محمد فتحي المقداد - حقّ الردّ

لصٌّ متوحّشٌ اخترق حُرمة باب الحارة مرّات عديدة، تداعى العقيد والأعضاء لاجتماع طارئ، طال اجتماعهم واصلوا الليل بالنهار على مدار أيّام لاحقة يتدارسون الأمر، لم يستطيعوا الخروج من المأزق بقرار بالإجماع.
على غير العادة، وفي اليوم السابع دخل القهوجيّ عليهم المجلس بلا استئذان، وهمس في أذن العقيد الذي ابتسم وهزّ رأسه، وراح يهرش فروة رأسه، ويمطّ شفتيّه للأمام، وحاجبيْه يرتفعان فوق عينيْه المْبحلقتيْن على اتّساعهما، ثم ضرب بيده على الطاولة، انتبه الجميع من غفلتهم، وبصوته الجهوريّ ونبرة واثقة، قال:
- "أيها الإخوة، يا أبناء حارتي، أهل باب الحارة بانتظار رأيكم، ليس من المهمّ أن نردّ، لكن الأهمّ حسبما أرى، أن نحتفظ بحقّ الردّ".
- أبو قاعود عضو المجلس، غاضب مُستنكر القرار:
"إنّها فرصتنا، فإذا لم نستطع الردّ الآن، فمتى سنردّ؟.".
- العقيد بصوت الواثق:
"ألا تثقون برأيي؟
-مقاطعة تصفيق حادّ وهتاف مؤيد-
من المؤكّد أنّنا سنردّ، ولكننا ننتظر الزمان والمكان المناسبيْن".
تصفيق مستمرّ، والفرح طافح على الوجوه، وهتافات ودعوات بحياة العقيد والنّصر.
ثم فطنوا لتفتيل شواربهم من جديد. العقيد وعلى مدار أسبوع يعيش بنشوة عارمة، وهو يستمع لهتافات مسيرات التأييد المُتواصلة على مدار السّاعة. بين الفينة والأخرى يخرج إلى شُرفة المنزل لتحيّة أهل الحارة، مُلوّحًا لهم بيديْه.
في اليوم التالي، استفاق الناس على أمر غير معهود، عندما شاهدوا جثّة (أبو قاعود) مَرمِيّة أمام بوابة الحارة، ورأسه معلّق أعلى البوابة.
خرج العقيد عن صمته، وارتجل خطبة عصماء ختمها:
"سنحتفظ بحقّ الردّ".

الروائي محمد فتحي المقداد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى