عبدالله البقالي - أنفاس الموت.. قصة قصيرة

لم تسر الأمور وفق ما خططت له. تعثر كل شئ وبت في نظر الكثيرين انسانا متهورا عاجزا عن تدبر أموره. كان بإمكاني أن أتحمل كل العواقب وحدي دون أن اعبأ بالأمر، لكن مشكلتي تلك اللحظة أن الآخرين سيشاركونني دفع الثمن. ماذنبهم؟
خرجت إلى الشارع باحثا عن اي شئ يسحبني لبعض الوقت بعيدا عن تلك الأجواء.كانت تلك طريقتي المثلى دائما في البحث عن نفس. وغير بعيد ، وجدت الرفاق القدامى.
رائحةالمخذر كانت طاغية. ولم استطع مقاومة اغرائها والانجذاب اليها . جالست الجماعة. منحوني بسخاء اكثر مما كنت في حاجة اليه. كان الامر نوعا من الاحتفاء برفيق قديم. وبعد ساعتين، عدت للبيت.
حين انحنيت لأتخلص من حذائي، شعرت بدوار رهيب في رأسي. أحسست ان شيئا ما داخلي يريد ان يبارحه. تذكرت تلك اللحظة المقولة التي تفيذ ان المجنون يفقد صوابه حين يزول من رأسه شئ اشبه بالطائر . صدقت الامر وصرت احيط رأسي بذراعي وامنع الطائر من ان يتركني بلا صواب. بدات رئتاي تتصلبان. ثم بدأ قلبي يخفق بسرعة مذهلة جعلتني اشعر كان سكاكين حادة تمزق صدري. ثم بدات انفاسي تتوقف بعد ان صارت تشق طريقها بعسر شديد . ودمي يمضي الى جهة ما دون ان يعود . ثم بدا يتدقف عبر مسام جلدي عرق ساخن كان اشبه بالحمم التي يقذف بها بركان.
الخوف مما كنت فيه كان قد ذهب بكل قواي. استجمعت ما تبقى من طاقتي. ركضت الى باب اقرب غرفة وجدتها في طريقي . تهاويت على الباب.
دب رعب هائل في البيت، وحين أوقدت الاضواء ،اندهش الجميع وهم يروني ملقى على الارض بلا حراك. وحين حاولت ان اتحدث ،لم يسمعوا سوى شيئ اشبه بالشخير.
الحيرة و الارتباك كانت بادية على الجميع. ولا احد اعتقد اني باق في الدنيا . املي كان قد انقطع وعز علي ان اموت في بداية الليل. اكيد ان الليل و الظلمة و النهار و الضياء تصبح متجاوزة حين يلفظ الانسان نفسه الاخير . لكن اللحظة التي يسلم الانسان فيها روحه يكون ما يحيط بها له تأثيره. الميت يمضي حتما وهو يحمل انطباع اللحظة التي انتهى فيها . انه ينظر اليها و كانها الازل الذي سيعيشه بعد موته . و الذي سيكون بألوان آخر لحظة عاشها في الدنيا . فان تموت في الظلمة معناه العيش فيما بعدها في ظلام غير منته . اما ان تموت مع الشروق فله معنى آخر . النفس و الروح تكون متفتحة ومنتعشة ببرودة الصباح ...
هكذا فكر ت في تلك اللحظة . وهكذا كنت اتمنى ان يمهلني الله لغاية الصبح وبعدها ليتوقف قلبي ان شاء . مخيلتي كانت تفر من سواد الليل وحرجه . وغير بعيد كانت تتموقع عند الفجر. تتراءى لي الضياء قادمة تداعب الالوان الداكنة للسماء . و النجوم تتراقص و تبشر لتدفق جديد للحياة في مدى آخر. والديكة يتعالى صياحها في تنافس حامي الوطيس وتعاين لحظة خلق اخرى . وبعدها لم ار شيئا.
لم اصدق حينما وجدت نفسي بعد ساعات طويلة أني ما زلت هنا. بل و شعرت أني في عالم اخر جديد كانت عيني تلتقطه برؤى مختلفة . ومتجاوبا مع رأيت، وجدت خطاي تسير في مشوار اخر لم أفكر في قطعه من قبل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى