هيثم جبار - قراءة نقدية لمجموعة " شق في قميص العائلة" للشاعر كريم جخيور

شق في قميص العائلة , مجموعة شعرية جديدة للشاعر الكبير كريم جخيور , تبدأ المجموعة بتوأمة شعرية روحية بين الشاعر كاظم الحجاج والشاعر كريم جخيور , ثم تبدا قصائد المجموعة تتسلسل من شارع بشار حتى تصل الى محفة الالوان, وكما يبدو ان الشاعر كان من رواد شارع بشار الذي تحن اليه القلوب , وتتراقص في منازله الكؤوس .
وبعدما يوغل الشاعر بوصف الشارع يخرج منه , ويدخل في حلمه الابدي , الحلم الذي يراود كل الكائنات , وتعشقه كل الكائنات الا وهو المرأة , المرأة التي نقرأها في كتب الشعر والروايات ربما لا وجود لها في عالم كريم جخيور لذلك عبر عنها بالحلم , فاخذ يبحث ويبحث عسى ان يجد امرأة تحافظ على طفولتها عند شروق الشمس , وتتغنج بأنوثتها بعد غسق الليل , يبحث عن امرأة لا تجلد ليله بالأسئلة , ولا تفسد رونق الصباح بالثرثرة , يريدها فقط ان تعتبره طفلها الوقح الذي طالما يعبث بثمارها والمدلل الذي لا تستطيع منعه , يريدها ان تفتخر به اما النساء لتكثر من عشيقاته , وتتباها بنهديها امامه وتعاهده على عدم الفطام , يريدها ان تكون خبيرة بالعطر والقُبل , ليقول لها تذكري , تذكري فقط ان براز نهدك فوق غصنك قاتلُ , ومن طول قدك يصنع كيوبيد سهمه الذي لا يطيش .
هكذا يرسم الشاعر كريم جخيور صورة ويدسها في جيوب القلب , فهو ليس من اصحاب القصور, ليعلق صوره الشعرية على الجدران , وليس من اصحاب الكراسي ليملأ بها الشوارع والطرقات, هو ذو خيال خصب لا غير, ولخياله جناحان يحلقان به في الاعالي .
يكتب عن ساعة سورين التي لم يراها ابدا , يتغزل بمنارتها الرشيقة , وبدقاتها التي انطفئت , وامتزجت روحه بروحها التي سحبت من قلب المدينة ووضعت في قطار الموت , بعد ان اخضرت اناشيد الصبيان , فمثلما تكومت هي في مخازن بلدية البصرة , تكوم هو في نقرة السلمان .
الشاعر كريم جخيور لا يتخلى عن طينه الاسمر , ويؤكد لحبيبته لا يمكن التخلي عن هذا الطين الجنوبي الحري حتى لو ذهبت الى بغداد واجادت التبغدد , فما زالت بوصلة الروح تشير الى ما اردا الله , حيث الجنوب طين اسمر .
الحب يجري بقصائده علنا , ولكنه لا يقول لحبيبته احبك الا سرا في طيات قصائده, يقولها حين تزدهر كؤوسه ليلا , فهناك ترابط وثيق بين خيال الشاعر وحلمه , تارة يأخذه الخيال الى قصر دون عبيد ولا جواري, وتارة يرى حبيبته شجرة برتقال وكلما يداعب ثمراتها تزدهر بهجة وغرور .
ولديه حبيبة كبرى , دائما يذكرها بافتتاح المرابد , ويشير اليها بقلبه ولسانه, وكثيرا ما تغزل بها فهي فصيحة اللسان , سمراء العشق , مشرعة ابوابها على البحر , تعلم النساء على القبل , والرجال على الخمر , والفتيان على العشق, والصبيان على اللعب واللهو, حتى العجائز تعلمهن كيف يدسنّ البركة في جيوب ابنائهنّ, وكيف يرشن الماء من ورائهم حين يأزف السفر. هذي هي البصرة التي عشقها الشاعر والتي كلما دخلها الغزاة خرجوا منها نادمين.
للشاعر بهجة عارفة , وكما هو معروف عنه غير منشغل بجنة الله و لاحورياتها وقصورها, هو منشغل بحبيبته وخمرته وزوجته واطفاله, له مع ام البروم ذكريات موجعة, حيث طفل ومشانق وجثث معلقة في صورة واحدة. اما الفتى الهاشمي الذي لا يتكرر , فقد اخذ ركنا جميلا في قصائد الشاعر , قصائد مبللة بالدموع .
لديه مسبحة طويلة من الايام, وثمة عدة ( شواهيد ) تزين هذه المسبحة , فرات صالح الفتى الذي لا ينام دون حلم حتى او اشبعوه ركلا, عبد السادة البصري الذي تفوح منه رائحة الحناء والخمر, عبد الرزاق صالح الماركسي الذي اجبره الجلاد على ان يعترف بانه في حزب الدعوة , عادل الثامري الذي يحوك المكر ويلقي دروسا في الطفولة الناضجة, واثق غازي الذي سحق عنق كبيرهم بقصيدة شاهقة , عبد الغفار العطوي الذي خان الزاد والقى بالملح خارج المائدة, البحار زامل الذي كره اليابسة بسبب الجلادين , فراح يحلم بالبحر مرة ثانية , كريم جخيور الذي كان يسخر من الريح , تعثرت خطواته حين طوقته الخفافيش , فراح يطلق صرخاته من قعر زنزانته .
ولانه يكره الحرب فقد اكثر بذمها في هذا الشق القميصي العائلي , ولانني لا احبها ايضا ولا يحبها كل انسان حي فلن اذكرها بحرف واحد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى