الأخضر بركة - كَبِدُ الشاعرِ مأزقُ الحِبْر.. شعر

كَبِدُ الشاعرِ ليست فندقًا للذكريات
كبدُ الشاعر ليست لحاء شجرةٍ
مجروحا بسكاكين عُشّاق الرياح
كبد الشاعر تتخصّب بمكواة الرُؤَى
قد تشبه كوخا مدلهمًّا في لوحات فان كونغ
قد تشبه قريةً تنبتُ في خاصرة جبل صامتٍ،
أو تشبه حضنَ أمٍّ مطلّقةٍ في الرصيف
يلجأ الكون إليه هربا من يُتْمِ الدوران.
كبدُ الشاعر مفردةٌ خرساء تخذُلها البلاغة.
غيمةٌ تتربّى تحت كفالة المتاه.
معضوضةٌ بأسنان الوجود لا أعرف منذ متى.
كنّاش ٌ للعواطف التي لا مكان لها في صالون اللغة.
كَبِدُ الشاعر
يُميتُها البرْءُ ويُحييها المرض.
يحسد الحجرُ كبدَ الشاعر على طراوتها الصلبةِ.
رصيد بنكي يتضخّم بالمَنْح،
صندوق بريدٍ تتراكم فيه رسائلُ كائناتٍ مجهولة.
منطقةُ حبّ أرضيّ لا يعرفها صنّاعُ الخرائط
كبد الشاعرِ حَرَمٌ تحجّ إليه اللغة
وطنٌ لكلّ وطنٍ مطرود من وطنه.
من دخل كبدَ الشاعر فهو آمن.
لا نارَ ولا جنّةَ ها هناك.
كبدُ الشاعر جسدُه، ما تبقّى عتباتٌ.
ليست كبد الشاعر منحوتةً من خشب شجرةِ الملائكة.
أو قطعةَ لحمٍ سقطت من فوق مائدة الشياطين.
قد تكون شبيهةً بعشٍّ طينيٍّ وِفْق هندسة السنونو
قد تكون مخدّة مليئة بالغيوم
أو صُرَّةً مملوءةً بمتاعِ مهاجرٍ في البحر
يمكن أن تكون كيسا من عواصفِ رُؤى في رحلة أوديسيوس
كبدُ الشاعرِ مخبزة اللغة
يمكن أن تكون سكريتيرة المخيال
أو عشيقته السريّةَ،
أو مخزنَهُ المخبوء تحت بناية النصّ
أو زوجة القلبِ المهاجرِ في الجهات الستّ
كبدُ الشاعر أنثى ألمٍ،
من أجلها يتوقّفُ الزمنُ المهرولُ مُصغيا
لنداء لامرتين،
بحيرةٌ…
تستحمّ فيها النصوص من وسخ النفاق.
ليست كبد الشاعر فقط قاربا مربوطا بحجر امرأة
لا ينتمي كبد الشاعر إلاّ لحصان السفر
كبد الشاعر سرجُ التجربة
ليست كبد الشاعر إكواريمَ من دموعٍ
تسبح فيه أسماك الحنين
ليست شرفةً تطلُّ على حديقة الماضي
ليس في كبد الشاعر مستقبل ينتعل صندل الأوهام
ليس للشاعر في كبدهِ
غير كبِده تلمع مثل حجرٍ تحت ماء اللغة
لكبد الشاعر نحيبٌ
يسمعه، من يسمع بغير أذنيه.

كبد الشاعر مجروحةٌ بالسليقة
تتداوى الحياة من مرض الضجر
بالسُّكْرِ ممّا يتقطّر منها من وميض.
كبد الشاعر عشُّ الأجنحةِ المتكسّرة
إناءٌ طافحٌ بعسلِ الخيبات
المكانُ الوحيدُ لاستنباتِ عشبة جلجامش
زوّادة الحزن التي لم يرها أحدٌ
في غبار المتنبّي،
قصّةُ عصفورٍ تشرّدَ عبر أعشاشِ الكتابة،
الكمنجةُ التي
لم يستطعْ أن ينتزعها الموت من خاصرة الحياة،
كبِدُ الشاعرِ غرفة اختمار المفردات
قبل الدّخولِ إلى حمّام طقسِ الخيال
خزّان الكهرباءِ الذي
يُشعلُ مصابيح أرض القصيدة
بيتٌ لما لا بيتَ له في جغرافيا العدم
تتودّدُ الأشياءُ إلى كبِدِ الشاعرِ
كي تدخل إلى عرس الجنون الشعْريّ.

يهرولُ نهرُ الدنيا مسافاتٍ
ليصبّ في كِبْدَةِ مخلوق يُسمّى الشاعر.
تدور رحى الزمنِ، تطحن كلّ شيء
حين تتعب تسند رأسها على كِبْدَةِ الشاعرِ.
قوقعةٌ فارغة
مشحونة بهدير بحر الغياب
في كبد الشاعر بابٌ
مفاصلُهُ..
الناطقُ الرسميّ باسم رياح الكينونة.
عتبةٌ هي..

قد تطأها أقدام نساءٍ عديدات،
واحدةٌ فقط
تدخلُ كي تصبحَ كِبْدَةَ السرِّ.
حالة حمّى تفيض بما
قد تتلقفّه جِرار العروض
أو جرارُ النثر.
كبدُ الشاعرِ مأزقُ الِحبْر.
قربةُ ماءٍ معلّقةٌ في هواءٍ يهبّ من جهةِ البدايات
لن تنفدَ أسرار الكِبْدةِ قبل أن ينفد مداد البحر،
بقدر ما تعبُرها المرارات،
بقدر ما يتوزّع منها سكّرُ الكلمات في الأرض،
علبةُ الرّوح الأخيرة،
تحت أنقاض حطام الجسد
بارومتر قياس اهتزازات الألم في جهاز أعصابِ المجرّةِ،
قيثارةُ الله،
معطوبةٌ أوتارها بأصابع اليُتْمِ البشريّ،
حبّةُ رمّان البقاء، بعد طوفان الحروبِ،
خليلة المعنى،
وخليّة العسل التي يملأها نحلُ المِحن
كبدُ الشاعرِ أمُّ الأحلام التي
تزعجُ أحلام الطغاة،
صندوق باندورا المعبّأ بديناميت المجاز
جعبةُ المجهول تحت إبطِ قناعة المألوف،
مختبر عبور الحبِّ عبر أشواك الطبائعِ،
من ها هنا
قد تمرّ النار كي تغدو ضياءا
تتدحرج حبّات الندى أيضا من ها هنا
صوب بياض القصيدة، من ها هنا
تتفصّدُ أوجاع الكلام.

الأخضر بركة
  • Like
التفاعلات: صادق خيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى