صابر رشدي - إناء فخاري.. قصة قصيرة

كنا قد أحضرناه معنا، ضمن أشياء كثيرة، جلبناها ونحن عائدون من المدينة الرابضة هناك، في أقصى الجنوب. جذبني إليه مظهره الجميل ونحن نتسكع للتسوق.
قالت زوجتي:
- إنه يصلح الطهو.
في المرة الاولى، وضعت الخضروات وقطع اللحم، ودسته في الفرن. بعد الوقت المحدد أحضرته، كان الأمر مفاجئا، درجة الغليان لم تفارق الإناء فوق المائدة، ظل على هذا النحو دون أن ينضج الطعام في داخله. في المرة الثانية لاح شىء غريب، كان الطعام مصبوغا باللون الأحمر، الدم يعطيه كاملا. فشعرت بالامتعاض وقررت التخلص منه.
بعد أيام قليلة، وعند خروجي من مسكني، وجدته أمامي، نظيفا لامعا، رفعته من فوق الأرض بنية حمله إلى أبعد مكان. فوجدته ثقيلا بشكل غير متوقع، لم أستطع حمله. عندما عدت في المساء لم اجده، فتناسيت الأمر، لكني فوجئت به موضوعا فوق المائدة مملوءا بماء معطر.
سألت زوجتي:
- من الذي اعاده؟
نظرت لي مستغربة.
- أنسيت. ألم تقل لي: ضعيه هنا، سنزرعه بالورد!
كنت متروكا في دهشتي، أتردد برغبة خجلة في المواصلة، طارت الأسئلة، وتبدى غموض شديد، حتى أيقظتني دقات متواصلة على الباب. عندما فتحت، وجدت صبية صغيرة، ابتسامتها ساحرة، تمد يدها بوردة فواحة، لونها فريد. همست برقة حزينة:
- ضع هذه بالإناء، إنه ترابي المدفون بالأعماق.
كانت كفها معلقة في الهواء، وصوتها يعزلني عن العالم، يركض بي إلى عصور بعيدة، موغلة في القدم، بينما الأشياء تغيب عن ناظري، وأنا أتقدم إلى عالم غريب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى