مصطفى معروفي - كرة القدم كما تمارس عربيا/وجهة نظر

لا يخفى على أي شخص مدى أهمية الرياضة في حياتنا اليومية، سواء تعلق الأمر بها كفرجة أو كممارسة، فهي كفرجة لا تكاد تعدل بها عند البعض شيئا ممتعا آخر، وهي كممارسة تصير في بعض الأحيان ضرورية للإنسان كما هو الماء والطعام، ذلك أن الجسم هو بحاجة إلى الطعام كما هو بحاجة إلى الترويض أيضا لدرجة أن عدم ممارستها عند البعض يصير مثل الانتحار البطيء، وإذا فالرياضة من هذه الناحية ذات فائدة جمة لمن يمارسها، ولا أدل على ذلك من النشوة والارتياح اللذين يحس بهما الممارس لها بعد الانتهاء من التمرينات وأخذ حمام بالماء الدافئ أو البارد، إنها الرياضة وما تعنيه للجسم إذا كان صاحبه يريد أن يجعل منه جسما كاملا، لا يحس معه بإرهاق ولا تعب ولا آلام ولا يعاني به ما يجره الخمول والارتكان إلى الكسل.
لكنني في هذا المقال لا أريد التطرق إلى الرياضة كرياضة بصفتها النبيلة والبريئة والبعيدة كل البعد عن المصالح الذاتية والمآرب النفعية التي يستغلها بعض الدهاة وبعض السياسيين في تمرير قرارات وخطابات الهدف من ورائها هو تكريس الوضع القائم، والإبقاء عليه للإبقاء على المناصب التي يحتلونها، وأكثر ما يبدو ذلك في كرة القدم باعتبارها اللعبة التي تتمتع بشعبية واسعة في المجتمعات. إن لعبة كرة القدم بالشكل التي تمارس به حاليا في دولنا العربية وفي كثير من الدول الأخرى المصنفة في خانة العالم الثالث -العالم الثالث تسمية مهذبة للعالم المتخلف -يوضح بما لا مجال فيه للالتباس أنها تمارس لأهداف أخرى بعيدة عن الرياضة كما نفهمه منها كمجال للتنافس الشريف وبناء الجسم ورفع العلم الوطني في الملتقيات الدولية الخ الخ...فاللاعب نفسه لا يرى في فريقه إلا مصدرا للرزق-ولا عيب في ذلك-فإذا تأخر في دفع مستحقاته له فإنه سيرفض الاستمرار في حمل قميصه، وهنا في هذه النقطة بالذات أود أن أطرح سؤالا على أولئك الذين يتفانون في حب فريقهم، وينخدعون باللاعب حين يرونه يعدو عدو الحصان في رقعة الملعب وهو يقبل قميصه سعادة وابتهاجا بهدف سجله، ملوحا بالقبلات للجمهور:
أليس هذا اللاعب يغالط الجمهور؟ وهل الجمهور غبي إلى درجة أنه يصدق ادعاء هذااللاعب وتظاهره بالحب للفريق الذي يلعب له؟أليس هذا اللاعب يبحث عن المال فقط بدليل أنه مستعد في كل لحظة لأن يتخلي عن فريقه الأصلي وأن يلعب لأي فريق آخر يدفع له أكثر؟
ثم إنني أرى أن الأموال الطائلة التي تنفق وتصرف على كرة القدم في الدول المتخلفة ومنها الدول العربية لا تنفق لوجه الله تعالى، فكرة القدم، كما هو الشأن بالنسبة للرياضات الأخرى، في كثير من هذه الدول إن لم أقل كلها تستعمل كمخدر، أو على الأقل كمنوم وكمهدئ، فعوض أن يكون الهم منصبا على المشاكل الاجتماعية ومنها مشكل البطالة والأمية والصحة والتعليم، يصبح هم الجمهور هو تحقيق فريقه الانتصار على الفريق الآخر الخصم، وبدل أن يصير الصراع من أجل حل أزمات المجتمع يصير الصراع بين جمهور فريق وجمهور فريق آخر.ومن هنا فإنني أرى الصعيق والضجيج والكلمات النابية التي يهتف بها الجمهور والحركات التي يقوم بها سواء كانت محتشمة أو غير محتشمة إنما هي تعبير واضح عن الذات المفلولة لدى هذا الجمهور وتنفيس عن مكبوتاته التي لا يستطيع التنفيس عنها في الشارع العام أمام السلطة أو المجتمع، حتى أنه في بعض البلدان ربما لا تكاد تسمع مناقشة للشباب إلا في الرياضة، وفي كرة القدم على الغالب، لكأن الدولة لا تسمح لهم إلا بذلك، حيث إن قنوات التنفيس تكاد تكون منعدمة لدى هذا الجمهور، ولذا فهو ينفس عن مخزونه من المكبوتات التي تضطرم وتتصارع بداخله عندما تتاح له الفرصة داخل الملعب، أو خارجه بعد انتهاء المباراة خاصة إذا كان فريقه المحبوب خرج بالهزيمة، وإلا فبماذا نفسر تحطيم السيارات والواجهات الزجاجية للمحلات التجارية وتخريب الممتلكات العمومية من طرف الجمهور الغاضب بسبب خسارة فريقه أو منتخبه، مع أنه يعلم علم اليقين أن هذه الممتلكات ليست للفريق أة المنتخب الخصم، ولا دخل لها في هزيمة فريقه أو منتخبه؟.ثم إن الارتياح الذي نراه عند جمهور الفريق الرابح أو المنتصر وعلامات الفرح والسرور البادية على محياه إنما هي نتيجة توهمه أنه كأنما حقق انتصارا على مشكلاته الشخصية التي يتخبط تحت وطأتها، فانتصار فريقه هو انتصار على مشكلاته الشخصية هو، وهنا قد يسأل سائل:
وماذا عن جمهور كرة القدم في الدول المتقدمة ؟أليس يفعل نفس الفعل الذي يقوم به الجمهور في بلداننا عند انتصار الفريق أوعند خسارته؟
أجيب:
يجب أن نفرق بين جمهورين، جمهور محبط بسبب نظامه الاجتماعي الذي لا يخول له تحقيق طموحه حتى في أبسط صوره، وبين جمهور أصبح المرء فيه يدافع حتى عن الوطواط والضفدع والحمار، وحق الحيوانات في العيش الكريم بعدما تجاوز هو الدفاع عن حقوقه بعد أن ثبت المؤسسات التي أعطت نظامه الاجتماعي قوة، وهو النظام الذي أعطى للفرد فيه حقوقه كاملة غير منقوصة.
شتان ما بين الجمهورين لأنه شتان ما بين نظامين اجتماعيين قائمين في بلدانهما.
وحتى لا يتوهم البعض أنني مناوئ أو معاد لكرة القدم أبادر بالقول أنني كنت لاعبا لها، وما زلت ألعبها لحد كتابة هذه السطور، وأمارس رياضة كمال الأجسام بشكل منتظم، كما أنني ألعب كرة المضرب وأمارس السباحة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى