عبدالعزيز آل زايد - فقاعة سوداء.. معاناة رجل متأزم في زمن مأزوم

يعيش في حالة اكتئاب مفاجئة، حياته بشكلها العام جيدة، فلماذا يساوره هذا الضيق والضجر؟!، هل هناك أسباب ومداخل تؤدي لهذه الفقاعة التي تزاحمه وتريد أن تخنقه ؟!، لعل الظروف تكدر حالة العيش، ولكن لماذا لا تذهب عنه هذه الضيقة التي تعصفُ به؟!، مَرَّ سابقاً بحالات مشابهة ولكنها تزول مع الوقت بزوال المؤثرات وتخف وطأتها مع الأيام .
أخبره الطبيب المعالج أنه يعاني، لم يهول عليه الأمر، ولكنه أوصاه بوصاياه حتى يسيطر على هذه الحالة التي اسماها عرضية، ولكنه يخشى أن لا ينزع نفسه منها فالأيام تمتد والعتمة التي تحاصره تشتد، تناول بعض الأدوية التي لم يرغب أن تدخل جوفه، ولكنها حكمة الحكيم وعليه أن يمتثل فهو الأعرف بالداء والدواء .​
أوصاه أحد المقربين أن يخرج من عزلته، أن يغير بيئته التي اعتاد عليها ليكسر النمطية، واقترح عليه بعض الأماكن التي تستهويه، تمنى له السلامة قبل أن يغلق الهاتف، ولم يجد له بد من الامتثال لنصائح المقربين، فلعل الشفاء يناله من ذلك النصح .​
انتقل إلى هناك، وبدأت أقدامه تسير بين الخزانات والرفوف، يتوقف ليطالع هذا الكتاب ثم يتصفحه ليرجعه مكانه، هو يكره الغبار، ولكن المكتبة اليوم في أوج نظافتها فهذا اليوم الأول لموسم الصيف، ومدير الموظفين شدد على نظافة المكتبة، ساعة ونصف يدور بين الكتب والسطور، يبحث عن كتاب، حائر ماذا يقرأ ولمن؟!​
هناك مجموعة من الترشيحات قدمها له أصدقاؤه، لكن مزاجه متعكر والفقاعة مستمرة في التمادي، كما أنه يعلم أن ذائقته صعبة الإرضاء، عبارة صاحبه ترن في ذهنه جرساً : تحتاج لكتاب من المريخ ليرضي ذوقك ونهمك ، الكتب التجارية تبث لي القرف !!، لماذا نضيع الكثير من المال والجهد وأطنان من الورق الأبيض والكثير من المحابر الباهظة، سطور مملة تبعث على الحزن والغثيان، أنا لا أنقم على شكسبير ونهاياته الظلامية المحزنة، إنما أنقم على كل أولئك المكتئبون المقلدة الذين يعشقون الدموع ..​
الحياة مليئة بالاكتئاب، الأسود مسيطر على الناس، رايات بني العباس تغزوا دورنا كل حين، أليست السماء متلبدة بالغيوم السوداء أيضاً؟!، فلماذا لا أعيش الاكتئاب؟!، حتى البحر الجميل ضاع من أيدينا وتلوث بالقاذورات المؤلمة، الطرقات مليئة بعوادم السيارات، الجو متشبع بالدخان الأسود والسموم الضارة، المستشفيات تفوح منها رائحة الآلام والأوجاع، الشاشات غزاها الحرب والدمار والرصاص والدم، لماذا كل هذا النشيج؟!، البيوت مليئة بالصراخ والصفعات والشتائم، حتى ألعاب الأطفال البريئة تحولت لعنف دموي مرهق، الدنيا سجن ومقبرة، لعل اللحود أكثر راحة وسلاماً من أسواقنا التي يطعن فيها بائع البطيخ زبائنه .​
مَرَّ اسبوعان وهو يبتلع دواءه قسراً دون فائدة، يقدم إليه صديقه سيجارة متقدة، ويلاطفه : هون عليك يا صاحبي واشرب، فالحياة هي الحياة أما أن تشربها أو تشربك، يجيب والاستياء قائم على حاله : وماذا أشرب؟!، إنه سم قاتل، كل الدنيا تتكلم عن السرطان والموت الزؤام، ألا تعلم يا صديقي أن الحكومات حاربت الناس في متنفساتها : لماذا ترفع أسعار التبغ تحديداً وتضع عليه الضرائب؟!، هل لخطورته أم لأنها تعشق الكبت، وكم في هذا العالم من مكبوتين؟!​
لماذا لا تسافر؟!، وهل بقي لنا معاش لننفقه، الرواتب نفرح بها في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني لا ترى إلا المنغصات والهموم، ماذا بقي لنا لنفرح؟!، أمسكه صديقه لمطعم قريب، سأدعوك لوجبةٍ ...، يقاطعه : ألم تسمع عن أخطار السمنة؟! ، أغلب الأدواء من المعدة فهي بيته ومحل إقامته، ثم إنك لا تعلم عن (جراكل) الزيوت التي يضعونها في مأكولاتهم .​
يجلسه بجواره، لا تقلق سنشرب عصيراً طبيعياً، ثم ...، ثم ماذا؟!، لعلك لا تدري عن السموم التي يحشرونها بين طبقاته، السكر الخفي هو ما يجذب الناس لشربه، شاهدت أحدهم يفرغ نصف كأس من السكر الأبيض في قدح عصير واحد، لعله يجذب به العملاء لمنتجاته العسلية الهابطة من الجنة !!​
يضيق به صاحبه ذرعاً، لنذهب لهذا الخضار، الفاكهة ليس بها عيب، ليس بها عيب؟!، أسعار الفاكهة مشتعلة وكأنهم يبيعون ذهباً خالصاً، ثم أن مذاقها يختلف عن ما ينتجه الآباء والأجداد، وقبل الوصول يفاجئهم البائع بإغلاق المحل : سنفتح بعد الصلاة !! ، يبتلع دواءه القسري وهو يتكئ على صاحبه : ألم أقل لك أن الحياة كئيبة ؟!​

‏​

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى