مشلين بطرس - المُجهَضة

ها أنت تعانقينه بحنان، بحب، وبعض الإشمئزاز، تضمينه إلى صدرك، تذرعين صلعته بحرارة قبلك، قليلاً تبعدينه عنك، وتتنهدين فوق صحرائه دماء الألم قائلة:

- آه كم أنا حزينة لأجلك، أرى الكرب وقد حفر تجاعيده على مسامك، وها هو السرطان انتزعك مني وأكل جوفك، فماذا..ماذا أفعل بك ياكوني وحياتي، يامن منك خرجت، ومني أتيت، ويامن إليه أعود؟

تتمددين على سريرك مستطردة:

- أترى ياقطعة مني، أنه وبالرغم من الآلام التي سببتها لي، وبالرغم من الموت الذي ألحقته بأطفالي، إلا أنني مازلت أحبك...

- كفكفي دمعك ياغالتي، وتأكدي أن ليس في يدي حيلة، فأنا لا ذنب لي في كل ما أصابني وأصابك.

تشعرين بحرارته، وتدوي ذكرياته بين تلافيف رأسك، وبينما تتهوعين معه أحزانك، يرن جرس الباب، فيقفزمن يديك هارباً.

تهرعين إلى مخبأ توارينه فيه، فطنين الجرس اللا متوقف يحمل خطواتك على بساط الارتباك والتوتر، تلفينه بغطاء وتخبيئينه تحت السرير آمرة إياه بالصمت.

كعادتك تقصدين كتاباتك شماعة تعلقين عليها أرقك وشحوب وجهك.

تشعل صديقتك سلام سيجارة تحاول من خلالها ابتلاع حيرة اعتمرتها مذ رأتك، وتفصح دوائر الدخان عن تنهدات صدرها، وتخبرك أن زملائها بالمشفى قد جرعوا ضمائرهم سبات أهل الكهف، وقد رحل أنين الأجنة عن مسامعهم عندما انتشوا بصوت حفيف الورق الأخضر.

فالطبيب منهم عندما يقوم بسحب الجنين بملقط من قدمه يغلق الجنين يده بقوة داخل رحم والدته، ويفتح فمه ألماً، ومن ثمّ يُدخل الطبيب ملقطاً آخر ذا فكين مروسين يثقب من خلالهما جمجمة الجنين و(سيد الحابيب ياضنايا أنت..) رنين جوال سلام يقطع حديثها، ويدخلك إلى عالم الدموع والأسى، وتتساقط مياهك المالحة، لتصلك سيول أمطار تنهمر من هناك....، من حيث هو.

تنفجرين بالصراخ قائلة:

سأقتلك أيها اللعين، وتهبين إلى المطبخ، تسحبين سكيناً، وإلى حيث خبأته تلحق بك سلام، وبشراسة ووحشية تسحبينه من تحت السرير مخاطبة إياه:

- يامقبرة أطفالي، سأقطعك إرباً، ألم يكفيك خنق أجنتي وقتلهم، وتريد أن تجهز على حياتي أيضاً، فبمرضك الخبيث هذا أصبحت مُجهضة من الحياة، وبسببك ليس سوى الموت ما ينتظرتي، تندفع إليك سلام بلوم وتأنيب لتنتزعه بصعوبة منك صارخة:

متى قمت بإستئصاله، ولماذا لم تنتظري عودتي؟؟؟ ولماذا لم...، يقطع لاوعيك وابل أسئلتها مرتدياً هندام المحاربين في المعركة، وتخطفينه منها مزمجرة:

إنه رحمي وأنا حرة ، أفعل به ما أشاء، تغرزين السكين بين طياته، وتهمين على تقطيعه إرباً، لكنك وكالقماش المهترئ تتهالكين على الأرض، وتتصببين عرقاً كجليد القطب الجنوبي.

تتنهد سلام الصدمة، وعلى بساط السرعة تنهض بك إلى المشفى، علهم يعيدون لك شيئاً من الحياة....



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى