خيرة جليل - التاريخ لم ينصف المثقفة المغربية

فرضت الأوضاع التاريخية على المثقف المغربي في العهد الاستعماري،أن يؤسس الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجرائد والمجلات. وحسب الكاتب محمد اديب السلاوي "ان هذا المثقف استلهم مكانته من النضالات من أجل الاستقلال، و من مواجهة التعسف والظلم والتهميش وتقييد الحريات، وهو ما حوله إلى حالة رمزية واكبت جميع الأحداث التي آلمت بالبلاد والعباد....يعني ذلك بوضوح أن الثقافي في المغرب كما في العالم الثالث، كان منذ البداية مرتبطا بالسياسي في مفاهيمه العريقة على كافة المستويات، فالثقافي بهذا المعنى أسس للسياسة، للإيديولوجيات، للأفكار التي أحدثت التغيرات والتحولات الكبرى في التاريخ الحديث للعالم الثالث".....لكن السؤال الذي يطرح نفس هو لماذا كتب تاريخ الثقافة المغربية ونضالها بصيغة الذكور فقط ؟ لماذا لم تذكر اسماء نساء مثقفات رىيدات في النضال السياسي بنفس الحدة التي وقفوا بها امام رجالات اطروا هذا النضال السياسي الثقافي؟ هل كانت المراة المغربية قادرة على انجاب رجالات بهذه القوة الفكرية والثقافية والسياسية ولم تكن قادرة على خلق انتاج ثقافي يؤطر هذه المرحلة ؟ ام ان التاريخ اختص بكتابته الرجال ليغيب دور المراة بطريقة متعمدة؟ ام ان المرحلة التاريخية فرضت ذلك؟
العديد حين يقراء اسىلتي هذه التي اعتبرها اسىلة مشروعة، سيظن انني من النساء الثاىرات والمتزعمات لفكر الفيمينيست، وانا على اتم الحياد الفكري والثقافي لاتناول هذه القضية لا لشيء الا لاميط اللثام عن بعض الاحداث التي تم تغييب الدور المهم والفعال للمراة المغربية فيها و في العديد من المقاربات التحليلية للشان الثقافي المغربي عبر المراحل المختلفة للتاريخ.
ساطرح سؤالا بسيطا : هل هذه المراة المغربية بما فيها الام والاخت والزوجة والابنة ....كانت قادرة على ان تعيش بنفس البيت وتحت نفس السقف مع مثقف من هذا العيار الفكري دون ان تتاثر به او تؤثر فيه؟ وتكون حافظة اسراره دون ان لا يكون لها الفضل في بناء شخصيته وتوجيهه او مساعدته؟
تحدثت العديد من المراجع التاريخية عن دور المراة في الممالك الامازيغية ولكن تاريخ المغرب القديم والوسيط حسم وبشكل جلي اهمية المراة المغربية في بناء الدولة المغربية سياسيا وثقافيا وفي تكوين الاىتلاف السياسي بين القباىل الامازيغية واستقلال المغرب عن الخلافة العباسية بالمشرق العربي وخير مثال على ذلك تزوج المولى ادريس الاول من كنزة الاوربية ، ومرورا بدور فاطمة الفهرية في بناء مسجد القيروان والذي اعتبر اول جامعة اسلامية وعلمية ووصل صيتها الى العالم انذاك وهي التي قال عنها ابن خلدون: "فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها"، لعظمة ما بنته. فمسجد القرويين ما يزال إلى اليوم يؤدي دورا رائدا في نشر الإسلام والعلوم في المغرب، ليصبح بذلك أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في المغرب الأقصى وأول جامعة في العالم. . ووصولا عند السيدة زينب النفزاوية والتي ارتبط اسمها بمدينة مراكش والدولة المرابطية، والتي اشتهرت بانها كانت عالمة اعشاب ومثقفة....ومن هذه المراحل بدا تغييب اسم المراة المغربية على الساحة الثقافية والسياسية بشكل علني رغم انها كانت ذات نفوذ قوي داخل البلاط الملكي المغربي بالعصر الموحدي او المريني.....خصوصا مع تعدد الزوجات وكثرة الصراعات بين الامراء حول السلطة وتطلع كل سيدة لان يصل ابنها للحكم وما كان ينتج عنه من فتن سياسية وانقسام المغرب لمملكة مراكش ومملكة فاس وما يصاحبه من تدهور الاوضاع مع سنوات الجفاف وانتشار الطاعون والمجاعات ..... و ما قامت به السيدة الحرة بتطوان يلخص قصة المراة المغربة القوية القادرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة لقوة ثقافتها في مرحلة ضعف سياسي مغربي ، وما لعبته الزوايا من دور مهم في اعادة توحيد البلاد مع السعديين او العلويين ....وكانت اغاني الشيخةخربوشة وانتفاصتها ضد القايد اعيسى بن عمر دليل على اهمية المراة وسط النسيج الثقافي والسياسي وتاطيرها للفكر الجماعي للقبيلة.وفي هذه العجالة التاريخية نصل الى مراحل التدخل الاستعماري الفرنسي بالمغرب وما سمي بمرحلة تهدىة المغرب من سنة توقيع الحماية سنة 1912 الى مرحلة 1936، نجد ان المراة المغربية لعبت دورا كبيرا في تهريب السلاح للمجاهدين المغاربة ونقل رساىلهم بين الجبال والسهول دون ان يفطن لذلك المعمر على شكل مواويل واغاني ....كما استحضر هنا مثال ورد في بعض سجيلات المستعمر الفرنسي ان بمعركة سيدي علي بن ابراهيم ايت بوزيد باكرص بسهل تادلة التي انهزم فيها الفرنسيون وجدت جثة امراة ميتة وهي تحمل بظهرها طفلا ياكل الخبز وفي حزامها البارود ، مما يدل على ان هذه المراة لعبت دورا مهما في تزويد المجاهدين بالبارود ضد ضد الفرنسيين. السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه السيدة البدوية خاضت هذه المغامرة السياسية عن وعي ثقافي فكري ام انه من محص الصدفة ؟ ترى ما كان نصيب المراة بالمدينة في ترسيخ الوعي الثقافي لخدمة النضال السياسي ؟
من بين الاسماء نجد عائشة البحرية بطلة النساء المغربيات وفدائية قتلت من الضباط المستعمرين الكثير رفقة عدد من النساء، وخلقت الرعب في صفوفهم، كانت رمز المقاومة و الوفاء للزوج و القدرة على الصبر. و تجدر الاشارة إلى أن عائشة البحرية شخصية تاريخية بارزة في حقبة الاستعمار الفرنسي للمملكة المغربية. كان سبب دخولها مغامرة المقاومة هو اغتيال زوجها في كمين كان ورائه الاحتلال الفرنسي. فأصبحت تتربص الجنود و تقتلهم. و يُروى أنها بفروسيتها ومقاومتها رفقة عدد من النساء المغربيات الأرامل خلقت متاعب جمة للمستعمر الفرنسي، وظلت هذه المرأة الملثمة الشجاعة تقاوم الاحتلال الفرنسي ومجهولة لديهم إلي ان وافاتها المنية.
كما نجد السيدة ثريا الشاوي التي كانت اول امرأة مغربية استطاعت قيادة طائرة، بل إنها أول رُبانة في العالم العربي والإسلامي، اغتالها الفرنسيون سنة 1956 وهي بنت 19 ربيعا......
كما برزت السيدة مليكة الفاسي كمثقفة وسياسية اخترقت عالم الذكور في سن مبكرة، فكافحت، وناضلت، وانخرطت في المقاومة كالرجل تماما، وجعلت من اسمها علما من أعلام الحركة الوطنية.و هي المرأة الوحيدة (بين أزيد من 50 رجلا) الموقعة على وثيقة المطالبة باستقلال المغرب في 11 يناير 1944. هي ابنة السيدة طهور بنشيخ والقاضي المهدي الفاسي ولدت في 19 يناير 1919 ونشأت وسط اسرة من أم متعلمة وأب مثقف واع بأهمية التعليم للذكر والأنثى على قدم المساواة.التحقت بكتاب خاص بالفتيات ما بين 1928 و 1930، حيث درست بـ"دار الفقيه" قبل أن يوفر لها أبوها مدرسة داخل البيت تلقت فيها تعليمها وعلمها. لم تنتظر مليكة الفاسي كثيرا لكي تدخل التاريخ، فبلوغها سن السادسة عشر سنة 1935 كان كافيا ليجعلها توقع اسمها في التاريخ وفي مقالات مجلة "المغرب".اختارت "فتاة" و"باحثة الحاضرة" لتوقيع مقالات دافعت فيها عن أهمية تعليم النساء وتكوينهن وتأهيلهن .هي أول امرأة بدأت معركة محاربة الزواج المبكر في المغرب، وكانت تلح على متابعة الدراسة والتسلح بالعلم للذكر والأنثى بالتساوي" كانت تخطب في النساء بلا خوف ولا ارتباك، وضحت بوقتها وجهدها منتقلة بين مدينة وأخرى من أجل التحسيس بأهمية التعليم ونشر الوعي". هي أول صحافية في المغرب وأول امرأة وقعت على وثيقة المطالبة بالاستقلال.
يقول الكاتب والمقاوم أبو بكر القادري في كتابه (مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية)، "كانت السيدة مالكة الفاسي تتقد غيرة وحماسا ووطنية، وكانت العضد الأيمن والمساعد الأوثق لزوجها، وكانت تتبع النشاطات الوطنية، تتبع المخلصين الملتزمين، وزاد نشاطها عندما انضمت وكانت المرأة الوحيدة إلى الطائفة وهي الجناح السري في الحزب الوطني".
كانت مليكة أول من عمل على فتح فرع دراسي للطالبات بجامعة القرويين ومدارس حرة خاصة للفتيات . ووجدت صعوبة كبيرة في إقناع مدير جامعة القرويين آنذاك بضرورة تعليم الفتيات، حيث احتكار الرجال للعلوم جعلهم يرفضون طلبها، لكنها وبعد استشارة مع الملك محمد الخامس، طلب منها أن تقوم بفتح فرع تشترك إلى جانب فتيات أخريات في تمويله، لتتأسس الفكرة قبل أن تستطيع فرضها بالقوة على جامعة القرويين".هي أول من دافع عن حق المرأة في المشاركة في الانتخابات خلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال سنة 1956،
انصبت جهود مليكة بعد الاستقلال على الجانب الجمعوي والخيري، أسست جمعية "المواساة" بالرباط لإيواء اليتيمات سنة 1960، وأضافت فاطمة الزهراء الفاسي بالقول "كانت أمي تهتم بالرياضة وركوب الخيل والموسيقى الأندلسية، كما كانت تعزف على آلة العود". وكانت وسيطة الملك والشعب.احترفت مليكة المقاومة، والتحقت بالحركة الوطنية سنة 1937 وبالحزب الوطني ثم حزب الاستقلال، وفي سنة 1947 قررت تأسيس الحركة النسوية.كان بيتها بحي حسان في العاصمة الرباط مكانا لعقد اجتماعات الحركة الوطنية السرية.يقول أبو بكر القادري "كانت لالة مالكة الفاسي موضع ثقة من الحزب، ولذلك خصت وحدها دون غيرها من النساء الوطنيات بالالتحاق بالجناح السري، بعدما أقسمت اليمين على المصحف الشريف بكتمان الأسرار الوطنية والسياسية، ومنها الاتصال السري والمنظم مع محمد الخامس رحمه الله".
كان الملك محمد الخامس يزورها متخفيا للتنسيق والاجتماع، فانتدبها أعضاء الحركة لقربها منه ومن زوجته عبلة، لتلتقي به وتستقصي الأخبار وتخبره بما ينوي الوطنيون القيام به وكانت اخر من التقى به قبل ترحيله إلى المنفى يوم 19 غشت 1953،".وافتها المنية يوم 11 ماي 2007 .
كما نجد من أبرز الكاتبات المغربيات التي جمعت بين الأدب وعلم الاجتماع وألفت كتبا باللغة الإنجليزية تُرجمت إلى عدة لُغات عالمية،وهي فاطمة المرنيسي (1940ـ 2015) التي اهتمت بالكتابة حول قضايا المرأة والإسلام والمُساواة بين الجنسين في ظل تطور الفكر الإسلامي، فأسست بذلك لرؤيا جديدة ومنفتحة في ما يتعلق بمكانة المرأة في هذا الفكر، رؤيا تمخضت عنها عدة كتب ودراسات مثل "الإسلام والديمقراطية"، "الحريم السياسي، النبي والنساء"، و"هل أنتم محصنون ضد الحريم؟".
المرنيسي كانت أيضا أديبة رهيفة الحس، متمردة الأسلوب، منفلتة في مواضيعها عن المُتعارف عليه، فكتبت في هذا الإطار "أحلام النساء الحريم" و"شهرزاد تذهب إلى الغرب". كما كانت أيضا مناضلة في المجتمع المدني من أجل حقوق النساء والمُساواة بين الجنسين.
عموما ان هذه مجرد اطلالة سريعة على موضوع عميق وشاىك، وحتى وان كان مؤرخو المغرب لم يقفوا بشكل واضح عند دور المراة المغربية المثقفة في بناء تاريخ المغرب السياسي والثقافي الحديث فاني اقول ان المراة المغربية كان يستهويها البناء الحقيقي لارضية ثقافية وسياسية لوطنها صلبة بعيدة عن البهرجة. ولولا ربات البيوت المثقفات ما نجح رجال السياسة المثقفون في بلورة منظورهم السياسي وتاسيس احزابهم وتحقيق ثورتهم الفكرية ...وان جملة "وراء كل رجل عظيم امراة" لا تكفي للتعبير عن دور المراة المغربية المثقفة في التحولات الهامة ببلدها ......خيرة جليل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى