محمد الصالح قارف - اشتقت لك.. قصة قصيرة

كان هذا مما اختلج به صدري فألقيته بعيدا... عله يُسمع أحدهم
هو يوم جميل بكل تأكيد، كيف لا والذات تنتظر ذاتها المكمّلة، أكاد أجزم ان كل من خبر الحب ان صح القول قادر على فهمي
النص نشر بجريدة الأحرار عدد أمس وكان هذا شرفا له ولي طبعا
أتمنى ان تتواصل سلسلة الشرف هذه وينشر في موقعكم الجميل
كم كان جميلا ذلك اليوم، كان كالصباحات التي تغني لفناء الخيبة وانجلاء الليل البهيم، كانت نسمات الصباح تحتضنني بشغف... باردة لذيذة. أما السماء فكانت كعذراء بسطت أطرافها في صمت وأما أنا فكانت الرعشات تتوالى مع كل نسمة، كانت تعذبني بحب... كنت أحمل قلبا تهادت له عذابات سنوات الحيرة... آن لك اليوم يا قلبي أن تئد الكآبة... آن لك اليوم أن تخربش في جنون الحياة المجدي... آن لك اليوم أن تستحل السديم الذي سكننا في غفلة، قم... قم من غيبتك الفاجعة، تخلص من لاحدث الأيام الرمادية الطويلة، انهض... أرجوك !
وأطلت... أطلت كذئبة تختال، خرجت من غابة الأحزان والأشواق البنفسجية، كانت شرسة متمردة، كان بريق قاس يتلألأ في عينيها العسليتين، كانت تثب بأنوثة جارحة كأني بها تدوس على قبر الكآبة المتوحدة... ذلك القبر المعتم في غياهب قلبي الكسير، حطمته من أول نظرة ولم ترأف لقلب كان يقدس له... تصاعد غبار خانق كشف عن خواء العاطفة الحارقة...وَقَفَت بسفح جبل الذكورية البلهاء وعوت ... عوت بأنوثة جامحة... عوت بصوت اقتحم صحراء قلبي الخاوية... عوت لتشظي بقايا الصمت المطبق... عوت لتقهقر البوهيمية التعيسة.
كانت تقترب ببطء، كنت أبحث عن نفسي وسط هذه اللاجدوى الفادحة، كنت الملم بقايا عاطفتي المُتعبة... فكرت كيف وأين وماذا سأقول. أحمق! دع حبة الجنون التي بداخلك تتفتق، أمسك ريشة الجنون ولون بها ذاتك المتغربة، أوه... ما أجمل الحياة في جزئها المجنون، حيث نغتال القيود والحواجز دون رحمة، حين نئد التردد ونخنقه تحت أتربة ثقيلة، إن الجنون كما يقال... كالجاذبية، هي دفعة واحدة تكفي للإلقاء بنا إلى بحر النشوة واللذات المخملية...
أحسست بتلك الدفعة تقذفني إلى طريقها، كانت في الحقيقة نظرتها الأولى هي من دفعتني، انطلقت كسهم ذهبي ينشد لقاءها، لقاء الأنثى التي بحثت عنها طويلا، لقاء الأنثى التي أسكنتها قلبي منذ أن أفقت على خواء العالم الذي يحتضنني، رعيتها في محراب القداسة الأبدية، خاطبتها دوما عن وحشتي إلى ذات مكمّلة، استمعت لها وهي تباركني بعطف، كنت أتغمد صوتها وأحترق فيه كنار زرادشت المتكبر، كانت كقبس خافت يلوح في النهاية البعيدة التي دنت بعنفوان كبير.
اقتربت، ذئبتي، أكثر فأكثر، ترددت قليلا قبل أن أهب نفسي لطريقها، ذلك لأنني كنت أحب أن أشاهدها فقط... كانت تبدو لي كلوحة عذرية اخترقت صفاء العين... كقطعة شكلاطة اجتاحت جوانح صادية، كنت أحب فقط أن تعرفي أنني بقربك، أن تعرفي أنني احترق في صمت على ضفاف عشقك الوثني، كنت أحب أن ندع ارتحالات التفاصيل المُنهكة تنتقم لخيانة الكلمات التي تحول بينا...
كانت نفس النسمات الشقية تداعب شعرها في نعومه... كان لون شعرها أسودا كليل الصمت الفاجع، كان سوادا تأوهت له غربان العالم الجافي، كان أسودا كحبر يدق بعنجهية على حروف اللحظة الأخيرة، أما عيناها فقد احتضنتا سر الأنوثة المخلّص بلون داعب الأسود قليلا... كان وجهها صافيا مثل روح لم تتعشق الخطيئة يوما، متوهجا كشفق القطب البعيد، باهيا كزهرة اللوتس المتألقة، كان سواد شعرها يغير من بياض الوجه فيغزوه بقسوة، تتدخل بيدها البيضاء لتحيّده جانبا وهي تؤنبه بهدوء...ثم التقينا... التقينا فوق طريق الفناء العبثي...
نظرت إليّ وابتسمت، كانت ابتسامتها كطفل يكتشف للمرة الأولى تقاسيم وجه أمه الداعبة....
كسرتُ هذا الصمت اللذيذ وقلت:
- اشتقت لكِ...
قلتِ: - ....
آووه، سيدتي، كان هذا من ذكريات لقاءاتنا... ذات يوم جميل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى