مفرح سرحان - مليحة والدلال

الساحة الواسعة تنوء بأحمالها خيلاً وبغالاً وفتيانًا وبنات مليحات.. الوالي أحسن تقسيمها صالات مفتوحة مكشوفة، و الفتارين علي مرأي في جناحين متقابلين تعرض رفيقي السوق: الإنسان وصديقه الحيوان، ويتباري المندوبون في التدليل علي صنوف ومواصفات بضاعتهم. اليوم فرصة عظيمة للتبضع في هذه السوق الرخيصة.
كان الفارس قد وصل لتوه في جمع من جنده، يتأبط عصا مذهبة، وحلة يلف بها ما تكفي نقوده لاصطياده من السوق الكبيرة. يستلفته دلال ثرثار يجيد بيع الكلام، وهو يعرض فتي أسمر مفتولاً، وفتاة نيلية ملفوفة القوام، فيتسمر أمامه محاطًا برجاله، ويكرمه الدلال فيفتح له مزادًا مخصوصًا.

تتعدد الأوصاف وخدمات ما بعد البيع، وعرض الضمان الأبدي يثير لعاب الفارس الوحيد في المزاد. هذا الفتي مطيع جدًا، يجيد القراءة ويتقن لسان العرب والعجم، يحفظ لابن عربي والمتنبي، وقارئ جيد لنيتشه ودور كايم، وعلامة في تاريخ السلاطين وحقب ما قبل الميلاد و....
- عظيم جدا
يتمتم الفارس ويردف جنوده مستعذبين ما استحسن من جمال الوصف، ويقاطعهم الدلال:
- صبرًا صبرًا، ليس هذا فحسب، الفتي مزود بشريحة إلكترونية لتخزين الأوامر وتحويلها إلي أفعال في ثوان معدودة.

- لا تبالغ هذا لي. هات ما عندك.

الأنوثة طاغية علي ثوب الفتاة الكاسية، عيناها لم تبرح الأرض منذ تعرضت للاغتصاب قبل ثلاثة أعوام، والآن تبرقان مبهورة بأحذية الفارس ورجاله، لم تر فخامة وضخامة ولمعانًا من قبل وسط الحفاة في رحلة تنقلها من مالك إلي مالك، ينتشي الفارس وهو يتفرسها من أعلاها إلي أخمصها، يهم الدلال في شرح دليل تشغيلها، فيشير إليه بالصمت. ليس بحاجة إلي تفاصيل، البضاعة مليحة والخير معقود علي ناصيتها هذه أيضًا لي .

يأتي التابع من خلف سيده حاملًا كيس النقود فيرفض الدلال تسلمه وهو يتودد إلي الفارس أن يقبلهما هدية.يبتسم الرجل ممتنًا ويلفهما في حلته قبل أن يعهد بهما إلي رجاله ومضي الموكب يلوح للبنايات على ضفاف النيل في رحلة إلى القصر الكبير.

يستوقفه الدلال:
- لا تقلق يا سيدي إنهما يأكلان الفتات ويصبران علي الجوع.
- يهز المالك الجديد رأسه، ويزيد الدلال ناصحًا:
- نسيت العصا يا سيدي
يلوح له الفارس بعصاه الذهبية، ويدير ظهره لأصوات السوق الزاعقة مرددًا: هذه بضاعتنا ردت إلينا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى