ليلى أسامة - تمائم ذكري (3)

أبداً لم نختر أسماءنا … هي التي اختارتنا …
بمشيئة آبائنا أو بمحض إختيار القدر ..
شئنا ذاك أم أبينا ..
أحببناها أم لم نفعل ..
هي تلازمنا كظلنا وتبقى تُشير إلينا في محيانا ..
ونُذكر بها في مماتنا إلى أن تنتهي البسيطة من على وجه الحياة..


وعبر مسيرتنا الطويلة وحصيلتنا الوافرة من تجاربٍ..
تُسفر عن أصدقاء جدد.. أحباب…ومعارف
يحلو لهم أن يطلقوا علينا الألقاب..
التي ما تعبر إلا عما يجيش في دواخلهم نحونا…
وبلا تخطيط تجدها تلتصق بنا..
ولربما نجد أنفسنا مجذوبين في هواها وواقعين حدّ الثمالة في عشقها أكثر من أسمائنا الحقيقية …
ولربما تتلبسنا تلك الألقاب كتلبُس جني صغير عابث يرفض أن يغادرنا بعناد…
يترك بصمته بكل أشيائنا المحيطة الحميمة أيضا…
وفي برهة من التفكير نجدنا راضين تماماً … وينتقل إلينا عناد الجني يصحبه كثير من إصرار..

فحين حصلت على أحب الألقاب لقلبي…
صغيرة جداً كنت …
كبيرة جداً – هناك – عند نقطة التقاء الفكر بالعقل…
عند ذات البؤرة التي كانت تتسع – في ذاك الوقت – لتحتضن أمنياتي وأحلامي..

كان نسيج أحلامي مصنوع بمهارة طفولية منقطعة النظير.. يحُسدني عليها ساسة هذا العالم..
الذين لم ينجحوا حتى الآن في إيجاد كيمياء تفرز سلاماً عالمياً .. يحلم به جميع سكان الكرة الأرضية
كانت نسيج وحدها – أحلامي – وكنت اعلم..
ابسط ما كان يشغلني هو: كيف اصنع بيتاً يسكنه.. من سقف بيته مصنوع من سماء.. جدرانه من هواء…
: ياااااااه انظروا كم بيتاً صنعت..!!
الآن أشير إلى الفراغ المسمى خيال فيفاجئني صفر كبير …
فأواصل غرقي في الأحزان!!؟؟؟
فلنترك هذا الحديث جانباً…
لم أكن حقاً – حين بدأت – أود أن أتحدث عن بؤرة بقدر اتساعها ضاقت…
ولا كنت أود أن أتحدث عني… يا لتهور قلمي هذا المخبول الذي لا يطاوعني أحيانا…
احتاج أن أحدثكم عن الأخرى التي تقمصتني منذ نعومة أظافري…
منذ ان خطّ لي على دفتري:
” إلى زهرة الأوركيد التي تمشي على قدمين”
مُنذ ذلك الوقت وأنا أتقمص الدور جيداً..
كان عمري العقلي حينذاك تمام (الرابعة) بتوقيت الابتدائية… لكن اكبر بكثير في عمق أعماقي واعتقادي…
عشقي للأوراق والأقلام كان يفوق حدود معرفتي لبحور اللغة وإسرارها..
لا يفارقني دفتري وقلمي أينما حللت…
هو كان في تمام (الثالثة) بتوقيت الجامعة…
مجسم المصداقية المعّول عليه ..
لذا لم يلزمني الكثير لأصدق.. ما طفق يخبرني به…
هل أنا حقاً زهرة الأوركيد..!!؟؟
حتما أنا كما قال.. مادام هو قال…
ومن حينها .. وأنا لم أتوقف عن التصديق…
ما عزز إيماني أكثر أنني انتقلت في ذاك الوقت لمدرسة جديدة..
عند أول يوم لي في الدراسة ركنت إلى زاوية بعيدة احُشر فيها وجلي وخجلي..
اقتربت مني رؤوس متسائلة أمطرتني بالأسئلة..
اندهشت من تحليقهم حولي.. وأكثر ما أثار تعجبي أن إحداهن امتدت يدها تمسد ضفيرتي الطويلة… قلت في نفسي: سرب فراشات.. لا عجب اذا…!!
كانت تناديني معلمتي المفضلة نهاية اليوم الدراسي تعاتبني على نظافتي الفائقة..
وتتوسلني أن العب بالتراب كرفيقاتي..
أقول لها ببساطة المؤمن: أحب أن أظل نظيفة..ألاعب الندى
وامنح رحيقي فقط للفراشات…
كانت كعادتها تمصمص شفتيها وتتحسر على طفولتي الضائعة…
حين تمطر السماء… كنت اعرف أنها تجهش بالبكاء..
إلا أنني لم يك يعنيني فيما تبكي.. كنت اعشق حزنها..
اعشق لألئ دمعها…
وأنا أراها تغسلني بالبياض…
تنظف تربتي… فاحُتشد بالأمنيات..
كأنما طاقة من السماء فُتحت لتستقبل تفتُح براعمي وتفتقها بالأحلام…
تقمصت دوري جيداً… وأنا أحافظ على تربة مشاعري نظيفة…
وأوراق أمنياتي مخضرة ندية …
ساق عشقي ينضح حنيناً…
وبتلاتي تفضحها الأحلام… !!
  • Like
التفاعلات: مليكة ابابوس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى