مصطفى معروفي - الجوع عند الله في خزائنه

يقول الإمام الغزالي فيما أورده عن أبي سليمان: الجوع عند الله في خزائنه لا يعطيه الا من احبه.
إحياء علوم الدين /الجزء الثالث/كتاب:كسر الشهوتين:بيان فضيلة الجوع وذم الشبع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرأت هذا الكلام للإمام الغزالي، و يبدو أنه يتبناه، فأثار استغرابي، لأنني أعتقد أن الجوع من نقم الله سبحانه وتعالى على العباد، وليس نعمة، فمن منا يحب الجوع ويرضاه لنفسه؟
حقيقة أننا نصوم ونجوع ابتغاء مرضاة الله تعالى، نجوع النهار لنضع حدا لجوعنا نهاية اليوم، ونحن إذ نصوم لا نريد الجوع لذاته لأنفسنا، وإنما نريد به التقرب إلى الله عز وجل.
ويبدو أن كلام الإمام الغزالي ليس على إطلاقه، وإلا فإننا نرى أقواما يتعرضون للمجاعة، وفيهم الوثني والمشرك وفيهم من لا يؤمن بالله تعالى، فهل هؤلاء القوم سلط الله عليهم الجوع لأنه يحبهم.
حقيقة أن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بأشياء هو أعلم بفائدتها ونفعها لهم، من هذه الأشياء الخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، كما يحدثنا القرآن الكريم بذلك، لكن أن يكون الجوع عند الله في خزانة ويسلطه على من أحب هنا يكمن السؤال:
لماذا يحب الله العبد ثم يجيعه لأنه أحبه؟
أليس الأحرى بهذا العبد أن يعيش منعما مكرما مادام الله يحبه وهو يحب الله ويعيش في طاعته؟
نحن لا نتدخل في مشيئة الله ولا في تدبيره لشؤون العالم، ولكن يحق لنا أن نناقش الآخرين في فهمهم لهذه المشيئة وتفسيرهم لتدبير الله ،فنحن حبا في المعرفة و الوصول إلى ما يطمئن إليه القلب نريد أن نفهم و نصل إلى استنتاجات من كلام الغزالي في ما أورده عن أبي سليمان في هذه القضية.
و الله من وراء القصد و هو ولي التوفيق.

تعليقات

صديقي الغالي السي مصطفى

جميل هذا المقال الذي فصلت فيه ما بين أبو مالك ( الجوع) وابو جابر ( الخبز ) من اتصال ، واثرت فيه موضوعا اجتماعيا يشكل افة من مضاعفات التخلف وسوء التدبير السياسي ، وغير ذلك من الاسباب الاقتصادية والسياسية ، وقد سجل التاريخ العديد من الجائحات والمجاعات اضطر الناس خلالها الى اكل القطط والجيف .. ولعل المغرب الذي يعد من الدول المتخلفة و على هذه الحالة من العشوائية السياسية والتسيب والانهيار الاقتصادي ليس بمعزل عن المجاعات والاوبئة ، بلد لا تغسل مصائبه سوى الامطار .. وبرغم ذلك قد لا يجدي ذلك وسط فوضى التسيير .. اسوق هنا بيت السياب ( ما مر عام والعراق ليسفيه جوع.. مطر ،مطر ، مطر ..) وهذا التكرار تأكيد على تواجد الجوع برغم وجود الامطار..
فنحن نقدس الخبز ونبوسه ونزيحه عن الطرق ، وتصرف مثل هذا لا يمكن الا ان يفسر العلاقة بين الانسان والخبز ، ولا شك ان وراء ذلك خكاية ما
ويقول النبي: "أكرموا الخبز فإن الله أكرمه وسخر له بركات من السماء والأرض، ولا تسندوا به القصعة فانه ما أهانه قوم إلا ابتلاهم الله بالجوع".
وقد اوجز عبد الرحمن المجذوب متحدثا عن الخبز
الخبز يا الخبز و الخبز هو الافادة/لو ما كان الخبز ما يكون دين و لا عبادة
بخصوص الامام الغزالي اعتقد جازما انه يقدم فتاوى لجهات معلومة، و انه لم يعرف حرقة الجوع في حياته ، وعاش حياة باذخة هنية لهذا نجده يصبر المؤمنين الجوعى البائسين .. فالجوع من مسببات الفقر والفقر كاد ان يكون كفرا ، ثم أن ابا ذر الغفاري يعجب لمن لا يجد زاد يومه ولا يخرج شاهرا سيفه
وعلى ذكر مقولة الامام الرجعي المتزمت الناصح نجد بالمقابل ابا العتاهية الذي يأمر الناس بالنسك والنقتير في اشعاره ، بينما يعيش في بحبوحة عيش مما كانت تغدقه عليه قصور الخلافة العباسية من هدايا واعطيات وخيرات

كل الود اخي الغالي
 
التعديل الأخير:
أخي الأستاذ العزيز السي المهدي،
أشكرك على التفاعل المفيد مع مقالي و أقول:
كثيرا ما كنت أسمع و أقرأ عن الصوفية (الرسالة القشيرية مثلا)فأتعجب لصبرهم على الجوع الأيام و الليالي،و إن لم تخني الذاكرة فقد قرأت أن ذا النون المصري قال أنه من امتنع عن الطعام سبعة أيام ثم قال إنني جائع فهو ليس صوفيا.كلام غريب و عجيب في آن احد.
ما أثارني في ما جاء به الغزالي هو أن الجوع يسلطه الله على من أحب من عباده ،و قد أعجبتني فطنتك إلى أنه ربما كان يسوِّق فكرة (أيديولوجية) يسكّن بها تذمر الجياع و غضبهم في زمنه حتى لا يتمردوا على أولياء نعمته.
الجوع شيء قاس ،و هو رديف الفقر الذي هو بدوره رديف الكفر،فتصور معي سيدا يمنع عن عبده الطعام ثم يقول له ما سلطت الجوع عليك إلا لأنني أحبك ...فلا شك عندي أن هذا العبد سيجيبه هكذا:
ـ سيدي أطعمني و لك أن تكرهني...أمعائي لا تتحمل أن تكون فارغة.
لك شكران مني السي المهدي،الأول على الرد الكريم ،و الثاني على تذكيرك إياي بقصيدة من غرر الشعر العربي المعاصر للبدر السامي.
التحيات الزكيات مولانا.
 
أعلى