر يتمرأى بعينيكِ


كمن يتقرَّى النسيمَ بعينيهِ
أو يتنزَّلُ من غيمةٍ يبسَتْ في الأعالي
تحسَّسْتُ ظلَّكِ حتى أرى قمَراً
ليسَ يُرشدُ فاكهةَ الصيفِ فيكِ إليَّ
كمن يتمرأى بعينيكِ أُهرقُ تيجانَ فلِّكِ
في عطَشِ الكأسِ
أمشي على هديِ نوَّاركِ العذبِ..
أهجسُ ما ستقولينَ لي
بعدَ ليلِ حزيرانَ عن مرَضِ الحُبِّ؟
أو عن أصابعَ مثلَ زهورٍ خلاسيَّةٍ
في حدائقَ ليليَّةٍ ليسَ تبكي إلى الصبحِ إلاَّ لأجلكِ؟
بعدي حزيرانُ سوفَ يظلُّ وفيَّاً لعشَّاقهِ
منذُ أقصى القرونِ
كما كانَ قبلَكِ.
*****

رميةٌ عبثيَّةٌ للنرد


الذكرياتُ تلحُّ من كلِّ الجهاتِ عليَّ
من أقصى السماءِ ومن قرارةِ موجةٍ في القلبِ
من قمرٍ نهاريٍّ ومن شمسٍ بتبريزَ القديمةِ
من وصايا خمرةٍ فصحى ومن أسوارِ خيبرَ
كلُّ أحلامِ الفراغِ تلحُّ
أسرارُ التشبُّثِّ بالحياةِ
قصائدُ انحسَرَتْ - كفستانٍ يغطِّي ركبةً بيضاءَ -
عن قلبي الذي شطرتهُ أجنحةُ الفراشةِ
كي تصيرَ خميرةً بصريَّةً ألواحُ عاطفتي
وكي أنسى هشاشةَ ذلكَ المطرِ المسائيِّ
التأمَّلَ فيهِ أو فيما يذوبُ من التبسُّمِ
حولَ شمعِ الدمعِ...
كانت شمسُ تبريزَ الصغيرةُ
والمرصَّعةُ الخطى بالماسِ تلهو بي
وبينَ يديَّ بحرٌ من برابرةٍ
وفي مرمى الطيورِ قصيدةٌ زرقاءُ
كانت لا تلوِّحُ لي كأيِّ حمامةٍ
بل تختفي في هيئةِ امرأةٍ
وترفعُ خلفَ ظهري سورَ خيبرَ
ثمَّ تكتبُ لي على شفتيَّ
تلكَ حياتُكَ افعلْ ما تشاءُ بها
فمثلُ قصيدةٍ هيَ...
رميةٌ عمياءُ أو عبثيَّةٌ للنردْ.
******

فراشةٌ لحزنِ إمرئِ القيس


بكت عينُها والذكرياتُ تحيلها
فراشةَ ضوءٍ في الظلامِ ومرمرا
اذا ما شفاهُ القلبِ ذاقتْ دموعَها
يطيرُ حمامُ الماءِ من قبضةِ الثرى
فقلتُ لها لا تبكِ عينُكِ إنما
نحاولُ حُبَّاً أو نموتَ فنُعذرا
على الروحِ من حلمِ السرابِ غشاوةٌ
بغيرِ دمي الليليِّ شمسَكِ لا أرى
ولستُ أربِّي نجمةً ساحليَّةً
بحيفايَ إلاَّ بالحنينِ أو السرى
******

مساءٌ سرياليٌّ أخير


تشُمُّ الفراشاتُ عن بعدِ ألفِ سماءٍ دمي
كالكلابِ الشريدةِ أو كالبعوضِ
تجسُّ ارتعاشاتِ قلبي وتدخلُ مجرى النَفَسْ
كنتُ أحلمُ في شرفةِ البحرِ هذا المساءَ الأخيرَ
بأشياءَ سريَّةٍ وبحوَّاءِ في جنَّةٍ
خلفَ هذي السماءِ المصابةِ بالصمتِ والطائراتِ
وإسمنتِ أيامنا المتحرِّقِ
لا.. لستُ أحلمُ كنتُ أموتُ على شرفةِ البحرِ وحدي
وما زالَ بي رمقٌ من ترابٍ
ومازالَ بي شبقٌ للحياةِ..
ولا.. لستُ أحلمُ
إنَّ الحقيقةَ ليستْ تُقالُ
وحوَّاءَ ليستْ تُنالُ
ولستُ أُفرِّقُ ما بينَ خطوِ الحبيبةِ
حينَ تجيءُ.. وخطوِ العسَسْ
بحرُ عينيَّ صارَ رماداً مسجَّىً
على شرفتي بدلَ الوردِ
يذروهُ هذا البعوضُ المفخَّخُ بالعطَشِ المفترسْ
وبالأيدولوجيا التي انتحرتْ فوقَ أسوارِ خيبرَ..
أو بُعثَتْ في المساءِ الأخيرِ
كأنَّ دمي لا يزالُ طريدةَ هذي الكلابِ
وهذا البعوضِ النَجسْ.
*******

رسالة


أيُّها القمَرُ الأزرقُ المورقُ العاشقُ السامقُ
السرمديُّ الجليُّ الصقيلُ الجميلُ
المعذَّبُ من دونِ حبٍّ
إذا عشتَ حتى الصباحِ
فقل لابنتيَّ بأني سأرجعُ عندَ الغروبِ
ولامرأتي أنني لم أمُتْ أبداً في النهارٍ القصيرِ
ولكنني إذ أُصبتُ بطلقٍ عوى في الضلوعِ
غفوتُ على غيمةٍ من رذاذِ الأقاحْ.
******

طواحينُ الهواءِ الطيِّبة


لم أكنْ أعرفُ يا دون كيشوت
أنَّ محاربتكَ لطواحينِ الهواءِ في الأمسِ
تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ
تنقيتي غيرَ المجديةِ لهذهِ الحياةِ من السَفَلَةْ
فهم يتناسلونَ بكثرةٍ غريبةٍ
حتى من ذرَّاتِ الغبارِ وأدخنةِ الشوارعِ الصدئة
الفرقُ الوحيدُ بيننا أنَّكَ لم تنهزمْ
في معركتكَ ضدَّ طواحينِ الهواءِ التي كانت
طيِّبةً جداً معكَ
بينما أنا في كلِّ لحظةٍ أتعثَّرُ بوغدٍ لا وزنَ لهُ ولا لونَ
يتسلَّى بصلبِ مدينتي الفاضلةْ.
*******

خَرَز ملوَّن


ستؤلِّبينَ عليَّ جمرَ الماءِ
في جيتارةِ الغجريِّ أو أنشودةِ السيَّابِ
ماذا جئتَ تحملُ في المساءِ
إليَّ من خرزٍ يلوِّنهُ الهباءُ؟
ومن صدى قمرٍ تعذِّبهُ ارتعاشاتُ النيونْ؟
*******

تلزمُني أصابعُ كي أمسَّكِ


زيَّنتِ بهتانَ الندامةِ لي كأيِّ مُراهقٍ نَزِقٍ
أحبَّ بقلبٍ عصفورٍ تمرَّدَ
فانجرَرتُ وراءَ خطوكِ من جنانِ اللهِ...
تلزمُني أصابعُ كي أمسَّكِ في أقاصي البرقِ
تلزمُني لغاتٌ كي أقولَكِ
واشتهاءٌ كي أراكِ حقيقةً في لحظةٍ عمياءِ
يلزمُني فمٌ كالوردةِ السحريَّةِ البيضاءِ
فوقَ قميصكِ الورديِّ كي أنهى القصائدَ عنكِ
أو أصفَ الرذاذَ الحلوَ..
حبرُ رسائلِ العشَّاقِ يلزمُني.. وبحرٌ نائمٌ
ويدٌ لأخلعَ عن دمي أجراسَ دمعكِ
حينَ تُعولُ في الجسَدْ.
*******

كن لها قمَرَاً وساقيةً


لا وقتَ لي لأموتَ في هذا المساءِ الشاعريِّ
كموتِ أيِّ فراشةٍ صفراءِ في نارِ الظلامِ
فسنبلاتُ الصبحِ تخفقُ في انتظاري الآنَ
حقلُ الفُلِّ ينبضُ لي ويهمسُ: كن لها قمَرَاً وساقيةً
فكلُّ حبيبةٍ قُتلتْ
على بابِ السماءِ الآنَ تغفو في انتظارِ حبيبها
ما في نهارِ الحربِ متسَّعٌ لبعضِ الحبِّ.. لا
لا وقتَ لي لأموتَ فانتظروا إلى
أن ينتهي مني الحنينُ إلى بلادٍ لم أزرها بعدُ
وانتظروا إلى أن أعشقَ امرأةً لتنجبني
وكيْ أنهي مزاميري على مهَلٍ
وأفرغَ من تفاصيلِ التشبُّثِّ بالأنوثةِ
آهِ لا تتعجَّلوا..انتظروا قليلاً
ريثما يرثُ الهباءُ بوردتينِ صغيرتينِ فضاءَ روحي..
ريثما أشفى من الشوقِ المخرَّمِ بالنجومِ البرزخيَّةِ
في سماءِ الصيفِ.. أو شفقِ الغبارِ.
*******

زهرةٌ مقمرةْ


دمٌ ذاكَ أم زهرةٌ مقمرةْ
في مناقيرِ أحلى يتامى العصافيرِ
أو في أكفِّ الصغارِ الذينَ
بأعجوبةٍ قد نجوا من براثنَ سوداءَ.. عمياءَ
للعنكبوتِ الحديديِّ في البحرِ والمرتقى الجبليِّ؟
دمٌ ذاكَ أم زهرةٌ مقمرةْ
في النهارِ وفي آخرِ الليلِ
حولَ شفاهِ النساءِ الوحيداتِ
أو خلفَ أذنِ ابنةِ العاشرةْ؟
دمٌ ذاكَ أم سائلٌ قرمزيٌّ
خفيٌّ يسيلُ من الأبنيةْ؟
دمٌ ذاكَ أم لونُ ما تنزفُ الأغنيةْ
أسفلَ القلبِ وهيَ ترفرفُ
مثلَ الحمامِ على الأقبيةْ؟
دمٌ لا يُمَّسْ
دمٌ كالنَفَسْ
دمٌ ذاكَ أم رغبةٌ مقفرةْ؟
دمٌ لا يُشيرُ إلى المجزرةْ
بأصابعَ بيضاءَ من دونِ سوءٍ
ولا بفمٍ يطلبُ المغفرةْ
دمٌ ذاكَ؟!
لا بل ندى زهرةٍ مقمرةْ.
*******

وصيَّة


بعينهِ قالَ الغريبُ لزوجتهِ
عندما حلَّقتْ معهُ في الصباحِ الأخيرِ
خذيني إلى حيثما اشتعلَتْ
يدُكِ الذهبيَّةُ بالنرجسِ الساحليِّ
إلى حيثما انطفأتْ شمسُ عينيكِ
في وضَحِ الحبِّ شوقاً إليَّ
لأبصرَ شمسي
بقلبي وعينيكِ...
آهٍ خذيني إلى قمَرٍ
كانَ يسكنُ في الصيفِ بيتي
الذي ماتَ أيضاً بلا أيِّ ذنبٍ
خذيني إلى ساحلِ البحرِ
كيْ لا أموتَ سدىً
من يديَّ وعينيَّ يا زوجتي
قبلَ أن يستبدَّ الغبارُ برأسي
يدُكِ الزنبقيَّةُ متَّكأٌ لفمٍ ضائعٍ
وشفاهُكِ كأسي.
**********

ليتَ الفتى حَجَرٌ


يكفي جمالَكِ أن يبكي بدمعِ نبي
بقدرِ ما فيَّ من حزنٍ بلا سبَبِ
روحي يؤرجحها الماءُ البعيدُ إلى
أقصى الحنينِ.. وجسمي غيمةُ التعَبِ
ألمُّ غربتَكِ البيضاءَ عن جسَدي
بما تكاثرَ من جوعي ومن سَغَبي
ولستُ أرضى سوى بالثعلبيِّ دمي
لكيْ يمَرَّ على حمَّالةِ العنَبِ
أقُبلةٌ منكِ آلتْ لا تسلِّمني
إلاَّ لموتيَ في حُبٍّ بلا صخَبِ؟
أقُبلةُ منكِ آلتْ ليسَ تحفرني
إلاَّ دماءً وأشعاراً على الخشَبِ؟
ليتَ الفتى حَجَرٌ في الأرضِ يسندُ ما
يشيخُ فيكِ من الأزهارِ والذهَبِ
وليتكِ القمرُ البحريُّ.. ليتَ يدي
تطالُ أعلى سماءِ التينِ والرُطَبِ
من ينفضُ النارَ عن عينيَّ؟ من ستُرى
يلقي قميصَ الثرى في وجهِ مغتربِ؟
من أوَّلِ الدهرِ حتى الآن ترحلُ في
غبارِ مائكِ شمسٌ بعدُ لمْ تغبِ
********

لعنةُ القبلةِ الخاطفة


أقولُ لروحِ صديقي الذي ماتَ
في عمرِ رمبو وفان غوخَ من مرضِ العاطفةْ
كلَّما نوَّرت مقلتا عاشقٍ في الترابِ
يخضُّ بكاءُ العتابا دمي
كلَّما ارتاحَ قلبٌ من الحبِّ
كنتَ وصيَّاً على العاصفةْ
أنتَ أورثتني النارَ في كاحلِ الروحِ..
حمَّلتني لعنةَ القبلةِ الخاطفةْ
*******


مزامير لحبق أيلول


(1)

آهِ يا وردتي العصبيَّةَ
يا طيرَ روحي المهاجرَ آخرَ هذا النهارْ
أطفئي جمرَ قلبي بناركِ يا لعنةَ الماءِ والجلَّنارْ

(2)

هنا أم هناكْ
أُلملمُ صيحاتِ قلبيِ عن الشجرِ الغجريِّ وعن ضحكةِ الغيمِ
أنثرُ أوراقَ دمعي الخريفيِّ في آخرِ الأرضِ...
أدخلُ ظلَّ الندى والأراك؟

(3)

تسألني: شاعراً كانَ يوماً حبيبي أنا
أم مجرَّدَ وغدٍ لعينْ؟
معذَّبةٌ بأنوثتها بعدُ لم تبلغَ الحلمَ والأربعينْ

(4)

سأُطعمُ سربَ الحمامِ الذي زارَ شرفةَ قلبي حنينَ الحياةِ المقفَّى
ليسَ حزناً ترينَ بعينيَّ لكنهُ الحبُّ حينَ يُصفَّى

(5)

كنتُ أحرقتُ من قبلِ عشرينَ عاماً قصائدَ حُبِّي
ولكنها لا تزالُ تضيءُ فتاتَ الندى في ترابي
وكلَّ أصابعِ قلبي

(6)

تؤرِّخُ للنرجساتِ الثلاثِ بعينينِ مائيَّتينِ
وشمسٍ شتائيَّةٍ
وبنهرٍ يرفرفُ في هاويةْ
فكيفَ إذنْ يستردُّ المجازُ خطاكَ من التيهِ
كي تستقيمَ البلاغةُ في كاحلِ الصيفِ؟
كيفَ تئنُّ الظهيرةُ في نجمة لا تُرى؟
كيفَ يكسرُكَ البحرُ..؟
أم كيفَ يشطرُكَ الوتَرُ المتوجِّسُ في الأغنيةْ؟

(7)

أقايضُ حريَّتي بالفراغِ وعشبِ المزاميرِ أو بالقلَقْ
وأتركُ بعضي وكُلِّي..
شعاعاً خفيفاً لظلِّي
وضلعاً بدونِ اعوجاجٍ لأنثايَ..
ماءً شفيفاً / ورملاً نظيفاً
وورداً تعمِّدهُ شهوةٌ للغبارِ بكلِّ الطرُقْ

(8)

زهرةُ الحُبِّ مثلُ الحياةِ ومثلُ الكتابةِ
تبزغُ في آخرِ الليلِ من فجوةِ العدَمِ
ما الذي سوفَ يجدي غداً أن تمرَّ السماءُ بكلِّ حياديَّةٍ
ويمرَّ البرابرةُ المتعبونَ على ندمي؟
*********



أزهارُ السراب III






حَبقٌ طائشٌ


كُلُّ من قالَ لي في المساءِ الأخيرْ
أنهُ كانَ يمشي على الغيمِ
ماتْ
كُلُّ من كنتُ حدَّثتهُ عن صبايا الجليلِ ولم يكترثْ
لأنوثتهنَّ التي تترقرقُ كالأغنياتْ
كانَ يحيا بعينينِ مشدودتينِ إلى هُوَّةٍ
وبقلبٍ بلا حبقٍ طائشٍ وبلا ذكرياتْ
******

أزهارُ السراب


أنامُ ملءَ حنينِ الماءِ في رمقي
لا الريحُ تحتي ولا روحي على قلَقِ
كم من حبيبٍ عدوٍّ؟ كم من امرأةٍ
جزَّت لأجلِ عشيقٍ خائنٍ عُنقي؟
شمسٌ من الفضَّةِ الزرقاءِ فيَّ كأنْ
أوحى لها اللهُ ليلاً في دمي احترقي
قطَّرتُ في القلبِ أزهارَ السرابِ وما
فكَّرتُ يوماً بسرِّ النارِ في الورقِ
تعثَّرتْ ببكاءِ الذئبِ عاشقةٌ
في الأمسِ ربَّتْ بلحمي وردةَ الشبَقِ
الآنَ من حكمةِ الأفعى تطيرُ على
وجهي فراشةُ سُمِّ الشوكِ والحبَقِ
بالحُبِّ فسَّرَ عينيَّ الغريبُ فهلْ
بالحبِّ أهلكُ.. أم بالشِعرِ والنزَقِ؟
********

قصيدةُ حريَّتي الناقصة


قبلَ أكثرَ من سنةٍ وامرأةْ
الشقيُّ الغريبُ الذي كانَ تعتعهُ السكرُ ليلاً
على حافةِ القمرِ المطفأةْ
يمدُّ يداً لخواءِ الأغاني وقلباً لرؤيا السرابِ
ويصرخُ: أيتها الراقصةْ
كيفَ روِّضتِ كلَّ خيولِ الموسيقى برجليكِ.. كيفَ؟
وما استطعتِ أن تكملي لو بحرفٍ صغيرٍ
قصيدةَ حريَّتي الناقصةْ؟
********

وشمٌ مُوجع


لم أكن ذا خيالٍ وقلبٍ جريئينِ
كي أتخلَّصَ من خجلي المتربِّصِ بي
ثمَّ أروي لكم ما سأروي لكم عن حقيقةِ ما عشتُ
لكنني كلَّما استيقظتْ جمرةُ الحبِّ
في ليلِ عينيَّ أبكي
كأني الوحيدُ المصابُ بلسعِ الجمالِ الحزينِ
أنا ابنُ الرمالِ الحنونةِ
وهيَ ابنةُ الماءِ ذاتُ خيالٍ وقلبٍ بريئينِ
يوجعني وشمُ نورسها أسفلَ العنقِ
حينَ يضيُ فمي شَعرُها
آهِ لكنني كنتُ ضيَّعتُها من سنينْ
********

أغنيةُ الغريبْ


الآنَ من شُبَّاكِ بيتي
من أعالي شرفةٍ زرقاءَ في جهةِ الشمالِ
امتدَّ دربٌ ناعسٌ متوجِّسٌ
يغري شراييني بماءِ الكائناتِ السكريِّ
كأنهُ خفقٌ لموسيقى الجمالِ على ثرى قلبي
أطيرُ عليهِ.. أرمي عن دمائي كلَّ صلبانِ المجازِ
أُنظِّفُ العينينَ من رملِ البلاغةِ أو بكاءِ الحبرِ
ثمَّ أقولُ في سرِّي لأصغرِ غيمةٍ ورديَّةٍ في الأرضِ
أو لحديقةٍ بحريَّةٍ في الجوِّ:
هل تصلينَ لي يا ميمُ يوماً ما
إذا حطَّت على عينيَّ هاويتانِ؟
هل تصلينَ لي إن لم أقلْ في الشِعرِ ما سأريدُ
حتى لو بآخرِ شهقةٍ في العمرِ؟
هذا الدربُ ممدودٌ إلى صدَفٍ سماويٍّ
يضمُّ حنينَ روحكِ للحياةِ كأنهُ رهنٌ
ولا تصلينَ.. لا أصلُ
ارتعاشاتُ الكواكبِ في دمي ذابتْ
ولم يصلْ الحبيبُ إلى الحبيبْ
هل هكذا غنَّى الغريبْ؟
*********

خلَلُ الحياة


لا توقظي ندَمي ففي قلبي مهاةٌ فظَّةٌ
وبكاءُ عصفورينِ مقهورينِ
لن أرعى النجيلَ العاطفيَّ يقولُ أنكيدو
ويجهشُ عابرٌ لحبيبةٍ تعبى
أنا نزِقٌ فكيفَ ستسندينَ الريحَ من أجلي؟
وكيفَ ستنجبينَ قصيدةً في مدحِ بهتاني
وتنسلِّينَ من خرَزِ الضلوعِ إليَّ.. أو دمعِ الشفاهْ؟
لا بحرَ يرتقُ لي سفائنَ ذكرياتي
لا أصابعَ من سحابٍ مفعمٍ بالزنجبيلِ لكيْ أمسَّكِ..
أو لتكملَ دورةَ الخسرانِ من حولي
وتصلحَ في دمي خلَلَ الحياهْ
لا توقظي ندَمي ولا عدَمي
ففي قلبي مهاةٌ فظَّةٌ بيضاءُ
نورانيَّةٌ زرقاءُ.. في قلبي مهاهْ
وحفيفُ أغنيةٍ على وجهِ المياهْ
*********

قطارات مسرعة


الذي كانَ يفكِّرُ بقلبهِ فيَّ
كنتُ أوغلُ من شدَّةِ الحبِّ في نسيانهِ..
الآنَ أفكِّرُ بحزنٍ: هل يكفي الانحناءُ
لنورِ عينيهِ العاشقتين؟
إنهُ مجرَّدُ ذلك السؤال الطفل
الذي أحرقني ألف مرَّةٍ من الداخل بنارٍ حنونة
الذي كانَ يراني في مناماتهِ المشرقة
على ضفةِ نهرٍ سماويٍّ
كانت البحارُ المظلمة تحجبهُ عني
كما لو أنها قطاراتُ ليلٍ مسرعةْ
تمرُّ على عينيَّ المسمَّرتينِ
على صليبِ الندمْ
لا صلةَ بيننا في هذا العالمِ الحديثِ
سوى الحلمِ.
*******

حطامُ محارب


حطامُ محاربٍ جسدي أطاحَ بعشقهِ الفطريّْ
حطامُ محاربٍ.. ويدايَ سرُّ النرجسِ الصخريّْ
وفي قلبي غبارُ حروبكِ البيضاءِ..
ضوءُ نثارِ أقدامكْ
صراخي في دمِ الآجرِّ:
مُرِّي من أمامي كيْ أقيسَ جمالَكِ السحريّْ
بشِعري أو شقائي.. آهِ
مُرِّي كيْ أقدَّ بمقلتيَّ قميصَ أحلامِكْ
وكالطيرِ المعذَّبِ في شفاهيِ طولَ أيامِكْ
أُربِّي شَعرَكِ الغجريّْ.
*******

ليلُ حيفا


شوارعُ حيفايَ موحشةٌ بعدَ منتصفِ الليلِ
صامتةٌ..
وأنا لا أريدْ
أن أسافرَ وحدي إلى البيتِ منها بقلبٍ شريدْ
وحزنِ نبيٍّ
وعينينِ في روحِ عصفورتينِ
تضيئانِ ما لا يُضاءُ من البحرِ والليلِ..
أو بخريفٍ بعيدْ
ليلُ حيفا نهارٌ لهُ قمرٌ سابحٌ في الوريدْ.
*******

صمت


كانَ يمكنها وهيَ تجلسُ
أبعدَ من نجمةٍ عنكَ في لحظةٍ أن ترى
صفةً لتقلُّبِ قلبكَ لو أنَّها حدَّقتْ فيكَ أكثرَ..
أو غمغمتْ في حياءٍ: مساؤكَ فلٌّ
وألقمتْ الصمتَ وهو يحرِّضها
أن تقومَ إلى شأنها.. حجرا
كانَ يمكنُ أن تتعلَّمَ منها انحيازَ البنفسجِ
للظلِّ في صوتِها
وهو يمهرُ أصفى مزاميرهِ للجبالِ
أما كانَ يمكنُ أن تمعنَ القلبَ
في صمتها المتداعي
وفي قلبها المتقلِّبِ والفظِّ..
لا النظرا؟
********

بحيرة


يا ليلُ هل جسدي بحيرةُ ليلكٍ
تأوي إليها الشمسُ كلَّ عشيَّةٍ
وشعوبُ أسماكٍ ملوّنةٍ.. مجنَّحةٍ
ويأوي الطائرُ الورديُّ
منهدَّاً من الترحالِ ذاتَ ضحىً
إلى عينينِ عاشقتينِ
في نجمينِ قطبيَّينِ فيها؟
آهِ هل جسدي بحيرةُ ليلكٍ
حبلى بهالاتِ السماءِ أو الحنينِ؟
أجبْ ولا تتركْ صدايَ معلَّقاً
في البرزخِ الأرضيِّ..
لا تتركْ أصابعَ جمرتينِ صغيرتينِ
على شفاهي...
آهِ يا ليلَ المعذَّبِ بالقصيدةِ والمحارِ
وبالندى والياسمينْ.
********

فراشة


بالعابرِ اليوميِّ من لغتي
أحاولُ أن أقلِّمَ حبَّها الأعمى
ولو يأساً حقيقيَّاً من المعنى
ومن ذهبِ البلاغةِ...
بينما غاوٍ وكذَّابٌ طوالَ العمرِ
يقتسمانِ أشعاري
وحبرَ فراشةٍ في القلبِ تدميني
بما ليديَّ من رؤيا أضمِّدُ جرحَ بسمتها
وأرسمها على عينيَّ في ولهٍ لتمحوني.
********

من أنت؟



لجناحِ دوريٍّ أقولُ: احملْ حطامَ فمي
إلى الأعلى وزهرةَ جلَّنارٍ لا تموتُ
أقولُ للأنثى الوحيدةِ في قطارِ الليلِ:
لا تتوسَّدي قلَقي فإني مرهقٌ
مثلَ الجنودِ العائدينَ من الهزيمةِ في المساءِ
أقولُ لامرأةٍ تربِّي التوتَ في يدها
وحقلَ زنابقٍ في البحرِ:
ليسَ بحالةٍ مرضيَّةٍ بهقي
خذي حبقي
لأحملَ غيمةً بيضاءَ عن رجليكِ
كنتُ مغفَّلاً أعمى...
أقولُ لبائعِ الأزهارِ: لستُ أنا الذي تعنيهِ
خارجَ أغنياتي كنتُ شخصاً لستَ تعرفهُ
أقولُ لنفريٍّ كانَ في كافيتريا ناطحةِ السحابِ:
متى خرجتَ من المحارةِ في العبارةِ
أو صدى الرؤيا؟
أقولُ لآخري الرعويِّ:
كيفَ بكيتَ حينَ نظرتَ للأعلى...
وكيفَ على المياهِ
بلا فراشاتِ المسيحِ مشَيتْ؟
وأقولُ لي.. وأقولُ لي.. من أنتْ؟
********

طائرُ الأسفلت


سيجيءُ بعدي ألفُ جيفارا
وسوفَ يكونُ وقتٌ للتأمُّلِ في الحياةِ
وفسحةٌ ما بينَ حُبٍّ يائسٍ وشفا انكسارٍ
كيْ أقولْ
لو لم يُصَبْ قلبي بسهمِ فقاعةٍ سوداءَ
يشبهُ شوكةَ الصُبَّارِ
لو لم تخترق روحي فراشاتُ الخريفِ
وطائرُ الأسفلتِ
كنتُ صدىً لذاكَ الآخرِ المنسيِّ في الكلماتِ
أم صوتَ القصيدةِ في أنايَ وفي الطلولْ؟
********

غياب


بغيابها العفويِّ لم تحملْ من التأويلِ
إلاَّ شمسَهُ الوسطى
ولم تصدأ زهورُ الغيمِ في العتباتِ
لم تتوقَّفْ الأنهارُ عن جريانها الأبديِّ
لم أكتبْ ولو سطراً يؤرِّخُ لانتهاءِ علاقةٍ ما...
في الصباحِ أخذتُ ذاكرتي الحميمةَ
من يدَيْ أنثى...
كأني واحدٌ غيري
وفي المطرِ الصباحيِّ انطفأتُ
وتهتُ في أقصى المدينةِ
مثلَ دوريٍّ فقيرٍ
ذابَ أجملُ ريشهِ الذهبيِّ
في البحرِ الغريبْ.
*******

لا شيءَ يُغريني


لا شيءَ يُغريني
ولا يفضي إلى ندَمٍ فضوليٍّ
نهاري هادئٌ ومطعَّمٌ بالشمسِ في تشرينَ
لا قلقٌ وجوديٌّ
ولا معنىً نظيفٌ يستحمُّ بهِ المجازُ
ولا رؤىً في القلبِ حتى أستضيءَ بها
ولا أحلامَ...
قالَ الفيلسوفُ
ولا قصائدَ في المدينةِ
فهيَ تفترشُ الشواطئَ
بعدَ ظهرِ العطلةِ الرسميةِ الخضراءِ
قالَ الشاعرُ العبثيُّ
كانَ جمالُها يبكي
وأمسحُ دمعَهُ بيديَّ... لا المنديلِ
قلتُ أنا.
********

شاعرٌ ضلِّيل


لا شكَّ أن نبوءةَ العرَّافة العمياءِ لم تصدقْ
فهذا الشاعرُ الضلِّيلُ
لم تهدأ قوادمُ قلبهِ في البحرِ أو في البرِّ
يهوي ألفُ سكِّيرٍ على أبوابِ فكرتهِ
وتذوي ألف سوسنةٍ معذَّبةٍ على قدميهِ
ها هو في الحقيقةِ لم يزلْ يحيا على
أحلى كفافِ الحبِّ في عصبيَّةٍ
لم يشفَ من مرَضٍ جماليٍّ
ومن خجَلٍ وراثيٍّ
ومن وردٍ سماويٍّ
ومن وجع السرابْ.
*******

مطرُ حيفا


كان شارل بودلير يشبِّهُ مطرَ باريسَ
بقضبانِ سجنٍ سوداء
لكنني الآنَ سأشبِّهُ المطرَ الهاطلَ
في حيفا بخصلاتِ شَعركِ الخرُّوبيِّ
الذي أراهُ يلمعُ من وراءِ دمي ومنديلكِ الأزرقِ الرقيقِ
المطرَّزِ بالقُبَل ورائحةِ البحرِ
أنتِ كلُّ النساءِ في امرأةٍ واحدةٍ
وحيفا أهمُّ عندي من ألف باريس
لأنَّ مطرَها الحميمَ يغسلُ حزني
كما يغسلُ ذرَّاتِ الغبَّارِ عن النافذةِ الغربية البعيدة
آهِ يا مطرَ حيفا..
تقوَّس قلبي من شدَّةِ الحزنِ على لا شيء
وأنتَ لا تزالُ طفلاً مرحاً.
********


وصايا العاشق IV




وصايا العاشق


سعيدٌ أنا ليسَ ينقصُني أبداً أيُّ شيءٍ
لأُكملَ دورةَ هذا الشقاءْ
*
لم تغرْ بنيلوبي الجميلةُ وهي ترى امرأةً
بأصابعَ ولهى وعاشقةٍ
تتقرَّى بقدسيَّةٍ وجهَ عوليسَ
تدهنهُ بنثارِ الندى وبمسحوقِ نرجسةٍ مستريبْ
لم تثرها الظنونُ التي أوغلتْ في مرايا النحيبْ
*
تخفَّفْ من الوزنِ والقافيةْ
لتمشي السماءُ على الأرضِ عاريةً حافيةْ
*
شاعرٌ كلَّما كنتُ أسألُ تشرينَ عنهُ
تهبُّ عليَّ طيورٌ حديديَّةٌ
تتذكَّرُ شرفتَهُ وخطاهُ وعنوانَهُ
ديلانْ توماس الآنَ يسكرُ في بارِ
أقصى الكواكبِ عنَّا
ولا يكتبُ الشِعرَ
بل يشتمُ العاشقاتِ اللواتي
قدَدْنَ من الخلفِ قمصانَهُ
بينما ألفُ شاعرةٍ
بالنيابةِ يحلمنَ عنهُ ويكتبنَ خسرانَهُ
*
ثلاثونَ عاماً ولم أتعلَّم
كيفَ أكتمُ حبَّاً.. وأكظمُ غيظاً.. وأكتبُ شِعراً..
ولا أتألَّم
*
قالَ لي:
لم أكن ساذجاً مثلما يدَّعونَ...
أكلتُ ثمارَ الحنينِ
لأعرفَ لغزَ الشقاءِ وسرَّ الأنوثةِ
من دونِ ريبٍ
وكيفَ لعصفورةٍ مثلاً أن تصادقَ أفعى
على زهرةِ الخوخِ تنسابُ؟
كيفَ لظبيةِ ماءٍ خلاسيَّةٍ أن تقبِّلَ ذئباً؟
وكيفَ على جمرِ عينيَّ أسعى؟
*
كانَ نرسيسُ أصغرَ إخوتهِ..
كانَ أجملَهُم في قرارةِ قلبِ أبيهِ
وكانوا يحبونهُ حينَ تأوي الفراشاتُ
ليلاً إلى وردِ عينيهِ
أو حينَ تهوي العصافيرُ
من جنَّةٍ في السماءِ إلى راحتيهِ..
لتأكلَ شهداً وقمحاً
خفيفَ الخطى في الصباحاتِ كالوعلِ
وابنَ الغيومِ الشريدةِ
لكنَّهُ حينَ أغمضَ عينيهِ
قبلَ افتراسِ كلابِ المرايا لهُ..
كانَ... ماتْ
آهِ نرسيسُ هيهاتَ/ هيهاتَ / هيهاتْ
*
فسحةٌ للندامةْ
فرصةٌ كي أقولَ لإدغارَ أيضاً
بأنَّ الغرابَ الذي دقَّ بابَ القصيدةِ ليلاً
أضاءَ بعينيهِ كلَّ شموعِ الغيابِ وصارَ حمامةْ
*
فسحةٌ للحنينْ
إلى أيِّ شيءٍ بسيطٍ
تداخلَ في ظلِّ ما لا يُرى
من بكاءِ كفافيسِ
أو فرحي بانتظارِ البرابرةِ الطيِّبينْ
*
بعفويَّةٍ كاملةْ
أستردُّ الحديقةَ منها
وما تركتْ خُصلاتُ الظهيرةِ
من أقحوانٍ مريضٍ
ومن أثرٍ لا يزولُ
وليسَ يفسَّرُ في قبلةٍ عاجلةْ
*
ضعي بدَلَ القلبِ عصفورَكِ الطفلَ
غيمتَكِ المشتهاةَ
الفراشةَ منثورةً في القصائدِ
كوكبَكِ الساحليَّ...
دموعَ المساءِ المدمَّى
وعينينِ طافيتينِ
على بركةٍ لاحتراقِ الورودْ
ضعي بدَلَ القلبِ قلبَكِ
كي أتعافى من الحزنِ والموتِ
والقلَقِ الشاعريِّ الأصابعِ
لا حجراً من غبارٍ صقيلٍ
ولا شوكةً من جليدْ
*
البلادُ التي خلقَ اللهُ للهِ
لكنَّ عابرَ ليلٍ يفكِّرُ قربي يقولُ:
أجلْ.. البلادُ التي خلقَ اللهُ للهِ..
لا ريبَ في ذاكَ..
لكنني مثلاً لو أردتُ الرجوعَ
إلى البيتِ منتصفَ الليلِ وحديَ
من سهرةٍ.. هل تُرى أستطيعْ؟
في البلادِ التي خلقَ اللهُ للهِ
توجعُ قلبي الرصاصةُ مثلَ جمالِ الربيعْ
*
لا ضبابَ على شجَرِ الزنزلختِ
ولا ضوءَ في قمَرِ العشبِ
لا نأمةٌ في قطارِ المساءِ
ولا أحدٌ في النشيدِ العموميِّ
وحدي فقطْ
وبلادٌ مفخَّخةٌ بالخرابْ
لا ضبابَ على وردةِ البحرِ
ينمو سدىً ورفاهيَّةً.. لا ضبابْ
*
بحياةٍ طبيعيَّةٍ ظلَّ يحلمُ
(والذاهبونَ إلى الحلمِ لا يرجعونَ بتاتاً) يقولونَ..
ما أشبهَ الوجهَ بالسنبلةْ
ظلَّ يحلمُ ليسَ بيختٍ جميلٍ ولا بقصورٍ زجاجيةٍ
لا بمنفىً فسيحٍ ولا بفراديسَ مائيةٍ
أو ممالكَ لا تغربُ الشمسُ عنها
ولا بسماءٍ تشاطرهُ يأسهُ
لا بصيفٍ بعيدٍ يربِّي القصائدَ مثلَ اليمامِ
ولا بشواطئَ بيضاءَ من شدَّةِ الحزنِ..
عيناهُ نجما خريفٍ وبسمتهُ بسملةْ
ظلَّ يحلمُ حتى نهايتهِ
عندما ماتَ في وهمهِ/ المزبلةْ
*
لن أُعيدَ قراءةَ طوقِ الحمامةِ هذا الشتاءَ
ولا ماريو يوسا.. ولنْ
أرى غيرَ وجهكِ يلمعُ في ليلِ أحلى المجازِ
كما يستشفُّ الغريبُ الوطنْ
ولكنني قدرَ ما أستطيعُ
سأُثبتُ أنَّكِ مثلُ القصيدةِ فطريَّةٌ
وبدائيَّةٌ كحنينِ الأصابعِ والفمِ
لامرأةٍ من نعاسٍ خفيفٍ... وغيمٍ يئِّنْ
*
ثلاثُ سنينْ
هل ستكفي لتكتبَ انجيلَها امرأةٌ
من بكاءٍ وماءٍ ومن لعنةِ الياسمينْ؟
*
كيفَ سربُ قرنفلْ
تناسلَ من كعبها في فضاءٍ من الطينِ
وانهدَّ في القلبِ شلَّالُ مخملْ؟
فماذا سأفعلُ لو أخذتْ معها أغنياتي؟
وكيفَ أُربِّي البحيراتِ في معزلٍ عن يديها
كطيرِ السمندلْ؟
*
خياليَّةٌ كلُّ أشعارها وعديميَّةُ اللونِ
ينقصها مطرٌ واقعيٌّ لتنمو على مهَلٍ
ورمادٌ خجولٌ على ريشِ عنقاءَ
تنقصها لغةٌ ناحلةْ
كي تضيءَ الذي لا يضاءُ
( هلالَ الشتاءِ البعيدَ..
الطريقَ القصيرَ إلى البيتِ..
أو أوجهَ السابلةْ)
*
ستهمسُ يوماً وتخبرهُ
وهيَ تضحكُ في سرِّها
حينَ لا شكَّ ينفعهُ أو يقينْ
لماذا تشاجرَ مع نفسهِ كلَّ هذي السنينْ
*
بماذا أُلمِّعُ ليلَ القصيدةِ..
أو كيفَ أمسحُ عنها الصدأ؟
تُرى كنتُ أحلمُ بالماءِ حينَ
ترَّجلتِ لي من مرايا الظمأ؟
*
شاعرٌ ما.. غريبُ الخطى واللسانِ
بهيئةِ لوركا وبسمتهِ وانكسارِ النفَسْ
يشيرُ بعينيهِ نحوَ الوراءِ
لكيْ يستضيءَ رصاصُ الحرَسْ
*
شاعرٌ ما.. شريدٌ يفلُّ يديهِ
على ما تحجَّرَ من دمعةٍ
في الطريقِ الطويلِ إلى الأندلسْ
*
شاعرٌ ما يغنِّي لإلزا التي
لم يمتْ حبُّها عبرَ كلِّ القرونِ
ولمْ يذبلْ الوردُ في وجهها
رغمَ عصفِ السنينِ
وهالاتها لم تُمَّسْ:
طافحٌ جسَدي بالندى
وفمي نايُ أعلى البحيراتِ فيكِ..
وقلبي جرَسْ
*
ألأني أُطالبُ بامرأتي
وبحريَّتي في الحياةِ وفي كلِّ شيءٍ
وأحلمُ كالطفلِ بالمستحيلْ
بلا أيِّ ذنبٍ فعلتُ
أرقتَ دمي يا أخي.. يا قابيلْ؟
سأطلقُ في جوِّ بريَّتي
طيرَ قلبي ولو كانَ سجني الجليل
*
تتكلَّمُ عيناهُ من دونِ أن تنبسَا
ويرى قلبُهُ برزخَ الغيبِ..
تسري الفراشةُ في دمهِ
كلَّما حلَّقتْ يدُهُ..
وبأنفٍ جميلْ
يشمُّ عبيرَ الأنوثةِ عن بعدِ مليونِ ميلْ
*
أُلملمُ روحي التي علقتْ في شظايا الرذاذِ
وفي همساتِ البساتينِ أو في أعالي الجبالِ
وفي رفرفاتِ الحمامْ
على زرقةِ الساحلِّ اللازوريِّ..
عينايَ صارتْ حدائقَ
حينَ التفتُّ إلى الغربِ..
ضيَّعتُ كلَّ الكلامْ
كأنَّ السواحلَ في وطني قطعٌ من غمامْ
*
بفمي المرتبكْ
سأُلقي وصاياكِ من دونِ خوفٍ
ولا أملٍ في الشفاءِ من اليأسِ
ثمَّ أقولُ لقلبيَ: هل أنتَ لي أم لها كنتَ؟
يا سمكاً في شرَكْ؟
*
أشطبُ النجمةَ الذهبيَّةَ عن شجرٍ ناصعٍ
أشطبُ الماءَ عن زرقةِ الليلِ
أمحو خطايا التآويلِ
أمحو الذي ليسَ يُمحى..
فماذا سأكتبُ غيرَ اعترافي
بعزلةِ طيرِ السنونو الذي حلَّ في جسدي اليومَ؟
ماذا سأكتبْ؟
أرسمُ القمرَ الساحليَّ ورسمةَ كفَّيكِ أشطبْ
*
آسفٌ لا لأني بحقكِ أخطأتُ
بل آسفٌ دونما سببٍ
ربما قد قسوتُ بقولي قليلاً
ولكنَّ كلَّ فراشاتِ روحيَ طيِّبةٌ
ومشرَّدةٌ في المدى دونَ بيتْ
آسفٌ.. (شاعرٌ ماتَ ما شأنُ حزني بهِ
فأنا لا أُفكِّرُ إلاَّ بكِ الآنَ)
لي جسدٌ يتآكلُ مثلَ الحديدِ المسنَّنِ
(إن كنتِ زعلانةً) دونَ زيتْ
*
دمي في المرايا على هيئةِ القُبَلِ الطافياتِ
وصايا تلمِّينَها في ندَمْ
*******



شتاءُ إرَمْ V


فهرسٌ لاسمها الحلوِ لا ينتهي
وسماءٌ خريفيَّةٌ
وهواءٌ نظيفٌ على ساحلٍ مُشمسٍ..
جرَسٌ من قصائدَ زرقاءَ تُدمي العصافيرَ
دونَ جراحٍ ولا وجَعٍ
كلَّ يومٍ تمرُّ مرورَ الفَراشِ
بعفويَّةٍ ومُكابَرةٍ وطفوليَّةٍ وحياديَّةٍ ما
كأنَّ أصابعَ أحزانها مُشعَلةْ
بشمعٍ وماءٍ غريبينِ...
ماذا أقولُ لها اليومَ لو غرَّرتْ بي قليلاً؟
فليسَ لشِعري صِلةْ
بحياتي.. وليسَ المجازُ المفخَّخُ
بالأخرياتِ الجميلاتِ لي لغةً...
لغتي مطرٌ قاحلٌ / ويدي بوصلةْ
والكتابةُ مثلُ الكآبةِ
مستودعُ القلقِ اللا نهائيِّ.. والأسئلةْ
فهرسٌ لاسمها الحلوِ
يُدمي عصافيرَ قلبي بلا وجَعٍ واضحٍ
ولضحكتها وردةٌ مُهملةْ
*
أعدُّ مسوَّدةً تلو أخرى
إلى الرقمِ الألفِ
ثمَّ أقولُ:
لمن كلُّ هذا الكلامِ الغريبِ عن الحبِّ؟
من خطَّ كلَّ الوصايا؟
أنا؟
أم تُراهُ صدى عاشقٍ يتقمَّصني؟
فأنا هامشيٌّ ولا أكتبُ الشِعرَ...
لا أكتبُ الشِعرَ..
لا وقتَ لي كي أحبَّ..
ولا صبرَ عندي
لأسألَ نفسي ولا كيْ أُجيبْ
طلعتُ كزنبقةٍ حيَّةٍ من رمادِ الحروبْ
*
كانَ حينَ يشفُّ كغيمِ المرايا ويتعبُ
ينظرُ حُبَّا إليها ليشفى
من الخدَرِ المتوغِّلِ في دمهِ
قالَ في سرِّهِ:
كم أحبُّكِ حبَّ أبٍ لابنتهْ
فتضحكُ في سرِّها:
كم أحبُّكَ حبَّ ابنةٍ لأبيها
إلى آخرِ العمرِ
أو آخرِ الشِعرِ...
قافيةً قافيةْ
*
كلَّما قلتِ لي: يا غريبُ
تحسَّستُ ضلعي اليسارَ بعفويَّةٍ
ونسيتُ طريقَ الرجوعِ إلى الهاويةْ
*
أردتكِ حينَ انتهى البحرُ
خلفَ أصابعِكِ العشرِ
واشتبهَ الليلُ في ورقِ الحورِ
والبدرُ تمْ
تناثرَ ريشُ العصافيرِ في عتمِ ظلِّي
وضاعتْ جهاتي
وحدَّقَ بي شجَرٌ مرعبٌ في شتاءِ إرمْ
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى