رمضان الصباغ - ما الفن؟..

نشأة الفـن:
"لما كان العمل هو عملية يشترك فيها الإنسان والطبيعة "وفيها يبدأ الإنسان من تلقاء نفسه، ينظم ويسيطر على ردود الأفعال المادية بين نفسه والطبيعة. فهو يضع نفسه فى مقابل الطبيعة على أنه قوة من قواها، وهو يطلق للحركة ذراعيه ورجليه ورأسه ويديه، والقوى الطبيعية لجسمه لكى يمـتلك منتوجات الطبيعة بشكل يتفق مع حاجاته"(1). وقد كان الإنسان، بقدرته على السيطرة على أطرافه، وخاصة استعمال يديه فى تشكيل مواد الطبيعة وتغيير حالتها، مما يشكل فارقًا جوهريًا بينه وبين سائر كائنات المملكة الحيوانية. وقد كان العمل هو "الطبيعة الدائمة والظرف الاشتراطى الذى يفـرض نفسه على الوجود الإنسانى"(2) . فالإنسان فى هذه العملية يقوم بتبديل الطـبيعة وتحويلها بدًءا من اختراع أو صناعة أكثر الأشياء بدائية حتى أشدها تعقيدًا.
"إن العمل الذى خلق عند الإنسان الحاجة الجمالية، أعطى هذه الحاجة أشكال التعبير الأولية"،(3) وقد كان تطور الحواس الإنسانية عبر سيرورة العمل، المفتاح الأساسى الذى من أجله تم إبداع الفن. وقد ظل الفن لفترة طـويلة فى اتصال دائم مع العمل وغير منفصل عنه، ولم ينفصل عنه إلا بعد أن نضج الفن، وذلك بنضج الإنسان وتقدمه، عبر التغيرات الاجتماعية وزيادة سيطرته على الطبيعة.
"ورغم المظاهر الأولى لما نسميه الآن إبداعًا فنيًا يعود إلى فترة ما قبل اتاريخ فهى ليست قديمة كالعمل نفسه. فقد ظهر الإبداع الفنى بعد أن مهر الإنسان فى أدوات العمل. وهناك فترة تاريخية طويلة لربما بلغت الألوف من السنين، كان الناس يعرفون بها إنتاج الأشياء الضرورية لتحصيل الغذاء، ولكنهم لم يفعلوا خلالها شيئًا يشبه الفن. فمن الضرورى للعقل واليد أن ينضجا ليبدعا، وقد جرى هذا النضج خلال عملية تملك العالم المحيط عن طريق العمل.(4)
لقد احتاج الإنسان إلى وقت طويل كى ينجز بعض حاجاته الضرورية ويتغلب على ندرتها فى الطبيعة، وكان العمل وسيلة من وسائل التغلب على هذه الندرة أو السيطرة على الطبيعة. وقد كان ارتباط الفن بالعمل وثيقًا لأن الإنسان كان يصنع الأدوات التى تساعد على تلبية حاجاته، وكان (يبدّل) الطبيعة ويحوّر الواقع حتى يتلاءم مع ضروراته وكان هذا هو بداية الفن.
"فالعمل كان أحد الينابيع المباشرة فى عنصر رئيسى من عناصر فنـون الحركة، فى الشعر وفى الموسيقى: عنصر الإيقاع والوزن(5) . والعمل الجمعى عمل إيقاعى، فإطلاق صوت مبهم يكون فيه استغناًء عن "بذل الجهد العنيف، وهذا الصوت ينم عن الإيقاع. وقد أنجبت هذه الشروط المادية أغانى العمل الشعبية الخاصة بكل حرفة: غناء ملاحى الزوارق، حداء القوافل، أغانى بذور الحبوب. أغانى الحصاد أو القطاف عند المزارعين، وكثير غيرها مما يحفل به الفن الشعبى فى جميع الأصقاع"(6)
ولقد كان الفن والعمل متّحدين فى الأساس. فلا وجود فى المجتمعات البدائية لشعر غنائى لا ينشد، وكذلك فإنه لا غناء إلا وهو مرتبط بالأصل بحـركة من حركات الجسد .. ولقد استمدت اللغات، فى تشييدها للغة الشعرية الإيقاعات من الخارج _ أى من الواقع _ والحركات المرتبطة بالعمل، هى وحدها التى تتبع بالضرورة قوانين مستقرة، وهى وحدها الحركات المنتظمة.(7)
ولقد كان استخدام كلمة "فن"(8) _ فى العصور القديمة _ من الأتّساع بحيث أنه يشمل أمورًا لا تدخل ضمن نطاق الفن الآن، وكانت تعنى _ فيما تعنـى _ تبديل طبيعة الشئ، أو صناعة شئ ما. أى القيام بعمل ما تجاه المادة المعطاة.
"والفاعلية الشخصية للإنسان، أى العمل، هى بالطبع عامل حاسم فى الفن وهى تمكننا من فهم شكله المنجز. والأعمال الخاصة بالنفع والاستخدام والفن التصويرى هى نتاج الحركات البارعة والمتحكم فيها للأيدى عندما ترشدها العين والعقل"(9)
فقد كان تطور المخّ فى الإنسان، وأطرافه، خاصة الأيدى، وسيطرة المخّ على حركات هذه الأيدى، من أهم الأمور التى ساعدت على إنجاز الإنسان لأعماله، ومن ثم تطور حركاته وسيطرته عليها. لتصبح فيما بعد ذات طبيعة فنية.
"ولقد ظهر الفن فى المجتمعات البدائية بشكلين أساسيين:
الشكل الأول: هو شكل موضوع النفع المادى، مثل الأدوات والأسلحة، فقد ظهرت الأدوات البحرية فى العصر الباليوليتى الأدنى أو العصر الحجرى القديم، وكانت فى البداية أحجارًا بسيطة تم انتقاؤها بسبب شكلها ثم جرى شظفها وأخذ فى تشكيلها تمامًا لملاءمة الحاجة الإنسانية، وكانت صناعة الفخار أحد الإنجازات الكبيرة التى قام بها المجتمع البدائى وهو يعيد تشكيل المواد لتلائم حاجات الإنسان".(10)
وقد ظهرت الآثار الأولى للفن قبل الميلاد بحوالى 40 - 30 ألف عـام. وكانت عبارة عن أدوات مصنوعة من الحجارة ومن قرون الحيوانات. "ونشأت فى عصر الباليوليتى الأعلى أيضًا الفنون المسرحية القائمة على البروفات الجماعية للصيد وما يتعلق بها من طقوس سحرية ويمكن الافتراض أنه من الصرخات الحربية الإيقاعية نشأ ما يشبه الشعر والموسيقى فى عصر اندماجهما الأول".(11)
"أما الشكل الآخر للفن فهو شكل الطقوس القائمة على العقائد السحرية فالعادات العملية السحرية فى المجتمع المشاعى البدائى كانت محاولة للسيطرة على قوى الطبيعة، وهى محاولة قـامت على أساس الاعتقاد بأن محاكاة هذه القوى إنما تمنح الإنسان قوة للتغلب عليها"(12)
ففى المجتمعات البدائية كانت هناك طقوس خاصة بالصيد فتقلد حركات الحيوانات التى يتم صيدها كما تقلد إجراءات الصيد نفسه. وقد كانت "النماذج التزينية التى تقتبسها القبائل القناصة من الطبيعة تؤخذ من الأشكال الحيوانية أو الإنسانية وحدها دون سواها. إنها تختار أكثر الأشكال التى لها أكبر قدر من الفائدة العملية"(13) .
فالفن البدائى يعكس على خير وجه حالة القوى الإنتاجية بحيث يكون هو المعوّل عليه فى الحكم على هذه الحالة إذا ما حدث التباس فى الموضوع. وقد كانت الصور الحيوانية _ لدى الإنسان البدائى _ تحتوى على مغزى سحـرى، "ويذهب الافتراض إلى القول بأن الرجل البدائى يؤمن بأنه فى حال تجسيه للحيوان، إنما يكتسب بهذه الطريقة قوة السيطرة عليه، وهى وسيلة ناجحة لأصطياده لأجل الطعام"(14) .
وقد كان الفن السحرى المتمثل فى رسم الحيوانات فى الكهوف من قبل الإنسان البدائى، يتم إنجازه لضمان الصيد الناجح للحيوانات الحقيقية. تمامًا مثل الفن الهندى الأمريكى الذى درسة فرانز بوس Franz Boas إن الرسم التخطيطى لطفل من الأطفال إنما يعبر عن صلاة من أجل صحة الطفل وصورة الغزال هى صلاة من أجل النجاح فى الصيد". وهذه الصور هى أيضـًا من منتوجات العمل من حيث هو عملية. ويتم إجراؤها بشكل ضرورى بمقتضى خطة جماعية.(15)
وإذا كان "السحر" يعدّ سببًا من الأسباب التى أدت إلى نشوء الفن، فإن ما يعزى إلى جهل البدائيين بالأسباب الحقيقية لا يمكن أن يكون هو جوهر نشأة الفن، ذلك لأنه كانت النتيجة سوف تكون هى عدم وجود الفن فى العصر الحـديث نظرًا لغياب الأسباب التى أدت إليه. ولكن الأمر غير ذلك تمامًا، لأن الإنسان البدائى، رقم أنه كان فى إبداعه الفن ينزع إلى ما هو مفيد من الناحية الواقعية، إلا أنه عند تفسيره كان يضع مكان ما هو متعين تصورًا آخر متخيًلا "فكان يتصور أنه عندما يرسم صورة وحش فإنما يسيطر على الوحش الحقيقى، رغم أن رسم الوحش لم يكن يحمل له أية سيطرة مباشرة عليه. ولكنه كان يحمل فائدة أقل مباشرة بكثير بيد أنها أساسية وهامة للغاية للتطـور اللاّحق للإنسان ذاته. إذ أنه إذ يرسم يتعرف الوحش ويثبت معلومات عنه، ويتعلم بنفسه الإبداع على غرار الطبيعة، لقد كانت تلك أول معرفة مركبة للعالم"(16)
إن نظرية السحر تفسّر جزئيًا المعنى الذى كان يراه الناس البدائيون فى أعمالهم، ولكنها لا تستطع أن تفسر معنى هذه الأعمال الواقعى والضرورى تاريخيًا.(17)
وفى إطار ارتباط الفن بالعمل، نجد التأثير الكبير لطبيعة العمل، والحياة الاجتماعية التى يعيشها الإنسان على نوع الفن، وتفصيلاته.
ولقد كانت ضرورة الارتحال الدائم بالقطعان لارتياد مراع جديدة سببًا فى عدم وجود فن معمارى حقيقى عند بدو "آسيا". ولكن كان صوف الحيوانات وجلودها، دافعًا إلى أعمال النسيج والسجاد والجلد وهى أعمال تيسّرها وتفيد منها حياتهم المتنقلة.(18)
وهذا يفسّر إلى حد كبير كيف أن مناطق شاسعة فى آسيا ظل الناس يعيشون فيها فى الخيام حتى وقت قريب جدًا.
ولقد رأى "سيدنى فنكلشتين" أن "الفن فى المجتمع البدائى يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالعمل من حيث هو عملية، والذى يكون النسيج الكلىّ للحياة الاجتماعية. فليست الطقوس السحرية جزًءا من تنظيم حياة القبيلة فحسب، بل تباشر حتى الحرف الفنية على أساس اجتماعى أيضًا"(19) .
وهكذا لقد كان الفن "بمعنى من معانيه) تعبيرًا عن حاجات ضرورية للإنسان، واختلطت فيه المنفعة مع الصنعة، كما اختلط فيه الدين مع الممارسة الفنية. وهو _ أى الفن _ "لم ينشأ كترف روحى بسبب فيض الطاقة، وإنما كحـاجة ملحة فى المعرفة والتعميم تطلبتها ظروف النشاط العملى ذاتها. على هذا الشكل فقط كان يمكن تفسير ظهور الفن فى ظروف التطور الأقتصادى البدائى الضعيف للغاية. فى هذه الظروف كان من الأهم بكثير للإنسان أن يعرف الموضوع الأساسى لنشاطه العملى من أن يعرف ذاته ككائن اجتماعى. وكانت العلاقات الإجتماعية لا تزال بدائية جدًا، وتربية نمو الشخصيات المستقلة معدومة"(20) .
لقد كان لتخلف العلاقات الاجتماعية فى المجتمع البدائى دورًا بارزًا فى عدم تميز الفن - بمعناه الآن - عن أوجه النشاط الأخرى، فقد كان بمثابة "الشـكل غير المبوب للمعرفة، قد كان علمًا بمقدار ما هو فن"(21) فلم يكن فى وسع الفن فى المجتمع" السابق على الطبقات والذى يسود فيه النظام العشائرى البدائى أن يوجد وجودًا قائما بذاته، ويتطور تطورًا مستقبلا، وذلك أولا لأن الوعى الأجتماعى ذاته كان آنذاك غير معقد وغير مجزأ، وثانيا ، وهذا الأهم لأن النزعات الأيديولوجية فى هذا الوعى لم تكن قد تطورت بعد، واكتسبت فعالية وتأثيرًا "(22)
وإذا كان الإنسان هو الموضوع الأساسى للفن، فإن تطور الإنسان وتطـور علاقاته الإجتماعية بمثابة الدمّ الذى يجرى فى عروق الفن. وإذا كان البدائى ينظر إلى أدواته على أنها امتداد لعقله وجسمه، وأن أعماله (الفنية) - أو التى تعّد فنيـة - ليست إلا جزًءا من حياة القنص والصيد، وطقوسه للسيطرة على الطبيعة.
والفن "البدائى ليس (فنًا لذاته)، كما أنه لا يوجد فى الحياة البدائية (علـم لذاته). فأوجه النشاط نفسها مثل الحرف والرسم السحرى والطقوس تجسد ما سيمكن التمييز بينه فى الحقب التالية على أنه الحرفة والعلم والدين والقـانون والتاريخ والحكمة"(23) . وإن كان من الممكن التمييز بين ما هو فنى وما هو علمى إلى حد ما - فى الحياة البدائية إلا أن التمييز لم يكن متيسرًا فى كل الحالات.
ولم ينشأ الفن لذاته إلا فى المجتمعات الطبقية وذلك كنتيجة حتمية للتمايزات الإجتماعية، وتحول المجتمع إلى طبقات متصارعة، وكون إحدى الطبقات تعيش على منتوجات عمل طبقة أخرى مما أعطى الفرصة للترف والانفصال عن عالم الحاجات الضرورية.
لقد كانت المعارف فى المجتمع البدائى غير متطورة. وغير مجزأة، وكانت الأوهام والتخيلات غالبًا ما تطغى على العكس الصحيح لخصائص الواقع وعملياته ونظمه، وكانت نظم حياة الطبيعة تدرك آنذاك على شكل تجسيد لظواهرها وقواها وعملياتها. وكانت المنتجات التصويرية البدائية تتضـمن المنظومات الأيديولوجية القادمة من (دينية، وفلسفية، وخلقية، وفنية) بالإضافة إلى بذور العلوم الطبيعية القادمة.(24)
يقول أرنولد هادزر:
"إن فنان العصر الحجرى القديم عندما كان يصوّر حيوانًا على صخـرة، كان ينتج حيوانًا حقيقيًا. ذلك لأن عالم الخيال والصور، وجمال الفـن والمحاكاة المجردة، لم يكن قد أصبح فى نظره ميدانًا خاصًا قائمًا بذاته، مختلفًا عن الواقع التجريبى ومنفصًلا عنه. ولم يكن قد واجه المجالين المختلفيـن بعد، وإنما رأى فى أحدهما استبرارًا مباشرًا، متجانسًا للآخر. وهو يتخـذ من الفن نفس الموقف الذى أتخذه ذلك الهندى الأحمر المنتمى إلى إقليم "سيو Sioux" الذى تحدث عنه "ليفى برول Lévy - Bruil. والذى قال عن باحث رآه يقوم بإعـداد رسوم: "إننى أعلم أن هذا الرجل قد وضع كثيرًا من ثيراننا البرية فى كتابه. لقد كنت هناك عندما فعل ذلك، ومنذ ذلك الحين لم تعد لدينا ثيران"(25)
لقد كان الإنسان البدائى لا يفصل بين الفعل الحقيقى والتمثيل السحرى له، كما كان يعتقد بأنه فى الوقت الذى يصوّر فيه حيوانًا، كأنه أنتج هذا الحيوان حقيقية. والقول الذى يراه البعض بأن فنون العصر الحجرى القديم هى صور زخرفية، هو فى رأى "هاوزر" تفسير غير مقبول تكذبه الشواهد، وذلك أن "التصاوير كثيرًا ما تكون مختبئة فى أركان من الكهوف لا يمكن الوصول إليها، ولا يتسرب إليها شعاع من الضو، أى فى موضع يكون من المستحيل فيه أن تستخدم على أساس أنها زخارف"(26)
وإذا كان الباحثون قد أكدوا على أن الشرطيين الأساسيين للفن هما: فكرة المحاكاة، وفكرة إنتاج شئ من لا شئ، أى نفس إمكانية قيام الفن الإبداعى.فإن "هاوزر" يرى أنه ربما كانتا قد ظهرتا فى عصر التجريب والكشف السابق على العصر السحرى. ولكن الطابع الآلى للأعمال الناتجة عن ذلك يؤكد أنها لم تكن تعبيرًا عن مبدأ زخرفى مضاد للنزعة المطابقة للطبيعة.(27)
إنّ ما كان ينتجه الإنسان البدائى كان يختلف كثيرًا فى جوهره عما يمكن أن ننعته بالفن الآن، فقد كانت تختلط فيه أمور كثيرة، السحر، والمنفعة، ومحاولة إنتاج شئ ما يتطابق مع الواقع. أما إنتاج الفن _ الذى يحيد عن الواقع فلم يكن ممكنًا فى ذلك الوقت.
فقد كان الإنسان البدائى غير مدرك لطبيعة الحياة الاجتماعية، وكانت المعرفة الأيديولوجية، لا تزال ضعيفة، ولم يبدأ تعقد الوعى الاجتماعى وتجزؤه إلا بعد أن أحرز هذا المجتمع نجاحات هامة فى تقسيم العمل. وقد أدى الصراع الإجتماعى الذى نجم عن الصراعات الطبقية واحتدّ الطبقية واضطرم بسبب وجود سلطة الدولة، أدّى هذا إلى تطور الأيديولوجيا، وظهر الأدب الاجتماعى الذى أخذت تولد فيه النظريات الاجتماعية _ السياسية وتتطور. وفى هذا السياق أخذ الفن يطور فى مضمونه وشكله، وأخذت الأشكال القديمة للتصويرية تتحول بالتدريج وتتبدل على نحو يتناسب مع التعبير عن هذا المضمون الجديد.(28)
ولقد كان الإنسان البدائى يتميز بحدّة الانفعالات، وكان التعبير عنها يأخذ أشكاًلا مختلفة، ويمثل أهمية كبرى بالنسبة له، فالفن الذى يعد ترفًا بالنسبة لعصرنا هذا، كان بمثابة الطقس السحرى، والشئ عظيم الفائدة للبدائى.
يقول "تايلور": "يمكن أن يبدو الرقص لنا، أناس العصر الجديد، تسلية غيـر مجدية، لكنه فى مرحلة طفولة الحضارة كان الرقص مليئًا بأهمية جليلة حارة العواطف. إن المتوحشين والبرابرة يستخدمون الرقص كتعبير عن الفرح والحزن والحب والغضب، وحتى كسلاح للسحر ووسيلة للعبادة"(29)
ويمكننا القول بأن الفن كان بمثابة "الشكل العام للمعرفة قبل كل شئ ولكن التعميم الجمالى لم يكن آنذاك جماليًا تمامًا، لأن آفاق مشاعر الإنسان البـدائى كانت مقيدة ببداية النمط الاجتماعى، ووحدة جانب العلاقة بالعالم، (أنه كما يـرى "ماركس" ليس فى إبداعه مثل جمالية مدركة بالوعى؛ فالإنسان ما زال بعيدًا عن معرفة ذاته جماليًا(30). وقد احتاج الإنسان إلى وقت طويل، شمل تغيرات اجتماعية، وتغيرات سياسية نجمت عن تغيرات فى طبيعة العلاقات الإجتماعية والإقتصادية، والسيطرة على الطبيعة، حتى يبدأ بهذه المهمة - أى إدراك ذاته جماليًا.
وهكذا نجد أن الفن كان مختلطًا بالسحر والدين والعلم، والعمل، ولم يكن معروفًا بالمعنى الاصطلاحى الذى ندركه الآن. وقد احتاج الفن الجميل إلى وقت طويل خلال المجتمعات المتحضرة حتى يصبح مستقًلا، ومنفصًلا عن الفن التطبيقى، وإن كانت لا تزال هناك بعض الآراء تدأب على الخلط بين نوعى الفن.
تطور معنى الفن
لقد تطورت كلمة فن Art عبر العصور وأخذت معان مختلفة، وقد اعتمدت هذه المعانى بدرجة كبيرة على الهدف أو الدور المنوط بالفن، أو الرؤيا التى تكمن خلف هذا المعنى أو ذاك.
وإذا كانت هناك صعوبة فى تحديد مفهوم الفن، فربما كانت ناشئة عن أننا أمام وجه من أوجه النشاط الإنسانى لا يخضع للأحكام المطلقة ولا يعرفها. فليس بين النشاط الإنسانى نشاط أسرع فى التطور، وأمضى فى الحركة، وأبعد عن الثبات والجمود من النشاط الفنى.
"إن استخدام كلمة فن بنفس المفهوم الحالى لها لم يكن معروفًا فى مصر القديمة، رغم انتعاش حالة الفنانين فى ذلك الوقت وقيامهم بدور حيوى فى إيجـاد وتطوير الأشكال المادية للحضارة الفنية. وإذا كان هناك وعى لدى المصريين القدماء بالفن فإنه لم يخرج عن إدراكهم للتجربة الدينية … ومصر كغيرها من الشعوب القديمة، كانت متأثرة بالسحر إلى حدّ كبير، وبوجود قوى خفية خارقة "فوق طبيعية" يجب إرضاؤها، إما للحصول على مساعدتها، وإما لتحييدها تجنبًا لعداوتها.."(31)
"والفن _ بالنسبة للمصرى القديم _ كان يحمل ذلك المعنى الثانوى الذى يقصد به "البراعة فى الأداء". وبالتحديد القدرة الفائقة على إنتاج أشياء مادية باستخدام الأدوات"(32) وقد كان الفن المصرى كله موجهًا لخدمة هدف محدد، ولذلك كان الفن التطبيقى عظيم الأهمية بالنسبة للفنان المصرى.
ولتحديد معنى الفن سوف نبدأ بمحاولة استكشاف المعنى من خلال اللغة، ولعل ذلك يكون أحد السبل التى تجعلنا ندرك المعانى التى يتخذها الفن.
جاء فى (لسان العرب)(33) أن الفن واحد الفنون، وهى الأنواع. والفـن: الحال، والفن: الضرب من الشئ، والجمع أفنان، وفنون .. يقال وعينا فنون البنات، وأصبنا فنون الأموال … والفن الطرد. وفنّا الإبل يفنّها فن إذا طردها، وقال الجوهرى، فنًا أى أمرًا عجبًا .. والتفيين: التخليط، والفنون: الأخلاط من الناس.
وفى هذا ما نجده بعيدًا كل البعد عن معنى الفن، اللهمّ إلا القول بأن الفن: أمر عجب، والرجل المفنّ" أى الذى يأتى بالعجائب. ولكن المعنى الصـريح لكلمة فن، سواء الفن الجميل أو الفن التطبيقى بمعناه الآن لم يكن ذا بال بالنسبة "لابن منظور".
"والفن بالمعنى العام جملة من القواعد المتبعة لتحصيل غاية معينة، جمالاً كانت، أو خيرًا أو منفعة. فإذا كانت هذه الغاية تحقيق الجمال سمى الفن بالفن الجميل، وإذا كانت تحقيق الخير سمى الفن بفن الأخلاق، وإذا كانت تحقيق المنفعة سمّى الفن بالصناعة. ومعنى ذلك أن الفن مقابل للعلم لأن العلم نظرى، والفن عملى، ومضاد للطبيعة من حيث أفعالها لا تصدر عن رؤية وفكر"(34)
وكذلك إذا أمعنا النظر فى كلمة فن فإننا نجد أن المصطلح اليونانى الخاص بالفن (T E) (V7) والمعادل الآتينى له (ars) لم يشُر أحدهما بصفة خاصة إلى الفنون الجميلة “Fine Arts” بل طبقًا على كل أنواع الأنشطة الإنسانية التى يمكن أن تسمى حرفًا Crafts أو علومًا Sciences. ومع أن علم الجمـال الحديث أكد على حقيقة أن الفن لا يمكن تعليمه، إلا أن القدماء فهموا الفن على أنه ما يمكن بواسطته تدريس شئ ما. لد كانت التعبيرات القديمة التعلقـة بالفن تقرأ وتفهم كما لو كانت تعنى فى الفهم الحديث "الفنون الجميلـة". وقد أدى ذلك - فى بعض الأحوال - إلى أخطاء جسيمة حين كان الكتاب القدامى لا يقصدون الإشارة إلى الفنون الجميلة فحسب.
فحينما عارض اليونانيون الفن بالطبيعة كانوا يفكرون فى النشاط الإنسانى بصفة عامة. وعندما قارن أبقراط Hippocretes الفن بالحياة كان يفكر بالطب، وعندما أعيدت المقارنة بواسطة "جوته Giette"، "وشيلر Schiller" مع الإشارة إلى الشعر فقد أوضحت الطريق الطويل للتغيير الذى اجتازه مصطلح الفن بعيدًا عن معناه الأصلى.(35)
ولم يكن لدى اليونانيين كلمة خاصة تشير إلى الفن بمعنها المألوف بل كانت كلمةT E) (7) ) والتى تعنى (تقنية) والتى تباين قليًلا فى معناها كلمة فنِArt الحديثة كانت تعنى صنع شئ ما، وإدراك صورة ما فى هيولى، فالفنان منتج وصانع(36).
إنها أى كلمة (T E 7) اليونانية "تعنى القدرة على إنجاز شئ ما، أى مهارة يدوية فى أكثر الأحوال مثل العمل فى قطع الأخشاب أو بناء السفن .. ومثل كلمة أخرى تشبهها فى الدلالة ( ) وهى لا تشير فحسب إلى المهارة، بل أيضًا إلى منتوجات المهارة. الأعمال وفنون الشرى Evil Arts، والفنى ليس فطريا Lnnate بل نتيجة لتعلم المهارات. وفى اللاتينية فإن الكلمة التى تناظر الكلمة اليونانية السابقة هى كلمة Techne. وقد عبر عن المعنى أخيرًا بكلمة ars والتى جاءت مساوية للكلمة اليونانية فى المعنى.(37)
"لقد ثبت فى كل اللغات العلاقة العضوية بين الفن وبين دائرة واسعة من مختلـف أنواع المهارة والخدمة والخبرات العملية للإنسان. وفى المراحل المبكرة من تطور المجتمع كانت الصلة أكثر وضوحًا"(38) ومن الجدير بالذكر أن كلمة "بوئطيقا Poetica التى أطلقها أرسطو على كتاب الشعر لا تقتصر فى اللغة اليونانيـة على فن الشعر بل تطلق على كل الفنون سواء منها الفنون النافعة أو الفنون الجميلة، فهى مشتقة من فعل Poein أى ينتج، وما دام شأن الشاعر هو شأن كل فنان منتج فإن كلمة بوتيطيقا تشير إلى الفنون عمومًا"(39)
وقد كان "أرسطو" يرى الفن مساويًا للصناعة أو الحرفة، وهذا بسبب الخلط بين الفنون الجميلة والفنون التطبيقية عند اليونانيين، وإن كان "أرسطو" قد جعل المحاكاة مقصورة على ما يمكن أن نسميه اليوم فنونًا جميلة.
لقد كانت الأساطير اليونانية بمثابة قاعدة نما الفن على أساسها ولكن بالذات كأساطير وحكايات وقصص تربوية، كشكل للتعميم الفنى. وإذا كان الجمالى فى تصور الإغريقيين القدماء يؤدى إلى مفهوم النظام المنسجم والتناسق من ناحية، فهو يفهم من ناحية أخرى على أنه صفة (أفروديت)، أى تجسيد لأفراح الوجود المحسوسة. وقد شاع رأى بأن الفن الإغريقى فى الفترة الكلاسيكية قد تجنب موضوع العمل. ولكن هذا الرأى مبالغ فيه كثيرًا. فعلى المزهريات الإغريقية نجد رسوم العمل فى ورشة الحدّادة وفى دكّان الحذّاء ومناظر لجمع الزيتون وعصر الزيوت وغير ذلك.(40)
وإذا كان لا وجود لتمييز بين ما يسمى بالفنون الجميلة والفنون التطبيقية فى العصور القديمة. "فإننا بالنسبة لـ(دانتى) "وتوما الأكوينى" نجد الأمر لا يختلف كثيرًا. فقد رأى القديس " توما الاكوينى" أن صناعة الأحذية والطبخ والشعوذة Juggling والنحو والحساب ليست أقل من الفنون، وهى بمعنى أخر( فنون) أكثر من التصوير والنحت الموسيقى، حيث أن الشعر والموسيق لم يوضعا فى مجموعة واحدةولو كفنون محاكاة"(41) .
وقد أبدى العلماء وجهات نظر متباينة حول معنى وجوهر الفنى الأوربى فى العصور الوسطى الوسطى. فلقد دعّم(فيولى لى ديوك) الباحث فى فن العمارة القوطى، الرأى الذى أورده قبله (فيكتور هوجو). فرأى أن الأعمال القوطية جسدت البداية الإرادية والإندفاع الإبداعى للفئة الثالثة النامية كما جسدت الروح الديمقراطية لنضـال المدن ضد الروابط التيوقراطية. ولكن على العكس من ذلك فإن( أميل مال) العالم الفرنسى الذى درس فن الأيقونات القوطية والرومانية فى علاقتها بالمصادر الدينية- نراه يربط بين فن القـرون الوسطى ومبادئ الكنيسة التى تحدد مواضيعه وتحدد ذلك ترتيبها وكيفية تنظيمها ووضعها، وتوصل إلى استنتاج أن الفن كان تجسيدًا للفكر الكنـسى وأن الفنانين شارحون وديعون له. وقد كان تأثير الكنيسة كبيرًا خاصة إذا علمنا أنها كانت(الزبون) الرئيسى المطلق الصلاحية فى تعامله مع الفنانين(42).
وإذا كان الفن فى العصور القديمة والعصور الوسطى قد ختلط بدرجات متفاوتة مع غيره، وكان غير مستقل تمامًا، سواء فى صلته بما هو نافع أو بما هو دينى وأخلاقى. فإننا نجد أنه قد تباينت الأراء فى العصر الحديث حول مفهوم الفن، بين أراء تجعل الفن نشاطًا خاصًا. ونمطًا متميزًا من أنماط الفعل الإنسانى، ينفصل عما عداه، وبين آراء لازالت تخلط بين الفن وأنشطة إنسانية أخرى.
ولقد بدأ الأنفصال بين الفن وغيره من الأنشطة بشكل أولى فى عصر النهضة إذ طُرحت موضوعات جديدة، وبدأت تظهر مضامين جديدة. فقد بدأت المثل الجمالية تظهر عبر الصور الفنية للشخصيات الإنسانية بكل تعقيداتها الحياتية. وقد ظهر الإنسان ككائن حى يحمل التطلعات المثالية. أن مصير "أوديب" عند "سوفكليس" تراجيدى وكذلك مصير "هاملت" عند "شكسبير". ولكن بطل المأساة الإغريقية يعانى من قوة القدر الخارجية، أما بطل "شكسبير" فيحمل مصيره فى ذاته. والتناقضات الاجتماعية تنعكس فى تناقضات شخصيته. إن الأبطال السامين والمنحطّين فى الفن الإغريقى منفصلين بعضهم عن بعض بوضوح كأقطاب ثابتة، أما "دون كيشوت" فهو فى الوقت نفسه سام مضحك و"سانتشو" منحط ومؤثر.(43)
وإذا كان الكلاسيكيون المحدثون ابتداًء من إيطالى القرن السادس عشر حتى الأب "باتو" فى مؤلفه "الفنون الجميلة ترجع إلى مبدأ واحد" (1747) قد فارقوا مبدأ المحاكاة، وقالوا إن الفن لا ينقل الطبيعة على نحو عـام ودون تمييز وأنما ينقل الطبيعة الجميلة. فإن "جان جاك رسّو" قد رفص هذه النظرية، ورأى الفن فيضًا من العواطف والمشاعر لا وصفًا أو إعادة للعالم التجريبى. وأصبح لزامًا على نظرية المحاكاة التى بسطت نفوذها قرونًا أن تفسح المجال لفكرة جديدة ومثال جديد - لمثال "الفن الشخصى".(44)
وقد كانت آراء "رسو" الخاصـة بلا أخلاقية الأدب، ورفضه للمسرح، واقتراحه بدلا من إقامة المسارح إقامة الأعياد الشعبية، وذلك من خلال رؤية طوباوية، تحفل بالعديد من التناقضات خاصة فى مجال الفن.
أما كانـط (1724- 1874)(45) مؤسس المثالة الكلاسيكية، فقد وقف فى وجه مدرسة كريستيان وولف (1679-1754) الذى حاول تجديد مدرسيـة العصور الوسطى. ورأى - أى كانط - الدين من وجهة نظر عقلية (الدين فى حدود العقل). وقد رأى وأن الفن وليد العبقرية، وإنه تقديم جميل لشئ ما، وهو لعب موجّه نحو إنتاج موضوع ما. وهو متميّز عن العلم من جهة وعن الصناعة من جهة أخرى. فهو كمهارة يختلف عن العلم اختلاف القدرة عن المعرفة، واختلاف التكنيك عن النظرية، واختلاف العمل عن النظر.(46)
وقد حرص "كانط" على عزل الفن عن الأخلاق فى "نقد ملكة الحكم" وجعـل مجال الجمال منفصًلا عن كل مجالات النشاط الإنسانى. وبذلك رأى أن الزخارف والنقوش والأرابسك وما شابهها هى التجسيد الأصيل للجميل، حيث لا وجـود لأى تصوّر أو غاية. والفن فى رأى "كانط" يعمل بقانونية من دون قانون، وبقصد دون نيّة. إن القانون الذى يبدع العبقرى على أساسه ليس قاعدة عقلية، وهو ضرورة طبيعية نابعة من الداخل. والعبقرية هى سلطة إملاء القواعد، وهى بداية مبدعة مطلقة وتتّسم بالأصالة غير المشروطة ولا تـوجد العبقرية إلا فى الفن. وقد ميز "كانط" النشاط الفنى عن النشاط العملى. ومن المستحيل وصف طريقة إنتاج الفنان لفنه أو شرحها بشكل علمى. فقد كان تفسيره للإبداع على أساس لا عقلانى، وعلى أنه عمل لا منطقى. وقد جعل العنصر الذاتى فى الجمال عنصرًا مطلقًا. وقد قامت نظريته بعيدًا عن الممارسة الفنية وفى تضاد مع الرؤية التاريخية. ورغم فصله الفن عن الواقع، إلا أنه عاد، ورأى أن الجمال هو رمز الخير من الوجهة الأخلاقية، وبذلك ضاعت جهوده فى البحث عن حدود بين الأخلاقى ولجمالى أو الفنى عبثًا وانتهى إلى كون الفن مجرد رمز بسيط للخير.(47)
ويرى "عبد الرحمن بدوى"(48) - فى إطار عرضه لفلسفة "كانط" الجمالية _ أن "كانط" فى تحديده للفن يميزه عن الطبيعة والعلم والصناعة:
( أ ) فالفن يتميز عن الطبيعة كما يتميز العمل (Facere) من الفعل (Agere) وناتج الفن يتميز من حيث هو عمل (Opus) من ناتج الطبيعة من حيث هو معلوم (Effects).
وينبغى ألا نسمى فنًا إلا ما ينتج عن الحرية التى تضع العقل أساسًا لأفعـالها. ولقد نرى الناس ينتعون بنعت العمل الفنى نتاج النحل (خلايا النحل المنتظمة الأشكال) ولكن هذا على سبيل التشبيه والمناظرة.
(ب) والفن بوصفه مهارة إنسانية يتميز من العلم، كما تتميز الملكة العملية من الملكة النظرية. والتكنيك من النظرية والمساحة من الهندسة.
(جـ) والفـن يتميز عن الصناعة (أو الحرفة أو المهنة) من حيث أن الفن حرّ بينما الصناعة (أو المهنة أو الحرفة) مأجورة، ولهذا ينظر إلى الفن على أنـه لعب، أى نشاط لذيذ فى ذاته، أما الصناعة فمجهود أليم لا يجذب إلا بنتاجه (الأجرة) ولهذا يمكن أن يفرض قهرًا وقسرًا.
وقد رأى "كانط" أنه يوجد نوعان من الجمال: الجمال الحر (Pulchrsitudovage) Free Beauty والجمال التابع Dependent Beauty (Pulchrsitudo adhaesnes). الأول يفترض أنه لا وجود لتصور لما يجب أن يكوته الموضوع، والثانى يفترض وجود هذا التصور. الأول يدّعى الوجود فى ذاته، والثانى كتابع للتصور (الجمال المشروط) ينسب إلى الموضوعات التى تندرج تحت تصوّر الهدف الجزئى االخاص.(49)
أما "يوهان فردريك شيلر" (1859 - 1805) فقد رأى أن مفهوم الجمال لا ينفصل عن مفهوم الفن. وأن الإنسان (حسّى وروحى) معًا. والغريزة المادية تقيده بالمكان والزمان وتحيله كائنًا سلبيًا محددًا يستظهر دوافع طبيعته السفلية ويعبر عنها. أما الغريزة الصورية فهى ترفع الإنسان إلى المستوى الروحى. تجعله كائنًا محددًا، وفاعًلا. ووظيفة (الفن) لا تقوم لدى "شيلر" فى تعليم وصايا أخلاقية. بل الفن يقود إنسان الحسّ نحو ميدان الواجب والعقل، وهو يسهم فى استعداد الإنسان لإنجاز إلزامات الضمير ووظائف العقل.(50)
كما قرر بأن الشكل هو جوهر الفن ولبّه. والصورة الجمالية لا تكون عند "شيلر" إلا بشرطين:
أن تكون خلوًا تمامًا من كل زعم أو إدّعاء بالتحقق الواقعى، وهو شرط البراءة Canard ويكفى فيها أن تكون من صنع الخيال، هذا أوًلا أما الشرط الثانى فهو أن تكون مستغنية عن كل عون أو مدد يأتيها من الواقع الفعلى، وهو شرط الاستقلال الذاتى Self Dependence(51) .
كما عبر "شيلر" عن الفن بأنه نشاط حر، وربط بين الفن واللعب، على أساس أن الفن يرادف الحرية(52)
ومن الجدير بالذكر أن نظرية "شيلر" فى اللّعب لا تتفق والنظرية التى ظهرت بعد ذلك عن اللعب كمنشأ للفن، والتى أتى بها "سبنسر" و"غروس". إن اللعب فى نظر "شيلر" هو نشاط إنسانى خاص يتميّز بأنه حرّ، على عكس النشاط النفعى الذى تفرضه الحاجة ويحمل طابعًا وحيد الجانب، ففى اللعب تعمل كل قوى الإنسان بتناسق. إن الفن كلعب مبهج فى حين أن الحياة جدّية. و"شيلر" فى وضعه اللعب فى مقابل النشاط النفعى إنما ينتقد تقسيم العمل فى المجتمع الرأسمالى. وقد اعتبر "شيلر" الصورة الفنية غير الواقع وغير الحقيقة وربطها بالأحاسيس والأفكار، ولكن دون أن يطابق بينها وبين الحسّى والروحى. ورأى ضرورة أن يسمو الفنان على الواقع، وفى نفس الوقت يجب عليه أن يبقى فى حدود العالم الحسّى.(53)
يقول "شيلر": "إن الفن لا يبلغ الحقيقة إلا عندما ينقطع تمامًا عن الواقع ويصبح مثاليًا تمامًا …. إن فن المثل الأعلى، وهو الذى أعطى، أو، بالأحرى، منح إمكانية بلوغ روح الوجود وتثبيته فى صبغة ملموسة"(54) .
لقد كان "شيلر" فى رؤيته للفن إنما ينطلق من أسس مثالية، وفى نفس الوقت كان ناقدًا للأسس التى يقوم عليها المجتمع آنذاك. وكان فى تعريفه للفن قـد خطا خطوة كبيرة نحو فصل الفن عن سائر الأنشطة العملية الأخرى التى يمارسها الإنسان.
أما "يوهان وولف هانج جوته" (1749 _ 1832) فقد رأى فى مقال له بعنوان (فن العمارة الألمانية): "أن الفن قوة مشكلة قبل أن يكون جميًلا، منذ أمد بعيـد، وحين يكون كذلك يكون فنًا صحيحًا عظيمًا، أصحّ وأعظم من الفن الجميل نفسه، لأن فى الإنسان طبيعة مشكلة تظهر نفسها فى فعالية ما حين يكون وجوده مكفوًلا ... هذا الفن المشخص هو الفن الوحيد الصحيح وعندما يؤثر فيما حوله من شعور داخلى مفرد متفرد أصيل مستقل، غير مكترث بكل ما هو غريب عنه، بل جاهًلا به، عندئذ يكون هو الكل، هو الحىّ سواء أتولد من الوحشة الجافية أم من الإحساس المثقف المتحضر"(55)
فقد انتصر الفن المشخص على يد جوته، ورسّو - كما يقول كاسيرر" - نصرًا حاسمًا على الفن الحكائى (أى الذى يعتمد على المحاكاة). ولكن "كاسيرر" يحذرنا من التفسير المتحيّز لهذا الفن، إذ لا يكفى أن ننص مؤكدين على الجانب العاطفى وحده فى العمل الفنى. حقًا إن كل فن مشخص أو معبر فإنه (فيض تلقائى لمشاعر قوية). ولكن يجب أن نحذر تحوّل الفن بهذه الصيغة من نقل الموضوعات إلى نقل حياتنا الداخلية ومشاعرنا وعواطفنا.(56)
وقد جاء فى مقال "جوته" عن "فينكيلمان" وفى أقواله عن "شكسبير" أن الواقع هو الذى هو الذى يحدّد الصيغ الفنية، كما رأى عظمة شكسبير" تعود إلى عصره الذى وصفه بالجبار.ولم يعارض "جوته" العلم بالفن، فقد رأى أن العلم والفن كانا دائمًا نوعين مختلفين من النشاط المعرفى. وعلى الرغم من أن الفن لا يصوّر (المفاهيم) كمفاهيم، فإنه يحتوى على معرفة ما هو هام وقيم وشامل فى الواقع. والحياة هى التى تحدد للفن شكله ومحتواه.(57)
وقد ربط "جوته" الفن بالمجتمع عندما تكلم عن ضرورة أن يكون الفنان معلمًا للشعب لأن الفن الأصيل لا يؤدى دوره إلا عندما يعلم الإنسان كيـف يتصرف تصرفًا سليمًا، ويوقظ فيه الرغبة فى العمل الفعال باسم توطيد الحق والخير والجمال فى الحياة.وعلى أساس ذلك رأى أن العنصر الحاسم فى العمل الفنى هو محتواه(58)
وقد تأثر "جوته" بـ "هيرور" و"رسّو" كما ربط بين الفن والحياة الإجتمـاعية، ورفض القول بأن الفن هو نتاج محض لروح الإنسان وربط بين الفنان وعصره.
أما "جان مارى جويو" (1854 _ 1889)(59) فقد انتقد "كانط" لأنه - أى "كـانط" - أعتبر الجميل والمفيد متناقضين وزعم أن الزخرفة العربية أجمل من غادة حسناء. كذلك يخطئ "آلان" لأنه أنكر أن يكون فى تنظيم الأجزاء وفقًا لغاية شيئا من الجمال الفنى. والحق فى نظره أن ترتيب الأجزاء وفقًا لغاية معينة ينطوى على نظام وانسجام .. والنظام الأجزاء وفقًا لغاية معينة ينطوى على نظام وانسجام .. والنظام والانسجام صنوا الجمال.
ويرى أن علاقة الفن بالواقع وثيقة لأن غاية الفن الحياة أو الواقع وإن كان الفن لا يبلغ هذه الغاية، أى صنع الحياة. كما يربط بين الفن والأخلاق، وذلك تأسيسًا على ربط الفن بالمنفعة (أو الجميل بالنافع) - عندما عارض "كانط" - وانتقد "هربرت سبنسر"، زاعمًا أن الخير هو الغاية الواجب تحقيقها.
ولكن هل كل أثر يؤدى إلى غاية خلقية جميل؟
يجيب "جويو" بأن هذا ليس صحيحًا، ولكن الصحيح هو أن أكبر انفعال فنى يمكن أن نحسّه هو الإكبار الخلقى. والفن الذى يثير فنيًا مشاعر منحطة يهبط بنا فى سلم التطور.(60)
أما "هيجل" فقد رأى أن بوسعنا أنم نلتمس هذا الحضور المثالى للروح فى نتاجات الفن على نحو أدقّ بكثير وأعمق مما نجده فى ظواهر الطبيعة. ويـرى أننا لا نجد فى الفن الإنسانى مجرد اللّعب أو اللهو، أيًا كانت بهجته أو نفعه، وإنما نحن معنيون بتحرير الروح البشرية من المادة ومن كل الشروط الجزئية المحدودة. وقد اعترض "هيجل" على كل نظرية تحيل الفن إلى عظة أو أداة فى خدمة غاية منفصلة عن الفن وغريبة عنه. والفن كتجسيد حى للفكرة هو جزء من العقل المطلق إلى جانب الدين والفلسفة. وقد كان فصل "هيجل" للشكل عن المضمون مؤديًا إلى أعتبار الفن نوعًا من التمهيد للفلسفة _ على حد تعبير "نوكس"(61)
ويعد استخدام الفن كوسيلة من وسائل التهذيب الأخلاقى هو انتهاك لصفته اللاّ نهائية، التى هى بمثابة صفة جوهرية. لأن ما هو غاية فى ذاته هو وحده اللاّ متناهى. أما ما يستخدم كوسيلة لغاية أخرى أبعد منه فهو تابع لغيره، متحدّد بشئ آخر غير ذاته وبما أن الفن محدد بذاته فهو غاية فى ذاته.(62)
ويلخص "هيجل" آراءه الخاصة بالعمل الفنى فى قضايا ثلاث هى:
1- نحن نفترض أن العمل الفنى ليس منتجًا طبيعيًا، بل هو نشاط إنسانى.
2- إنه يصنع من أجل الإنسان، ويقتبس من العالم الحسّى للإنسان.
3- لديه غايته الخاصة(63)
وفى هذه القضية الأخيرة (التى ترى أن للفن غايته الخاصة) يتضح أن استاطيقا "هيجل" تنهل من "نقد ملكة الحكم" لـ "كانط"، وإن كانت تتجاوزها فى نقطتين جوهرتين(64): فهى ترفع استاطبقا "كانط "من وجه النظر الذاتية إلى الموضوعية، كما أن "هيجل" يعطى بحثه فى الجمال بعدًا تاريخيا.
وقد أنتقد "هميل" مبدأ المحاكاة فى الفن قائلا: ينبغى على الفن أن يتخذ له مهمة أخرى غير المحاكاة الشكلية للطبيعة، وفى جميع الأحوال فإن المحـاكاة لا يمكن أن تنتج إلا روائع صناعية آلية، لا روائع عن الفن"(65) .
وإذا لاح سؤال عن مضمون الفن، وعما يهدف إليه هذا المضمون فإن "هيجل" يرى أنه فى إيقاظ النفسى؛ وأنه لصيق بالمشاعر والأحاسيس التى تجد مكانها فى الذهن الإنسانى. وبشكل عام فإنه أى الفن- يضع فى متناول الحدس ما هو موجود فى الفكر البشرى. يوقظ مشاعر كامنة، ويضعنا فى حضرة الروح الحقيقة(66)
إيقاظ المشاعر فى داخلنا، وإدخال جميع المضامين ذات المغزى فى حياتنا وإثارة الخلجات الداخلية بواسطة الواقع المحيط بنا، فى هذه جميعًا تكمن قوة الفن وقدرته الخاصة(67)
ويردّ هيجل على الذين يأخذون على الفن أنه مظهر لا يعبر عن مـاهية وأنه إيهام بالمشاهد بما يقدمه من حيل وخداع للسمع والبصر أو سائر الحواس بقوله إن الحقيقة لن توجد إذا لم تظهر وتتجل وإذا لم تكن مشاهدة من أحد، وإن لم تكن من أجل ذاتها ومن أجل الروح بعامة. وإذن لا ينبغى أن يوجد الذّم لمجرد الظهور، وإنما للكيفية التى يتم بها الظهور بواسطة الفن ابتغاء تحقيق الحق فى ذاته.(68)
وقد رأى "هيجل" أن محتوى الفن هو الفكرة، أما صيغتها فى التجسيد المحسوس فى صورة. ولكن هذه الفكرة ليست شيئًا مجردًا. وليس الجميل فى الفـن هو الفكرة. المنطقية، وإنما تلك الفكرة التى تشكلت فى الواقع، وهى معه فى وحدة مباشرة. إن الواقع المصوغ بشكل يتناسب مع تصوّره هو المثل الأعلى. ولذا فإن محتوى فلسفة الفن هو التعاليم حول المثل الأعلى وتطوره.(69)
وقد رأى أن الفن يعظ Belehren. الإنسان وهذا الغرض من الفن إنما يتحقق بأن ينفذ المضمون الروحى الجوهرى فى الوعى عن طريق الأثر الفنى. ومن هذه الناحية يمكن القول بأن الفن كلما سما، كان يحتوى على مضمون أكبر وكان هذا معيار قيمته، سواء كان المعبر عنه مطابقًا أو غير مطابق. وفى الواقع إن الفن هو أول معلم للشعوب.(70)
وقد أدرك "هيجل" النواقض الكامنة فى الرؤية الكانطية - على حد تعبير "لوفافر" - فأعاد الوحدة الملموسة إلى موضعها الصحيح وصحح علاقاتها بذاتها وبسائر الأنشطة الإنسانية. فوحدة الأثر الفنى لا تقتصر على كونها وحدة شكلية، وإنما هى وحدة الشكل والمحتوى، وحدة الدلالات والمعانى، التى بلغت أقصى درجات العمق، مع المظهر الفنى المحسوس. كما يعيد "هيجل" الصلة بين الفن والعمل الإنسانى، وبين العمل التطبيقى الذى يطوّر الإنسان به ذاته بتطويره الطبيعة.(71)
وهكذا نجد أن الفن عند "هيجل" فى تعبيره عن الروح المطلق، وتجاوزه للتجربة، وإن كان يعمد إلى التصوير المحسوس، كما أنه صار وحدة لا تنفصم، وصار محتواه هو الأساس، مناقضًا بذلك الآراء الكانطية.
وفى الماركسية نجد أن الأثر الفنى يركز أو يكشف، فى موضوع معين (استثنائى وفريد) جهد الناس العظيم الضخم، وجهد الجماهير البشرية، وهو التعبير الأسمى عن هذا الشكل المعطى للعالم وللإنسان نفسه من قبل عمله. إنه اللحظة المحظوظة، والومضة التى تضئ فى لحظة معينة، جزًءا مما أدركه الجنس البشرى بعد جهد الجماهير ابطئ، العميق، المختفى أحيانًا فى طبات الغموض والخفاء. والفن بوصفه إزدهارًا ينشأ فى هذا الثرى، لا يستطيع أن ينفصل عنه، بما أنه يستمد منه قوامه ومادته.(72)
فالفن هو انعكاس للحياة الواقعية للإنسان، والحياة الاجتماعية، فى إطار العصر، وجميع الظروف والملابسات. وهو تعبير عن الجهد الإنسانى فى التغلب على قوى الطبيعة، ومحاولة الاندماج فى العالم.
وإذا كانت التصورات الجمالية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحياة الناس ونشاطهم الإنتاجى والاجتماعى ومعيشتهم، ومن ثم يكون إبداعهم للفن نابعًا مـن تلك التصوّرات. فإن الماركسية ترى أن التصوّرات الجمالية لدى مختلف الشعـوب فى مختلف البلدان والعصور غالبًا ما تكون متعارضة ومتباينة، فما يبدو جميًلا فى عصر قد يبدو غير ذلك فى عصر آخر. والفن الذى يعد تعبيرًا عن عصر معين، قد لا يكون كذلك فى عصر آخر.
وبيرى "أرنولدهاوزر": أنه "من الخطأ أن ننكر على الفن كل حق له فى الوصول إلى الحقيقة أو أن ننكر عليه قدرته على الإسهام مساهمة قيمة فى زيـادة معارفنا عن العالم والإنسان. ولعلنا لسنا بحاجة إلى إيراد مزيد من الأدلة على أن الأعمال الأدبية إنما هى مصدر غنى للمعرفة، ولا غرو فإن أجل الانتصارات التى حققتها البصيرة السيكولوجية والتى أصبحت فى متناول أيدينا قد صدرت عن أساطين كتاب الرواية والمسرح".(73)
ويرى "غينادى بوسبيلوف"(74) أن كلمة فن فى الاستعمال المعاصر لا تقتصـر على معنى واحد، بل لها ثلاثة معاٍن مختلفة، وهى تعنى ثلاثة مفاهيم متباينة وهذه المفاهيم، بالرغم من أنها مترابطة فيما بينها. تختلف من حيث درجة اتساعها، وغالبًا ما يؤدى الخلط بينها إلى الخطأ فى حل المسألة التى نحد بصددها، وتعنى كلمة فن بأوسع معانيها المهارة أيًا كانت، فالفن هو المهارة والبراعه والخدق فى تنفيذ أى مهمة يضعها الناس أمامهم فى سياق نشاطهم الإنتاجى أو التنظيمى أو الأيديولوجى. أما المعنى الثانى فهو يعنى الإبداع وفق قوانين الجمال. وهذا يتطلب المهارة، بل مهارة خاصة مناسبة لموضوع الفن. أما المعنى الثالث، فإنه يتجلـى فى أنّ الفن مجال من مجالات الثقافة الروحية. وهو المعنى الذى تتم على أساسه دراسة الفن دراسة حقيقية.
ويرى أيضًا أن الخلط بين هذه المعانى الثلاثة لا يجوز إطلاقًا، وإن كان هذا يحدث دومًا. ولا يعنى هذا أيضًا أنه يوجد _ فى رأيه _ بين الفن التطبيقى والفن الجميل حاجز لا يمكن تجاوزه، وأن ليس بينهما مشكلات انتقالية. وسطية، إذ لا يندر أن تتضمن منتجات الفن التطبيقى أعماًلا تنتمى إلى الإبداع الفنى.(75)
والجدير بالذكر أن "مكسيم جوركى Maxim Gorky" "قد رفض" الفصل بينالعمل العقلى والعمل اليدوى، وبين الفنون الجميلة والفنون التطبيقيـة." (76) وبذلك تعود الأفكار التى تربط بين الفن والمنفعة، وتطلب من الفن وظيـفة اجتماعية. وقد أكد "جوركى" أيضًا على دور الفن فى الحياة والتغيير، ولكن على أساس التفاعل الديناميكى مع المجتمع والحياة، وبعيدًا عن أى نظرة ميكانكية".
والعمل الفنى هو من حيث جوهره شئ موضوعى محسوس، من نوع معين محدد. والفنان ينتجه وفقًا لظروف عصره مستخدمًا التقنيات الفنية والأدوات الموجودة فى هذا العصر. وليس الفنان مجرد أداة، بل هو فاعل حقيقى، وفنه يهدف إلى تغيير الواقع.
ويرى "لوفافر"(77) أنه قد كانت ثمة تعبيرات، وأشكال فنية، وأساليب مناهضة للإنسانية. وللطبيعة، وللمألوف _ فى الظاهر، على الأقل، ولكنها كانت مؤسسة أيضًا على جهد يبذل لإدراك الإنسان الحىّ، وإنقاذ جوهره.
أما "هربرت ماركوز" _ ففى إطار انتقاده للرؤية الجمالية الماركسية للفن _ يرى أن "صفات الفن الجذرية، أى وضع الواقع القائم موضع اتهام واستحـضار صورة جميلة للتحرر، ترتكز تحديدًا إلى الأبعاد التى بها يتجاوز تعيينه الاجتماعى وينعتق من عالم القول والسلوك المتواضع عليها مع صونه فى الوقت نفسه الحضور الساحق لهذا العالم"(78)
ويرفض "ماركوز" القول بأن الفن الأصيل هو الفن المعبر عن البرولتياريا. ويرى أن "الفن واقع تحت قانون المعطى، ولكنه ينتهك فى الوقت نفسـه هذا القانون"(79) ويرى تناقض الفن كقوة مستقلة بذاتها، ونافية فى جـوهرها مع التصور المادى الذى يقول بأن الفن يؤدى وظيفة تابعة - إثباتية - أيديولوجية فى جوهرها، أى أنه يمجد المجتمع القائم ويحله من خطاياه.
كما يرى "ماركيوز" أيضًا أنه من المتعذر عقل العمل الفنى بمصطلحـات النظرية الإجتماعية، ولا سبيل أيضًا بعقله بمصطلحات الفلسفة. ويـرى أن تشيؤ الجمالية الماركسية يشوّه وينتقص من قدرًا الحقيقية التى يعبـر عنـها مثل هذا الكون، ويختزل إلى الحد الأدنى الوظيفة المعرفية للفن بوصفه أيديلوجيا. ذلك أن طاقة الفن الجذرية تكمن فى طابعه الأيديولوجى، فى علاقة التجاوزية مع القاعدة، فالأيديولجيا، ليست على الدوام محض أيديولوجيا، أى وعيًا زائفًا، فالوعى وتمثيل الحقائق التى تبدو مجردة من منظور سيرورة الإنتاج السائدة هما أيضًا وظيفتان أيديولوجيتان. والفن يقدم واحدة من هذه الحقائق(80)
وإذا كانت النظرة الماركسية ترى أن كل فن مشروط بصورة ما بعـلاقات الإنتاج، وبالوضع الطبقى، إلخ فإنه يرى أن "بيت القصيد هو معرفة هل ثمة جوانب من الفن تتجاوز الشروط الاجتماعية الخاصة، وما العلاقات التى تقيمها هذه الجوانب مع الشروط الاجتماعية الخاصة."(81) كما أن "وظيفة الفن النقدية، مساهمته فى النضال فى سبيل التحرر، تكمن فى الشكل الجمالى. فالعمل الفنى لا يكون أصيًلا أو حقيقيًا بحكم مضمونه، (أى بحكم اشتماله على تمثيل صحيح للشروط الاجتماعية)، ولا بحكم شكله الخاص، وإنما لأن المضمون صار شكًلا"(82). وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى "هيجل".
وهنا نجد أن "ماركيوز" فى نقده للماركسية يقوم بتعميم مخـل، فهو لا يرى غير الآراء السسيولوجية الفجة، ويتجاهل الآراء التى عالجت الفن بقدر أكبر من الحرية معتمدة على الرؤية الجدلية.
ونلاحظ أنه مع "ماركيوز"، و"الماركسية" يعود الأرتباط بين الفن الجميل والفن النافع (التطبيقى)، كما تختلط فيه مهمة الفن مع مهمة العلم وذلك من خلال آراء "هاوزر" "بوسبيلوف"، و"لوفافر" .. وغيرهم.
يقول لوفافر: "ينبغى إغناء فكرة المنفعة (أو المحتوى التطبيقى العملى). فالواقع أن المنفعة كانت دائمًا أوسع مما يظن المراقبون السطحيون، فقد كانت الأوانى فى الماضى تخدم فى الحياة اليومية، وكذلك فى المآدب وكثيرًا ما كانت تخدم فى الأعياد الدينية بوصفها أشياء وطقوسية وسحرية. و(الأثر الفنى الحديث) يمكن أن يخدم بمعنى أنه يأتى بعنصر جديد لوعى الأفراد الحياة الإجتماعية وللظرف التاريخى. فالمنفعة السياسية تثرى محتوى الفن وتسهم فى الصياغة العميقة لشكله"(83).
وقد جاء فى القاموس الفلسفى الممثل لوجهة النظر السوفيتية بأن الفن هو بمثابة شكل نوعى من أشكال الوعى الاجتماعى والنشاط الإنسانى. يعكس الواقع المعيش فى صور فنية. وهو أحد أهم وسائل الاستيعاب والتصوير الجمالى للعالم. وقد رفضت الماركسية التفسيرات المثالية للفن على أنه نتاج وتعبير عن الروح المطلق، والإرادة الكلية، والإلهام الإلهى، والتصوّرات والانفعالات اللاشعورية للفنان. وتعد علاقة الإنسان الجمالية بالواقع هى الموضـوع المحدّد للفن. ويرتبط تطور الفن ارتباطًا لا ينفصم بتطور المجتمع وبالتغيرات التى تحدث فى بنائه الطبقى. وقد جاء أيضًا أن (الفن التجريدى) ملمـح من ملامح الفن الرجعى المعاصر. وأن المثل الأعلى الجمالى فى أكمل أشكاله يتجسّد فى نظره البروليتاريا إلى العالم أو نشاطها.(84)
وبذلك تكون وجهة النظر السوفيتية،(85) محددة لمجال الفن فى أضيق نطـاق، ومغلقة للأبواب أمام أى انفتاح على الاتجاهات الحديثة فى الفن سواء كان فى الموسيقى أو الشعر أو الفن التشكيلى .. إلخ.
أما أ. ف جاريت(86) فقد تساءل: هل يمكننا القول بأن الأشياء الجميلة هى التى تشبع رغباتنا دائمًا بطريقة من الطرق؟ وأجاب، بأن الأشياء التى تمنحنا الرضا ليست كلها جميلة، فكل ما هو مناسب لنا لا يكون حتمًا جميًلا.
كما يرى أنه ليس من الواضح دائمًا أن أكثر الناس حساسية بالفنون هم أكثر هم سعادة وأعظمهم اتزانًا فى شخصيتهم. فالنظرية إذن دائمًا قد ترمى إلى أننا إذ نتأمل الجمال إنما نمتع أنفسنا، أو نتأمل مشاعرنا بدلاً من أن نقتصر على معاناة همها. أو أننا نتعلم الحقيقة فنحصل على ما يتبع هذه المعرفة من شعور، أو أن هذا يحملنا على تحسين سلوكنا وبذا نرضى عن أنفسنا.
كما يرى أن هناك قدرًا أو آخر من الشعر لا يمكن أن يكون فيه أى تهذيب، وهذا يصدق _ فى رأيه _ أيضًا على الموسيقى وفن البناء والطبيعة. ويرى أن دعاة المذهب الأخلاقى يؤكدون أن هناك علاقة خفية متبادلة بين تقدير الجمال ورقى السلوك: تقدير الدمال يرقى السلوك، ورقى السلوك يؤدى بدوره إلى زيادة الميل إلى خلق الجمال. ولكن "جاريت" يسخر من هؤلاء _ الذين يربطون بين الفن والأخلاق (أو الذوق الجمالى وتربية السلوك) قائًلا: "بأنه لا يمكن لإنسان أن يزكى موظفًا مرشحًا لوظيفة مالية بأنه ذو ذوق سليم أو أنه فنان عظيم، أو يلتمس الأدب والنقد عند بواب مصرف دمث الأخلاق. فالفنانون لهم نواحى ضعفهم ولهم فضائلهم ولكنهم فى جملتهم لا يفضلون الرجل العادى كما لا يقلون عنه.(87)
فالفن إذن منفصل عن القيم الأخلاقية، وأيضًا عن القيم الدينية، وهو لا يطمح إلى إرساء الفضيلة أو العظة. وبذلك يعود استقلال الفن، ويصبح غاية فى ذاته.
ورغم ذلك فإننا نجد أن "جورج سانتيانا" يعيد علاقة الفن بالمنفعة إذ رأى أنه توجد حالات محددة تكون معرفتنا بالفائدة أو المنفعة داخلة ضمن إحساسنا بالجمال، وإن كانت تقوم بدورها على نحو غير مباشر.(88)
أى أن المنفعة ليست مقصودة بشكل جلى وصريح، بل قد تدخل ضمن اهتماماتنا الجمالية دون أن يكون القصد من وراء ذلك هو اختصار دور الفن فى أنه عمل نافع أو مفيد.
وقد اهتم فى كتابه العقل فى الفن Reason In Art بالإسهام الذى تم، ويمكن أن يتم بواسطة الفن من أجل التقدم الإنسانى فى إطار السعادة والوجود الأفضـل. وهو عندما يتكلم عن الفن، فإنه قد يعنى به التكنيك Technique أو كوسيلة لتجانس العالم مع الروح الإنسانى. وهو يربط بين الفن والسعادة(89)
ويرى أيضًا أن كل شئ طبيعى له غاية مثالية، وكل مثالى له أساس طبيعى Has A.Natural Basis. وحيوية وجمال الفن تشيران إلى أن الفعل العقلى قد يترك آثارًا على الطبيعة مؤكدًا على حالات الوجود الإنسانى. والفن علامة على التقدم فى حياة العقل بقدر ما يقدم لنا من إشارة إلى مدى تجسد المادة، وإتخاذها شكلاً بطرق تنسجم مع الرغبات، والاستعمال الإنسانى. وتبعًا لذلك رفض "جورج" سانتيانا أن يفصل بين فائدة الفن والقيمة الجمالية The Utility Of Art And it s Aesthetic Value. والفن يعرف لديه بأنه لذّة تتعلق بكيفية الأشياء. وهو ضرورى جدًا لإنسجام الحياة. إذ أنه لذّة مباشرة ومقبولة. ويمكن عقليًا اعتبار أن اللذّة الجمالية أو الاستاطيقية Beaty´-or-Aesthetic Pleasure مفيدة للوجود الإنسانى. ولا يمكن جعلها _ على نحو ملائم _ كخير منفصل لا علاقة له بأنواع الخير الأخرى.(90)
يقول "سانتيانا":
"هذا الانسجام الطبيعى بين المنفعة والجمال Between Utility And Beauty إذا لم يدرك منبعه الأصلى، فإنه بلا شك يكون محيّرًا، ويربك نظرية الجمال. فأحيانًا يقال لنا أن المنفعة نفسها هى ماهية الجمال The Essence Of Beauty، ذلك أن وعينا بالميزات العمليّة لأشكال محدّدة هو الأساس الذى ينهض عليه إعجابنا الجمالى، فسيقان الجواد يقال عنها أنها جميـلة عندما تكون ملائمة للعدو، والعين جميلة لأنها وجدت للإبصار والبيت جميل لأنه ملائم للعيش بداخله."(91) ويستمر "سانتيانا" ويضرب مثًلا برأى "سقراط" فى ربط الجمال بالمنفعة، والذى يصل إلى حدّ جعل المنفعة هى جوهر الجمال، وذلك فى مواجهة ما هو منطقى وطبيعى، ومعارضًا للذوق وأحكامه.
وإذا كان "سانتيانا" يعيد بقوة مفهوم المنفعة إلى مجال تقويم الفن، ويـربط بين اللذة والمنفعة، وبين الجمال، "فإننا حتى لو سلمنا بأن اللذة عنصر جوهرى من عناصر الفن، فلابد لنا من أن نتذكر أننا هنا إزاء لذة من نوع خـاص، لأنها تبدو للذهن محملة بالمعانى عامرة بالدلالات ولو أننا عمدنا إلى تحليل الخبرة الجمالية لتبين لنا (كما لاحظ كل من "كانط"، و"شيلر") أن اللذّة التى تقترن بهذه الخبرة إنما هى مظهر لتوافق الطبيعة والعقل، أو لانسجام عالم الظواهر مع عالم المطلق"(92). وقد كان جمع "سانتيانا" بين مفهومى الجمال واللذّة مثيرًا الكثير من الاعتراضات، خصوصًا وأن تذوق الجمال ليس مجرد إدراك حسّى، وإنما هو إدراك لقيمة، أو اكتشاف لدلالة جمالية هيهات لأى مظهر حسّى أن يستوعبها بتمامها."(93)
فى الفن يكون التعبيـر الذاتى عن الإنسان أكثر مباشرة عن غيره من الأنشطة الأخرى. وإذا كانت السعادة Happiness هى الوازع الأساسى للفن، فإن الفن من ناحية أخرى هو أفضل وسيلة للسعادة. والإنسان فى الصناعة يظل مسترقًّا (مستبعدًا)، فهو يعد المواد التى يستخدمها فى الفعل. وفى العلـم يكون ملاحظًا Observer معدًّا نفسه للفعل بطريقة أخرى، بدراسة نتائجه، وشروطه وحالاته. ولكنه فى الفن يكون حرًّا Free، مبدعًا، ولا يكون قلقًا بشـأن مواده، لأنه يكون متفهمًا لها جيدًا، وهو إذ يبدع إنما يصنـع عالمًا آخر، ولا يضع فى اعتباره الطريقة التى ينمو بها. ولذا فلا شئ يكون أكثر بهجة من الفن الأصلى ولا شئ أكثر منه حرية، وخيلاء.(94)
وقد رفض "سانتيانا" آراء "كانط" التى ترى أن الفن غاية فى ذاته، ورأى أن اللذة الجمالية ليست أقل من غيرها من اللذات أنانية ونفعية. وإن كان فى نفس الوقت قد رفض المبالغة فى أهمية المنفعة وجعلها معيارًا وحيدًا للتقدير الجمالى، وذلك عندما ناقش رأى "سقراط" السالف ذكره.
وبذلك فإننا نرى أن "سانتيانا" الربطه بين الفن والمنفعة يعارض الآراء المثالية فى الفن، ويمهد للاتجاه البراجماتى الذى يقترب منه كثيرًا، والذى نجد فيه أن "جون ديوى"(95) قد أكد على الرابطة بين الجميل والنافع فى الفـن، ورفض الثنائيات فى الفن. مؤكدًا على علاقة الفن بالمنفعة وبالعلم، وقد كان ذلك نتيجة تأكيده على الخبرة فى الفن.
يقول "ديوى": "إن الفن لهو صفة أو كيفية تشيع فى أية خبرة؛ فهو لا يعد - اللهم إلا على سبيل المجاز - بمثابة الخبرة ذاتها. والخبرة الجمالية هى دائمًا أكثـر من شئ جمالى؛ لأن فيها جسمًا من المواد والمعانى _ التى لا تعدّ فى ذاتها جمالية _ لكنها لا تلبث أن تصبح ذات صبغة جمالية حينما تندرج فى حركة إيقاعية منظمة تتجه نحو التحقق والاكتمال."(96)
كما رأى "ديوى" أن "الفن يصبح عن طريق التواصل أو المشاركة وسيلـة لا نظير لها للتعليم أو التهذيب. ولكن السبيل الذى يسلكه الفن بعيد كل البعد عن ذلك السبيل الذى يرتبط فى العادة بفكرة التربية أو التثقيف"(97)
"وإذا كان الكثير من فلاسفة الجمال قد فرقوا بين الفنون الجميلة والفنـون التطبيقية أو النفعية، فإن "جون ديوى" حريص كل الحرص على بيان أن الصلة الوثيقة تجمع بينهما."(98) وقد رفض الفصل بين النافع والجميـل. أو بين النشاط الصناعى والنشاط الفنى، وقد كان ذلك نتيجة لربطه الفن بالخبرة. وقد اختلف "ديوى" مع "جورج سانتيانا"، فهو "لا يوافق رأى "سانتيانا" الذى يرى أن الخبرة الاستاطيقية، أو الجمال يحتويان على حدس بماهيات سرمدية، والتى تنفصل عن الوجود أو التى لا توجد بالمرّة."(99) ورأى "أن كل الخبرات، سواء العقلانية أو الانفعالية أو العملية، تعدّ استاطيقية بقدر ما لها من الشعور المباشر بالوحدة Unity، وبقدر ما يجئ مسلكها موافقًا لمتطلبات الاستاطيقا".(100) وهو بذلك يعارض "كانط" أيضًا.
وقد أكد "ديوى" على أنه لا وجود لموضوع جمالى Aesthetic وموضوع غير جمالى من حيث المنشأ، لأنه ليس هناك موضوع، ولا توجد فكرة، يمكن أن تكون ملائمة أو غير ملائمة بشكل فطرى للمعالجة الفنية. ذلك أنه لا وجود للتعارض _ فى رأيه _ بين الوجود الحىّ بكل معانيه، والإبداع، أو الاستمتاع بالأعمال الفنية. ويرى أن تلك التمييزات بين الفن الخالص أو الفن الجميل Fine Art من جهة أو بين الفن المفيد Useful Art _ تأتى بسبب التقاليد الاجتماعية والأعراف الفاسدة وليس بسبب فروق حقيقية فى المواد أو التكنيك، أو خواص موضوعات الفن(101)
وهكذا يجد اتجاه ربط الفن بالمنفعة، وعدم فصل الفن الجميل عن الفن التطبيقى، والتأكيد على المضمون فى الفن مدافعًا قويًّا عنه فى "جون ديوى" وذلك بالربط بين الفن والحضارة، وبين الخبرات الجمالية والخبرات العملية.
"إن مفارقة الفنان العظيم الذى يصدر حكمًا صارمًا وقاسيًا على الفنون تواجهنا فى العصر الحديث فى حالة الروائى الكبير "ليوتولستوى". ففى ختام كتابه ما الفن، يتساءل أيهما الأفضل: وجود الفن الحديث كلّه بما فيه من فن جيد. وفن ردئ أم عدم وجود فن على الإطلاق؟ وهو يجيب عن هذا السؤال بقوله: "أعتقد أن كل شخص أخلاقى عاقل سيحكم فى هذه المسألة مثـلما حكم فيها أفلاطون فى محاورة الجمهورية" .. فالأفضل ألا يكون هناك فن على الإطلاق".(102)
"وتولستوى يدين الفن الذى يعد موضوعه غير لائقً أو شريرًا، والذى يثير بالتالى انفعالات تستحق أن تقمع. وهكذا يرى أن قدرًا كبيرًا من الفن الحديث يتغذى على مشاعر الغرور، والرغبة الجنسية والضجر من الحياة".(103)
ولكن كيف وصل "تولستوى" إلى هذه النتيجة فى موقفه من الفن؟
لقد رأى أن الفن الذى أيدّه لسنوات خلت كان تجربة أضلّت الناس عن الخير وقادتهم إلى الشر، والذا رأى ضرورة أن ينبذ الفن.(104)
ويرى أنه لكى نعرف الفن تعريفًا صحيحًا فإنه يجب أن نكف عن اعتباره كوسيلة للذّة Pleasure، وأن نعتبره كشرط من شروط الحياة الإنسانية. ورؤيته على هذا النحو تجعلنا نعتبره وسيلة اتصال بين البشر. والفن يسبب تهيؤنا للدخول فى نوع معين من العلاقة سواء مع الناتج، أو المنتج للفن، ومع كل أولئك الذين يستقبلون نفس الانطباع الفنى. والفن ينقل مشاعر الإنسان إلى إنسان آخر. والفن ينقل عن طريق العدوى هذه المشاعر. وتعتمد درجة العدوى Infectiousness على شروط ثلاث هى:
1- درجة فردية المشاعر المنقولة
2- درجة الوضوح التى تنقل بها المشاعر
3- حساسية الفنان، أى درجة القوة التى يشعر بها الفنان بالمشاعر والانفعـالات التى ينقلها، وكلما كانت الذاتية فى الشعور أقوى كلما كانت القوة المؤثرة أكبر.(105)
كما رأى أن الفن هو توصيل للانفعال، وقد انتهى "تولستوى" إلى أن أغنيات الفلاحين الروس توصل الانفعال إلى أعداد أكبر ممن تصل إليهم مسرحية "شكسبير" (الملك لير). وقد وصل "تولستوى" بهذه الرؤية الذاتية المتطرفة إلى أن تقدير العمل الفنى، إنما يمكن أن يتم بالإشارة إلى ما يعتقد فيه الناس عند نظرهم إلى مسألة الفن(106)
الفن توحيد للبشر بربطهم معًا بنفس المشاعر. وانتقال المشاعر يكون عن طريق العدوى، وليس الفن - فى نظر "تولستوى" - لعبا يتخلص فيه الإنسان من الطاقة المختزنة فيه، وأدان الفن الزائف. وفرق بين ما يكون المشاعر النبيلة، وبين ما هو شرّ، وعبر هذا التمييز رأى أن الارتباط الجوهـرى بين الأخلاق والفن يصبح واضحًا. ورأى أن أفضل المشاعر التى توحدهم هى أفضل المشاعر بالنسبة للإنسانية. وهذه المشاعر تختلف من عصر إلى آخر. ورأى فى المشاعر المسيحية تعبيرًا عن العصر الذى يعبر عنه.(107)
وبناًء على ذكر رفض "تولستوى" أهم الأعمال الفنية الكبرى، وأبقى على الأعمال التى تخاطب وعى (الفلاح المتوسط) فى روسيا.
لقد رأى "تولستوى" خلال نظرته للفن، أن الفن الحديث ينبغى أن يدان وإذا كـان "تولستوى" قد رأى هذا الرأى فى الفن، بناًء على نظريته التى تقول بأنه تعبير عن انفعال، وينقل المشاعر من إنسان إلى إنسان آخر عن طريق العدوى، فإن هذا يعد نوعًا من التعسف فى الوصول إلى نتائج غير منطقية.
لقد كان "الاعتقاد الشائع عن الفن أنه يتمركز حول الانفعال، وينبثق منه، وهدفـه هو التعبير عن الأنفعال. ولقد أعتقد و"ردزورث" بأن الفن ينبثق من الانفعال الذى يتذكره الشاعر فى هدوء وسكينة. الفن يرتبط بالانفعال، كما يرتبط العلم بالعقل، والحق بالإرادة. إن مزاج الفنان انفعالى بشكل خاص، ولكن موضوعات الفن ليست جميعها على هذا المنوال. إن ذات الفن تعمل فوق كل خبرة، ولا تنغمس كليّة فى الحالة الانفعالية. والذى يفصل الفن عن العقل والسلوك، هو كونه يعمل فى مواد طبيعية، يملؤها بالمعنى وهذا المعنى يمكن أن يشتق من الأنفعال، أو من مصدر آخر."(108)
فإذا كان الأنفعال هو مصدر الحكم الذى وصل إليه "تولستوى"، فإن صمويل الكسندر، لا يرى أن الانفعال هو المصدر الوحيد للفن، وبالتالى فإن رأى "تولستوى" هذا يصبح من الممكن الاعتراض على أساسه (أى الأنفعال) بالإضافة إلى تفصيلاته، وما وصل إليه من نتائج كانت، ضد الفن بشكل واضح.
لقد كان "تولستوى" يتجاهل القيمة الجمالية، ويبالغ فى القيمة الأخلاقية للفن. ولذا جاء حكمه ضد الفن، والفنان.
أما "كروتشه" فقد رفض أن يكون الشعر بصفة خاصة والفن بصفة عامة مما يمكن تقسيمه إلى شعر عظيم، وشعر تافه. ورأى أنه إما أن يكون شعرًا عظيمًا، أو لا يكون شعرًا على الإطلاق It is Always Either Great´-or-Not Poetry. ولا معنى للحكم على أعمال الفن بواسطة معايير خارجة عن موضوعاتها.(109)
يقول "كروتشه": "إذا سألت: ما الفن؟ فإننى أقول إنه فى أبسط صورة إن الفن عيان أوحدس Art Is Vision´-or-Intuition. والفن ينتج صورة أو خياًلا، والذى يستمتع بالفن يجيل النظر حول النقطة التى إشار إليها الفنان. وينظر من النافذة التى هداه إليها، فإذا به يعيد صياغة هذه الصورة فى نفسه"(110)
وفى قوله بأن الفن عيان أو حدس، فإنه ترتب عليه ألا يكون الفن واقعة فيزيائية (مادية) Aphysical Fact. فلا يكون ألوانًا أو نسبًا بين الألوان أو يـكون أشكاًلا جسمية، أو يكون أصواتًا أو نسبًا فيما بينها، أو يكون ظاهرة حرارية أو كهربائية، أى يكون مما يمكن الإشارة إليه بأنه شئ مـادى(111) "وكروتشه" هنا ينقد سائر النزعات التجريبية فى علم الجمال، لأنه لايرى فى الظاهرة الفنية واقعة تقبل القياس، أو حس ماديًا يقبل التجزئة. بل هو يرى فيها حقيقة روحية لا سبيل إلى قياسها أو تجزئتها."(112)
وإذا كان الفن حدسًا، فإن هذا ينطوى على أنكار آخر. ذلك "أن الحدس من باب النظر من حيث منشأ المعنى، أو من قبيل التأمل. ولذا فإن الفن لا يمكن أن يكون فعًلا نفعيًا Utlitarian Act. وبما أن الفعل النفعى يهدف إلى تحصيل لذة Obtaining A Pleadure، أو تجنب ألم Pain، فإن الفن - باعتبار طبيعته الخاصة - ليس لديه ما يقوم به بالنسبة للمنفعة أو اللذّة أو الألم من حيث هى كذلك."(113)
إن الفن من حيث هو "حدس" فهو مستقل بذاته، لا يهدف إلى شئ سـواه، وليس مطلوبًا منه تحقيق هدف غير ذاته، حتى لو كان هذا الهدف هو اللذة أو تجنب الألم أو تقديم منفعة.
وكروتشه هنا ينتقد جميع الأتجاهات التى ربطت بين الفن والمنعفة سواء فى العصور القديمة (قدماء المصريين _ أفلاطون … إلخ) أو فى العصور الحديثة (الماركسية، والبراجماتية … وغيرها)
ولقد رفض كروتشه تعريف الفن باللذة، ذلك لأن اللذّة تعد عنصرًا مشتركًا بين النشاط الجمالى Aesthetic Activeity، وغيره من أشكال النشاط الروحى Spiritual Activity الأخرى.(114)
وفى إطار تعريفه للفن بأنه "حدس" فإن هذا ينطوى أيضًا على إنكار أن يكون الفن فعًلا أخلاقيًا، أى شكًلا من أشكال الفعل العملى Practical Act، وذلك لأنه ما دام الحدس فعًلا نظريًا، فهو يتعارض مع كل ما هو عملى. وقد حدد الفن من أزمنة بعيدة بأنه لا ينشأ كفعل للإرادةAs An Act of The Will الإدارة الخيرة التى هى قوام الإنسان الخير، ولكنها الخيّر، ولكنها ليسـت قوام الفنان. وإذا كان الفنى لم ينشأ عن الإرادة، فإنه بذلك يكون بعيدًا عن أى تمييز أخلاقى ... وقد تعبر الصورة عن فعل محمود أخلاقيًا، أو مذموم، بيد أن الصورة نفسها، من حيث هى صورة لا يمكن أن تقوّم على نحو أخلاقى، مدحًا أو قدحًا.(115)
أما الإنكار الرابع والذ يترتب على تعريف الفن بأنه حدس، فهو إنكار أن يكون الفنى معرفة صوريّة. أى أن الفن ليس علمًا أو فلسفة. وذلك على أساس أن الفـن حدس يقدم لنا العالم أو الظاهرة، أما العلم أو الفلسفة فهما عبارة عن تصور عقلى يكشف لنا عن الحقيقة المعقولة أو الروح.(116)
وقد كان تمييز "كروتشه" للفن عن الفلسفة (الفلسفة بمعناها العام والشـامل) يستتبع تميزات أخرى بين الفن والخرافة أو الأسطورة Myth. ولا يمكن - فى رأى "كروتشه" - أن تصبح الأسطورة فنا إلا إذا صار الإنسان لا يعتقد بها ولا يراها أمرًا منزلاً، حين تصبح مجرد استعارة. والأسطورة فى واقعها الصرف ليست مجرد صورة من إبداع الخيال، بل هى أمر يتعلق بالدين. والدين - عند "كروتشه" - فلسفة لم تكتمل ولم تنضج، ولكنه فلسفة، علـى أى حال، والفلسفة دين صفا ونضج لأن موضوعها هو المطلق والخالد. ولكى يكون الفن أسطورة فإنه فى حاجة إلى الفكر، والإيمان النـاشئ عن الفكر، ولا مجال للقول بإيمان الفنان أو عدم إيمانه بالصورة التى يخلقها.(117)
وهكذا يفصل كروتشه بين الفن، وبين سائر أنواع المعرفة الصورية والعقلية. كما سبق وأنكر أن يكون الفن فعًلا نفعيًا أو أخلاقيًا، أو واقعة مادية.
* * * * *
وهكذا نجد أن معنى الفن قد تأثر كثيرًا بآراء الفلاسفة والمفكرين الذين تصدوا لتعريفه، أو لتوضيح معناه، وذلك نتيجة لمحولة كل فيلسوف أو مفكر أن يضع تصوّراته الجمالية والفنية فى إطار مذهبه أو نسقه الفلسفى. وقد تباينت الآراء والأفكار إلى حد كبير، وإن كان فى الإمكان رصد إتجاهين رئيسيين فى ذلك الإطار.
* الإتجاه الأول يحاول ربط الفن بالحياة والواقع الاجتماعى، وجعل الفن ذا وظيفة إيجابية، ضمن نسق فكرى أو فلسفى معين، ووفق رؤية محددة، وقد تباينت الآراء بين ربط الفن بالدين أو بالحيـاة الاجتماعية والتحرر الإنسانى، أو فرض رقابة محددة على الفن، وطلب دور محدد وصارم له، أو رفضه والاستغناء عنه. وقد تمثل ذلك، على سبيل المثال، لدى أفلاطون، وتولستوى، والماركسية والبراجماتية، وإن كان بدرجات متفاوتة.
أما الإتجاه الثانى فقد حاول تحرير الفن من وطأة الحياة، والواقع، وفصله عن كل اتجاه عملى أو نفعى، وجعله غاية فى ذاته، ومنزهًا عن الغرض، أو حـدسًا وعيانًا، أو لعبًا حرًا .. إلخ وذلك فى أتساق مع انساق فلسفية، ترى أن الفن أداة لشئ أخر، وليس وسيلة لمنفعة أو لداة، وقد تمثل لك بشكل واضح لدى "كانط" وشيلر و"كروتشة" وغيرهم.
وفى نفس الوقت ظهرت بعض الآراء التوفيقية، التى تجمع بشكل أو بأخر هذا الاتجاه مع ذاك، وتحاول أن الا تغانى فى جانب على حساب الآخر، ويمكن أن يكون "سانتيانًا"- على سبيل المثال - ممثلا لهذا الأتجاه.
لقد كان معنى الفن، ومازال مثارًا للجدل، ليس بين الفلاسفة فحسب، بل وبين الفنانين انفسهم. وهذا هو سر الثراء فى الفكر الجمالى، والبلبلة فى نفس الوقت.


الهوامش
(1) ماركس، كارل: رأس المال، المجلد الأول - نيويورك 1947 - ص ص156، 157.
عن: فنكلشتبين، سيدنى: الواقعية فى الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد،، مراجعة يحيى هويدى - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والترجمة، ط2 - بيروت، 1986 ص17.
(2) المصدر السابق - 164، 165 عن فنكلشتين، سيدنى - مصدر سابق - ص 17.
(3) ديمتريفا، ن.أ: الفن - ضمن أسس علم الجمال الماركسى اللينينى - تعريب فؤاد مرعى - ج1، دار الجماهير العربية، دار الفارابى، ط2، (دمشق - بيروت) 1987 - ص307.
(4) المصدر السابق _ ص307.
(5) لالو، شارل: الفن والحياة الاجتماعية _ ترجمة عادل العوا _ دار الأنوار ط1 _ بيروت _ 1966 _ ص19.
(6) نفس المصدر _ ص20.
(7) نفس المصدر _ ص22.
(8) سوف نشير إلى ذلك فيما بعد.
9) فنكلشتين، سيدنى: مصدر سابق _ ص23.
(10) نفس المصدر _ ص20.
(11) ديمتربفا ن.أ: مصدر سابق _ ص308.
(12) فنكلشتين، سيدنى: مصدر سابق _ ص20.
(13) بليخانوف، جورجى: الفن والتصور المادى للتاريخ _ ترجمة جورج طرابيشى _ دار الطليعة للطباعة والنشر _ ط1 _ بيروت _ 1977 _ ص82. والنص اقتبسه بليخانوف من إرنست غروس: بداية الفن - فريبوغ ولايبزيغ 1994 _ ص149.
(14) ريد، هربرت: الفن والمجتمع _ ترجمة فارس مترى ظاهر - دار القلم _ ط1 _ بيروت _ أغسطس _ 1975 _ ص ص 21، 22.
15) راجع فنكلشتين، سيدنى: ص22.
(16) دينتريفا، ن.أ.: مصدر سابق _ ص ص 309، 310.
(17) ديمتريفا ن.أ: مصدر سابق _ ص310.
18) لالو، شارل مصدر سابق _ ص29.
(19) فنكلشتين، سيدنى: مصدر سابق - ص23.
(20) ديمترييفا، ن. أ: مصدر سابق _ ص ص 310، 311.
21) نفس المصدر _ ص 311.
(22) بوسبيلوف، غينادى: الجمالى والفنى _ ترجمة عدنان جاموس _ منشورات وزارة الثقافة فى الجمهورية العربية السورية _ دمشق 1991 ص416.
(23) فنكلشتين، سيدنى: مصدر سابق _ ص32.
24) بوسبيلوف، غينادى: مصدر سابق _ ص418.
(25) هـاوزر، أرنولد: الفن والمجتمع عبر التاريخ _ ترجمة فؤاد زكريا _ مراجعة أحمد خاكى _ دار الكاتب العربى للطباعة والنشر _ القاهرة _ 1998 _ ص ص18، 19. وقد اقتبس هاوزر Les Fonctions Mentales dans Les
(26) هاوزر، أرنولد _المصدر السابق _ ص19.
(27) نفس المصدر _ ص22.
(28) المصدر السابق _ ص ص418، 420.
(29) تايلور: الثقافة البدائية _ 1929 _ ص67 عن: ديمترييفا، ن.أ: مصدر سابق _ ص313.
(30) نفس المصدر _ ص315.
(31) الدريد، سيريل: الفن المصرى القديم _ ترجمة أحمد زهير _ مراجعة محمود ماهر طه - وزارة الثقافة، هيئة الآثار _ القاهرة _ 1990 ص11.
(32) نفس المصدر _ ص11.
(33) ابن منظور؛ لسان العرب _ جـ3 _ دار صادر ط3 _ بيروت _ 1994 _ ص ص 326 ، 327.
(34) صليبا، جميل: المعجم الفلسفى - جـ2 _ دار الكتاب اللبنانى _ دار الكتاب العربى _ (بيروت _ القاهرة) _ 1979 _ ص165.
(35) See: Kristeller, Paul OSKar: The Modern System of The Art, in (Weitz, Morris, Ed. Of the Problems in Aesthetiscs, Macmillan Publishing Co. 2nd ed. N.Y 1970 P. 111.
(36) See: Grey, D. R. : Art In The Repulilic, Philosply, Vol XXVI, No. 103, October, 1952, P. 298.
And Liloyed, G.E.R.: Aristolte The Growth Structure of His Thought, Cambridge Un. Press., 4the Ed. London, 1980, P274.
37) Argon, Giulio Carlo: Art in Encyolpedia of World Art _ MeGrow _ Hill Book Company, New York, Vol IP.P. 766 _ 767.
(38) رازومنى، ف. أ. & نيدوشيفين، غ. أ: الفن ودوره فى حياة المجتمع، ضمن كتاب أسس علم الجمال الماركسى اللينينى _ تعريب فؤاد مرعى، جـ1 _ (دار الجماهير العربية دار الفارابى) - دمشق - بيروت) - 1987 _ ص256.
(39) مطر، أميرة: الفلسفة عند اليونان _ دار النهضة العربية _ القاهرة، 1977، ص349 - 351.
(40) ديمتريفا، ن.أ: مصدر سابق، ص325 _ 331.
(41) See Grey , D.R.: op. Cit p20.
And Also Liloyed, G.E.R: op Cit. P. p. 278 & 279
(42) ديمتريفا، ن.ا.: مصدر سابق _ ص ص 335 ؛ 336
(43) نفس المصدر - ص360.
(44) كاسيرر، أرنست: مدخل إلى فلسفةالحضارة الإنسانية، أو مقال فى الإنسان، ترجمة إحسان عباس_ مراجعة محمد يوسف نجم. (دار الأندلس _ مؤسسة فرانكلين) (بيروت_ نيو يو رك)_ 1961 ص ص 245 &246
(45) انسيا نيكوف، م. ف، آخرون: المراحل الأساسية فى تاريخ النظريات الجمالية _ ضمن - علم الجمال الماركسى اللينينى - جـ1 - ترجمة فؤاد مرعى. (دار الجماهير _ دار الفارابى) (دمشق _ بيروت) _ 1978 _ ص ص104، 105.
46) انظر، لوكس، أ.: النظريات الجمالية (كانط، هيجل، شوبنهاور) ترجمة محمد شفيق شيا، منشورات يحسون الثقافية _ بيروت _ 1985 _ ص ص 68 _ 70.
(47) انسيانيكوف، آخرون: مصدر سابق _ ص ص131 _ 140.
(48) بدوى عبد الرحمن: إمانويل كنت. فلسفة القانون والسياسة، وكالة المطبوعات _ الكويت _ 1979 _ ص ص384، 385.
) Kant, I.: Citique Of Judgment, Translated with Introduction And Notes By J.H. Bernard, Macmillan Company, LTD, London, 1931, P.81.
(50) لوكس، أ.: مصدر سابق _ ص ص94، 95.
(51) راجع، شيلر، فريدريش: فى التربية الجمالية للإنسان _ ترجمة وتقدم وفاء إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب _ القاهرة 1991 _ المقدمة _ ص ص: 60 _ 61.
(52) Poder, Michoel: The Manifold in Preciption Theories Of Art From Kamt to Hildebrand _ Oxford Universiry Press, London, 1972 P. 41.
(53) افسيانيكوف، آخرون: مصدر سابق _ ص ص117 _ 122.
(54) جوته ، شيلر : مراسلات - المجلد الأول - 1937 - ص ص 636 عن: افسيانيكوف: مصدر سابق - ص 123.
(55) عن: كاسيرر، ارنست: مصدر سابق ص ص 246، 247.
56) نفس المصدر - ص247.
(57) افسيانيكوف، آخرون: مصدر سابق - ص ص126، 127.
(58) المصدر السابق - ص ص127 - 131.
(59) أبو ملحم، على: فى الجماليات - نحو رؤية جديدة إلى فلسفة الفن _ المؤسسة الجامعية للدراسات والشر والتوزيع - ط1 - بيروت 1990 - ص82.
(60) نفس المصدر - ص84.
(61) نوكس، أ.: مصدر سابق _ ص ص104 _ 108.
(62) ستيس، ولتر: فلسفة هيجل _ المجلد الثانى _ فلسفة الروح _ ترجمة إمام عبد الفتاح إمام _ دار التنوير للطباعة والنشر _ ط3 _ بيروت _ 1983 _ ص135.
(63) Hegel, G.W.F.: On Art, tr. By B. Bosanquet, In (On Art, Religin, Philosophy) Ed. By J.Gelson Gray, Harper Torchbooks, New York, 1970, p. 60.
(64) جارودى، روجيه: فكر هيجل، ترجمة إلياس مرقس - دار الحقيقة - الطبعة الثانية - بيروت - 1983 - ص223.
(65) راجع، بدوى، عبد الرحمن: فلسفة الجمال والفن عند هميل، دار الشروق_ الطبعة الأولى_ القاهرة - 1996- ص 27
(66) Hegel, G.W.F.: On Art, op. Cit. P. 75.
(67) Ibid: P. 77.
(68) بدوى، عبد الرحمن: فلسفة الجمال والفن عند هيجل _ مصدر سابق _ ص22.
(69) افسيانيكوف، آخرون: مصدر سابق _ ص151.
(70) بدوى، عبد الجمال: فلسفة الجمال والفن عند هيجل- مصدر سابق- ص ص29، 30.
(71) لوفافر، هنرى: فى علم الجمال - ترجمة محمد عيتانى - دار المعجم العربى - بيروت 1954 - ص ص22 - 24.
(72) نفس المصدر - ص34.
(73) هاوزر، أرنولد: فلسفة تاريخ الفن _ ترجمة رمزى عبده جرجس _ مراجعة زكى نجيب محمود _ الهيئة العامة للأجهزة والكتب العلمية _ القاهرة _ د. ت. ص30.
(74) بوسبيلوف، غينادى: مصدر سابق _ ص ص 310 _ 316.
(75) نفس المصدر _ ص ص316، 317.
(76) Gorky, M.: On Literature, Tr. By A. Finberge Progress Publisher, Moscow, 1968, P.P. 235, 236.
(77) لوفافر، هنرى: مصدر سابق _ ص51.
(78) ماركور، هربرت: البعد الجمالى _ ترجمة جورج طرابيشى _ دار الطليعة، ط1، بيروت _ ديسمبر 1979 _ ص81.
(79) نفس المصدر _ ص23.
(80) نفس المصدر _ ص25.
(81) نفس المصدر _ ص15.
(82) نفس المصدر _ ص20.
(83) لوفافر، هنرى: مصدر سابق _ ص88
(84) Rosenthal, M & Yudin, p.: Ed. Of Adictionary Of Philosophy - Tr. From Russ. Ed. By Richard R. Dixon and Murad saifuilin, Progress Publishers, Moscow, 1967, P.P. 31 & 32.
(85) سوف نناقش ذلك بالتفصيل فيما بعد.
(86) جاريت، أ. ف: فلسفة الجمال _ ترجمة عبد الحميد يونس، رمزى يس، عثمان نوية _ دار الفكر العربى، القاهرة _ د. ت. ص57.
(87) راجع نفس المصدر _ ص ص55، 64، 65.
(88) Santayana, G.: The Sense Of Beauty, Dover Publication, 5th Ed. New York, 1955 P. 98.
(89) Arent, W.E.: Santayna And The Sense Of Beauty, Indian university press, 1957., P. 177
(90) Stroch, Guy W.: American Philosophy From “Edward” To “Dewey” - An Introduction - Van Nostrand Reinhold Company, New York, 1968, P. 201.
(91) Santayana, G.: The Sense Of Beaty, Op.: Cit P. 97.
(92) إبراهيم، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر _ مكتبة مصر _ القاهرة _ د. ت _ ص77.
(93) نفس المصدر _ ص76.
(94) Santayan, G: Reason In Art, In Philosophy Of Santayans, Ed. With Introduction Essay By: Irwin Edman _ The Modern Philosophy Liberary Radon House, New York, 1936, P. 255.
(95) See-;- Stoch, Guy W.: Op Cit 261.
(96) ديوى، جون: الفن خبرة _ ترجمة زكريا إبراهيم _ مراجعة زكى نجيب محمود _ دار النهضة العربية بمشاركة مؤسسة فرنكلين _ (القاهرة _ نيويورك) _ 1963 _ ص547.
(97) المصدر السابق _ ص579.
(98) إبراهيم، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر _ مصدر سابق _ ص107.
(100) Ibid: P. 259.
(99) Stroch, Guy, W.: Op. Cit P. 259.
(100) Ibid: P. 259.
Hook, Sideny: John Dewey _ An Intelectual Portrait, Green Wood Press Publishes, 2nd Psintiny, New York, 1976, P.P. 197 & 198.
(102) ستولينتز، جيروم: النقد الفنى _ دراسة جمالية وفلسفية _ ترجمة فؤاد زكريا _ الهيئة المصرية العامة للكتاب _ الطبعة الثانية _ القاهرة _ 1981 _ ص523.
(103) نفس المصدر _ ص524.
(104) Simmons, Ernest J.: Introduction to Tolstoy’s Writings - Phenix Books -The university Of Chicago Press - Chicago - 1969 - P119.
(105) See: Tolstoy, Leo: Art As Communication Of Emotion. In (Castell, Albrsey) ed. Of An Introduction Of Modern Philosophy In Seven Philosophical Problems. The Macmillan Co. Second ed. London, 1943, P.P. 512 _ 516.
(106) Joad, G. E. M.: Guide To Philosophy, Dover Publication, New York, 1957, P.P. 235 & 236.
(107) Simmons, Ernest. J.: Op. Cit. PP. 121 _ 124.
(108) Alexander, S.:Beauty and Other Forms Of Value - Macmillan and Company Limeted, London, 1933, P.129.
(109) Gorce, Bendetlo-;- My Philosophy _ Essays On The Moral and Political Problems Of Our Time_ Selected By R.R. Libansky, Translated by E.F. Garrit - Collier Books, New York, 1969 - P. 142.
(110) Groce, Bendetl: The Essence Of Aesthetics, Ts. By Douglas Ainslie, The Arden Liberary, London, 1976, P. 8.
(111) Ibid: P.9.
(112) إبراهي، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر _ مصدر سابق _ ص37.
(113) Groce, B.: The Essence Of Aesthetis, Op. Cit, P. 11.
(114) Ibid: P. P. 13.
(115) Ibid: P.P. 13 & 14.
(116) إبراهيم، زكريا: فلسفة الفن فى الفكر المعاصر _ مصدر سابق _ ص40.
(117) Croce, B.: The Essence Of Aesthtics _ op. Cit. P. 18.


- نقلا عن،

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى