رودلف آرنهيم - الجماليات الصينية القديمة وحداثتها.. ترجمة : د.رمضان الصباغ

للجماليات الصينينية ميزة تحسد عليها لقدرتها على الاعتماد على الوثائق الصريحة التى تعود الى العصر الحديث. والمبادىء التى تقوم عليها الفنون عمليا لاتزال هى نفسها منذ اكثر من الف وخمسمائة عام .ولقد تأسست فى عهد (سلالة تانج Tang Dynasty ) فى القرن الخامس من قبل( هسه هوHsieh Ho ) الذى قدم ستة مبادىء اساسية باعتبارها وصفات لكيفية جعل الصور مناسبة. هذه المبادىء ظلت اساسا للقانون على مر العصور على الرغم من التعرض الى مالانهاية له من التباينات فى الاسلوب والتفسير والتعبير الفردى .
اول مبادىء (هسه هو )– هو ( تشى يون chi-yun). وهو يشير الى نفحة الحياة وصدى الروح . وقد تم التسليم به على انه مبدأ أساسى من خلال التقاليد الكاملة للفن الصينى ؛ وقد كان لغزا محيرا وموضوعا لتفسيرات جديدة دائما ؛ بسبب صياغته المجازية. وهو يناظر لدينا كلمة الروح بشكل وثيق جدا . ويشير فعل الالهام حرفيا الى النفخ فى ؛وافضل مثال هو خلق الانسان الموضح فى سفر التكوين 2:7 . هدية نفحة الحياة ؛هى فى نفس الوقت تلك الروح .فى الصينية كلمة ( تشى chi )ترمز الى نفس الفعل الخلاق ؛و(يين yiin )هو صدى اعطاء الروح له . وهكذا فالمطلوب من الفنان هو التعبير عن المعنى الروحى للفعل ياشكاله التعبيرية المختلفة. وكان هذا اكثر وضوحا فى فن الخط المرتبط ارتباطا وثيفا بالتصوير من البداية. وقد نقلت اشكال فن الخط معانيهافى البدء من خلال تصوير الموضوعات ثم صارت اكثر تجريداكعلامات التصورات والكلمات . وعبرت الاشكال البصرية عن التفكير الروحى .
المبدأ الثانى لهسه هو- يختص بالاستخدام الهيكلى للمسات الفرشاة وهو مايسمى بالتخطيط الهيكلى لكل شكل ؛ وكذلك خصائص الرسوم التخطيطية للاشكال المصورة ؛والمنحنيات المتغيرة الناتجة بواسطة الفرشاة . والتوتر مع المرونة واختلاف اللمسات الرقيقة الرحبة .
المبدأ الثالث يدعو الى المطابقة مع الموضوع لتقديم شبيهه .اى التمثيل يأمانة؛ وهو الشرط الاكثر وضوحا للمصور ولكنه طبق بمعنى واسع للتصوير الصحيح لموضوعات الطبيعة . وبشكل مميز ؛ يأتى المبدأ الرابع عن التلوين ؛ وهو بالنسبة ل (هسه هو)-ثانوى للشكل ؛ كما كان ايضا فى التقاليد الغربية حتى منتصف القرن الاخير ومازال صحيحا جزئيا لليوم. وفى الاستخدام الصينى يشير التلوين الى التظليل ايضا؛اى الى طريقة توزيع الضوء والصورة وخاصة فى ظلال الاسود والابيض فى الرسم بالحبر .
المبدأ الخامس قدم باعتياره الخطة والتصميم ؛ المكان والموضع – اى التشكيل – ويشير المبدأ السادس الى التذكير بالنماذج الاسلوبية للماضى فى العمل.
هذه المبادىء لبست ذات اهمية تاريخية فحسب ؛ انها لاتزال على قيد الحياة فى الصين ؛ لبس فقط لان الثقافة تقوم على قوة التقاليد . فديمومتها متجذرة فى شروط عالمية الفن ووظا ئفها واغراضها وسما تها واعلامها. وعندما يقرأ المرء الوثائق الجمالية اليوم فانه يصطدم بكيفية بقاء الوثيقة ببياناتها تدعونا لشرائع نميل الى اهماله.ا
لدراسة هذه المواد ؛ هناك عملان قيا سيان: -الصينية فى الفن – ل (اوزفالد سايرن ) الذى نشر لاول مرة فى عام 1936 ؛ وعمل (سوزان بوش) -ادباء الصين والتصوير 1971 .وبطبيعة الحال فان الترجمات من ثقافة بعيدة رهنا باختيار المصطلحات من قبل المترجمين .وهؤلاء يعتمدون على حكم العديد من المؤلفين الثا نويين الصينيين؛ وهذه المصادر الاولية غالبا ما تكون انعكاسا لفترات سابقة وغامضة فى صيا غتها
انا اتعامل هنا مع اثنين من الفترات ؛تلك التى تخص هسه هو خلال سلالة تانج ؛ وتلك التى تخص الفنانين المدرسيين ( لسلالة سونج ) حوالى عام 1100 بعد الميلاد .فى فترة تانج كان الرسام لايزال حرفيا ويعمل من تلقاء نفسه فى عزلة وتركيز.عند 1100 حدث تغيير جوهرى يشبه الى حد بعيد ما كان فى عصر النهضة الغربية .هناك بدأ عصر الفردية ليحل الفنان الباحث محل الحرفى . وكان الادباء رسامين بارعين ؛ بل ويمارسون ايضا الشعر والخط على قدم المساواة .هذا يطرح وضعا للتصوير لما نعرفه باعتباره تغيرا من الميكانيكية الى الفن المتحرر . وفى المقابل ارتفعت الحالة الاجتماعية للفنانين . والنضال من اجل وضع فن التصوير استغرق وقتا طويلا ؛ ولاتزال هناك تقارير مثل هذه:
( الانجاز الادبى والشعرى هو البدء بالنسبة ل( يوكاىYti-k o) والجزء القاصر من كتاباته اذا لم يستخدم ليصبح فنا خطيا ويتحول الى لوحة فانه يصير شعرا مهملا )
هذا ماكتب بواسطة صديقة (سو شى Su Shi ) الفنان المرموق فى فترة (سونج Sung). وقد كان شخصا اجتماعيا انتج لوحاته وكتب شعره فى كثير من الاحيان فى صحبة الاصدقاء . يتحول التركيز الان الى شخصية الفنان . تقرر (سوزان بوش Susan Bush):
( فى نهاية المطاف ؛ فى خلال فترة (يوان Yuan ) 1206-1368- تغير التصور عن فن الرسم . وكان يعتقد ان يكون بمثابة منفذ تعبير للفنان كما كان الخط من فترة طويلة ولم يعد يركز على العالم الخارجى ناسخا الاشياء الظاهرة بل استطاع ان يعكس العالم الداخلى للمصور)
هذا يعنى ان الفنان يكون غارقا فى الذاتية بشكل ما على اساس فهم المصطلح اليوم . وعلى النقيض من ذلك كان الباحثون يؤكدون باصرار على بزوغ نكران الذات فى الموضوعات التى يقدمونها . مرة اخرى يمكننا الاعتماد على قصيدة (سوشى Su Shi ):
(عندما يو كاى رسم الخيزران
رأى الخيزران ولم ير نفسه
لم يكن غير واع بنفسه
فى نشوة غادر جسده
تحول جسده الى خيزران)
فى رؤيتهم السيكولوجية الحد سية يدرك هؤلاء الفنانون المرموقون تماما الموقف الذى وثق مرارا وتكرارا فى وقتنا الحاضر .الشخص المتعمق فى عمله نسى نفسه ومايحيط به . ضهذا السلوك ينعكس فى الانسجام التاوى Taoistic harmony للانسان والعالم فى تفاعلهما المثمر.
حتى برغم اننى لم اقتبس سوى افكار وامثلة قليلة ؛ فانه اصبح من الواضح كما قلت من قبل بان الحفاظ على المصادر الشرقية القديمة الخاصة بهم لم يكن فحسب من خلال بقاء التقاليد فى الصين . انها تبدو حديثة بشكل لافت للنظر لانها تعتمد على الشروط الخالدة للفن؛ سواء فى الوقت الحاضر يكون وجودها مقبولا ام لا. .


أ.د. رمضان الصباغ
استاذ علم الجمال بكلية الاداب –جامعة سوهاج


  • Like
التفاعلات: مليكة ابابوس

أحدث المراجعات

مقال محترم وثري..وفائدته كبيرة
نرجوا اتحافنا بالمزيد ففي مثل هذه الموضوعات إضافات للقارئ.
عن الفن الصيني..
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى