مبارك حسن أزرق - الأرينا.. قصة قصيرة

وقف الرجال الثلاثة أمام الحاكم ، وحاشيته ، وخدمه جاحظي العيون وراجفي القلوب . قال رئيس الحاشية في قلق :
- " ضخامته غاضب عليكم ! " .
قالوا بصوت واحد مندهش :
- " من هو ضخامته ؟ " .
قال ، زاجرا أياهم :
- " يالكم من بلهاء ! "
ثم مشيرا إلي الحاكم :
- " ضخامته هو ذا ! " ...
قالوا بصوت واحد مرتعش :
- " ولكن لماذا هو غاضب علينا ؟ " .
قال :
- " لم تقفوا له حين نزل من عربته بالقرب منكم ليتبول . ولم تقفوا له حين أنتهي من التبول . ولم تحيوه قبل التبول ولا بعده ، فما رأيكم في هذه الخطيئة؟"...
قالوا في تعجب :
- وهل نحن أصحاب رأي ؟ نحن فقط مددنا أيدينا للرجل لأننا شحاذون . ولم نر شكلا ، ولم نشم رائحة ، ولم نذق طعما للأكل لثلاثة أيام . وأدهشنا أنه لم يلتفت إلينا ، ولم يعرنا أهتماما . ولم نكن نعرف أنه الحاكم ياسيدنا ! ثم أننا نكاد نموت جوعا ، والحر قائظ ، ولا نستطيع الوقوف لغير ما سبب !
قال الحاكم مزمجرا ، ثم همس غاضبا في أذن رئيس الحاشية ( وهمس رئيس الحاشية متملقا في أذن رئيس الخدم ) . وهب الخدم كالأعصار ، وقذفوا بهم إلي قلب الأرينا ! وهرع رئيس الخدم ، وفتح باب القفص ، فأنطلق منه أسد جائع ، هائجا مزمجرا هاجما ! مرت لحظة !! وأصابت الدهشة جميع الحاضرين : الحاكم وحاشيته ، وخدمه الأبرار . فقد هجم الرجال الثلاثة علي الأسد ... و أكلوه حتي المخالب ... وكانت أفواههم تنزف دما أحمرا!
صعق الحاكم ! وتلفت يمنة ويسرة ، وإذا به يري أفراد حاشيته وخدمه وكأنهم تماثيل من حجارة ! نهض مرتعدا ، وهو يتصبب عرقا ، فنهضوا مرتعدين وهم يتصببون عرقا ! وألتفت خلفه كاللمحة ، ثم أنطلق كالأعصار قافزا من فوق سور الأرينا ، ومن خلفه يتسابق أفراد حاشيته وخدمه كالحجارة المقذوفة من فوق السور !!
أعلى