محمد المسلاتي - الضحك والبكاء

تكدر الحاكم من شعبه الذي لا يعرف الابتسام، تضايق من ملامح الناس المكفهرة، والوجوه العابسة.. طلب جلب الوزراء، والعلماء، والحكماء، أبدى لهم انزعاجه، تطوع أحد العلماء بفكرة سطعت في رأسه. قال:
– لا تقلق يا مولانا، بإمكاننا تصنيع أحزمة تجعل الناس تبتسم، تموت من الضحك .
هدأ الحاكم ،انبسطت أساريره ، وأمرهم بالتنفيذ فورًا.
بعد أسبوع صُنعت الأحزمة. أصدر الحاكم مرسومًا يقضي بأن يطوق كل مواطن خصره بحزام. ربطت الناس الأحزمة، وبالفعل شعت الابتسامات على الشفاه، صدحت الضحكات، في البيوت، والشوارع، والمكاتب. تعتريهم النوبات، حتى خلال النوم لم يغب الضحك، صارت الناس تضحك من دون سبب، وبلا توقف، وحتى يوم الاحتفال الرسمي حينما شرع الحاكم يلقي خطابه في جموع شعبه، ارتفع الضحك، ما دفعه إلى بتر خطابه، وإلغاء الاحتفال بعد أن احمرّ وجهه خجلًا في حضورالوفود وسفراء الدول الأجنبية، استدعى الوزراء والعلماء، والحكماء، وبخهم ، صاح قائلاً :
– ماذا فعلتم؟ سيُقال إنني أحكم شعبًا من المعتوهين، الضحّاكبن. عليكم إيجاد حل سريع لهذه الورطة.
انهمك العلماء في تعديل الأحزمة، بعد يومين وُزّعت من جديد، لكن المفاجأة أن المواطنين انخرطوا في بكاء موجع، طوال اليوم، لا يكفون عن العويل، والصراخ، تحولت البلاد إلى مأتم كبير، صُدم الحاكم،لم يفهم ماالذي يجري؟ هرول إليه العلماء، والوزراء، والحكماء، قدحت عيناه شررًا، توعدهم بقطع رؤوسهم، وقال لهم:
– أية مهزلة هذه؟ سيُقال عني إنني أحكم شعبًا من البؤساء، الحزانى، النوّاحين، المنكوبين، افعلوا شيئًا.
سارع العلماء في تعديل الأحزمة، وضبطها، أنجزوا مهمتهم ، استلم كل مواطن حزامه المُعدل، لكن هذه المرة صار المواطنون إذا ابتسم، وابتهج الحاكم، يجهشون بالبكاء، وإذا حزن، أو تألم، أو مرض تنتابهم هيستيريا من الضحك المتواصل.
كانت صدمة مفاجئة للحاكم، جرّ إليه العلماء، والوزراء، والحكماء، خلال الاجتماع، وفي حضرة الحاكم، همس أحد الحكماء لزميله سرًا :
– لو أن أحدًا يُقنع مولانا بصنع حزامٍ واحد يرتديه هو فقط، ويُضبط بحيث عندما يحزن الشعب، يحزن معه، وإذا جاع يجوع مثله، وإذا تألم يشعر بآلامه، وإذا ابتهج، يبتهج، وإذا ضحك، يضحك،وإذا شبع، يشبع.
هز رفيقه رأسه بالموافقة قبل أن يطير، وتمتم بصوت خافت خشية أن يسمعه أحد :
– لكن من ذا الذي يجرؤ أن يفاتح الحاكم بذلك؟!
أحد المخبرين سرب ما اقترحه الحكيم إلى ديوان الحاكم .
في المساء عُلقت رؤوس العلماء والوزراء، والحكماء وسط المدينة؛ فعاد العبوس إلى الوجوه، وارتفع البكاء وازداد النحيب!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى