زكريا تامر ـ الطائر الأخضر

أحرق أبو حيان التوحيدي كل كلماته المكتوبة على الورق، ورمق رمادها بتشف متنهدًا بارتياح. وأحسّ بالجوع، ولم يجد في بيته ما يصلح لأن يأكله، فمسح فمه بظهر يده، وحمد الله. ووقف أمام المرآة، فلم يعجب بما رأى، وتحوّل خروفًا تحوّل هرّا تحوّل ذئبًا تحوّل طائرًا أخضر الريش، وخرج من النافذة المفتوحة، وطار فوق البيوت، وحطّ على غصن شجرة، وراقب بفضول رجلاً يجلس في حديقة قصره محاطًا بالكثير من ندمائه وخدمه وحراسه، وقد تطلع الرجل حوله، فرأى كل شيء جميلاً، فالعشب أخضر، والأشجار خضر مثقلة أغصانها بالثمر الناضج، والسماء زرقاء، والشمس مشرقة، والورد متنوع الأشكال والألوان، وتساءل الرجل بصوت مرتفع منتش: (هل هناك رجل في العالم أسعد مني?).
فتنافس جميع الذين كانوا متحلقين حوله على التأكيد له أنّه أسعد رجل وأقوى رجل وأرحم رجل وأغنى رجل وأسخى رجل. فاغتاظ الطائر الأخضر، وتحوّل غرابًا أسود، ونعب نعيبًا أجش أزعج الرجل، ودفعه إلى أن يأمر حراسه بطرد الغراب من حديقة قصره، فحاولوا وأخفقوا، وحنوا رؤوسهم خجلين بينما ظل الغراب يطير من شجرة إلى شجرة مواظبًا على إطلاق نعيبه. فاضطر الرجل إلى ترك الحديقة غاضبًا، فاغتبط الغراب، وطار مبتعدًا عن الحديقة بأقصى سرعة حتى بلغ أحد الأزقة، وحطّ على سلك كهربائي، ونظر إلى أطفال يلعبون بمرح صاخبين، فزال عنه حنقه، وتحوّل عصفورًا مغردًا، فلم يتنبه الأطفال إليه، واستمروا يلعبون ضاحكين. فطار العصفور، ورأى في أثناء طيرانه معركة ضارية بين جيشين، فتحوّل طائرة حربية ألقت قنابلها فوق الجيشين، وأبادتهما أجمعين. وطارت الطائرة بعيدًا عن أشلاء الجثث الممزقة، وحلقت فوق ساحة سجن يضرب حراسه سجناءهم بالعصي الغليظة، وقذفت بناءه بقنابلها وهدمته. فبادر السجناء توّا إلى بناء سجن جديد ذي أسوار شاهقة. ورأت الطائرة سفينة تمخر البحر، ويظن ركابها أنّ الطوفان يجتاح الأرض بكاملها، فتحوّلت الطائرة حمامة بيضاء طارت وعادت بعد حين إلى السفينة تحمل في منقارها غصنًا أخضر يقطر دمًا أو حبرًا أحمر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى