ألييت جاباس* - سرد الهواة.. من الخيال العابر متداخل الفنون إلى محو شخصية المؤلف - ترجمة: لطفي السيد منصور**

مسرد مصطلحات
كي نسهل عملية القراءة نقدم مسردًا لبعض الاصطلاحات التخصصية المستخدمة في الصفحات التالية، وهو مصنف ألفبائيًّا. سيبدو بعضها مألوفًا للقارئ، لكنها مراوغة، وأخرى غير تخصصية في سرد الهواة. حتى عندما طرحناها أثناء عملنا، اخترنا إعادة التعريف هنا بالمفاهيم المفاتيح لهذه الكتابة كما اتفق عليها اليوم. معظم هذه التعريفات مستقاة من موقع الإنترنت (ليس أكاديميًّا) "Fanlore" فانلور، الذي يحاول جمع وإحصاء ممارسات الهواة والمفردات المقترنة بها. في غالب الأحيان، من المستحيل تحديد الجذر الاشتقاقي لهذه التعبيرات، لكننا سنبذل قصارى جهدنا لطرح مختلف الفرضيات الموجودة.
• ANGST القلق: في الإنجليزية تعني هذه الكلمة القلق. في إطار خيال الهواة تصف هذه الكلمة نصًّا يجعل القارئ يشعر بهذا الإحساس؛ كتابة درامية تتركَّز حول موضوعات شائكة، وحول معاناة شخصية ما أو شخصيات عدة.
• BRIT-PIKING البرطنة: يعني التحقق من أن الشخصيات تتفق، وأقوالها، وأفعالها ومواقفها التي تقابلها مع المجتمع البريطاني؛ حيث من المفترض إنها أتت منه. اللفظة مشتقة من التعبير الإنجليزي تصيد الأخطاء (nit-pick) الذي يشير إلى عملية كشف الأخطاء الدقيقة في خطاب مؤلف آخر.
• Canon الأثر الأصلي : مجموع المعارف والنصوص التي تعد أصلية وموثوق بصحتها، بوصفها الأساس لثقافة "مجال الهواة" fandom؛ أي مجموعة المعارف التي ينتجها العمل ويتشاركها كل القراء؛ انطلاقًا من الأسماء والعلاقات بين الأشخاص حتى، في بعض الحالات، المكون الغازي للغلاف الجوي لكوكب ما، اختفى منذ فترة طويلة قبل بداية التاريخ المحكي. يوضح ريتشارد سان جيليه أنه ليس هناك أثر أصلي "canon" إن لم يوجد أيضًا، من جهة أخرى، منطقة موسعة تقريبًا، والتي تستبعد لسبب أو لآخر، ولنأخذ مثالًا لبعض نصوص "كونان دوايل" التي بقيت غير منتهية، غير منشورة أثناء حياته أو المشكوك في أبوتها، التي لم تعتبر بشكل عام أثرًا أصليًا "canon". بطريقة أكثر تعقيدًا، عدد ما من (التريكي)، المعجبين المواظبين على مشاهدة ستار تريك، يختزلون "أثرهم الأصلي" في أول مسلسل تليفزيوني يحمل هذا الاسم، رافضين الأفلام وكذلك المسلسلات اللاحقة: لابد أن ندرك تمامًا أن الهاوي بقدر ما هو مبدع ناقد أيضًا، كل "سرد هواة" يمكن أن يكون مقروءًا كتعليق على "أثر أصلي" ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من التحليلات من جانب قراءه. اللفظة؛ تشير في الأصل إلى النصوص الدينية، وكان قد تم استخدامها للمرة الأولى بالتعاون مع ممارسات الهواة من قبل مجال هواة "فندوم" "شيرلوك هولمز" في عام 1911. يمكن أن تستخدم الكلمة بوصفها اسمًا أو صفة (سوف نقول عن هذا الحدث إنه "أثر أصلي" كي نقول إنه موجود في العمل الأصلي).
• Character Study دراسة الشخصيات : يهتم سرد الهواة بإحدى شخصيات العمل الأصلي بدلًا من السيناريو الخاص بها، يحاول أن يقدمها بتفاصيل أكثر أو بشكل ما لفهمها على نحو أفضل.
• Crossover التقاطع : تكتب أيضًا (Cross-Over) أو(Xover). التقاء فندومين؛ المقصود سرد هواة ينبع من أثرين أصليين مختلفين يتعايشان، وهذا ما يحدث في الغالب الأعم من خلال التقاء شخصيات تجيء من عوالم مستقلة. وهكذا نتحصل على قصص فيها الطبيب (من المسلسل التليفزيوني Doctor Who) ينقذ "شيرلوك هولمز" عندما يقفز من أعلى مستشفى "سان بارت"؛ حيث "جون واطسون" وهو صديق قديم لـ "جيمس بوند".
• Disclaimer إخلاء المسئولية: يعني حرفيًّا تحديد المسئولية أو التنصل من المسئولية، والأمر يتعلق بإعلان يتم عادة في بداية سرد الهواة؛ حيث المؤلف يتنصل من أي رغبة في سرقة أدبية، ويذكر أن الشخصيات والسيناريو والعالم كان قد تم إبداعهم أصلًا من قبل مؤلف آخر. قد يتخذ هذا الإعلان أشكالًا - إلى حد ما- جادة، ويتضمن في بعض الأحيان تحذيرات للقارئ، ويخبره - على سبيل المثال- بوجود موضوعات صعبة قد تصدم أو تزعزع استقرار بعض الأشخاص.
• Fan الهاوي أو المعجب : هذا المفهوم هو ربما الأصعب في تحديده؛ لإنه موضوع للعديد من الدراسات السوسيولوجية، ومن ثم العديد من النقاشات، عمومًا يشير المصطلح إلى الجمهور، قراء فيلم، كتاب، مسلسل تليفزيوني أو أي عمل آخر، من خلال علاقاتهم الفاعلة مع هذا الأخير. الأمر فقط هو التعبير عن تقديره؛ الهاوي هو ذلك الذي لا يكتفي بالعمل كما عرض عليه، ينقده، يحلله في محاولة للحصول منه على الكثير.
• Fandom مجال الهواة : مجموعة مشكلة حول نص أصلي مشتملة على إنتاجات الهواة والهواة أنفسهم. يشير المصطلح عمومًا إلى المجتمع الذي كونه الهواة، لكنه في سرد الهواة، يشير بالتبعية إلى النص الأول (بالمعنى الواسع، قد يعني الأدب، والأفلام، والمسلسلات التليفزيونية، والكوميكس، وحتى الواقع) الذي من حوله تنتظم إعادة الكتابات، إنه يعني على الأرجح نحت يشير إلى مفهوم : مجال الهواة.
• Fanon فانون: يشير هذا المصطلح إلى العناصر التي تعتبر عمومًا حقيقية من قبل الفندوم (الموجود أصلها عبر سرد الهواة الشعبيين) والتي لا تتعارض مع الأثر الأصلي canon ويمكن أن تندمج بسهولة مع هذا الأخير.
• Fusion الاندماج: الفرق بين التقاطع والاندماج دقيق (لأنه في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بالعمل على التقاء فندومين مختلفين؛ على خلاف التقاطع، لا يؤدي الاندماج إلى تعايش شخصيات هذه الفندوم، لكن تلتحم شخصيات الأول بالنسيج السردي للآخر حتى تتخذ مكان الشخصيات الأصلية، يوجد هذا التعبير منذ عام 2000 وقد صار شعبيًا على نطاق واسع في 2005 من خلال خلق مجتمع كامل من الكتابة المكرسة لهذه الظاهرة.
• Hurt/Comfort الأذى/ الراحة: نوع تعاني فيه الشخصيات بشكل بدني، عقلي، أو الاثنين معًا، قبل أن تُسَاعد أو تشعر بالارتياح من قبل آخر.
• Johnlock جونلوك: اسم مزدوج مشكل من "جون واطسون" و"شيرلوك هولمز". قد يستخدم هذا المصطلح أيضا باعتباره صفة، لتشير إلى سرد الهواة الذي سنعثر فيه على هذا المزدوج. إنه المزدوج الأكثر شعبية في هذا الفندوم. الاسم مشتق من اندغام الاسمين الأولين لهاتين الشخصيتين، إحدى الطرق الأكثر شيوعًا لخلق أسماء مزدوجة. سنجد أيضًا كتعبيرات مترادفات "شيرلوك/ جون"، "جون/شيرلوك"، " SH/GW"، "شواتسون لوك"، "هوتسون".
• Kink meme كنك ميم: مكان للنشر وللتفاعل حول سرد الهواة على مواقع الإنترنت، القائمة على أساس تشجرات من التعليقات مثل (ليف جورنال Live Journal)، أو (دريم ويدث Dreamwidth). يستطيع كل واحد أن يدخل إليها ويعرض فيها تعليقاته السريعة، أو يطالب بكتابات سرد هواة حول هذا أو ذاك الموضوع، والتي يمكن أن تكتب بعد ذلك من قبل أي شخص مهتم، أشخاص عدة، أو بعضهم تلو بعض. في ذلك يلعب عدم الكشف عن الهوية دورًا عظيمًا، لاحظ استخدام "كينك" لا يعني أن كل هذه الصفحات ذات طابع جنسي، حتى لو أن بعض التعليقات السريعة تميل نحو التعريف الكلاسيكي للكلمة(1)."ميم" هنا نشاط بسيط(2)، أدبي وفني، يُنقل عن طريق المشاركة والتكرار.
• Meta الشارح: كلمة مأخوذة عن الكلمة اليونانية "Meta"، وهي بمثابة مفهوم تجريدي لمفهوم آخر. وللكلمة معان عدة في الفندوم؛ وهي إما تشير إلى نقاشات وتحليلات تنطوي على أعمال هواة أو حول المجتمع نفسه، وإما تشير إلى كتابات سرد الهواة التي يكون موضوعها الفندوم.
• OC "Original Character" الشخصية الأصلية: وهي شخصية مبتكرة من قبل مؤلف سرد الهواة، والتي لا توجد في الأثر الأصلي.
• OOC "Out Of Character"، أو "hors caractère" خارج الشخصية: كما تقال بالفرنسية. عندما لا يتوافق سلوك شخصية مع الطريقة التي كانت قد كتبت بها في النص الأصلي؛ هذا النوع من الانحراف في الغالب ما يُعتبر نقيصة، ما لم يقدم الكاتب أسبابًا وجيهة لهذا الابتعاد إزاء الأثر الأصلي، أو فليمنع ذلك من بداية اللعبة.
• Pairing الاقتران: زوج من الشخصيات. الاقتران يمكن أن يكون أثرًا أصليًّا أو لا، لكن سيتم تحديده عمومًا مع بداية كل سرد هواة، بين شخصيات أخرى؛ لأن بعض القراء سيرفضون هذا أو ذاك الاقتران، أو يظهرون تفضيلًا ملحوظًا تجاه اقتران مميز.
• Podfic بوديفيك: مشتقة من الكلمة podcast، "بودكاست"؛ والمقصود تسجيل سرد هواة مقروء من قبل شخص أو هواة عدة أو في حالات نادرة جدًّا من قبل مؤلف النص.
• Post بوست: وحدة النشر على الإنترنت. يمكن أن يكون مقال، تعليق، أو كتابة سرد هواة....
• Prompt تعليق سريع: اقتراح بفكرة سرد هواة. قد تكون نقطة انطلاق، لعنصر ما، لمعالجة كاملة، أو جملة بسيطة لتكون بمثابة إلهام.
• Racebend تحوير الأصل: إعادة كتابة لأثر أصلي ما عن طريق تغيير ثقافة المنشأ لإحدى الشخصيات أو لشخصيات عدة، يجب أن نتذكر أن اللفظة "race" "عرق/ عنصر" لا ينظر إليها كما كلمة عرقي (raciste) في الإنجليزية.
• RPF شخصية سرد هواة واقعية: Real Person Fanfiction”": نجد أحيانًا أن المصطلح (شخصية سرد هواة واقعية) أو شخصية سلاش واقعية، والذي يكون أكثر تحديدًا؛ هو نوع معين من الفندوم، لا يرتكز على خيال ولكن على شخصيات واقعية، في الغالب، ممثلين، مغنيين، أو رياضيين معروفين.
• Ship الشيب: زوج من الأشخاص، لا يكون موجودًا في العمل الأصلي، يمكن أن يكون أي شخصية، رئيسية أو ثانوية، ومن ثم العلاقة في الأثر الأصلي ليست (بشكل مفتوح) رومانتيكية.
هذا المصطلح لا يقتصر على سرد الهواة، في الغالب يستخدم في النقاشات داخل الفندوم، كل زوج عمومًا له اسمه، نتحدث -على سبيل المثال- عن الزوج (جون لوك) أو (فينسيست). نتحدث أيضًا عن ناقلين (بالنسبة إلى الأشخاص) أو عملية نقل (من أجل عملية دعم هذا أو ذاك الزوج)؛ كل هذه الألفاظ بمثابة اختصارات ومشتقات من كلمة علاقة.
• Slash سلاش: تشير إلى نوع من سرد الهواة (أو إلى أي إبداع آخر للفندوم) يتضمن علاقة غرامية و/ أو جنسية بين أشخاص من نفس الجنس، من دون أن تكون هذه العلاقة في مركز القصة. نتحدث أحيانًا عن "الفيمسلاش" لتحديد أن الشخصيات المعنية بهذه العلاقة ستكون نسائية، اللفظة تأتي من علامة الترقيم المسماة بذلك، التي تفصل بين أسماء الشخصيات الموجودة في حالة اقتران، منذ مسلسل "ستارتريك"، ومن شخصيات سرد الهواة s/k، أو "Kirk/Spock".
• Tag تاج: كلمة رئيسة، استخدام هذه التاجات هو إحدى علامات الإنترنت فيما يخص هذا الشكل من الكتابة بما أنها تستخدم بداية، لتنظيم النصوص داخل الموقع نفسه، وليشار إليها حتى يتم العثور عليها بسهولة بالغة من خلال أدوات البحث، كما إنها تستخدم للتحذير مقدمًا من محتوى كل كتابة سرد هواة، إنها تقسم عمومًا إلى تحذيرات (تحذيرات من محتوى قد يصدم) اقترانات وتاجات إضافية.
• UA "Univers Alternatif" كون بديل (UA): أو(AU) (Alternative Universe بالإنجليزية. يشير إلى سرد هواة العالم المطروح فيه ليس متوافقًا مع الأثر الأصلي الذي تأتي منه الشخصيات، قد تكون التفاوتات دقيقة، يبدل المؤلف فقط بعض التفاصيل، بجعل "جون" و"شيرلوك" يتقابلان في وقت مبكر، على سبيل المثال، لكن يمكن أن يحدث أيضًا تغييرًا كليًّا في الديكور، وضع هذه الشخصيات نفسها في عصر آخر، في عالم خيالي، أو أن يتم تغيير بيئتها الاجتماعية كليًّا. سيتم النظر إلى نص سرد الهواة حول "شيرلوك هولمز" القائم في بيئة مشاكسة في سنوات الثمانينيات، باعتباره كونًا بديلًا ،على سبيل المثال، فلنلاحظ أنه أحد التعبيرات النادرة التي يتم استخدام التدوين الفرنسي فيها.
• WIP ويِب "Work in progress”: العمل في حالة تقدم؛ يشير المصطلح في الأصل إلى نص ينشر تدريجيًا أثناء كتابته؛ لأن الكثير منها سوف يهجر قبل إتمامها، سوف يُستخدم أيضًا للحديث عن نص متوقف، حيث لن نعرف متى (أو لو) البقية قد تنشر.

مدخل
ربما لا نزال نتوقع أن الذاكرة الأدبية تركز على مؤلف ما، جنس أدبي ما، أو عنصر ما من الأدب المنشور، اعتمادًا على أعمال معتمدة، على ما يمكن أن نسميه الأدب "الرسمي". بيد أن، مع تطور تكنولوجيات جديدة، بشكل رئيسٍ بفضل شيوع الإنترنت، ثمة أدب آخر في طريقه للظهور: النسخة الرقمية. التغييرات التي يطرحها ويثيرها تدفع الباحثين على نحو حثيث إلى التساؤل حول هذه الصيغة الجديدة للنشر وإلى مفهوم الأعمال الأدبية. بالنسبة للكثير، الأمر ليس مجرد تغيير في الدعم، تحول بسيط للرواية المنشورة على الورق نحو دعم تكنولوجي مثل التابلت أو القارئة الإلكترونية. إن التغيير في صيغة القراءة ينطوي على تغيير في أشكال الكتابة، يمنح ميلادًا لنصوص أُبدعت خصيصًا لتقنيات النقل الجديدة هذه، لأن العمل الإلكتروني يمنح إمكانية صيغ سردية غير مسبوقة، أشكال حكي غير مستكشفة. نتمني أن نقترب أكثر من هذا الميدان البحثي (نسبيًا) الأحدث من الدراسات الأكثر تقليدية وأكاديمية حول الأدب العظيم، لكن ليس هدفنا الاهتمام فقط بطريقة جديدة في النشر والطباعة، لن نقوم بدراسة المظهر الجديد للأشكال الكلاسيكية المنجزة بالفعل، ولا الأدب الرقمي في مجمله، الانطلاق من حدس التغيير في هيئة النصوص المتاحة من خلال تطور الإنترنت، سوف نهتم بكتابة رقمية نوعية، سرد الهواة، لنفهم كيف أن استخدامه الخيالية العابرة والميديا العابرة يسمح له بأن يعيد النظر في شخصية المؤلف.
المصطلح الفانفيكشن (fanfiction) مأخوذ من اللغة الإنجليزية؛ ويعني النصوص (السردية) المكتوبة من قبل كتاب هواة amateurs) les fans) الذين يعيدون تناول أعمالًا أصلية بتأييد كامل لإعادة كتابتها، من الصعب وضع تاريخ لهذه الظاهرة، سنعود إلى ذلك، لأن تحديده إشكالي. إذا كانت ظاهرة إعادة الكتابة قديمة، فإن هذه الممارسة جديدة بعض الشيء بشكل خاص، وتتمتع بحرية كبيرة في قوانينها، كما سنوضح ذلك. الأشكال في ذلك متنوعة: يمكن للمؤلف أن يستعيد القصة الأصلية مغيرًا أحد عناصرها (مثل العصر أو العالم الذي تدور فيه أحداث القصة) مضيفًا إليها أحداثًا (عن طريق بحث ما أو مغامرة إضافية، على سبيل المثال) أو مستكشفًا موضوعات أخرى (بالتركيز على العلاقات بين الشخصيات أو على خصوصية عالم ما أكثر من السيناريو الأصلي) بتحديد أو تعميق شخصيات ثانوية... بعيدًا عن الاقتصار على الأساطير، أو حتى الأدب، فسرد الهواة يعيد كتابة أي أعمال خيالة، ويتعرض حتى للواقع، مازجًا الأنواع الأدبية والموضوعات دون صعوبة. هذا النوع من القصص، الذي لا يزال إلى حد كبير تحت الإنشاء، يعود إلى العام 1950، على الأقل، بالنسبة لإنجلترا والولايات المتحدة. في ذلك الوقت كانت دوائر بث هذه النصوص أصغر من ذلك بكثير، وإلى حدٍّ ما كانت مكونة أساسًا من مجلات الهواة؛ مجلات الهواة المخصصة عادة لنشر نوع معين من سرد الهواة من بين أشياء أخرى. كما إنها أتاحت للمؤلفين والقراء الدخول في علاقة، إما من خلال اتصالتهم وإما من خلال نشر رسائلهم مباشرة. كان من الممكن أيضًا الاشتراك في روابط؛ حيث كان الأعضاء يكتبون نصوصًا يتم تناقلها بالبريد، ثم أصبحت آلة التصوير فيما بعد هي الوسيلة الأكثر شيوعًا للحفاظ على نسخة من أفضل القصص، إذن، كان الوسيط الورقي مكان وجود هذه الإبداعات، لكنها سرعان ما هُجرته لصالح الإنترنت، الذي فضل التطور الدولي على نحو موسع لهذا الشكل من الكتابة، حتى لو أن الظاهرة كانت قد انتشرت بالفعل في أكثر من بلد: "هنري هنكنز"، في "نصية الصيادون"، يسلط الضوء -على سبيل المثال- علي التفاعل بين الهواة الإنجليز والأمريكيين، موضحًا أشكال التعاون والتبادل المنتشرين في هذه الفترة حتى يسمح لأكبر عدد بالدخول إلى الأعمال الأصلية، وكذلك أعمال سرد الهواة، لم يكن تطور تسجيلات الفيديو والويب بسرعة في سنوات 1990 المسؤول، إذن، عن ظهور هذه الكتابة، بل سوف يسمح لها بالتوسع، وتكوين جماعات حقيقية. منذ ذلك الحين لم تتوقف عن التطور- ما يفهم بسهولة عندما نأخذ في الاعتبار تنوع هذه التكنولوجيات والحقيقة المعني بها ممارسة الهاوي- على الرغم من أن أشكال وقوانين هذه الصيغة من الكتابة عديدة، وفي حالة دائمة من إعادة الخلق.
نجد أيضًا تباينات كبيرة وفقًا لأماكن المنشورات، المجتمعات المحلية المعنية، وعلى نطاق أوسع اللغات التي كتبت بها هذه النصوص؛ إنه أحد الأسباب التي من أجلها نتبنى منهجًا مقارنًا، بأن نضع سرد الهواة جنبًا إلى جنب مع الأجناس الأكثر تقليدية للكتابة ومقارنة النصوص الفرنسية وتلك، وغيرها الكثير، المكتوبة بالإنجليزية. (من الأهمية أن نشير إلى أنه لا يمكن الحديث عن "نصوص إنجليزية" من دون المجازفة بعدم الدقة، لأن جزءًا كبيرًا من إنتاج هذه اللغة كتب من قبل مؤلفين ليسوا أنجلوفون في الأصل) يبرر استخدام هذه اللغة الثانية أيضًا أهميتها التاريخية في هذا المجال.
يمكننا أن نرى أن هذا يتعلق بمجال واسع، ولكنه معروف بعض الشيء، وأيضًا لم يدرس إلى حدٍّ ما. وبعض المباحث في اللغة الفرنسية المتناولة لهذا الموضوع جعلت انطلاقه في الغالب الأعم مع سلسلة "هاري بوتر"، أو وفقًا لزوايا التناول من خلال قضايا النشر والملكية الفكرية، وعلاوة على ذلك، تم إجراء معظم الدراسات من وجهة النظر الاجتماعية، مع التركيز على الهواة أكثر من إنتاجاتهم، منذ أعمال "هنري جنكينز" من بين أخرى، حيث يهدف البحث إلى تحرير مجتمعات الهواة من الكليشيهات التي كانت مطبقة عليهم حتى ذلك الحين، والتي كانت تتأرجح بين التعصب والسلبية المرضية. على الرغم من عدم التعرُّض لسرد الهواة من منظور أدبي، فإن كتابات "جنكينز" حول الهواة، وتجمعهم في مجتمع تشاركي تخدم قاعدة التفكير التي وضعت هنا، أولًا لإنها لا تزال واحدة من الإشارات الكبيرة (والنادرة) بخصوص هذا الموضوع، ومن جهة أخرى لأن أحد فرضيات هذه الدراسة، التي سنجدها مشروحة على طول الصفحات القادمة، هي أن المكون الاجتماعي لهذه الكتابة له تأثير قوي على أشكالها وقونينها؛ ولذا فمن المستحيل أن نغفله، ودون أن نجعل منه مبدأ منهجيًا، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار هذه العناصر كي نشكل نهجًا أدبيًّا لهذه الموضوعات التي لا تزال جديدة ومن ثم تستدعي الدراسة أن نهتم أكثر بالنص المجرد، من الأعمال التي تحيط به وتمنحه ميلاده، وبقراء ومؤلفي هذه الكتابة الخاصة، لأن الأمر يتعلق بمدونة، وبممارسة، لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير، فمن الضروري أن نبني بداية هذا العمل باعتباره أول محاولة لتعريف سرد الهواة، وبالبحث في شكله من أجل فهم القضايا.
عند تقاطع الشعرية ونظريات القراءة، سوف نحاول أن نفهم كيف لهذه الكتابة الشعبية أن توجد حاملة لمفهوم جديد للإبداع الأدبي.
وسيتم تقسيم دراسة هذه الكتابة المراوغة في ثلاثة محاور رئيسة، بداية نحاول التطرق إلى ترسيم حدود هذا الشكل من الكتابة (والقراءة، بما أننا نفترض أن الاثنين يسيران جنبًا إلى جنب)، لفهم ما هي قوانين ومعالم هذا الإبداع عبر الإعلامي، ما إن توضع هذه الأسس، حتى تتقدم التساؤلات بالتركيز على فكرة التناص؛ وهي الظاهرة المكونة لهذه القصص لدرجة أنها بمثابة جوهرها. وفقًا لأعمال "ريتشارد سانت جليه"، سوف تظهر الدراسة كيف يمكننا الانتقال من مفهوم التناص إلى مفهوم -ربما أقل شهرة، ولكنه مهم جدًّا هنا- السردية العابرة. تخطي مصطلح النص التشعبي إلى مصطلح السرد العابر يسمح في الواقع، من بين تطورات مفاهيمية أخرى، بالنظر في سرد الهواة وفي أعماله الأصلية على المستوى نفسه، من خلال مجموعة السرد العابر نفسها؛ أي نصوص مؤسسة من خلال العوالم نفسها وعلى الشخصيات نفسها، ومن ثم عدم النظر إلى أن تفاعلاتها تكون في اتجاه واحد. وسيتيح أيضًا هذا المفهوم الجديد تلافي الوقوع في الشرك الذي يستند على اعتبار العمل الأول متفوق بالضرورة عن تلك القائمة التي تستلهمه، وأخيرًا سوف نركز على الطابع الهاوي لهذا النوع، ولا بدَّ من وضعه في الاعتبار وتحليله على أمل أن نفهم كل الأصول والعلاقات التضمينية وأشكال سرد الهواة معًا، والتي، من خلال مزج عملية الكتابة داخل مجتمع ما، قد يكون السبب في افتراضنا لشكل فريد من أشكال الكتابة، طوال هذه الدراسة، تتداخل وجهات النظر الأدبية والاجتماعية، لأن الأولى في الغالب ما تترك آثارًا على الأخرى، كذلك لم يبدُ لنا من المناسب اختزالها في أفكار منفصلة: نظرًا لأخذ جنس أدبي ما دائمًا مكان ضمن نظامٍ للقيم، والإطار الشعري، ولن تكفي المعايير الداخلية لتحديد سرد الهواة.
لأنه يبدو من المستحيل العثور على نصٍّ من شأنه أن يجمع كل خصائص هذا النوع من الكتابة، وللوضع في الاعتبار التنوع الشديد الذي يعرضه؛ اخترنا ألا نقتصر على نص واحد، والعمل من خلال مدونة كبيرة، تتضمن كتابات سرد هواة متنوعة، والمقارنة أحيانًا بينها وبين الأعمال التي تستلهمها، ومن أجل تناسق أكثر سيتم اختيار معظم النصوص من فندوم واحد، ويشير المصطلح إلى الكتابات كما الأشخاص؛ في الواقع القراء والمؤلفين ليسوا هم نفسهم وفقًا للعمل المختار: في كثير من الأحيان من يقرأ أو يكتب في فندوم "Doctor who" لن يكون موجودًا في فندوم "هاري بوتر"، وكل عمل أصلي سيمنح ميلادًا لكتابات سرد هواة محددة، مما يؤدي إلى مفاهيم وأشكال مختلفة جدًّا من الكتابة، بالطبع سوف يتم دراسة هذا التغيير، ولكن من أجل الكثير من البساطة والوحدة في هيكلنا، فإن معظم المراجع المختارة والنصوص المدروسة ستكون من فندوم "شيرلوك هولمز"، خاصة أحد الأفاتارات الأخيرة؛ سلسلة تنتجها هيئة الإذاعة البريطانية. تعكس أعمال هذا المجال المتنوع المتأصل في سرد الهواة، وتكوِّن مجتمعًا شابًّا نسبيًّا، ولكن نشط للغاية في العديد من اللغات، وعلى مستوى العديد من الوسائط الرقمية، وعلاوة على ذلك، نظرًا لأنه يتعلق بموضوع يشتمل على مادة للعديد من كتابات إعادة الكتابة والاقتباسات "الرسمية"، يمكننا هكذا دراسة الاختلافات بين إعادة كتابة "احترافية"، أكثر كلاسيكية، وسرد هواة، لفهم ما احتفظ به هذا الشكل الأخير من الكتابة من جذوره العريقة، والخصائص التي تجعل منه نوعًا منفصلًا.
ومع ذلك فإنه سيكون من المستحيل دراسة جميع نصوص هذا الفندوم، فهي كثيرة العدد بالنسبة لذلك: في ذلك الوقت، وأنا أكتب هذه المقدمة كان هناك 21142 سردية هواة تستند فقط على مسلسل الـ" بي بي سي"، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك موقعًا واحدًا فقط للنشر، (archive of our own)، دون أن نضع في الحسبان المواقع الأخرى للأرشفة أو الكتابة، أو الإصدارات الأخرى من "شيرلوك هولمز" ... علينا لذلك أن نتذكر أن سرديات الهواة المطروحة أو المذكورة في هذا العمل لا تمثل سوى مجموعة مختارة من كتابات، والتي تم اختيارها في بعض الأحيان لطابعها التمثيلي، بل خصوصًا لفائدتها.
نعلم أن الكتاب الذين نطلق عليهم اليوم كلاسيكيين كانوا عمومًا غريبي الأطوار في وقتهم، وأولئك الذين لم يتبعوا قوانين وعادات وقتهم، وليس الكتاب النموذجيين ومتمثلي الأنواع الأدبية، من خلال هذا المنظور، سأتحصل هنا على حرية أن أبني قاعدتي ليس على ما أصبح شائعًا في سرد الهواة؛ هذه النصوص ذات النوعيات المتلونة والتي توجد في شكل جماهيري، ولكن على الكتاب والأعمال الأكثر غرابة، التي تبرز للعيان ليس فقط آليات هذا الشكل من الكتابة، ولكن أيضًا الأصالة التي يمكن أن تتطوَّر والتنوع الذي توفره.
في هذه الورقة سوف تظهر مجموعة من الصعوبات المنهجية، بدءًا من المؤلفات الأكاديمية الموجودة قليلة العدد، إذا كان من الضروري تشكيل إطار مفاهيمي متماسك حول نظريات القراءة، والسرد، وإعادة الكتابة والمفاهيم الأخرى المعروفة، فالاعتماد على الأعمال الأكثر عمومية، مع ذلك، ينطوي على مخاطرة: مخاطرة البحث فقط في النقاط المشتركة بين الموضوع والكتابات القديمة جدًّا التي يتم من خلالها دراسة هذه المفاهيم، ومن ثمَّ تمثل هذه الأشكال، وإغفال الخصوصية المفترضة لسرد الهواة.
سيواجه التحليل مشكلة أخرى، وهي مشكلة تمازج الفنون والميديا الملازم لهذا النوع من الكتابة. مصطلح التناص، عندما نقرنه بذلك، يفترض أن نفهم النص كما يفعل "ستانلي فيش"، أي، وكأنه لا يقتصر على الأدب أو حتى الكتابة: النص الأول الذي تستند عليه الأعمال مناط الدراسة قد يكون كذلك كتابًا، فيلمًا، أو حتى الواقع نفسه. لفهم هذه الأشكال من إعادة الكتابة، والاقتباس يجب، إذن، أن نهتم بتمازج الميديا بوصفها دلالات سيميائية، بتداخلاتها وهيراركيتها، والتي تقدم الكتابة لمرة واحدة باعتبارها الأولى من حيث الأهمية، وليس من حيث التسلسل الزمني. هنا نميل إلى القول بأن مجتمعنا يكن عبادة للصورة، التي تجذب النظر وتأسر الانتباه، في حالتنا الصورة لا يمكن أن تكون الأولى إلا من حيث التلقي، فإنها ليست كافية ويستلزم وضع كلمات. هذا واضح بشكل خاص في الفندومات المرتكزة على الأعمال السينمائية أو التلفزيونية. في حين أن الاتجاه الحالي هو العبور بالسرديات من الكتابة إلى الصورة، على اعتبار أن النص الأدبي ليس كافيًا أو ليس مناسبًا لجذب انتباه الجمهور، فسرد الهواة يميل إلى اجتياح الأعمال المستندة على الصورة لوضعها ثانية في كلمات، هناك ممارسات أخرى، أشكال أخرى من أعمال الهواة حيث سنستدعي فقط، المكملة لهذه الكتابة، هذه الاستعادات للإبداع من قبل قراء أو متفرجين: fanarts فنون الهواة (الرسومات المرتكزة على عمل أصلي وفقًا للآلية نفسها بالنسبة لموضوعنا)، وفيديو الهواة fanvids (فيديوهات مصنوعة من مقتطفات من الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية، بتغيير الحوارات أو تقطيعها بطريقة تعدل من اتجاهها، بالعمل مع الموسيقى) ... ولكن سرد الهواة هو النوع السائد، فهو يشمل الاتجاهات الأخرى، ومن بين جميع السيميائيات تظل تلك الكلمة الأكثر أهمية.
لقد رأينا أنه من المستحيل الهروب من بعض الأسئلة السوسيولوجية حول هذه الظاهرة، ومع ذلك، لا يجب مطلقًا أن يحل محل المعالم الأدبية، التي بعد كل شيء موضوع بحثنا: ينبغي أن يكون الأداة وليس الهدف.
الجدة النسبية لموضوع الدراسة تطرح أيضا مشكلة، وهذه المرة فيما يخص انتقاء الأمثلة والمجموعة: كل اختيار هو مقامرة، مخاطرة لأنه يبدو من المستحيل تقريبًا أن نعرف اليوم أيًّا من سرديات الهواة هذه التي يسجلها القراء والنوع، تبقى مهمة وعلامة خاصة في المستقبل؛ إنها مسألة الهيراركية الثقافية التي تطرح نفسها هنا، والقيمة التي تعطى لكل نص: ما المعايير التي نستند عليها في أحكامنا؟ النصوص الأكثر قراءة في وقت لا تملك أي يقين ببقائها على قيد الحياة بمرور الوقت، كما أن شعبية العمل لا يمكن أن تكون كافية للحكم على طبيعته المستدامة- دعونا نتذكر الصيغة التالية من "بول فاليري" أن "لا جدوى من العالم بغير المتطرفين، ولا يستمر سوى بالمتوسطين. لا جدوى من العالم بغير المشاغبين، ولا يستمر سوى بالمعتدلين". عندما يتعلق الأمر بالحكم على جودة إبداع المعايير الأكاديمية لا تملك قيمة الأبدية أكثر من الرأي العام، لو إننا اليوم نعرف الأهمية التي حصل عليها "إسحق عظيموف"، "راي برادبري"، "فريتز لايبر" في مجال الخيال العلمي، وعلى نطاق واسع في آداب الخيال، فإن هؤلاء الكتاب بدؤوا بطريقة ملحوظة إلى حد ما، من خلال مجلات الإثارة، والمنشورات ذات القيمة المتفاوتة. الظاهرة نفسها بارزة اليوم، يأتي تضخيمها بسبب البعد الدولي لسرد الهواة: لا بدَّ من العمل على نصوص متميزة وذات جودة، لتمثيل هذا النوع من الكتابة، دون معرفة ما إذا كانت ستعبر إلى الأجيال القادمة عادية، والتي بالتأكيد لم نتتبعها بالفعل.

1- مزيج من الفنون وحضور كلي للكتابة: سرد الهواة كتابة عبر إعلامية في بنيتها.
التنوع المتطرف لأشكال وقوانين سرد الهواة يطرح مشكلة عندما يتعلق الأمر بتعريفه. وبالإضافة إلى ذلك، لأنه جديد نسبيًّا وفي حالة تطور، فإنه من الصعب أحيانًا معرفة ما هي خصائصه الجوهرية. وسوف نحاول أن نبين أن العناصر المكونة تدور حول تقليص دور المؤلف، وهي الظاهرة التي وجدت في الأدب في العصور الوسطى، ومرة أخرى في القرن التاسع عشر، ومؤخرًا مع منظرين مثل رولان بارت أو ستانلي فيش، بقدر العمل على نصوص قائمة بالفعل. هذه الكتابة تعمل من خلال (أو بفضل) إزالة القداسة عن شخصية المؤلف.
أ‌- كتابة مراوغة.
• إعادة خلق دون محو: الخاصية الأولى لجنس يستند على إعادة الكتابة لأعمال متعددة.
سرد الهواة هو في المقام الأول شكل من أشكال إعادة الصياغة. إعادة كتابة تستخدم أثر أصلي مقبول الشخصيات، الإعدادات والحبكات التي أنتجها كاتب آخر أو أديب "ليست شكلًا من أشكال الكتابة المهنية فالمؤلف، بدلًا من يخلق عالمًا، قصة وشخصيات أصلية، يختار الانزلاق إلى كون موجود بالفعل، لينتج سردًا يستند على موقف وشخصيات أبدعت من قبل شخص آخر، «fiction based on a situation and characters originally created by someone else» قد يتعلق الأمر باستمرار قصة ما، وأن يضاف إليها عناصر و"مشاهد مقطوعة" لتطوير علاقة، شخصية، أو أخذهم في اتجاه آخر، لتغيير أحد العناصر لمعرفة كيف يتصرف المجموع في موقف أخر. يجمع "شينا بف" (كما فعل "هنري جنكينز" قبل بضع سنوات) هذه الأشكال في فئتين: النصوص التي يسعى المرء إلى أن يحوزها "المزيد من"، إلى زيادة كم القصة أو الكون، وتلك التي يسعى معها المرء إلى “أكثر من شكل"، حيث يتمنى تغيير طبيعة ونوعية النص الأول. في كلتا الحالتين، الأمر يتعلَّق بإعادة الصياغات الصريحة للأعمال المتنوعة، الأدبية والسينمائية على حدٍّ سواء: الأفلام والمسلسلات التلفزيونية هي موضوعات الاختيار.
إن إعادة الكتابة هي بالطبع ظاهرة شائعة، ويستحيل تجاهلها عند دراسة الأدب، ومعظم نصوص ثقافة ما تتقاسم قاعدة مشتركة من المراجع، والخرافات المعروفة تقريبًا، ولكن لا يزال يعترف بها: على سبيل المثال ليس من الضروري أن تكون قد قرأت "أوفيد" و"فيرجيل" لربط شخصية "أورفيوس" بالموت والحب والجحيم. حتى من دون معرفة كل عناصر الأسطورة (من يتذكر أن يأخذ مكانًا في قصة تتحدث عن الراعي والنحل؟)، ومعظم القراء أو المستمعين سوف يستطيعون ربط عدد من العناصر بهذا الاسم أو، على العكس، سوف يفكرون في هذه الشخصية عندما يكون عدد ما من خصائصها موجودًا.
هذه الروايات المؤسسة والتي تتقاسمها المجتمعات بأكملها يعاد صياغتها باستمرار، تفكك ويعاد تجميعها ثانية بشكل آخر، ولكن هذا العمل من الاستعادة والاقتباس يمر دائمًا من خلال تطور النص الأول الذي قد يشعر أنه خيانة، عندما يتوقف عن الحديث إلينا، نقوم بإعادة صياغته ليلائم عصرنا: وذلك الأمر يمر بتقطيع، تعديل في النص، واختفاء بعض المقاطع وظهور سمات جديدة ... وهذا هو الحال بالنسبة لجميع الأعمال المسماة "كلاسيكية"، أصبحت عناصر ثقافة مشتركة، ولكن معالجة الأساطير أمر مثير للاهتمام، بشكل خاص، لأنه من السهل أن نرى فيها عدم إمكانية عملية إعادة الخلق، في الأدب، لا لأن هذه الأساطير المستعادة باستمرار لم يعد لها مؤلف، لم تعد تعتبر كعمل لشخص ما ولكن بوصفها جزء من ثقافتنا، وبوصفها معرفة مشتركة تخص كل العالم. وبصرف النظر عن هذه الحالات المحددة، فإننا نميل إلى اعتبار كل خيال بأنه "خلق فردي لمؤلف واحد،" وربط قصة بكاتب ما وإنه مبدعها ومالكها على حدٍّ سواء، يؤدي إلى فكرة شخصية شبه مقدسة عنه، الحامل الوحيد للحقيقة، ولمعنى عمله.
يتحدى سرد الهواة كليًّا تصور الكاتب السيادي والقاهر. بوضع كل أشكال الفن الإبداعية السردية في المستوى نفسه، وإعادة كتابتها بلا خجل، تعتبر هذه الكتابة أن النص يمتلكه القراء والمبدع على حدِّ سواء، وأن تفسيراته متعددة، ولا يوجد حقيقة، أو تفسير جيد، أو بالأحرى إن وجد فليس له تأثير في النصوص المنتجة من قبل الهواة. في الحقيقة حتى الواقع يخضع لإعادة الكتابة بأيدي هؤلاء الكتاب الجدد، الذين يحددون على الرغم من عدم ادعائهم كتابة ما هو موجود، لكن ما يودون رؤيته، أو ما يمكن أن يوجد. تكون هذه التنبيهات جوهر إخلاءات المسئولية لنوع (ش.ح.خ) Real Person Fiction شخص سرد هواة واقعية. نصوص (أنهار بيند) على سبيل المثال، يبدأ أحد النصوص: ما هو واضح: أنا لا أعرف أي من الأشخاص المذكورين ولم أفكر فيما يعني ضمنًا أن هذا حدث الآن أو سوف يحدث في أي وقت أبدًا.
يسمح مؤلفو سرد الهواة لأنفسهم بإعادة كتابة نص، بتغيير الوسيط والشكل، وكذلك المعنى. كلما استعدنا أسطورة أو نمطًا، فإن الأمر يتعلق باستعادة شخصيات، وكون، وأحيانًا الخط السردي، فلنحاول استخلاص خصائص هذا النوع من إعادة الكتابة الذي ينفصل تدريجيًّا عن النطاقات الأكثر كلاسيكية، إلى حد كبير بفضل حرية واضعي سرد الهواة مقارنة بالأنماط المعتادة من الرقابة المؤسسية الموجودة في الدوائر الرئيسة للإنتاج الأدبي. في حين أن الإقتباس عادة ما يعكس العناصر الأساسية للعمل الأول، وهذا ليس ضروريًا في حالة الـفانفيكشن fanfiction. فلنأخذ اقتباسين من رواية "آرثر كونان دويل A Study in Scarlet "دراسة في اللون القرمزي" العنوان بالفرنسية هو "دراسة في اللون الأحمر une etude en rouge": دراسة في اللون الوردي، A Study in Pink" الحلقة الأولى من المسلسل التلفزيوني المصور من قبل "بي بي سي" والقصة التي كتبها "نيل جيمان" بعنوان: "دراسة في اللون الزمرد A Study in Emerald" هذان الإصداران يتناولان عددًا من الفقرات الرئيسة في الرواية الأصلية، مما يتيح تسمية هذه النصوص بلفظة انتقام المكتوبة "Rache" بالقرب من الجثة أو دور سيارة الأجرة وسائقها. تم تحريف هاتين الفقرتين. ومن اللافت للنظر، كل من هذه النصوص الثلاثة استخدم معنى مختلفًا لكلمة "Rache": في الأصل ترجمة الألمانية للكلمة تعني "انتقام"، مجهود متواصل لكتابة Rachel "راشيل" في هذه السلسلة، والكلمة الألمانية القديمة والتي بطل استعمالها تشير إلى كلب صيد عند الألماني "جيمن". سيارة الأجرة أيضًا، في كل مرة، لها دور مختلف. إذا ما حاولنا تلخيص العمل الأصلي، ستكون هذه الفقرات ملزمة، ضرورية للفهم وللاعتراف بالعمل. في المقابل، عندما يعيد أحد كتاب خيال الهواة كتابة الحلقة" دراسة في اللون الوردي"، لا يمكن أن تظهرا أبدًا (الفقرات). ويعتبر الكاتب أن قراءَه شاهدوا مرة بعد مرة هذا المسلسل، وربما قرءوا أيضًا الروايات، وعلى دراية بهذه الأجزاء من القصة بالفعل: من الممكن إذن التركيز على تفاصيل أخرى.
إن قصة تتناول "جون" و"شيرلوك" كما يقدمهما المسلسل ستكون بمثابة إعادة كتابة لهذه الحلقة حتى لو كان الكون أو النسيج السردي مختلفًا "شروق الشمس وغروب القمر"، على سبيل المثال، إنها "UA" كون بديل للمسلسل، انطلاقًا من الرأي العاجل التالي: "في المرة الأولى التي يلتقي فيها "شيرلوك" "جون"، كان قادرًا على إطلاق عاصفة سريعة من الاستنتاجات التفصيلية والسريعة حول ماضي "جون". لقد صدم "جون"، ذلك لأن، قبل أربع وعشرين ساعة، لم يكن "جون" موجودًا، أو "باللغة الفرنسية" فيما يخص سجل مرتبط بالواقعية السحرية، جون "بناء خارق" فوق طبيعي، صُنع من الرمال، من الورق ...
يعتقد أنه ربما كان شيئاً آخر قبل أن يكون "جون". معطف قديم ربما، بلى من عند المرفقين، تشعث وحال لونه من البقع، أو ربما طائر ما براق العينين، أو حيوان ثديي، أو وريقات محبّرة مسودة من صحيفة، أو كوم صغير من الطمي الأحمر الثري. أي من هذه الأشياء، أو كلها.
فرضيات هذه الحكاية تبدو غريبة على هذا النوع البوليسي الذي ينتمي لمسلسل "شيرلوك"، ولن يتم ذكر اسم القاتل أبدًا في المسلسل، ولا كلمة "انتقام" المتروكة كدليل من أحد ضحاياه، وفضلًا عن ذلك، فإن مشهد وفاة سائق سيارة الأجرة، فقرة مركزية في حلقة "درسة في اللون الوردي"، غائب، بالكاد يفهم ضمنيًّا بعد ذلك: ليس من الضروري أن تكتب هذه العناصر؛ لأنها كانت قد عرفت من قبل القارئ. هذا الـفانفيكشن fanfictionتم تحديده جيدًا على هذا النحو؛ ردود، غمزات تشكل بين الكاتب والقارئ تواطؤ قائم على المعرفة المشتركة. استنتاجات "شيرلوك" (حتى لو لم تكن مفصلة)، أو عادته في حفظ أعضاء البشر في الثلاجة والتي تتكرَّر بانتظام حتى أن هذه العناصر تبدو مهمة للغاية بالنسبة للهواة أكثر من تورُّط سائق سيارة الأجرة. وبالمثل، تدور قصة في كون أحد الفندومات مثل "ستار تريك"، ولكن عدم استعادتها أي شخصيات يجعلها معترفًا بها تمامًا بوصفها fanfictionما دامت تدمج مراجع المجموعة، بالحرب ضد "الكلينجونز"، والافتقار إلى تعاطف "الفولكينز" إن عملية إعادة الكتابة يصنعها فقرات سردية معترف بها كرمزية وذات مغزى أقل من التفاصيل الصغيرة، وفي الغالب ما تكون خاصة بالشخصيات أو بالعالم أكثر من السيناريو. يبدو من المهم بشكل خاص أن نحافظ على بعض النماذج دون المساس بها، وأن نستخدم الكلمة الصحيحة: جزء كبير من التواطؤ بين المؤلف والقارئ يمر من خلال الاعتراف بما يسمى في اللغة الإنجليزية "عبارات شائعة catchphrases"، مثل "متزوج من عملي"، "أنا مدين لكم بالسقوط"، "ليس لي الانقسام"، "اللهم نعم" .
إذا كانت هذه الآلية ضرورية في سرد الهواة، فإنها ربما أيضًا أحد الأسباب التي تتيح صد انتقادات الانتحال التي تتعرض أي إعادة كتابة، عتاب رمزي لمفهوم الأعمال على إنها تنتمي إلى مبدعها. سرعان ما تصبح مسألة سلطة وأبوية النصوص الموضوع الرئيس للنقد، أنصار الكاتب يعتبرون إعادة الكتابة هذه بمثابة ملكية دنيئة، مما يؤدي إلى انحراف "معنى" العمل، رسالته وحقيقته (ناهيك عن المسائل القانونية، ومناقشة مشاكل حقوق المؤلف وحقوق والنشر أيضا بشكل كبير للغاية). حتى لو أن خيال الهواة عادة لا يُجنى منه أي مبلغ من المال، ولا يسعى كتابه أبدًا إلى انتحال شخصية المبدعين الأول لهذه الأكوان التي يستعيرها بعض الكتاب مثل" آن رايس"، كما يرفضوا أن تستعاد أعمالهم. كما يعرب عن ذلك (شينًا بف) على نحو ساخر إلى حدٍّ ما، "هذا الأمر "يرجفه" أن "يتخيل" شخصياته "وقد تم التلاعب بها من قبل محركي عرائس آخرين."
في رأيها فإن "شخصياتها" تخصها، انبعثت كاملة من رأسها وهي وحدها لها الحق في اللعب معها، أن تقرر ما ستفعله الشخصيات أو لا تفعله وكيف تتطور [...] هذه هي المؤلفة كإله.
إن النزعة التملكية للكاتب إزاء ما يعتبره خلقه، ممتلكاته هو شائع، وسبب الكثير من الاحتقار فيما يخص موضوع الدراسة (حذار، رفض خيال الهواة لا ينبغي بالضرورة أن يعزى له تمامًا، هناك حجج أخرى مثل عدم وجود الأصالة). هذه هي الفكرة، التي كان يدين بها بارت، المؤلف القادر كليًّا، وكأنه إله، خالق ومالك كون هو وحده يملك مفتاحه، الوحيد العرف بمعناه العميق، وهو فقط من يستطع التدخل. ولكن في إطار سرد الهواة، إذا كان النص الأصلي في بعض الأحيان يعتبر مقدسًا تقريبا من قبل الهواة، الذين قد يحدث أن يبجلوا (ويكرهوا) مبدعه كإله، هذا الأخير في الوقت نفسه يتم تجريده من أي سلطة فيما يعنيه عمله، أو حول ما يصبح. يفسر (بف) هذا التناقض الظاهري بمقارنة الشخصيات وعلى نطاق أوسع النصوص بعرائس الماريونيت: ما أن تخلق لا يمنع أن يشد خيوطها آخر، ويمكن التلاعب بها بحرية، دون أن يتضمن ذلك العمل على تدميرها، كل مؤلف هو دائمًا صانع "عرائس"، لاعب عرائس. ما أن تكتب النقطة الأخيرة، النص المنشور، سلطته في يد القراء، الذين هم الوحيدون القادرون على منحه معنى، أو بالأحرى معانٍ متعددة. .
• هل يعدُّ سرد الهواة جنسًا أدبيًا؟
لقد عنون (شينا بف) كتابه عن سرد الهواة "الجنس الأدبي الديمقراطي" (Democratic Genre) (le genre démocratique)، كبديهية، دون أن يناقش بالتفصيل هذا المفهوم عن الجنس الأدبي. أي معنى ينبغي أن نمنحه لهذا التعريف؟ مشكلة الترجمة مزدوجة: المعنى الإنجليزي ليس بالضرورة هو المعنى الفرنسي، بل المفهوم الفرنسي ليس فريدًا من نوعه، لإنه اعتمادًا على السياقات يمكن أن يكون أكثر غموضًا مما هو عليه في الأدب، فالأمر مجرد ترادف لكلمات "شكل" أو "نموذج" (وهذه الأخيرة في الغالب غير محددة بشكل واضح، لا تستوفي تعريفًا دقيقًا). تشكل الأنواع الأدبية تصنيفًا أكثر صرامة مما يشير إليه المصطلح في اللغة اليومية، وأكثر إشكالية. أنها تتوافق مع اصطلاحاتٍ ما، في بعض الأحيان تكون موضع تساؤل، ولكنها مع ذلك يمكن الاعتراف بها، والتي بها يجب أن يحدد كل نص. ويمكن تعريف هذه الأجناس من خلال موضوعات محددة مثل الخيال العلمي، من خلال الحالة التلفظية كروايات السيرة الذاتية، من خلال شكل ما مثل القصة... والسؤال هنا عما إذا كان سرد الهواة ينتمي إلى واحدة من هذه التعريفات، أم هو جنس بذاته، أم هو - مثل الظواهر الأدبية الأخرى - خارج هذا التصنيف؟.
عند القراءة، سرعان ما يبدو أن مصطلح "سرد الهواة" يشير إلى كتابات مختلفة جدًّا، ما من شأنه أن المرء لن يجدها في مجموعة واحدة، ولا حتى عند الناشر نفسه: إنها مجموعة من النصوص التي تبدو متنوعة جدًّا بشكل يجعل من الصعوبة أن تنضوي تحت راية من الجنس نفسه، فبقدر مستوى الشكل هناك الكثير من المضامين المطروحة، ومع ذلك لو أن هذه النصوص غير منشورة في مكان واحد (سنعود لاحقًا حول الاختلافات بين الأعمال من حيث مكان النشر وسياقه) فإنها تحمل اسم سرد الهواة نفسه: يبدو، إذن، أن المضمون ليس هو الذي يحدد هذه الكتابة، وليس موضوعًا ما أو شكلًا معينًا. سرد الهواة لا يمكن أن يكون جنسًا بالمعنى المحدد للعجائبي أو للبولار (الرواية البوليسية)، كما تم تعريفهما من خلال ما يسميه "شيفر" القواعد التقليدية (المتعلقة بالمحتوى الدلالي للنص)؛ لأن هذه المواضوعات متنوعة جدًّا بحيث لا يمكن اختزالها في محتوى دلالي محدد: كل سرد هواة يمكن أن ينتمي إلى أي من هذه التقسيمات الفرعية. المؤلف نفسه يمكن أن يكتب أشكالًا من سرد الهواة من حقل الواقعية السحرية أو قصة مغامرات دون أن يغير هذا من نموذج إبداعاته، ودون الحاجة إلى الالتزام بجنس العمل الأصلي الذي يعيد صياغته. وبالمثل القواعد التنظيمية لا تسمح بتحديد سرد هواة ما؛ لأن هذا الأخير قد يأخذ شكل القصة وكذلك السوناتا، مارًّا من الحكاية السردية إلى الشعر دون تغيير الطبيعة. فسرد الهواة -كما الرواية- هو نص سردي، لكنه لا يتبع متطلبات هذا الأخير وقواعده، قد يتناول أيضًا بكل سهولة أغنية أو قصة، مهما كان الشكل الذي يتناوله من خلال الـ الأثر الأصلي canon. القواعد الوحيدة التي حددها "شيفر" والتي ستكون قابلة للتطبيق بالنسبة له يبدو أنها القواعد التأسيسية، والمؤطرة بشكل خاص للهيكل التلفظي للنص: كل كتابات سرد الهواة هي حكايات خيالية تتحمل مسئوليتها على هذا النحو، بأن تدمج في المقدمة التنصل من المسئولية بهدف الإعلان عن هذا الهيكل الخيالي. ومع ذلك، حتى المعايير الأخرى المؤسسة التي حددها شيفر (صيغ التلفظ، الفعل الكلامي وأهداف الآثار اللغوية) لا تسمح بتعريفه، يبدو المعيار الوحيد للخيال أخف من يحدد جنسًا أدبيًا.
فضلا عن ذلك من المستحيل تقديم سرد الهواة بوصفه جنسًا أدبيًا، لديه تقسيماته الفرعية الخاصة بها. ويشتمل بالطبع على الأنواع السردية، مثل الخيال العلمي، والواقعية، والبوليسية، الواقعية السحرية ... ولكن بعض الفئات محددة له. وفي الغالب ما تكون موضوعات متكررة لدرجة أنها أصبحت أجناسًا في حد ذاتها: قصة حب، القلق، الأذى/ الراحة، ودراسات الشخصيات ... ويمكن أن تتقاطع وتتداخل، وبالطريقة نفسها التي تتبع بها روايةٌ تحقيقًا بوليسيًا يجري في سفن الفضاء وهي في طريقها إلى غزو الكون، ولكن تأسيسه باعتباره جنسًا في نظر القراء له أهميته لأنه يعكس فكرة أن سرد الهواة هو أبعد ما يكون عن التصنيفات التقليدية، ويرفض هذه الحدود الصارمة لصالح قوانين جديدة، أكثر مرونة لأنها غير مقننة أكاديميًا.
"إن عمل سرد الهواة "والطبيب" (stillwaters01)(3)، هو خير مثال على هذه القوانين الجديدة. تقدمها تاجاتها كتابع لثلاثة تقسيمات محددة عادة على هذا النحو: دراسات الشخصيات، الأذى/ الراحة والأمور 5 + 1، أو 5 + 1. دراسات الشخصيات/ الأذى/ الراحة تتطابق مع ما يسميه شيفر القواعد التقليدية، ويمكن أن تُعرف من قبل محتوياتها، والمؤشر الأول نص يهتم بشخصية، بمعالجتها وتفسيراتها المحتملة، والثاني نص مركز حول العواطف، معاناة شخصية أو شخصيات عدة، والتي سوف تكون فيما بعد مرتاحة بل منقذة من جانب آخر، المصطلح الثالث، 5 + 1، فإنه يعتمد على المنطق التنظيمي المحدد من قبل شيفر: إن ما يحدده شكله وليس محتواه. كل سرد هواة يتبع هذه الترسيمة يعرض سلسلة من خمسة أحداث مماثلة يتبعها تحول في الوضع، وفي حالة "والطبيب" (and a doctor) الأمر يتعلق بـ "خمس مرات الدكتور واتسون يعالج آخرين ويعالج نفسه مرة" «five times Dr. Watson treated others and one time he treated himself»، بشكل آخر تقال الحكاية خمس مرات، حيث يعالج الدكتور واتسون شخصًا آخر، ونفسه على حد سواء. وكثيرًا ما يستخدم هذا النموذج لتأكيد أو إحداث تطور، والانتقال من موقف متكرر نحو عنصر مدهش، هذه التقسيمات الفرعية القليلة ليست هي فقط المطروحة في عمل سرد الهواة هذا: من جانب فندومه الأصلي يميل النص نحو القصة البوليسية، على الرغم من الإدراك القليل جدًا لذلك. كما في معظم هذا النوع من الكتابة نرى مزيجًا من الأجناس دون الحاجة إلى تسميتها، ولا حتى تعريفها أبدًا. أكثر من التصنيفات الصارمة وغير المنفذة يتعلق الأمر بقواعد لا تزال خاضعة للتحويل، الموضوعات المساعدة للإلهام أكثر من الفئات الواقعية التي ينبغي للمؤلف أن يمتثل لها: يُشيد سرد الهواة على أجناس الأدب والسينما والتليفزيون لكنه سرعان ما يفقد الاهتمام. فيما يخص حرية الكتاب وكتاباتهم يهرب من الأقفاص الصلبة إلى دور النشر، لأن هذه الأخيرة تحتاج إلى تمايزات سهلة وواضحة، وإن أداة هذا الشكل قادرة على استيعاب حدود أكثر مرونة وقابلة للتبديل، مع توفير القدرة على المزج، والتفكك وإعادة صياغة كل قاعدة.

• ظاهرة دولية وإشكالية الترجمة.
لأن سرد الهواة ليس ظاهرة تقتصر على بلد واحد أو لغة واحدة، بل على العكس توجد بطريقة دولية، وليس من المستغرب أن الانتقال من لغة إلى أخرى هو أمر لا مفر منه في هذه الكتابة، خلافًا للأدب الذي يستطيع في الغالب أن يقام حول بلد واحد أو لغة واحدة. أولا، ينبغي أن نلاحظ أنه بما أن الأعمال الفنية التي يستند عليها مؤلفو سرد الهواة متنوعة، وكذلك الكتاب أنفسهم، فليس بالضرورة أن يكون عملا أصليًّا من لغة إعادة الكتابة نفسها، لأن الأدب وخصوصًا السينما يبثَّان حاليًا إلى ما وراء بلدانهم الأصلية. يجب أن يكون مفهومًا أن جميع النصوص المشاركة من قبل عدد من الناس يمكن أن تلهم بسرد الهواة، ولكن كلما كان العمل الأصلي معروفًا، أو بالأحرى كلما كان فندومه عظيمًا، فإنه سيكون لدى سرد الهواة فرص أن يكون مقروءًا ومقدَّرًا. وهذا يعني أن الأفلام أو البرامج التليفزيونية المتداولة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم تشكل جزءًا من الأعمال الأكثر استعادة، ليس فقط لأنها في الغالب ما تعج بأجزاء صغيرة غير مترابطة تحفز على عمل إعادة كتابة، بل أيضًا لأنها توفر جمهور قراء ومجتمعًا ممتدًّا. ومع ذلك، كلما سيكون للفندوم بعدًا دوليًّا، ستكون اللغات التي كتب بها سرد الهواة عديدة: تظهر الترجمة بوصفها عنصرًا أساسيًا لهذه الكتابة. ومن ثمَّ هناك الكثير من الفندوم التي ولدت حول الأعمال الإنجليزية، مثل إصدار الـ (بي بي سي) من "شيرلوك"، فيها العديد من النصوص التي كتبت ليس فقط باللغة الأصلية للمسلسل، ولكن باللغة الفرنسية، الإسبانية، الصينية ... وهذا يعني أن مدخل العمل الأول قد نشر إعلاميًّا، وإنه قد مر بالفعل بالترجمة. ويمكن أيضًا أن يتم على مستويات مختلفة: لأنه بتزايد وعي الناس بأهمية اللغات، وعملية التمثيل ومشاكل الدبلجة، كثير من هؤلاء الناس الذين يشاهدون الأفلام في النسخة الأصلية، يستمرون في الكتابة في لغتهم الخاصة، والترجمة تأخذ حينئذ مكانها وليس قبل ولكن مباشرة خلال عمل الكتابة. وعلاوة على ذلك، حتى الكتاب الناطقين بالإنجليزية يكون لديهم مشاكل في بعض الأحيان، على مستوى التلقي بوصفه إبداعًا لنص جديد، كما هو مبين في مسألة "البرطنة" "britpicking": كثير من مؤلفي سرد الهواة الأمريكيين يعملون على آثار أصلية إنجليزية أو قصص تجري في المملكة المتحدة، وبها صعوبات كبيرة في أن تبقى جديرة بالثقة، سواء على مستوى الكلمات وفصاحة العبارات التي يختارونها أوفي معالجتهم الشخصيات والأماكن. وحيث يمكن تجاهل التناقضات من هذا النوع من قبل التوزيع الكبير؛ لإنها متكررة للغاية حتى يمكن التعرف عليها، وسوف يكون قراء سرد الهواة أكثر نقدًا. وحينئذ كثيرًا ما يتحايل مبدعو المسلسل التليفزيوني على هذه المشكلة عن طريق الاستناد على السرد في ثقافتهم الأصلية (هذه الاستعادة الثقافية ترى بشكل سيئ جدًا من خلال إعادة الكتابة سرد الهواة، ما لم ترد صراحة على أنها تناوبًا كونيًا (Au) أو تحويرًا للأصل. عمليات البحث على الإنترنت لا يمكن أن توفر سوى معرفة محدودة، يطالب، إذن، كتاب سرد الهواة الإنجليز بصبغة نصوصهم بالصبغة البريطانية من أجل القضاء على عدم الترابط: بأن يقوموا بعملية ترجمة من اللغة الأمريكية إلى اللغة الإنجليزية.
تجد الترجمة أيضًا موضعًا بعد فعل الكتابة. فعلى الرغم من أن سرد الهواة دوليٌّ، فإن كل لغة تحمل خصوصياتها. وفقا للغة الاصطلاحية ومكان الكتابة أو النشر تتنوع النصوص على نطاق واسع، مما يعني لبعض القراء ضرورة ترجمة هذه النصوص الجديدة. في الواقع، يختلف الكتاب والموضوعات المستخدمة وفق اللغة، كل شيء مثل أساليب الكتابة، الاقتران (زوج من الشخصيات) وفي بعض الحالات الأماكن topoi. فما هو مكان عام، بل كليشيه، في لغة ما، لن يكون كذلك بالضرورة في بلد آخر. فالعمل الغامض حيث ينبغي أن تتصنع الشخصيات كونها زوجان يعتبر بمثابة مخططات في كتابات سرد الهواة البوليسية الإنجليزية، في حين أن هذا النمط من الصعب وجوده في فرنسا، على سبيل المثال، وبالمثل عدد من أنماط الحياة البديلة مثل (Dom/sub)(4) (تقريبا ذات صلة بـ BDSM) والتي سوف نركز عليها في وقت لاحق في هذا العمل، وتكاد تكون منعدمة في سرد الهواة الفرنسي، وهذا هو موضوع 3524(5) من النصوص على موقعpublication Archive of our) own). وبما أن العديد من الأعمال المستعادة في شكل سرد هواة من أصل أنجلوفوني فقد اختار العديد من الكتاب أيضًا اللجوء إلى تلك اللغة، أيًّا كانت جنسيتهم، من أجل زيادة عدد القراء، أو للاقتراب من النص الذي يعيدون كتابته، وعدد كبير من القراء اتخذوا القرار نفسه: حقيقة أن هذه الكتابة التي أخذت مكانها على شبكة الإنترنت تجعل الحدود القومية أمرًا عفا عليه الزمن. بما أن الموضوعات والأساليب ليست هي نفسها وفقًا للغة ومكان الكتابة، وأن بعض الفندوم الصغيرة تتوفر فقط في اللغة الإنجليزية، المحدودة في اللغة الفرنسية سرعان ما تصبح مُختَزلة ومُحبِطة. ومع ذلك، فإن ترجمة هذه الأعمال غير شائع، بوصفها إشكالية. مثل كتابة سرد الهواة، هي قبل كل شيء غير مهنية. الطابع الهاوي في هذا المجال مهم جدًّا، لأنه يحدد إلى حد كبير موقف "المترجمين"، الذين لا يطرحون أنفسهم على هذا النحو. إنهم قراء، وفي الغالب ما يكونوا كُتاب، ولكن الترجمة ليست نشاطهم الرئيس أبدًا، فوضعية مترجم سرد الهواة غير معترف بها. ذلك الذي يمرر هذه النصوص من لغة إلى أخرى هو مُيسر، مهرب، قارئ عاشق يتمنى مشاركة قصة. في الواقع، إلى جانب الهواية واختفاء المكافأة المرتبطة في الغالب بأعمال الترجمة، نشهد تغييرًا في منهج اختيار النصوص.
إذا ما اختار شخص ما ترجمة سرد هواة فذلك لأن القصة في المقام الأول لمسته، أثرت فيه، ويريد أن ينقلها، يعيد إنتاج المشاعر التي أحس بها عند قراءته؛ ولذلك ربما ليس من المستغرب أن العديد من الترجمات هي أقرب للاقتباس، وبعيدة للغاية في بعض الأحيان عن النص في تنقل روحه أكثر من الكلمات، من دون هذا ينظر لذلك على أنه خيانة للعمل أو لصاحبه. إنه من الأسهل بكثير قبول إنشاء مسافة، انفصال عن النص الأول منه عن نص سرد هواة بالفعل، كما بينا، فهو إعادة إبداع لقصة أخرى، ومن ثم نتيجة لترجمات أخرى. كاتب سرد الهواة عمومًا ليس غيورًا جدًا إزاء نصه، كما يبين ذلك وجود العديد من الأيدي في ممارسات الكتابة، فإنه لا يوجد هنا حقًّا قلقٌ أخلاقي أو صعوبة في تقبل المرور من نص ما نحو عبارات أخرى، ومن ثم تفسيرات أخرى، على عكس ما يحدث في الشعر: عقبات الترجمة هي عقبات الممارسات وليس الشعرية. اللغة المستخدمة، الاصطلاحية، في كثير من الأحيان، تطرح مشكلة واضحة: فالأمر دائمًا معقد عند ترجمة لغة محكية، وأسوأ من ذلك عندما تكون اللغة مبتذلة. كيف تترجم إهانة؟ أيجب علينا أن نحافظ على مستوى العنف؟ الصورة المستخدمة؟؛ حيث أنه من الشائع بالنسبة لأمريكي أن ينطق جملة فيقحم فيها كلمة "اللعنة" ومشتقاتها بين كل كلمة، ثم أيجب احترام النص، والكلمات، وتجربة عبارة طافحة بـ "اللعنة"، " تبا لك " و" يالك من مقرف" بالمجازفة بالسخرية من الشخصية، أو السعي إلى جعل الأولوية للغضب المعرب عنه، مع مختارات من الشتائم؟ بما أن الأمر يتعلق بكتابة، أو على أية حال بلغة حديثة جدا، ستفيض كتابات سرد الهواة باللغات الاصطلاحية، والعبارات الشعبية الخاصة بلغة كتابة النص، وفي الغالب ما تكون ترجمتها لغزًا حقيقيًّا.
ولكن، قبل كل شيء، تأتي الصعوبات من حقيقة أن هذه الكتابة تستند في المقام الأول على خلق تواطؤ ومراجع مشتركة بين المؤلف والقارئ، استنادًا إلى الأثر الأصلي، العمل الأصلي. هذا لا يشمل فقط استعادة الشخصيات والمواقف، ولكن أيضًا، وخاصة، إعادة استخدام جمل، ونماذج متماثلة، معروفة ومعترف بها من كل الفندوم، كما يهتف شيرلوك "الملل"، يدمدم جون " بعض الشيء ليس جيدًا،" دونوفان يصفه بالـ "الغريب" أو، أقل تكرارًا ولكن بالقدر نفسه رمزية، يهدد موريارتي "سوف أخلع قلبك منك". المشكلة هي أن هذه العبارات، والتي تسمح للقارئ أن يتعرف على فندوم شيرلوك، لا يتم التعرف عليها إلا في اللغة الإنجليزية لأولئك الذين شاهدوا المسلسل في نسخته الأصلية. لو ينبغي العمل على سرد هواة يحتوي على هذه الكلمات، فإنه يجب على المترجم محاولة إعادة خلق تواطؤ مع قرائه باستخدام الكلمات والعبارات التي اختارتها النسخة الفرنسية من هذه السلسلة، مع العلم أن تأثيرها سيكون بالضرورة أقل؛ نظرًا إلى أن كثيرًا من المشاهدين كان قد شاهد النسخة الأصلية مترجمة في الشريط. يجد المترجم نفسه، إذن، مع عملين (مرجع) ومن ثم لا بد أن يضع ذلك في حسبانه، وأن يكون وفيا لهما حتى ينتج نصه الجديد، يأخذ العمل المصدر تقريبًا أهمية أكثر من سرد الهواة المختار، ما يتطلب مهارات لغوية، بل أيضًا مفردات واقتباسات من الفندوم الذي تنتمي إليه النصوص. جودة سرد الهواة في حرصه على احترام شخصيات العمل الأصلي، حتى (أو خاصة) عندما تكون منغمسة في وضع جديد: لا بد أن يسمع القارئ صوتهم، أحيانًا وبشكل حرفي في حالة إعادة كتابة أفلام أو مسلسلات تلفزيونية، ويجب أن يحترم، ويعاد استخدام طريقتهم في التحدث، وعاداتهم اللغوية، وتعابيرهم وإيقاعاتهم الصوتية، في حالة المرور إلى لغة أخرى غير تلك التي كتب بها العمل الأصلي. يجب، إذن، إعادة خلق هذه الألفة مع القارئ، باستعادة طرق التحدث التي يعرفونها، طرق ترجمات العمل من خلال لغتهم: مرة أخرى على المترجم أن يولي القدر نفسه من الاهتمام إلى الإصدار الفرنسي من سرد الهواة "شيرلوك" وهو يحاول النقل من الإنجليزية إلى الفرنسية. الأمر بالنسبة له إعادة كتابة النص، لنقل الشخصيات من النسخة الإنجليزية إلى النسخة الفرنسية، وهو ما يعنيه من جانبه ألفة كبيرة مع شطري الفندوم الذي يحاول جمعهما. ومع ذلك، ويا للمفارقة!، تفقد اللغات تدريجيًّا أهميتها: إنها الكلمات التي يعول عليها، وليست الحواجز الوطنية. المزيد والمزيد من النصوص تخلط اللغات، وذلك باستخدام بين أمور أخرى قدرة شخصية "شيرلوك هولمز" على التحدث بالفرنسية في قلب سرد هواة مكتوب باللغة الإنجليزية، كما هو الحال في" أتريدون؟" لـ (ألبا نيكس)، وذلك باستخدام إمكانيات الإنترنت لدمج الترجمة بالنص دون إبطاء القراءة (هنا بعمل كود (html(6) في الصفحة كي تظهر النسخة الإنجليزية فوق الجملة المكتوبة باللغة الفرنسية عندما يحلق القارئ فوقها بالماوس). ولذلك فالحريات المأخوذة من قبل مؤلفي سرد الهواة وحبهم لألعاب المراجع ولإعادات الكتابة تجعل من الترجمة مشروعًا معقدًا، بالقدر نفسه، بسبب الطابع الهاوي للمترجمين، ووضعية القارئ المتخصص والمؤلف الجديد المفروضة عليهم. وقد يتصور المرء أن إمكانات التكنولوجيات الجديدة والميديا العابرة حلفاء هذه الكتابة الدولية يجعلان الترجمة ضرورة مشتركة، كما يجعلاناها أيضا تدريجيًا متقادمة، بما أن الفاعلين في هذه الكتابة لم يعودوا حقا، اليوم، على استعداد للرضى بلغة واحدة، حتى لو كان الأمر يتعلق باللغة الإنجليزية. تصبح الكلمات دولية وفريدة من نوعها في الفندوم: بتطوير المفردات وطريقة التفكير الخاصة بها، هكذا وتدريجيًا تظهر لغة خاصة.
ب- أصول هذه الكتابة: المقدمات والباكورات وتأويليتها المختلفة
• التطوير المتاح من قبل التكنولوجيات الجديدة كما يبدو في ابتكار مفردات نوعية.
لم يولد سرد الهواة مع شبكة الإنترنت، لكنه يدين لها بشكله الحالي، لأنها من أتاح للفندوم أن يصبح المجتمع الدولي الذي هو عليه اليوم: ظهور مواقع الإنترنت، بل مجرد وجود رسائل البريد الإلكتروني، كان إيذانًا بنهاية عزلة الهواة. أؤلئك، الكثيرين في السابق، الذين لم يكونوا على علم بوجود أشخاص آخرين مهتمين بالأثر الأصلي نفسه، يمكنهم الآن الدخول في اتصال معهم، أيًّا كانت جنسيتهم، واكتشاف كمية من سرد الهواة وأعمال الهواة الآخرين بمجرد طرق عنوان بسيط في محرك البحث: لم يعد هناك مشكلة الوجود في الفراغ. أدت هذه الوسيلة الجديدة للوصول إلى أعمال، والتواصل بين المؤلفين والقراء إلى تطور سياقات الكتابة وفورية الحوار المتبادل وكذلك التنمية الدولية للمجتمع (ليس مقصورًا على فندوم واحد) المنعكسين من خلال ظهور لغة نوعية لذلك المجتمع. هذا الإبداع يدل على انفصال سرد الهواة إزاء الأشكال التقليدية للكتابات. الأمر لا يتعلق بشفرة سرية، ولا يتعلق بابتكار أسماء جديدة لظواهر قائمة بالفعل؛ إنه يتعلق بتلبية نقص، بفراغ معجمي: أشكال جديدة من الكتابة ظهرت، مع آليات جديدة؛ من أجل دعمها، وظواهر جديدة تنجم عن ذلك، وأنها بحاجة الأسماء.
بالطبع بعض هذه المصطلحات يرجع إلى الفترة غير الرقمية من سرد الهواة: من المسلَّم به عمومًا أن مصطلح سلاش (slash)، على سبيل المثال، الذي يشير إلى سرد هواة يدمج واحد أو أكثر رومانتيكية أو جنسية بين شخصين من الجنس نفسه، تأتي من الاختصار (K / S) المستخدم لوصف نص (أو مناقشة) يدور حول الزوجين "كيرك سبوك" في فندوم "ستار تريك". هذا المصطلح كان يوجد بالفعل في فترة مجلات الهواة، وكانت دوائر الكتابة الأماكن الرئيسة لوجود الفندوم. ومع ذلك لا يبدو أن تطور هذا المصطلح من فندوم معين إلى المجتمع كله له ما يبرره فقط بواسطة أهمية هذا الزوج في نظر الهواة، هناك نوعان من العقبات الرئيسة التي تعترض انتشار مصطلح من هذا النوع: قبل الإنترنت كان نادرًا ما ينتمي فرد ما إلى أكثر من فندوم واحد، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى عزلة معظمهم فيما بينهم ، كذلك كان نقل كلمات جديدة بطيء إلى حد ما من فندوم إلى آخر، وبما أنه كانت قد تطورت بعض الأفكار بالتوازي انطلاقًا من مختلف الأعمال الأصلية (قراء "كونان دويل" لم يكن لينتظروا أن يكتشفوا ستار تريك ليهتموا بالعلاقة الغامضة بين "شيرلوك هولمز" و"جون واتسون"، على سبيل المثال) يمكن أن نرى أسماء مختلفة تظهر للممارسة الكتابية نفسها، وخصوصًا عندما تجد مكانًا في لغات مختلفة. هنا تلعب أهمية الإنترنت من خلال إنشاء فندوم، باعتباره مجتمعًا دوليًّا مترابطًا: مع ظهور رسائل البريد الإلكتروني، والمنتديات، والمواقع الأرشيفية والنشر، اندماج ممارسات الهواة المختلفة حول الأعمال الأصلية المختلفة، ومن خلال لغات مختلفة تم العثور عليه بشكل بسيط (يمكن أن نقول متاح تقريبًا)، وهذا ينعكس في اللغة المستخدمة. والمفردات الجديدة لم تعد تقتصر على فندوم واحد، إنها معممة على نطاق واسع، بحيث لا تترجم مطلقا تقريبًا، فقط تقتبس من لغة إلى آخرى، على سبيل المثال، من خلال الافتتان بالنطق أو المصطلحات المستخدمة. الـ AU) (Alternate) Universe) الكون البديل، يصبح (ua) Universe Alternatif)، وكأنه صوت للمصطلح الإنجليزي، ولكن معظم الكلمات تفقد فقط نطقها الأصلي، من هنا مفارقة ما، في موقع متعدد اللغات كما (Archive of Our Own)، فكتابة سرد الهواة مقدمة من خلال مصطلحات إنجليزية الأصل ونوعية في الفندوم وملخصة بلغة أخرى: لا يهم اللغة الاصطلاحية التي تم بها كتابة النص، فإن المفردات المختصة لا تزال هي نفسها. بسبب الهيمنة المسبقة للغة الإنجليزية في هذا الشكل من أشكال الكتابة، وفي الاتصالات الدولية داخل الفندوم، معظم الكلمات الجديدة يوجد جذرؤها، ولكن لا نستطيع أن نقول إنها تنتمي إليه: كي نستعيد قضية الترجمة المذكورة أعلاه يمكن أن نقدم هذه المفردة النوعية كلغة يتحدث بها بشكل رئيس على شبكة الإنترنت يكون متحدثوها الهواة.
في الواقع، أصبحت هذه المفردات ضرورية، ليس فقط لتسهيل المناقشات بين الفندوم، ولكن أيضًا (وربما خصوصا) لتلبية احتياجات تخصصية لنشر النصوص أو أعمال أخرى للهواة على الإنترنت. هنا حيث تتيح المعلومات النصية الشارحة-الملخصة، المغطاة، والمنتمية إلى مجموعة معينة – للقارئ التعرف على طبيعة الكتاب قبل أن يفتحه، النص الشارح لسرد الهواة كان في الأصل أقل من ذلك بكثير. باستثناء المنتديات المخصصة لفندوم واحد، كانت معظم مواقع الكتابة غير متخصصة؛ لذلك عليك أن تبدأ بتحديد العمل المعاد كتابته مع كل تقديم لسرد الهواة، على سبيل المثال، يضاف إلى تحديات القارئ لتحديد سرد الهواة قضايا الأرشفة والبحث في كل مواقع الإنترنت: من السهل أن نفهم إلى أي درجة المعلومات المرتبطة بكل سرد هواة يجب أن تكون دقيقة ومقننة عندما نعلم أن هناك حاليا أكثر من (1093895) سرد هواة على موقع النشر الوحيد (Archive of Our Own). وتأخذ هذه المعلومات شكل عنوان، ملخص، بل وبشكل خاص (tags) إشارات، أو كلمات رئيسة، تتيح وصف الفئات والأشكال والأجناس والشخصيات والفندوم المتضمنة في نص، حتى تصنَّف، ولجعلها في متناول القارئ، ولتسهيل عمليات البحث بدقة أكثر: فلنقر أنكم تبحثون عن كتابة سرد هواة مستوحاة من الاقتباس "شيرلوك بي بي سي" حول موضوع مراهقة (ليستراد) كعازف جيتار فاسق ربما، مما قاده، فيما بعد بسنوات، للعزف مع "شيرلوك" عندما قرر هذا الأخير قضاء ليلة في تعذيب كمانه، سوف يسمح لكم نظام الإشارات للبحث بدقة عن نوع هذا النص. لنتمكن من تصنيف فعال، وجب علينا، إذن، أن نقوم بعملية توحيد المفردات. حتى لو بقي المجتمع حرا للغاية، لأنه هاوي، تكون الاتصالات مسألة مهمة جدًا حتى نرى ظهور توافق في الآراء فيما يخص المعنى واستخدام مصطلح معين مستدعى بالضرورة من خلال افتتاح هذه الكتابة بجمهور يتزايد عدده ومتنوع. وقد شارك الإنترنت- باتاحته تجمع فندوم مختلفة ووضع منصات للكتابة والقراءة المفتوحة للجميع، حيث كل اللغات ممزوجة- في تأسيس سرد هواة كما هو قائم الآن، وكما شُيد حول مفردات معينة ومحددة.
• تطور القواعد (من التقاطع إلى الاندماج)
خاصية أخرى ينبغي أن توضع في الاعتبار لفهم البانوراما الحالية لتيار سرد الهواة، وهي عدم اكتماله. الأمر يتعلَّق بكتابة بنيتها، بلا قواعد أكاديمية ومن ثمَّ خاضعة لمفاهيم مختلفة وفقا للمؤلفين، للعصور وللأماكن. هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها عندما يحاول المرء تحديد عناصر سرد هواة "جيد"، وأكثر من ذلك تصنيفه في جنس أو فئة فرعية محددة: لا توجد هنا قواعد ثابتة، مجرد حكم القيمة في حد ذاته متغير، أسرع بكثير مما كان عليه في سياق الأدب المنشور. في الواقع القواعد تتغير باستمرار، على الرغم مما وصفه (شينا بف) في عام 2005 بوصفه تقاطعًا يتطابق اليوم مع مفهومين مختلفتين، التقاطع والاندماج. قد يبدو التفاوت رقيقًا جدًا: في كلتا الحالتين يتعلق الأمر بتقابل فندومين (أو أكثر) في داخل السرد نفسه. تقاطع يعني سرد هواة يأتي فيه عالَمان من أصول (canons) مختلفة يتعايشان في نفس العالم الزمكاني السردي، والذي في الغالب ما يحدث من خلال مقابلة شخصياتهما. ليس بالضرورة الشخصيات الرئيسة، ولكن الحتمي أن كلا الأصلين يتعايشان في المستوى نفسه تقريبًا، حتى أن الأساسيين الأصليين يمكن تمييزهما من قبل القارئ بوضوح. على العكس من ذلك الاندماج لا يؤدي إلى التعايش بين شخصيات الفندوم هذه، ولكن يدمج شخصيات الأول في النسيج السردي للآخر، بحيث تأخذ مكان الشخصيات الأصلية، على سبيل المثال. هذا هو ما يحدده (شينا بف) "سرد واحد في أسلوب مؤلف آخر"؛ حيث يتم دمج شخصيات الأثر الأصلي في العالم الزمكاني السردي للآخر، في عالمه، دون أي ذكر على الإطلاق للشخصيات التي ترتبط بها بشكل طبيعي. هذا هو الحال في "لا تحكم على كتاب من غلافه" لـ "أركيا"، اندماج بين "شيرلوك" ورواية راي برادبري "فهرنهايت 451"، تضمين شخصيات "شيرلوك" في النسيج السردي للرواية، بدائل الشخصيات الأصلية: لم يُذكر"جي مونتاج" أبدًا، قصته غائبة عن السرد، المستعاد كونه فقط.
ومن المثير للاهتمام أن نرى منذ بضع سنوات هاتين المقولتين الفرعيتين تشكلان مقولة واحدة فقط، بينما اليوم يتوافقان مع مفاهيم لم يعد بالإمكان مزجها. لقد تطور هذا الجنس لدرجة إن كلمة واحدة تكفي للإشارة إلى اتحاد الأثار الأصلية، وهناك الآن ما يكفي من النصوص في إطار هذه الممارسة كي تكون متمايزة بشكل أكثر دقة، بالطريقة نفسها التي لم تعد مقبولة في المزج بين التاريخ البديل وفضاء الأوبرا، حتى ولو لفترة طويلة لم يكن قد تم فصل هاتين المقولتين عن بقية الخيال العلمي. ومع ذلك، ليس الوقت هو العامل الوحيد لتطور هذه القواعد: أماكن النشر وكذلك الفندوم تقدم كثيرًا من إمكانات الإختلافات.
"القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي"، و"العام الذي لم يكن أبدًا" تمت كتابتهما في أقل من ثلاث سنوات على حدة، على الموقع نفسه، وفضلًا عن ذلك، انطلاقًا من المقدمات المنطقية نفسها. تشير العديد من سرديات الهواة، في نصها الشارح، إلى صلتها بالموضوع نفسه المسمى "نهاية العالم" والوارد لدرجة معها يمكن أن نصفه تقريبًا بجنسا أدبيًّا. يشير المصطلح إلى النصوص التي تجد فيها الشخصيات نفسها في أوضاع عدة حيث البشر، كوكب الأرض أو حتى الكون على وشك الاختفاء، ومحاولة البقاء على قيد الحياة بعد كارثة تعتبر "مروعة"، مثل حرب نووية تترك الأرض قاحلة والحضارات مدمرة. هذه الكارثة، في كثير من الأحيان غير مفهومة من قبل الشخصيات وغير مفسرة بشكل واقعي من قبل المؤلف، وتترك الكوكب في حالة أكثر أو أقل عدائية، حيث البشر يناضلون من أجل البقاء على قيد الحياة: الأمر يتعلَّق بالبحث كيف تتصرف هذه الشخصية أو تلك في هذا الموقف. هذا المخطط موجود في كثير من الفندوم، حتى عندما لا نجد لذلك أي دليل في الأساس (النص الأصلي)، لأنه يتيح دفع الشخصيات عبر صعوبات بالغة للتفكير خارج هذا السياق. في معظم الوقت، تركز القصص على نهاية العالم ومحاولات الأبطال البقاء على قيد الحياة في عالم معاد أو أي مأوى يمكن أن يصبح خطًرًا جديدًا، ما بين المقابر الجماعية والدكتاتورية، من خلال وقائع مريرة، إلى حد ما، كلاسيكية من الخيال العلمي. لا يتيح هذا الموضوع فقط العمل على شخصيات موجودة بالفعل من أجل محاولة أن نتخيل كيف، نظرًا لطبيعتها، تتصرف في هذا النوع من المواقف، بل أيضًا في عدد من الحالات العمل على في محاولة فهم، كيف يمكن للمجتمعات أن تنصلح بعد كوارث من هذا الحجم الكبير؟، في غالب الوقت جرعة جيدة من التشاؤم. تعرب إحدى شخصيات "القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي" عن هذه الفكرة، على الرغم من إنها لم تقابل هذا النوع من المجتمع.
قال دان: "الآخرون هم آخر شيء نحتاجه يا سام. سيفزعون لوهلة، ثم ستبدأ تساؤلاتهم المتوترة حول من هو المسؤول وكيف يجب أن يكون العالم الآن. سيبدأ صياحهم حول كيف أن الربَّ عاقب الإنسانية وكل هذا الكلام".
"القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي"، و"العام الذي لم يكن أبدًا"
مثالان لسرد الهواة المحددان من قبل مؤلفيهما، بوصفها قصص مروعة بل ويُقَدم فيهما رؤية غير نمطية، لا نقرأ فيهما عن كوارث، ولا انفجارات، ولا تدخلٍ إلهيٍّ: ذات صباح يستيقظ شخصان ويكتشفان أنهما آخر الكائنات البشرية، لقد اختفى بقية البشر دون أن يتركوا أي أثر. الفكرة ليست جديدة، لكنها تسير على عكس ما نتصور، فعندما نسمع عبارة القيامة أو نهاية العالم، فكرة اختفاء جنسنا البشري، دون سبب أو لسبب، تناقض كل من المنطق وتراثنا لربما تعطي المزيد من الاهتمام لاستئناف هذا المخطط. يلعب مؤلف "القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي" أيضا بهذه الفكرة، بوضع هذا التناقض على لسان إحدى شخصياته.
لم تظهر بشائر أو نبوءات، ولا رايات ترفرف، ولا إعلانات نستراداموسـ (ية). لا لم يحدث، ألم أخبرك؟ لا دمار ولا فوضى، ولم يهجر أحد شيئاً في خضم الذعر العام. كان دليل نهاية العالم صادماً؛ إذ لم يكن موجوداً من الأساس. لا سحب من الغبار، ولا بحار يغلي ماؤها. كل التجربة الإنسانية بكل حضاراتها تسمح بنهاية كل شيء في صورة معركة، أو كارثة على يد كيان أعلى منّا عقاباً للأبناء المارقين، أو نوع ما من العدالة الفورية. لكن لم تسمح تلك التجربة الإنسانية في كل الأحوال بصمت مطبق وتام. كان المفترض أن تمضي الإنسانية إلى نهايتها وهي تركل وتصرخ في صخب، لا أن تفتح عينيها [الإنسانية] من النوم يوماً متلمسة الإفطار، ثم تمضي مبتعدة، بعد أن نسيت النور والتليفزيون.
انطلاقًا من ذلك إنه لمثير للاهتمام أن نرى كيف يمكن أن يختلف النصان في حين إنهما ينطلقان من الموقف الأول نفسه، وإعادة كتابة الاثنين بالباعث نفسه، ولكن بطريقة مختلفة تمامًا، مما يدل لأي درجة كل فندوم يمكنه التناسب مع مخطط وإعطائه معنى خاص. في " العام الذي لم يكن أبدًا"، يستيقظ كل من "جون واتسون" و"شيرلوك هولمز" في صمت غير معتاد تمامًا بالنسبة للندنيين. (أو بالأحرى، جون يستيقظ، لأن شخصية شيرلوك من المعروف إنها تحتقر جسدها بوصفه فقط "وسيط نقل"، ولهذا لا ينام إلا نادرًا جدًا – سرد الهواة الجيد يعني احترام الخصائص السلوكية لشخصياته). بعد أن استكشاف المدينة والمناطق المحيطة بها، يدركان أن جميع البشر الآخرين قد اختفوا دون أثر. "القاعدة الأخير لكل ذلك هي" إعادة كتابة من قبل (جيكيزتسو) في أول موسمين من المسلسل التليفزيوني الأمريكي "الخارق" (يشير المؤلف بأن لا نضع في الاعتبار الحلقات الأخيرة). يحكي المسلسل قصة أخوين، "دان" و"سام" وينشستر، صيادو شياطين وغيرها من المخلوقات الخارقة للطبيعة في العالم المعاصر، حيث الوحش يوجد تحت السرير بالفعل، حتى لو معظم الناس يجهلون ذلك، ولكن في سردية الهواة هذه، عندما يصحو الإخوان في صباح أحد الأيام ليجدا أن الإنسانية فضت المخيم ليلا من دون سابق إنذار، ولن يجدا أي أثر لنشاط خارق يمكن أن يفسر هذا الاختفاء غير المقرر. في كلتا الحالتين، فإن "كارثة" قد حدثت في صمت: وكل مؤلف اختار أن يحافظ على جهل القراء وكذلك الشخصيات، ربما للمشاركة على نحو أفضل في حالة سوء التفاهم بينهما. لن يسير هذا الطموح ليقدم سردًا بصيغة الشخص الأول، والتي قد تربطنا أكثر بالوضع؛ وذلك لأن بالنسبة لهذا النوع من الكتابة، جعل أحد الشخصيات راويًا (راويًا داخليًّا) intradiegetic صعبًا وفي الغالب غير مقبول. في الواقع، أن نقدم بأمانة شخصية ما أنشئت من قبل عادة ما يكون الأمر أكثر تعقيدا للغاية، وخصوصًا عندما يكون العمل المعاد كتابته مسلسلًا تليفزيونيًّا، وعادة ما يقدم تبئيرًا خارجيًّا. ولكل هذا "جيكيزتسو" بما أن تحليلات العواطف تقوم بتبئير داخلي، يتناوب بين "دان" و"سام" أو يركز بشكل أساس على "جون"، لكن دون أن يمنحنا أكثر من المعلومات الموجودة، ودون أن يقدم لنا أبدًا أي تفسيرٍ للوضع. التشابه الأخير بين هذين النصين هي العلاقة التي سوف تنعقد بين كل زوج من الشخصيات، لأن كلا منهما ينتمي إلى (السلاش)، نوعًا سوف نناقشه في وقت لاحق، معلنا أن أي قصة حب ستقوم بين رجلين، دون وجود النساء من أجل تمثيل الأميرة في خطر. في " القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي" هذه التفصيلة كاشفة عن استحالة دراسة سرد الهواة من منظور بنيوي دون النظر في نصوص أخرى من الفندوم: قد نعتقد أن عملية وجود شقيقين في علاقة عاطفية وجنسية تدل إلى أي مدى لم تعد المجتمعات البشرية سارية المفعول، يختفي تابو المخالطة الجنسية للأقارب مع الجنس البشري، بما إنه لن يكون هناك تابوهات بلا ثقافة ...
ولكن هذا التفسير غير صحيح سوى لبعض الوقت؛ لأن هذا النوع من العلاقة في الحقيقة موجود بشكل شائع في الفندوم الخارق، أو على الأقل كان أثناء أول موسمين (نتحدث عن "wincest،(7) الحرف "w" يحيل لأسم عائلة دان وسام). وبالإضافة إلى هذه الخصائص المشتركة، ينبغي أن نلاحظ خصوصًا كيف يختلف النصان في معالجة سبب اختفاء الإنسانية. مخلصان لهذه السلسلة، يسعي "دان" و"سام" في المقام الأول إلى البقاء على قيد الحياة، والحركة. لأنهما عاشا دائمًا على الطرق، وسوف يذرعان جزءًا كبيرًا من الولايات المتحدة قبل قبول الحقائق والبحث عن مكان لإعادة بناء حياة، لأنهما تعلما منذ كانا طفلين أن يتكيفا وأن يستعيدا كل شيء من الصفر؛ لذا يركز النص- إلى حد كبير- على وسائلهما للبقاء على قيد الحياة، مع تأملات برجماتية جدًّا حول الأماكن التي ينبغي تجنبها، ووسائل الحفاظ على راحة ما ... وعلى الجانب الآخر، ومرة أخرى في اتفاق مع العمل الأصلي، سوف يبقى جون وشيرلوك في لندن (نعرف إلى أي درجة يكره شيرلوك مغادرة المدينة) في 221B شارع بيكر، كما أن جعلهما يتركان هذه الشقة الرمزية تمامًا يكاد يكون من المستحيل، وسوف يتخليان عن سلوك الإخوة "وينشستر" من أجل تأمل "شيرلوك"، وتقبل "جون". هذا النص الثاني من سرد الهواة أكثر تركيزًا على المشاعر، ويسعى النص لخلق جو أكثر منه خلق خط سرديًّا: نحن أقرب ما نكون إلى مشهد، تقريبًا ميكرو سرد، شكل شائع جدُا في هذا النوع من الكتابة، ونوع من المشهد المقطوع الذي من شأنه لا يؤثر (تقريبا) على الأثر الأساسي بأن يندمج معه من دون التناقض معه. نهاية هذا النص مختلفة تمامًا، حتى لو اعترف "دان" بإمكانية ذلك في" القاعدة الأخيرة لكل ذلك هي"، قائلا: "إذا كان الجميع يمكن أن يختفوا تمامًا هكذا، وليس هناك سبب، أنهم لا يستطيعون مجرد الرجوع إلى المكان. "وكان" العام الذي لم يكن أبدًا" يستكمل إعادة ظهور الإنسانية، دون مزيد من التوضيح، وكان في ذلك الحين العنوان منطقيًّا، صدى لحلقة من المسلسل التليفزيوني "الطبيب من"، لأنه باستثناء "جون" و"شيرلوك" كل الكوكب ينسى ما حدث خلال العام المنصرم، يستعيد وجوده كما لو لم تكن مضت ثانية، وكأن الاختفاء لم يحدث، مع هذه النهاية نرى بالفعل أن ما يثير المؤلف هو رد فعل الشخصيات، إلى حد ما كوسيلة لدراستها في جلسة مغلقة، دون مزيد من التفاعل، في موقف متطرف. وإن تعارُض هذين النموذجين من سرد الهواة يتيح أن نرى أنه عندما يستعيد العديد من الفندوم الباعث نفسه فإنها توفقه بشكل واقعي، وتعيد كتابته وفقًا لصيغ متنوعة جدًّا، ومفاهيم مختلفة. كما أن المخطط لن يكون دائمًا شعبيًّا أيضًا وفقًا للفندوم: هناك القليل من النصوص المروعة في "شيرلوك"، على سبيل المثال؛ ربما لأن هذه المواقف صعبة الشرح وتنظيرها علميًا – وفي هذه الحالة المنطق هو سمة أساسية من سمات شخصية "شيرلوك هولمز"، وبالتالي، للفندوم التي تمثله - أو لأن هذه المواقف تجلب القليل من الاهتمام في تطور طابعها نظرًا لميلها للذبول بشكل لا رجعة فيه، عندما لا يوجد أي مبحث لحلها. بدلًا من ذلك، أصبحت نهاية العالم أثرا أساسيًا في مسلسل "الخارق" منذ موسمه الرابع، متخذًا شكلا أكثر خصوصية حتى من ذلك الذي قدمناها هنا. السعي لتسليط الضوء على قواعد ومقولات سرد الهواة ليس كاشفًا إلا لما تقوله لنا هذه القواعد في وقت محدد حول مفاهيم الكتابة التي تفضي إليها. من خلال تأثير الوسائط والأذواق، يمكن أن تصبح بعض القواعد حاضرة جدًا لبضعة أشهر، وسوف تظهر فجأة مجموعة مختارة من سرد الهواة تعالج نهاية العالم، على سبيل المثال، ثم يسئم القراء كمؤلف، ثم نص شعبي يطلق موجة كتابة جديدة حول مخطط آخر، هذا التطور هو أسرع بكثير مما هو عليه في النشر التقليدي بفضل فورية المنشورات، والتعليقات التي تحققت بفضل استخدام شبكة الإنترنت: يمكن للقارئ أن يبحث بسهولة وبدقة عن نوع النصوص التي يرغب في قراءتها، بل والمطالبة بها إذا لم يتمكن من العثور على موضوع رغباته.
• أشكال جديدة من المشاركة والقراءة
العنصر الأخير الممييز لتطور سرد الهواة على شبكة الإنترنت: نرى تطور أشكال جديدة للكتابة والمشاركة والقراءة، ودائمًا من خلال منطق انتهاك قداسة النص وكذلك مؤلفه. في الواقع، لم يكتسب العديد من أشكال هذه الكتابة انطلاقته إلا من خلال المحو المطرد للمسافة بين المبدع والقارئ التي أتاحها الويب. بجعله في متناول الجميع، يفقد النص بعضًا من قدسيته، وخاصة بالتوقف عن اعتباره ملكية لمؤلف واحد: من الممكن عادة التعامل معه مثل أي وثيقة رقمية، بنسخه، وقصه ولصقه، ونقله، وتحميله، والتعليق عليه... في حين أن بعض الكتاب - وبالتبعية بعض المواقع - يسعون إلى حماية النصوص من خلال نشرها مع رمز يمنع أي تحميل أو نسخ، على النقيض، يسعى المعظم إلى تسهيل هذا التحميل من خلال تقديم، على سبيل المثال، نسخ PDF كما يفعل موقع (archive of our own)، والذي يقدم مجانًا وفي أربعة أشكال مختلفة كل المحتوى الموجود به. فضلًا عن أن الكتاب والقراء يشاركون مواقع الإنترنت نفسها، لديهم الحالة نفسها، ويتفاعلون باستمرار، دون إرجاء أو هيراركية. جميع منصات النشر تضع، على سبيل المثال، نظام، للأراء والتعليقات، مما يسمح للجمهور بنشر التعليقات مباشرة بعد النص، على مرأى من الجميع، بطريقة التعليق في هامش المخطوطة، مع الفارق أن الكاتب يمكن قراءته والرد بالطريقة نفسها، وفي الغالب ما يطلب من قرائه آراءهم من خلال هذا الجدل حول الطريقة التي ينبغي بها أن تدور تتمة القصة. يُظهر النص، إذن، وحدات بناء، تعدل من قبل انتقادات القراء بطريقة أكثر مباشرة ووضوحًا مما في الأدب التقليدي، كاتب سرد الهواة ليس مستودعًا للمعرفة، لواقعية عمله: أنه يقدم ويمكن أن يختار ويؤلف وفق رغبات جمهوره بطريقة فورية تقريبًا.
هذه الظاهرة بناء على ذلك أكثر تجليًا من بعض أشكال سرد الهواة التي لا تولد مع كاتب ولكن مع قارئ. هذا هو الحال بالنسبة إلى التعليقات الفورية (prompts): شخص ما يقترح فكرة نص سرد هواة، في شكل طلب أو تحدٍّ، على نحو أكثر أو أقل تفصيلا حسب الاقتضاء، وفي الغالب بطريقة الاسم المجهول، وسوف يكتب نص سرد الهواة من قبل شخص آخر. في بعض الحالات، يتم إرسال الـتعليق الفوري مباشرة إلى كاتب، كما لو أنه طلب (بدون قضية المال مرة أخرى هنا)، ولكن في الغالب تبقى على موقع اجتماعي مثل (Live Journal) ويمكن لأي شخص أن يختار ملْأه. يعمل المؤلف في جميع الحالات انطلاقا من فكرة ليست فكرته، وفي الغالب على سيناريو بالكامل لا ينبع منه: فهو بطريقة أو بأخرى ليس المؤلف الوحيد، وبعد أن يضع القارئ هذا التعليق/ الطلب الفوري بقدر ما يعلن المسئولية.
هذه المشاركة لوظيفة المؤلف، بمعنى المبدع والمالك للنص في آن، توجد أيضًا في كتابة عديدة الأيدي، إنها حالة (RP) على سبيل المثال، أو (role play) (في هذا الشكل من الكتابة يتعاون العديد من الكتاب لكتابة قصة، كل يعبر عن شخصية مختلفة)، أو مع صعود دور القارئ التجريبي. وهذا الأخير هو قارئ يختاره المؤلف لإعادة قراة وتدقيق نصه، ليس فقط على مستوى الشكل - الهجاء والنحو والطباعة – بطريقة تضاهي المراجع في دار نشر، ولكن أيضًا على مستوى العمق، بانتقاد التماسك والكتابة والشخصيات، والمصداقية، مثل ناشر أو وكيل، ثم يعاد في بعض الأحيان كتابة أجزاء كاملة من القصة، كمؤلف ثانٍ، ولكن دائمًا من وجهة نظر متلقي القصة، دون محاولة الاستيلاء على النص حتى عندما يعدله.
يمكن للقارئ أن يجعل من نفسه بسهولة مبدعًا، أو يؤثر في القصة من الخارج، ولا يمكن لكاتب أن يدعي الامتلاك الكامل لنص فريد ومنتهي. ويشارك في المسئولية عن النص كيانات عدة، لها أدوار متميزة من الإبداع والتلقي، بل يثبتون إمكانية قابلية التبديل ولا ينقلون الدلالات الهيراركية الموجودة في كثير من الأحيان في النسخة الورقية. وهذه هي كل العلاقات بين المؤلفين والقراء التي تتغير بشكل خفي، وتجري على قدم المساواة، فللقارئ الآن الكثير من السلطة على النصوص كما منتجيها؛ لأن كل قراءة هي الآن فاعلة. وينعكس هذا التغيير من جهة أخرى حتى خارج الفندوم، من خلال التفاعلات بين مبدعي الأعمال الأصلية ومعجبيهم. تتحول تدريجيًّا عندما يصبحون هم مؤلفين، يتوقف الهواة عن تقديس المبدعين ويأتون لرؤية النصوص (سواء الكتب والأفلام ...) ليست بوصفها مثالية، كاملة، ومثبَّتة في تفسير وحيد ممكن، ولكن غير مكتملة، وقابلة دائمًا للنقد وللاستكمال، أو على الأقل منفتحة على الإضافة والتجريب.

تعليقات
* هذه الترجمة جزء من كتاب صدر عن (hal archives-ouvertse) في سبتمبر 2014 Fanfiction: de la transfiction inter-artistique
à l’effacement de la figure de l’auteur
1- انحراف في السلوك أو الميل الجنسي.
2- فكر، سلوك، أسلوب ينتقل من شخص إلى آخر داخل الثقافة؛ هي بمثابة وحدة لنقل الأفكار.
3- الجزء الأول من هذا العمل.
4- موقع Dominance and submission.
5- عدد نصوص الفانفكشن (fanfiction)، المستخدمة التاج (tag)، (dom/ sub).
6- اختصار لغة ترميز النص التشعبي Hyper Text Markup Language.
7- حرف الـ(w) هو الحرف الأول من اسم عائلتهما وبقية المقطع يشير إلى لفظة المخالطة الجنسية بين الأقارب أو زنا المحارم.




* ألييت جاباس
- أكاديمية وباحثة في جامعة rennes ، متخصصة في الأدب والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

** لطفي السيد منصور
- مترجم مصري




* المصدر
- مجلة فصول العدد 98

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى