مصطفى الحاج حسين - توضيح السّيد رئيس الورديّة ..

بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى حضرة ابن العم الغالي ، " أبو سليم " ، تحيّة عربيّة صادقة ، أبعثها إليكَ من صميمِ القلب ، وأتمنّى أن تصلكَ وأنتَ بألفِ خيرٍ وعافيةٍ ، كما أرجو من الله عزّ وجلّ ، أن يديمكَ على رؤوسنا سنداً لكلّ العشيرة ، فنحن بفضلكَ صرنا من أقوى العشائر في المنطقة .
وبعد يا ابن عمّي العزيز.. لقد وصلتني رسالتك الكريمة ، وتبيّن لي أنّ الشّكاوى التي وصلت إليكَ بحقّي ظالمة ومغلوطة ، فأرجو ألاّ تلومني إلاّ بعد أن تقرأ رسالتي .
نعم .. أعترف لكَ بأنني أقوم بضربِ عمّالي ، ولكننّي أضربهم بدافع حرصي على المصلحة العامة ، كما علّمتنا أنت ، فليست لي عداوات شخصيّة مع أحدٍ من العمّال ، كما طلبتَ منّا أنتَ ، فأستغلّ منصبي لأضربه ، كما جاءتكَ الأخبار ، ثمّ أننّي لا أستسني أحداً من الضّرب ، حتّى لا أحد يتحسّس منّي ، بما فيهم أولاد عشيرتي ، وهذا دليل كبير على نزاهتي وعدالتي ، لأنّك المَثَل الأعلى في هذا المجال ، دون منافس ..فأنا أكره أخذ دور المتسلّط ، وعندي المصلحة العامة ، كما تعلم ، تقتضي الشّدة والحزم ، ليتمكّن المسؤول من إنجاح عمله ، كما تقول أنت دائماً في مؤتمراتك المؤثرة ، انطلاقاً من إيماننا المشترك بالاشتراكية ، لأنني أعي ذلك ، فأنا أبذل كلٌ مابوسعي لتوعية العمال الجهلة ، لمصلحتهم ومصلحة البلد .. ومن لا يفهم ويستوعب، بعد كلّ هذا، ألا يستحق منّي التوبيخ والعقوبة والزجر والضرب ؟!.
أمّا العمال الذين رفعوا تقريراتهم إلى النقابة ، فينبغي طردهم من العمل ، ليكونوا عبرة للآخرين ، وبذلك لا تدبّ الفوضى في المخبز ، وأمّا رئيس قسم العجن ، " سعيد الصالح " ، فعلينا التحقيق معه فوراً ، لأنّه يحرّض العمال ضدّي .. وهذا ينعكس سلباً على المصلحة العامّة ، وعلى الوطن وأمنه عامّة ..وهنا تكمن الخطورة والفظاعة والبشاعة ياابن العم .. " فسعيد الصّالح" هذا
لا يسمع الكلام ، ولا ينفذ الأوامر ، أقول له دائماً :
- عجبب أمرك يا سعيد ؟!.. كيف تحرّض العمال ضدّي ، وأنت ابن عشيرتي ؟!.
فيتّهمني بأنّي أضرب العمال لغاية شخصيًة..
واستمرّ في تحريضه للعمّال ، حتّى تفشّت ظاهرة خطيرة للغاية ، وهي مجادلة العمال لي ، والتفلسف ، والمطالبة بالحقوق .
يريدون تقليل ساعات العمل ، وكأنّ عشرة ساعات من الاستراحة في اليوم الواحد لا تكفيهم ؟!.. فهم لا يدرون أنّ الأمم المتقدمة تعمل ليلاً نهاراً ، وهذه المعلومة ، مقتبسة من خطبك أنت ياابن العم .
كما قلت لك ياابن العم العزيز ، العمال يطالبونني بأشياء مضحكة ، والأكثر غرابة أنهم طالبونني بالسماح لهم بالنوم بضع ساعات ، خلال دوامهم الرسمي ، أسوة بي ، صاروا / الكلاب / يحسدونني على كم ساعة أنامها ، متناسين المسؤلية الجسيمة الملقاة على كاهلي ؟!.
انظر إلى هذه الوقاحة ، وقلة الذّوق ، وعدم التقدير والاحترام ، ياابن العم ، والله أكاد أجن من هذه الصّفاقة وعدم الشعور بالمسؤلية .. إنّهم جهلة ، أوغاد .
أشياء خطيرة تحدث عندي في المخبز ، وأخشى أن يقوموا بالإضراب ، أو بتحطيم الآلات ، وأنا بحكم مسؤليتي لن أسمح لهم بذلك .. لذلك أبدو قاسياً عليهم بعض الشيء
... نعم .. لقد ضربت عامل القطّاعة ، ذلك الكهل الأجرب ، بسبب استهتاره وعدم تقيّده بالتعليمات الصادرة عنّي، قلت له أكثر من مرّة :
- ممنوع شرب الشاي أثناء العمل ، أنت هنا كي تعمل .. والمصلحة العامة تقتضي منكَ أن لا تضيّع دقيقة واحدة هدراً ، دون انتاج.
لكنه بهيم لا يفهم ، دائماً يكرر نفسَ الجريمة ، وأجده يشرب الشاي ، والأفظع من كلّ هذا ، أنّه بدأ يجادلني ، ويناقشني ، قال :
- ياأستاذ " خيّار " دوامنا طويل أربع عشرة ساعة، ونحن وراء الآلة '' ساهرون " ألا يحقّ لنا أن نشرب كأس شاي ؟!.. أنت عندك / وهنا بدأ يتحاقر / ، أنت عندك هنا ندوة ، وعاملة خاصة من أجل أن تصنع لك الطعام والقهوة والشاي، فلماذا المسموح لكَ ، ممنوع علينا ؟!
وهنا لم أعد أمتلك أعصابي ، فضربته ، وحرمته أجرة العمل الإضافي لمدة شهر كامل .. وأعتقد بأنني لم أظلمه ، بل هو من ظلم نفسه بنفسه .. بسبب حيونته .
والكلب " سعيد الصالح " ، أقنع هذا العامل الغبي بضرورة رفع تقرير بي .
وممّا قاله في التّقرير :
- ضربني رئيس الوردية ، لأننّي لم أقدّم له الكرسي في باص النقل الدّاخلي ، فقد التقينا صدفة في الحافلة ، وكنت قد منّ الله عليّ بكرسي ، وأنا متعب .. وفجأة لمحت رئيس الواردية في الباص ، واقفاً ، لا مكان له .. وخطر لي أن أنهض وأتنازل له عن مكاني .. ولكنّي أكبر منه سنّاً .. أنا بعمر والده ، ثمّ أننّي متعب ، ومنزعج منه ، فقد تسبب بحرماني من أجرة العمل الإضافي ، لمدة شهر كامل .. لذلك تظاهرت بعدم الإنتباه له .. ولم أعطه مقعدي .
لنفترض كلامه صحيحاً ، أليس على النقابة أن تبصق في وجهه الأجعد ، لأنّه تشاغل بالنظر إلى الشوارع ، من خلف الزجاج ، ولم يقم متطاهراً بأنّه لا يراني ؟!..
أليس من حقّي أن أغضب ؟!.. لقد شعرت بأنّه أهانني حين تجاهلني ، إنّه لم يحترم رئيس ورديته ، بالتالي كان مستهتراً بالنظام وبالمصلحة العامة ، صحيح يكبرني بأكثر من ثلاثين عاماً ، ولكن مع هذا أبقى رئيس ورديته ، وعلى الإنسان المحترم أن يحترم من كانوا مسؤولين عنه ، لأنّ الله سبحانه وتعالى خلقنا درجات .
وهكذا وبنفس الطريقة حرّض " سعيد الصالح " كلّ العمال ضدّي ، فصاروا عصابة متحالفة ، يكتبون التقارير ضدّي ويقدمها" سعيد الصالح " للنقابة ، حتّى أنّه لا يقدم التقارير للّجنة النقابية عندنا في المخبز ، لأنّه كما يزعم بأنّ اللجنة النقابية منحازة معي ، وهي مع الإدارة ضدّ العمال ، لذلك يقدّم التقارير إلى أمانة النقابة بالذات ، وهؤلاء النقابيون باتوا يزعجونني ويقلقون راحتي ، ولولا أنّهم يعرفون بأنّ ظهري مسنود بجنابكم ، لكانوا قد ضايقوني بالفعل .
ولكن مع هذا فالنقابة شجعت العمال بشكلٍ غير مباشر على الاستهتار بي ، حتّى إنّهم بدأوا يطلقون التّسميات عليّ ، يقولون:
" إنّي أبو طبخة " ، لأنّ كرشي كبيرة ، ويدّعون أنّي ألتهم طبخة كاملة في وجبة واحدة .. وكأنّ هؤلاء البهائم يطعمونني على حسابهم ، صارت الكرش مسخرة للجهلة !!.. مع أنّها صحة من الله عزّ وجلّ ، وأنا أفتخر بها لأنّها تمنحني الوجاهة ، أليس كلّ المسؤولين أصحاب كرش مثلي ، وخاصةً كرشك أنت يا ابن عمّي كم لها من هيبةٍ ووقار ؟!.
ويسمّونني أيضاً قزماً ، وكأنّ القصر شيء معيب ، متناسين بأنّ كبار المسؤولين في العالم قصيرو القامة .
وأيضاً يقولون عنّي :
- أبو رأس الكبير .. والأصلع .
متجاهلين أنّ الرأس الكبير والأصلع ، يمتاز بالعبقرية والذّكاء .
وراحوا يرسمونني على الحيطان داخل دورة المياه ، ويسقّطونني على الجدران أيضاً .
شائعات كثيرة يتداولونها ، منّها أنني أنا الذي قمت بتعيين المدير ، وجميع الإداريين، ويقولون عنّي :
- لو كان يملك شهادة دراسيّة ، لنصّب نفسه مديراً عاماً .
وبعد كلّ، ذلك ، أليس من الواجب أن نضع فردة حذاء في أفواه من يتفلسفون ؟!.. ، خصوصاً وأنّهم راحوا أيضاً يتهموننا بالسرقة أنا وجميع الإداريين .
لقد بدأت أفقد هيبتي في المخبز ، ولا يمكنني ترك النقابة تشجّع العمال على هذا النّحو ، والسّكوت عن " سعيد الصّالح " رأس الفتنة ، الذي قال عنّي في أحد تقاريره :
- شاهدّت رئيس الوردية يمارس الجّنس مع عاملة التّجميع " مريش الصّياد " ، كانت " مريش " تبكي وترجوه أن يتركها في حالها. لأنّها دخلت المستودع كي تأخذ أكياس نايلون ، من أجّل تعبئة الخبز ،وانقضّ عليها رئيس الوردية ، مهدداً بأنّها لو عارضت ، سوف يطردها من المخبز ، مع حرمانها كامل راتبها ، وحينما حاولت التدخل ، وكنت مصادفة قد دخلت المستودع ، ضربني رئيس الوردية ، ولم يكتفِ بأن يضربني ويطرد العاملة " مريش " من عملها ، بل حرمني أجرة العمل الإضافي ، لمدة شهر كامل ، وأنا منذ أكثر من سنة لم أتقاض أجرة العمل الإضافي ، بسبب العقوبات الدائمة ، ولو لم أكن مثبّتاً في وظيفتي ، لكان طردني أيضاً مع العاملة " مريش الصياد ".
كان هذا السّافل يتجسّس عليّ إذاً . ولا تستغرب أن ينشر أخبارك غداً ، في البلدة ، فهو ابن عمّك ويعرف كلّ أسرارك .
ثمّ مادخله هو والنقابة في مثل هذه الأمور الشّخصيّة ؟!.. وأنا لم أغتصب العاملة " مريش الصّياد " بل كانت تمانع دلالاً " كعادتهنّ " ، وحينما تفاجأت " بسعيد الصالح " ، يدفع باب المستودع يدخل علينا ، انقلبت وصارت تتظاهر بالعفّة والشّرف .. ويقول المثل ( اللي مابدّلي زمبيلها ، ماحدابعبيلا )
هذه أشياء خطيرة تحدث ، كما ترى ياابن العم ، ياصهري العزيز .. فلماذا لا نتخلٌص من " سعيد الصالح " هذا ، انقله .. من هذا المخبز ، أو دبّر أيّ طريقة للتخلّص منه .. وإن لزم الأمر نتخلّص من كلّ العمال ، وأنا على استعداد كامل لتدبير عمال وردية كاملة تكون مخلصة لي خلال يوم واحد ..
وإلاّ أرجوك أن تنقلني من هذا المخبز ، إلى أي شركة تراها مناسبة لي ، رغم حرصي الشديد على البقاء مع الأخوة الإداريين ، وخاصة المدير ، لما بيننا من حبّ وتعاون .
وأخيراً .. فأنا لا أشكّ أنّكَ الآن ، تبينت الحقّ من الباطل ، وإنني على ثقة من أنّك لن تتركني أعيش في مثل هذه المهزلة .
ودمتم لنا ياابن العم .
التوقيع : ابن عمّك
خيار المهيدي

ملاحظة :
بلّغ تحيّاتي وتحيّات زوجتي رتيبة .. إلى شقيقتي سعاد وكافة الأولاد . وندعوكم لقضاء عدة أيام عندنا في البلد .
هناك مشكلة بيننا وبين عشيرة الزّحلان عسى بوجودك أن تجد لها حلّاً ، خاصة وأنّهم يخافون من وجودك بيننا .

ملاحظة ثانية وهامة :
أحمد شقيق زوجتي ، مطلوب لخدمة العلم ، بعد أيام ، سنرسله لعندكم في العاصمة ، من أجل فرزه لمكان مناسب .
وشكراً .

مصطفى الحاج حسين .
حلب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى