شيخة حسين حليوى - ف ا ج ر ة.. قصة قصيرة

"والله تنقصنا سهرة عائليّة على شاطئ بحر يافا. يقولون إنّه رائع. ما رأيك يا أخي؟"
منْ الّذين يقولون؟ أهي أختك تسرُّ لكِ ببعض عهرها وتُدارين أنتِ عليها؟
" والله يا أختي يقولون إنّه شاطئ العشّاق ونحنُ كما أعرف تجاوزنا مرحلة العشق. أم لكِ رأي آخر؟"
لم يكن يهمّه رأيها بقدر ما يهمّه أن يجد توتّرا في صوتها أو لفتة حذرة نحو أختها قد تشي ببعض ما تُخفيان. لا يشكّ أنّها قد تُداري على أختها وتسهّل عليها بعض كذبها. هل كُتبَ عليه أن يحمل عار النسوة في أسرته؟ عارهنّ المحتمل أو المتوقع؟
يغبطُ جاره أبا طارق. لا أخوات عنده ولا عمّات وكلّ نسله من الذكور فمن أين سيأتيه العار؟ حينما يُقسم بشرفه لا يخشى أن يتغامز أحدٌ عليه. أمّا هو فيتحاشى القسم بغير الله وبأسمائه الحُسنى. حتّى أنّ ذلك يُكسب قسمه هالة من القداسة وهو يلوّح بيده: والله وجلاله وقدرته...
" وما الغلط في ذلك؟ ألا تحبُّ زوجتكَ؟ وأنا أحبُّ زوجي"
وأختك؟ هل تُحبُّ هي الأخرى؟ وشاطئ يافا يطيبُ مع نسيمه الحبّ وأشياء أخرى.
تُرى ما زالت عذراء؟ يا ستّار!
انتفض مذعورا وقطرات من الدم تفترش طريقه فيتجنّبها. كاد يسقط على وجهه.
"ما بكَ يا أخي؟ مازال الوقتُ مبكّرا. لم تبدأ السّهرة بعد".
مبكّرا؟!
قد يكون الأمر أصبح متأخّرا. متأخّرا جدّا. ويلهُ ثمّ ويلهُ.
متى تسلّط عليهِ هذا الهاجس؟ أهو هاجسٌ أم حقيقة واقعة؟
جملة عابرة قالها الشّيخُ في إحدى خطبه أو صديقهُ المتديّن. لا يذكر بدقّة مَن قالها. هي جملة أيقظت في داخله هاجس العار أو الخوف من العار. هل كان القائلُ يقصدهُ هو بعينه؟ أم يقصدُ إصلاح المجتمع من باب النسوة الداعرات؟ هل يتغامزون عليه؟
"البنتُ الّتي تنامُ برا اكسر وراها جرّة ". كلّ بنتٍ وأيّ بنتٍ.
وهي منذُ بدأت تدرس في جامعة تل أبيب وهي تنامُ برا. أيّ معنى لشهادة جامعيّة وسمعة ملطّخة؟
لقد سمع الكثير عن قصص العشّاق الّذين يصيرُ الشاطئ المعتمُ غطاء لهم، العشّاق الهاربين من العيون إلى العمى. وقد تكون أخته الصّغرى التي تنامُ في تل أبيب واحدة من هؤلاء. ما الّذي قد يمنعها؟
رضخ لإلحاح زوجته وأبنائه.
"والله نشتهي أن نزور البحر، نشتهي أن نسهر على شاطئ يافا. ألسنا مثل باقي الخلق؟"
حزموا أمتعتهم وطعامهم وشرابهم عازمين على قضاء ليلة عند الشّاطئ. لا أحد كان يُخمّن بماذا يفكّر.
الجميع مشغولٌ باقتناص المتعة المحدودة لساعات الليل وهو وحده كان يتلصّص على العتمة. أوقد نار الشّواء وترك لزوجته وأبنائه باقي المهمة.
أزواج من العاشقين يُدارون أنفسهم وعشقهم في ظلمة المكان.
يتفرّس في الوجوه وبالكاد يتبيّن ملامحها. فهؤلاء العشّاق يلوذون عن الأعين في الزوايا المظلمة في الشاطئ والتي لا تطالها مصابيح الإنارة ذات النور الباهت.
من بعيد لمحها. إنّها هي. يعرفُ مشيتها وقوامها. يعرفها حتّى في الظلمة ومن الخلف.
لا لن يسقط الآن. ليس الآن. يترنّح في حدود المعقول.
تماسكْ. تماسكْ.
يدُ الشّاب تحضن خصرها والثانية على بطنها.
تماسكْ. إيّاك أن تسقط قبل أن تسحبها من شعرها ومنديلها حتّى السّيارة. الشّاب لا يعنيك الآن. فاجئها من الخلف وجرّها خلفك كغنمتك العنيدة.
سأخنقك بيديّ وأدفنك عند مشارف القرية. يا فاجرة.
يا فاجرة.
يا فا...
يدها تمسحُ على رأسه ودمعتها تسقطُ على وجهه.
أينَ أنا؟
لا عليك يا أخي. أنت بخير. أنت بخير.
ألم يقتلها؟
زوجته ترمقه بغضبٍ: ماذا أصابك يا رجل؟ كيف تهجم على امرأة حامل بهذا الشّكل؟ ماذا توقّعتَ؟ أن يسكت زوجها وأخوها؟ أشكر ربّك أنّهما لم يقتلاك.
ليس هذا وقته. تعاتبها أخته الفاج...ر...ة
ليس الآن. المهم أن يقوم بالسلامة.
ولكنّها كانت تشبهها.
تشبهها جدّا.
تمتم ونام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى