زكريا تامر - الطوفان

  1. صدقنا بأن الطوفان آت، فهرعنا إلى جوف السفينة الموشكة على الإبحار، وما إن أبحرت السفينة حتى تلاشى خوفنا وقلقنا، وتنهدنا فرحين بنجاتنا، وتحلقنا حول بعض الركاب متسائلين عن وجهة السفينة.
قال الراكب الأول : لا أعرف البلد الذي تقصده السفينة، ولكنه سيكون بلداً الحياة فيه آمنة مريحة، أكل ونوم.
قال الراكب الثاني : ما أعلمه هو أنها سترسوا أخيراً في ميناء تابع لبلاد من يعمل فيها شهراً يستطيع عمله أن يكفل له دخلاً يتيح له أن يستريح سنة.
قال الراكب الثالث : أي بلد تقصده السفينة سيكون أفضل من البلد الذي كنت أحيا فيه.
قال الراكب الرابع :لا أدري، ولا أحد يدري، ومن يدري سيقول إنه لا يدري.
قال الراكب الخامس : أنا لم أركب في هذه السفينة إلا لأن الركوب مجاني.
قال الراكب السادس : أنا أحب النوم على هدير الأمواج، وهو يجلب لي فيضاً من المنامات السارة.
قال الراكب السابع : رأيت الناس يتزاحمون على الركوب في السفينة، فزاحمت ونجحت في الركوب.
قال الراكب الثامن : ما دامت السفينة تسير، فلن تظل تسير، ولا بد لها من أن تتوقف في ميناء من الموانىء.
قال الراكب التاسع : تعوّدت ألا أسأل عن وجهة أية سفينة أركبها بل أسأل عن مطعمها وما إذا كانت وجباته شهية ورخيصة وصحية.
قال الراكب العاشر : لا فائدة في السؤال لأن السفينة ستتعرض لحادث غامض مروع يؤدي إلى غرقها وعدم وصولها إلى أية أرض.
قال الراكب الحادي عشـر : لم أحاول أن أسأل أي سؤال، فكل سؤال يكشف عن فضول لا مسوغ له ولا سيما وأن الأوان ليس أوان الفضول والأسئلة.
ولم نحاول أن نسأل الراكب الثاني عشر لأنه كان من الواضح أنه ركب السفينة كي ينشل الركاب ويسطو على ما في جيوبهم.
ولما لم نتلق من الركاب أي جواب مقنع، فقد تنبهنا إلى أننا أهملنا أن نسأل من كان ينبغي لنا أن نسأله أولاً، وهو ربان السفينة، ولكننا عندما قصدناه سائلين عنه، اتضح لنا أن السفينة بغير ربان، وأن رحلتنا ستزخر بالمفاجآت.

( كتاب " سنضحك " 1998 )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى