مراد السباعي - الكأسُ الفارغة

يا كأسي الفارغة...‏
لا تأسفي لما فات فأنا الآن فارغ مثلك....‏
لقد رشفت رحيقك العطر قطرة قطرة....‏
رشفته في تمهل بليد، لأطيل مدة اللذة‏
ولأبعد النهاية.‏
كنت أعرف النتيجة؟.‏
أدركها تماماً..‏
أعرف أنك ستفرغين ذات يوم وتصحبين رمزاً‏
لأيام مضت كانت تمور بالعاطفة، بالأمل،‏
بالحب، بالسعادة‏
ولكن ثقي أن ما أخذته منك قد أعطيته للآخرين‏
بلا سؤال........‏
أعطيته كما أخذته، يغمرني الفرح وتهزني نشوة‏
العطاء....‏
كلانا قد أخذ وأعطى...‏
كلانا يشعر الآن بالفراغ وألم الحرمان.‏
أنا أجلس الآن أمامك، أتأملك، أستعيد‏
برؤيتك ذكريات أيامي الجميلة..‏
كوني مثلي أيتها الكأس الفارغة...‏
استعيدي في شخصي الصديق،‏
ذكرياتك الحلوة، كوني راضية وابتسمي.‏
لا تأسفي لما فات...‏
أنا أعرف ما تحدثين به نفسك الساعة...‏
إنك تقولين إنك لم تبخلي على حين أفرغت‏
ذاتك في ذاتي...‏
وأنك لتأخذين علي أنني لم أكن أدرك قيمة‏
عطائك وأنظر إليه باستخفاف كشيء تافه..‏
هذا صحيح....‏
ولكن لا تنسي يا كأسي الفارغة إننا نتقاسم‏
الآن فراغ ما جنيناه.....‏
يحتوينا السأم وتضجرنا الأشياء.‏
كل الأشياء.....‏
الأرقام والأوصاف والأسماء...‏
سكون الليل وضجيج النهار...‏
لظى الصيف وثلج الشتاء......‏
ليس للحاضر يا كأسي الفارغة....‏
حلقة زمنية مستقلة....‏
فالكلمة التي تخرج من أفواهنا تصبح‏
ماضياً منذ وصولها إلى أذن المستمع.‏
والنظرة التي نرشقها حولنا تصبح الصورة‏
الماضية لما التقطت عيوننا..‏
فأين الحاضر؟ ما معناه؟.‏
إنه في كل اتساعه المتخيل ليس‏
أكثر من نقطة التقاء بين ماض وماض...‏
إن ما جاء قد جاء ألف مرة ومرة‏
وما سيجيء هو ذاته الذي جاء‏
وفي دوامة الزمان.....‏
تملأ الكؤوس وتفرغ....‏
وينام الناس ويستيقظون على الرغبة‏
في تحقيق الأحلام..‏
غير عالمين أنهم يعيشون حياتهم‏
في حلم أكبر.‏
يا كأسي الفارغة..‏
الامتلاء نهاية والفراغ نهاية....‏
ولا شيء في الماضي الأقل.....‏
ولا شيء في الماضي القابل...‏
والحاضر وهم....‏
وبعد...‏
فهل تأسفين لما فات....‏
يا كأسي الفارغة.؟؟.......‏
أعلى