مزمل الباقر - العمدة أحمد الرفاعي ( 3 – 5 )

يواصل شريف حتاته سرد ذكرياته عن العمدة احمد الرفاعي فيحدثنا عن مقترح السجان بقيادة ( حدتو) الذي طرحته على إدارة سجن المحاريق لاستصلاح الصحراء بالقرب من السجن. ويصف لنا شريف حتاته مكان السجن الذي كان جديداً حينها فيورد أن قرية المحاريق التي انشأ السجن فيها تقع ( في أقصى جنوب الصحراء الغربية على الخط الموزاي " لنجا حمادي " وهي قريبة من " طريق الأربعين" الصحراوي الذي كانت تسير عليه قوافل الجمال المسافرة إلى السودان وبالعكس). (الكتاب ص34).

الصفحات من الصفحة الاربعين حتى الصحفة إحدى وستين خصصت لحديث الذكريات التي يرويها الاستاذ عبد الله الطوخي زميل دراسة العمدة بثانوية المنصورة وطالب الحقوق بجامعة فؤاد الأول لاحقاً. ( صفحة من سفر حياة عظيم) هو المقال الأول لعبد الله الطوخي بكتاب ( احمد الرفاعي يساري متميز ) الذي يحكي لنا فيه قصة انتقاله من ( .. وكان الفن هو مرادي والحب هو مطلبي ) ( الكتاب ص 41) إلى ان يصل ان يلتمس ( أحمد .. هل تقبلوني في صفوفكم؟!) (الكتاب ص 44) ومرد ذلك نقاشات عبد الله الطوخي المتكررة مع أحمد الرفاعي التي كانت تزلزل معتقدات الأول ومن بينها رأي الرفاعي في الدين!!.
( .. أن الدين شئ كامن فينا، مثل الغريزة لا يمكن إنتزاعه من نفوسنا.. الدين احتياج بشري، وليس احتياجاً إلهياً.
استوقفني المعنى.. قلت مقاطعاً.. مستفسراً .. احتياج ماذا ؟!
احتياج بشري وإنساني.. وليس احتياجاً إلهياً.. ذلك أن من صفات الله " الكمال " فهو غني بذاته .. ليس في حاجة أبداً ولا حتى إلى الأديان .. المحتاج الحقيقي إليها هو الإنسان .. فأنزلها الله عليه لكي يدبر بها شئون حياته. الأديان أساساً من أجل سعادة الإنسان.. وهذا هو المقياس الحقيقي لنجاح أي دين.. ولهذا كان لابد للأديان أن تتطور مع تطور الأزمان ومع احتياجات الناس .. ذلك لأنها تنشد سعادة الناس
هذه هي رؤيتي للدين: ما لا يحقق مصالح الناس ولا يرفع عنهم الظلم والبؤس والمرض والجهل والأمية، ليس أبداً من الدين في شيء). ( الكتاب ص 44).

في مقال ( عينان على الطريق ) يواصل الاستاذ عبد الله الطوخي حديث ذكرياته مع العمدة وكيف ان الاخير كان يستفسر منه عن كتاباته ويدعوه للمشاركة بالكتابة لمجلة جديدة سيحررها ( صبحي زغلول) ولشده اعجاب العمدة أحمد الرفاعي بقصة عبد الله الطوخي يهديه كتاباً جيداً هو الرواية الخالدة ( الأم) لمكسيم غوركي ولنستمع للقصة من لسان الأخير، لأن ( سمح الغنا في خشم سيدو) كما يقول مثلنا الشعبي في السودان.
( تمالكت نفسي من أن أمسك به بقوة واعانقه.. فما من مرة أقابله إلا وأخرج من صحبته بشحنة هائلة من حب الحياة والثقة بالنفس .. أشكرك .. و ..
قال مقاطعاً بابتسامة لطيفة: ولكن هناك تحفظا .. معلهش .. فالمفروض أن الهدية لا ترد .. إلا أن هذه الهدية بالذات لابد من ردها، وفي موعد تحدده من الآن .. ذلك أنها تقرأ بالدور.. فلا يوجد في متناولنا الآن غيرها.. إنها نسخة مهربة .. دخلت سرا مع أحد الرفاق القادمين من بيروت. ما كادت تصل إلى يدي حتى تذكرتك وحجزتها لك.. "واحضر جريدة يومية كبيرة ودس الرواية بداخلها وأضاف: هذا لون جديد من الأدب والفن، يجب – أنت بالذات – أن تطلع عليه.. أنا واثق أنك ستخرج منها بالكثير، ليس فقط ككاتب، بل وكإنسان أيضا ). (الكتاب ص 55)

بعنوان طويل بعض الشئ ( أحمد الرفاعي بطل المقاومة في بور سعيد ) يدلي الاستاذ كمال القلش بإفاداته فيذكر ان اليساريين والشيوعيين رأوا ان يتحالف مع عبد الناصر الذين اختلفوا فكرياً مع ثورته من اجل التوحد في مجابهة المستعمر الإنجليزي ( يقول أحمد الرفاعي: كان تقديري ان المعركة ضد الاستعمار قادمة لا محالة وعلينا أن نجمع صفوفنا، وبعد اجتماع سريع للقياديين الموجودين خارج السجون والمعتقلات ناقشنا احتمالات وقوع عدوان مسلح. وقررنا رفع شعار واحد هو التأييد الكامل لعبد الناصر في المعركة ضد الاستعمار – وبدا للبعض أن المعركة بدأت وانتهت بتأميم القناة). ( الكتاب ص 62 )

وعن دور العمدة في كل ما يجري يذكر كمال القلش ( .. وفي الاجتماع العام للقيادة المركزية للحزب الشيوعي الموحد كان تقدير المجتمعين ان العدوان واقع لا محالة والسؤال ما هو المطلوب الآن بدقة وبالتفصيل. وانتهى الاجتماع إلى قرارين: الأول حشد كل الجهود من أجل الكفاح المسلح والتصدي للعدوان المتوقع وتجميع أكبر قدر من المعلومات عن تحركات العدو. والقرار الثاني إسناد قيادة المعركة إلى أحمد الرفاعي). ( الكتاب ص 63).

ومن مقال كمال القلش الذي يذكر بكثير من التفصيل احداث المقاومة الشعبية في بور سعيد ويتابع نشاطات احمد الرفاعي طوال تلك السنوات التي انتهت بهزيمة المستعمر في بور سعيد. يكتب الاستاذ بهيج نصار مقالاً بعنوان ( مقتل شهدي عطية الشافعي) بتدره بتحديد مكان توثق علاقته بالعمدة ( توثقت علاقتي بأحمد الرفاعي في معتقل أبي زعبل حيث مكثنا فيه فترة امتدت من محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية حتى مغادرة القوات البريطانية مصر في عنبر رقم (1) الذي ضم عددا كبيرا من أعضاء الحركة الديمقراطية ومجموعات صغيرة من طليعة العمال والنواة ونحشم. وكان احمد المسئول السياسي للحركة الديمقراطية في المعتقل). ( الكتاب ص 79)

ولأن عنوان المقال عن شهدي فلابد لي من اورد في اقتضاب ما اورده بهيج نصار من ما حدث لي شهدي عطيه الشافعي من لحظة اعتقاله على خلفية اعتراض الاحزاب الشيوعية بمصر على الوحدة الاندماجية مع سوريا التي اعلنها عبد الناصر مفضلين عنها الوحدة الكونفدرالية. وحتى لحظة استشهاده تحت وطأة التعذيب ( ألقي القبض على شهدي ورفاقه في أول يناير عام 1959، كما القي القبض على رفاق الحزب الآخر في نفس اليوم، وكان بعض الرفاق مسجونين من قبل، كما وفد علي السجن رفاق آخرون بع ذلك. وكان شهدي هو المسئول السياسي لرفاقه وتولى طرح الموقف السياسي للحزب أمام المحكمة). (الكتاب ص 82).

يورد بهيج نصار بعض نماذج التعذيب الذي تعرض له الشيوعيين في ليمان أبي زعل على يد نظام عبد الناصر وبإشراف مباشر من اللواء إسماعيل همت ويتوقف عند شهدي فلنتوقف معه قليلاً إذناً ( .. أما شهدي عطية الشافعي فهو القائد الشيوعي المعروف وأول شيوعي يحكم عليه بالأشغال الشاقة سبع سنوات قضاها في ليمان طره من قبل، وهو الشخصية المثقفة البارزة، وأول مفتش مصري للغة الإنجليزية في معاهدنا التعليمية، وهو المسئول السياسي. تقدم ضابط نحونا باسما، كان وحده يرتدي ملابس مدنية، كان مسئول العلاقات العامة في مصلحة السجون، سأل بأدب جم: اين الاستاذ شهدي عطية. وقف شهدي بقامته شاهقاً مهيباً (اتذكرها بوضوح) طلب منه اصطحابه إلى مكان أعد له. هناك تلقى ألوانا خاصة من التعذيب). (الكتاب ص 83).
يصف لنا بهيج نصار خبر تلقي الرفاق بالسجن خبر مقتل شهدي بعد ان غيب عنه لفترة من الزمن وكيف انهم اجهشوا بالبكاء ثم يذكر بعضاً من ما جاء على لسان رفاق آخرين بشأن ما حدث لشهدي ( علمنا من الرفاق الآخرين ان شهدي قد ضرب بقسوة بعد ان طرحوا جسده بالقرب من عنبر رقم (3) القريب من البوابة، وقد واصلوا ضربه بعد ان فارق الحياة). ( الكتاب ص 88 ).

ولكن مقتل شهدي عطيه الشافعي ادى لنتائج لم تكن متوقعة ( كانت قضية مقتل شهدي عطية الشافعي اختبارا للخط السياسي الذي تبناه شهدي ورفاقه، وكانت معالجة أحمد الرفاعي ورفاقه لهذا الحدث تنفيذا لهذه السياسة، فبفضلهم وقف تعذيب الشيوعيين في مصر وسوريا. وتلك كانت خطوة سياسية افضت إلى نتائج بالغة التأثير لعل اهمها تدعيم علاقة النظام المصري بالقوى التقدمية في العالم وتعاظم النضال المصري ضد الامبريالية واعوانها). (الكتاب ص88)

يتورد الاستاذ جمال عبد الحميد ذكرياته مع العمدة تحت عنوان ( رفقة من زمن الفرسان ) فيحدثنا عن تجربة احمد الرفاعي بسجن المحاريق وباشتراكه الفعال مع باقي القيادات السياسية للسجن، التي ادت لاتخاذ قرارات هامة بالإضافة لاستصلاح الصحراء وزرعها بالخضروات عمد إلى احداث النقلات النوعية في بيئة السجن وذلك بعدة نشاطات ( .. إقامة دورات تدريس متعاقبة، تدرس للعمال والطلبة كل ما يحتاجونه من علوم، كل حسب مستواه العلمي، في فصول متدرجة، لتحسين وزيادة قدرة التحصيل ولتجاري العلوم.
- لإقامة جامعة شهدي عطية لتدريس العلوم الرياضية والتطبيقية لذوي الكفاءات الخاصة، لتواكب عصر العلم والمعرفة.
- لبناء مسرح كامل في فناء السجن، يقدم مسرحيات كتبت، أو ترجمت في السجن، وقدمت بعد ذلك بنجاح، على مسارح القاهرة والاسكندرية، وكان مؤلفي هذه المسرحيات هم الفريد فرج وصلاح حافظ وغيرهم ، وقام بالاخراج والتمثيل الفنان حسن فؤاد، وعلي الشريف ولطفي فطين ونبيل الهلالي.
- إلى تكوين جهاز خلاق لإكتشاف المواهب الفنية عند الزملاء سواء كانت في الرسم أو النحت أو التمثيل أو كتابة الرواية أو القصة، وكان للفنان العظيم حسن فؤاد، دور رئيسي في هذا الجهاز، كما كان للعالم المتواضع، محمود أمين العالم، دورا بارزا في إظهار وتبني كفاءات نادرة، مثل الاستاذ صنع الله ابراهيم، في كتابة القصة القصيرة
- إلى بناء جامع خارج سور السجن، يؤمه ويخدمه سكان منطقة المحاريق، ويرد بقوة على الاتهامات الموجهة للشيوعيين بمعاداة الأديان، هذه الاتهامات التي لا تفرق بين الإحتياج الإنساني للعقيدة، وبين الدفاع عن حرية ممارسة العقائد لكل البشر). (الكتاب ص 92)

ثم ان جمال عبد الحميد يكمل دراسته بكلية الهندسة بعد انقضاء الاعوام الخمس التي قضاها مع سجناء سجن المحاريق ويستلم عمله بالشركة العامة لاستصلاح الأرضي ليجد أحمد الرفاعي هنا في الادارة القانونية للشركة. وهناك يواصل العمدة اسهاماته المجتمعية خلال فترة عمله بالشركة مستهدفاً شريحة العاملين. فيكون جمعية تعاونية، لتوفير المواد التموينية ويكون ( جمعية تعاونية أخرى لتساهم في تلبية آمال كل شاب أو فتاة، في الحصول على سكن مناسب، يفتح له الطريق لتكوين أسرة قادرة على مواجهة إحتياجات الحياة). (الكتاب ص 93).

كما ان العمدة خلال عمله في الشركة عمد إلى تقديم ( الحيثيات والأسانيد القانونية، للجمع بين البدلات لكل العاملين، بعد أن كانت كل الإدارات البيروقراطية السابقة، تحرم مثل هذه الحق). ( الكتاب ص 93).
ثم يوقف جمال عبد الحميد سيل ذكرياته مع العمدة بهذه الكلمات الجميلة ( وفي السن والعمر، الذي يلجأ كثيرون إلى الاسترخاء والهدوء، وطلب متعة الراحة، دخل هو معركة عنيدة، قد لا يحتملها كثير من الشباب، معركة إستصلاح واستزراع مساحة كبيرة من الأرض الصحراوية، بالنوبارية، وبكل ما يتمتع به من حب للأرض وحب للحياة، وحب للخضرة، نجح، وكانت زراعاته، في الحقيقة، خارج المنافسة، تفاح فاخر، عنب، مانجو، موالح مختلفة، كلها تحكي جهودة الدائبة، وهو يتتبع باهتمام، أحوال كل شجرة أو شجيرة بالمزرعة، ويعطيها ما تحتاجه من عناية ورعاية وحماية.
إنه شجرة الحياة. إنه أحمد الرفاعي). ( الكتاب ص 94).

الإفادة التالية جاءت بعنوان ( ورحل فارس نقابي نبيل) كتبها الاستاذ محمد جمال إمام يلقي فيها بمزيداً من الضوء على التجربة النقابية للعمدة وعزوف الأخير عن توثيقها معتقداً انه لم يحدث اثراً في تاريخ الحركة العمالية بمصر ( .. وفي منتصف شهر اكتوبر تقريباً اتصل بي، وقام صديقنا المشترك الاستاذ ابراهيم خليفة بترتيب لقاء في حديقة نادي الأهلي بالجزيرة، ورغم آثار تقدم السن الواضحة عليه، فقد كان على ما عهدته عليه من قبل، مبتسم دائماً ويأخذ الأمور ببساطة، ولا يعتقد أنه قام في حياته النضالية الطويلة بأي شيء يستحق التسجيل، رغم انه يقص في ثنايا ذلك أطرافا من تلك المسيرة بشكل مشوب بالفكاهة، والدعابة). ( الكتاب ص 95)

ويتذكر محمد جمال إمام ( كيف واجه المخططات الشرسة الدنيئة التي حيكت ضده في عام 1972 والتي حاولت هدم حياته العائلية لمجرد انه تجرأ وحاول محو أمية عمال الزراعة الذين كان يرأس نقابتهم في ذلك الحين، حيث تصورت أجهزة الأمن أن وراء هذا الاهتمام رغبة في نشر الشيوعية بين عمال الزراعة! وكيف أن قضية محو الأمية كانت شغله الشاغل طوال فترة وجوده كنائب لرئيس اتحاد عمال مصر، بحيث أنه فرض علينا في صحيفة "العمال" التي كان يشرف على تحريرها في الفترة من منتصف 1972 حتى مارس 1973 أن نخصص صفحتي الوسط لنشر دورس محو الأمية، واعتقد ان هذه المحاولة الوحيدة من نوعها لمشاركة صحيفة أسبوعية في جهود محو الأمية). (الكتاب ص 96).

جاءت إفادة الاستاذة ابراهيم خليفة سكرتير العلاقات الخارجية للاتحاد العام نقابات عمال مصر – المستشار الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في الدول العربية في ذات السياق الذي كتب فيه الاستاذ محمد جمال إمام. وذلك في مقاله الذي عنونه بـ: ( أحداث ومواقف في الحركة العمالية المصرية – أحمد الرفاعي والفترة من 71 - 1973). فيحدثنا فيه عن مواقف العمدة النبيلة ومن بينها ما اورده عن أول صدام مع السلطة – على حد تعبير العنوان الجانبي للمقال - ( .. ولكن جاء الصدام الأول من حيث لم يتوقع أحد أو يتصوره .. فبعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على قيام الاتحاد وتشكيل هيئة المكتب التي كنت أحد اعضائها " سكرتير الاتحاد للعلاقات العمالية الدولية" فوجئنا بالزميل أحمد الرفاعي يطالب بدعوة هيئة المكتب للانعقاد على وجه عاجل لمناقشة " إعدام الشفيع الشيخ " رئيس اتحاد عمال السودان والذي أمر باعدامه جعفر نميري رئيس جمهورية السودان الشقيق .. وقد تم ذلك على وجه عاجل وبدون اية محاكمة عادلة وذلك في إطار ما يسمى بالانقلاب على السلطة في السودان. وكان الشفيع الشيخ يتمتع بسمعة كبيرة وسط الحركات النقابية العمالية الدولية بل كان قائدا نقابيا له وزنه وثقله العربي وكان احد الزعماء السودانيين المقربين للرئيس عبد الناصر .. ووقع علينا الخبر وقع الصاعقة. ولم نستطع ان نتقبل فكرة اعدام قيادة نقابية مهما كانت الاتهامات الموجهة لها دون ان يتم ذلك في إطار محاكمة عادة " خاصة وانه كانت هناك محاكم مستجدة في الخرطوم منذ شهور لمحاكمة احد الجواسيس المتهمين بالخيانة العظمى للسودان" وكان اقل شيء يمكن أن نفعله كرد فعل مباشر من تنظيم نقابي عربي شقيق ان ندين هذا الاعدام وان نصدر بيانا عن الاتحاد العام لعمال مصر بشجب ورفض هذا الاجراء الدموي الذي يخالف كل المواثيق الشرعية والدولية وعكف أحمد الرفاعي وبعض الزملاء على كتابة هذا البيان وتم استدعاء مندوبي وكالات الانباء العالمية ووافق الاتحاد العام لعمال مصر على هذا البيان وتم توزيعه على كافة الصحف والوكالات العالمية .. وكان هذا البيان هو أول بيان يصدر عن الحركات العمالية العربية أو الدولية بإدانة هذا العمل الدموي وكان دافعنا نابعاً من قناعتنا النقابية ومن فهمنا بمبادئ العدالة والانسانية) ( الكتاب ص 103)

ولكن النتيجة جاءت عكسية ( وبدأت الأخبار تتوالى بان هناك اتصالات تليفونية تمت بين جعفر نميري والسادات اظهر فيها نميري استيائه الشديد من بيان الاتحاد المصري وحمله المسئولية في هذا السخط العالمي الذي تواجهه حكومة السودان من الرأي العام العالمي) . (الكتاب ص 103).

ترتب على ما جرى في الفقرة السابقة ان دعى إلى لقاء في قصر عابدين بين حكومة السادات ونقابة العمال (..وبدأ السادات حديثه مبررا موقفه في عدم اتخاذ أي إجراء أو اعلان رأي الدولة المصرية في انه فوجئ مثلنا باعدام "الشفيع الشيخ" وانه اتصل فعلا بالرئيس السوداني جعفر نميري ليوقف حكم الاعدام ولكن الأمور كانت أسرع منه وكان الاعدام قد نفذ فعلا مبررا ذلك بسخونة دماء السودانيين " ثبت فيما بعد ان هناك مشاورات قد تمت بين النميري والسادات قبل الاعدام وان السادات قد شاركه الرأي في إعدام الشفيع الشيخ!!". وبدأت المناقشات ساخنة بين السادات من جانب وبين أحمد الرفاعي وعبد العظيم المغربي "سكرتير المجلس التنفيذي لاتحاد عمال مصر" من جانب آخر). (الكتاب ص104).

الشهادة قبل الأخيرة جاءت من الاستاذ التيجاني الطيب بابكر بعنوان ( الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني) تحدث فيها عن مرافقة العمدة لجثمان الطالب الشيوعي السوداني صلاح بشرى ( كان قرار الرفاعي بالتطوع لمرافقة الجثمان قراراً شجاعاً: في مواجهة موجة العداء الهوجاء للشيوعية من جانب حكومة الأقلية وأجهزة أمنها "وهي المسؤولة عن مصرع صلاح"، وفي مواجهة حكومة المستعمر البريطاني في السودان "التي كانت تتهيأ هي الأخرى لموجة من عمليات القمع باسم محاربة النشاط الهدام"، وأيضاً في مواجهة اللحظات العصبية من الألم والحزن العميقين بين الآلاف من العمال والسودانيين الذين كانوا ينتظرون جثمان ابن مدينتهم على أرض المطار. لكن القرار أتى طبيعياً من شاب كان الكفاح المشترك حقيقة ضمن حياته اليومية الطبيعية والممارسة. وبعد أربعين عاماً وقد فات الشباب، كان يستعيد رحلته وكأنها حدثت أمس، وكان مازال على استعداد لتكرار نفس المهمة إن اقتضت الحاجة تكرارها). (الكتاب ص 114).

آخر الشهادات حملت عنوان ( لقاء ) يحدثنا فيها التشكيلي محمد حجي - مصمم غلاف كتاب ( أحمد الرفاعي – يساري متميز) – عن لقائه باحمد الرفاعي بعد ان سمع باسمه ( يتردد حولي بين الصحفيين في روز اليوسف والطليعة حيث كنت اعمل في الستينيات والسبعينيات .. وكنت اتطلع للتعرف للتعرف به لأسباب كثيرة منها أنه "بلدياتي" ومنها أيضاً إهتمامه بمشكلة العمال الزراعيين "التراحيل". وكانت مشكلة هؤلاء العمال التعساء أحد أهم القضايا التي شغلت نفسي بها في مطلع شبابي، وكنت أجوب القرى لأستطلع أحوالهم عن قرب، وأرسمهم من واقع حالهم). (الكتاب ص116)

وكان اللقاء ( أخبرني الفنان عبد المنعم القصاص بأن أحمد الرفاعي يبحث عني، وأنه ينتظرني، لأنه بصدد إصدار مجلة بإسم العمال الزراعيين، وأنه يريد أن ينشر فيها بعض رسومي عنهم، أسرعت إلى حيث اللقاء، ولم أكن قد رأيت أحمد الرفاعي من قبل، وكان يزعجني في كثير من مناضلي ذلك الزمان هذا الاعتداد الشديد بالنفس والغلطة في التعامل الإنساني، الأمر الذي وجدت نقيضه تماما لدى أحمد الرفاعي). (الكتاب ص 116).

اتوقف هنا على اواصل لاحقاً إن شاء الله عرض الجزئية الثانية والأخيرة من ( أحمد الرفاعي- يساري متميز) والتي تتناول وثيقتين كتب اولها رفعت السعيد بينما كانت الوثيقة الثانية للمحتفى به نفسه العمدة أحمد الرفاعي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى