ليلى أبو العلا - ثلاث قَصَائص.. ترجمة : بدر الدين حامد الهاشمي ليلى أبو العلا

جديدة في المدينة New in Town
دفعت الباب المكتوب عليه بالقلم "أوغاد سود"، ودلفت إلى داخل المسجد. كانت هنالك امرأة تقوم بخلع حذائها، تحل رباط الحذاء، الأيسر فالأيمن. سلمت عليها، وبعد أن ردت السلام، سألتها: "أين يمكن لي أن أجد صابونا وماءًا لأمسح ما كُتب على الباب؟"
ردت علي قائلة: "دعيها الآن. لا بد لنا أن نسرع."
خلعت حذائي وعجلت باللحاق بها وهي تمشي بسرعة عبر الممر المزدحم بالأطفال الصغار، وببنات صغيرات لهن ضفائر طويلة، يتشاجرن على علكة.
ولما وصلت لباحة المُصَلَّى، سمعت الإمام يقول بصوت عالٍ:" أقيموا صفوفكم وتراصوا! أقيموا صفوفكم وصلوا صلاة مودع."
** ** ** ** ** ** ** ***
أبي يأتيني في المنام My father has been coming to me in dreams​
أبي يأتيني في المنام. وفي إحدى الليالي كان يريد مني أن أعطيه كوبا من الماء بينما كنت حينها مشغولة وأنا أمام حوض الغسيل بالمطبخ، وأحد الأطفال يجذب ملابسي، وإحدى صديقاتي تقف بجانبي تصب علي مصاعب حياتها، لَمَّاعة كفقاعات الصابون في يديَّ.
وحلم آخر: يريد أبي مني إغلاق النوافذ. فالبرد شديد عليه. وكنت حينها أقدم رقائقا مقلية لطفلي وأنا أصيح فيه. وعلى طريقة الأحلام المتفردة الغريبة، كان الطفل في الحلم يمسك بصندوق تبرعات المسجد المخصص للأيتام، ويقفز من مكان لآخر، وقبضتا يديه مليئتين بالعملات المعدنية.
لذا قمت بالاتصال هاتفيا بأبي عبر العالم. على بعد آلاف الأميال، وعبر مناطق التوقيت، والكلام بلغة مختلفة. قال لي: "أين أنت؟"
سؤال عجيب. أهو كبر السن؟
"في أبردين بالطبع."
قال لي:" لكن يا ليلى، صوتك قريب جدا."
** ** ** ** ** ** ** ***
لعبة أخرى Another Game
خطوت نحو بيته، فدخل قلبي، واستقر فيه.
رأيت دواخله، وعبر جلده. حزن مثل العسل، حزن مثل الطين. تلك الطريقة التي يصمت بها وهو يتحدث معي.
قلت له: "دعنا نلعب لعبة". كنت أود لعيني أن تشعا وتسعدانه. "دورك أنت أولا."
قال: "أنا فُقْمَةُ بعيد عن الماء. لا أستطيع التحرك بسهولة. أتذكر الأيام التي كنت فيها أسبح وأسبح، وأستدير وأنزلق عائدا. أما الآن فقد ثقل وزني، وغدوت أزحف على الأرض في خطوات بالغة الصغر.
وأراني أرضه على الخريطة، ثلج أزرق وجليد، صقيع أزرق ومكعبات سكر. ابتسم عندما تابعت بأصبعي نهر النيل وهو يسير شمالا ويشق الصحراء قبل أن يقع منصبا في البحر.
كان عليما بكل أنواع الأسماء وحياتهم. علمت لم هو حزين؟ الكاذبون وحدهم هم الذين يمكن أن يكونوا سعداء الآن. والذين تكون لهم السماء معتمة.
قال لي: "كل أصنام عصرنا الحالي هي أصنام في العقل." كانت كلماته موزونة مثل سلسلة من اللؤلؤ.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليلى أبو العلا
نبذة قصيرة عن المؤلفة: ولدت الكاتبة
(1964م - ) لأب سوداني وأم مصرية، ودرست حتى المرحلة الجامعية بالسودان، حيث تخرجت في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في عام 1984م، ثم تحصلت على درجات عليا في الإحصاء من بريطانيا.
نشرت الكاتبة باللغة الإنجليزية روايات "المترجمة" و"مئذنة في ريجنت بارك" و"حارة المغنى" و"كرم الأعداء" ومجموعة قصصية بعنوان "أضواء ملونة". ترجمت أعمالها إلى 14 لغة، ونالت عن معظمها جوائز عالمية. تقيم الكاتبة الآن بأبردين في بريطانيا.
  • Like
التفاعلات: مليكة ابابوس

أحدث المراجعات

لا أعرف من يأتي السحر.. من جمال النص الأصلي أم من ترجمته البسيطة الممتنعة؟
هي نصوص تأسر القارئ ببساطة فكرتها و إصرارها على التوقف عند التفاصيل العابرة و العميقة في آن..، لغة حكائية كهذه لا يمكن إلا أن تنبع من عمق الالتحام بطين العالم و جمره،
كتابة رقيقة و دقيقة، و مختلفة..
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى