أحمد الشهاوي - ماذا لو متُّ وحيدًا في الليل؟.. شعر

لمَّا أدخُلُ بيتي
لا اسمَ هناك سينتظرُ على البابِ
- لي أو لِوُجُوهِي المُتعدِّدةِ الأخرى -
ولا قِطط الماضي سوف تعُودُ لتسألَ عني
فليس سوى ضغطٍ مُرتفعٍ يجلسُ فوق الكرسيِّ
وليس سوى قلَقٍ يتأرجحُ في كرسيٍّ ثانٍ
وليس سوى شِعْرٍ ناشفْ .
ومنذُ الآنَ صارَ على مِثلي أن أضبطَ نفسِي
كي لا تنفجرَ الرأسُ من الأسئلةِ
وكي لا يتجلَّطَ مُخِّي
في لحظةِ سَرَيانِ الشكِّ إلى بحْرِ الرِّيبةِ
وكي لا تنصابَ دِماغُ الشَّاعرِ بالسكْتةِ
أو تنصَبَّ كُراتُ الدَّمِ على صخرةِ بحرِ النيل .
ماذا لو متُّ وحيدًا في الليل ؟
منْ سيكفِّنُ لُغتي
ومنْ سيكفكفُ دمعَ الكُتبِ الصَّاحيةِ على رأسِي
ومنْ سيلقِّنُ شِعْرِي
شهادةَ أنِّي كنتُ بلا أشجارٍ تنبتُ في كفِّيَّ
ماذا لو ضرَبُ الضغطُ دِماغي
هل تختلُّ موازينُ الأرضِ
تمُوتُ طيورٌ كانت تحيا من إيقاعِ كلامي
ماذا لو جَرُؤَ الموتُ وجلسَ على رُكبةِ كُرسيٍّ لي وخطَّ خطابَ وفاةٍ لا رحمةَ فيهِ ولا استمهال
من سيمدِّدُ لوْحًا محفُوظًا فوق الصَّدرِ
ومن سيهيِّئُ سَفرَي للنسيانِ الأبقى ؟
ليسَ سوى عينيْنِ من الظلِّ
وليسَ سوى طَللٍ لروائح ذكْرَى
وليسَ سوى أرَقٍ لا يسمعُ صوْتَ نُعاسي
وليسَ سوى رِيحٍ لا تحملُ في جُعبتِها
أملًا لشفاءٍ من ضغطٍ مُرتفعٍ للدَّم
هل سيكونُ لدى الشَّاعرِ وقتٌ ليتمَّ كتابتَهُ
أو ينهي سيرتَهُ عن دوْرَةِ دُودِ القز ؟
لا أجدُ سوى صُلبانٍ تحملُ جُثثًا للكلمات
وزُهُورٍ تفنَى
وفَرَاشٍ يذهبُ نحو طريقٍ للموت
ونساءٍ عُدْنَ ليدخُلنَ الأكفانَ وحيداتٍ
يضبطنَ الإيقاعَ على وزْنِ الدَّمِّ المدفُوق
ليس سوى أشجارِ الدَّم
أجلسُ تحت ثمارٍ تتساقطُ منها ولا ينقطعُ الدفقُ
كأنِّي آدمُ يخرجُ من جنَّتِها
أو قُلْ : كأنِّي هابيلُ بلا امرأةٍ
توقدُ ورْدتَها قبل مَسيلِ الدَّم .
من سيخبِّئُ عن أيدي الناسِ خَزَائِنَ أسرارٍ لي ؟
رأسي مضغوطٌ
وقلبي أكثرُ ضغطًا
وسمائي شلَّالٌ من كلماتٍ قُصَّتْ فيها الأفعالُ
وغابتْ عنها مفاتيحُ الأسماء
لمَّا أدخلُ بيتي
يمشي نملٌ في مُخي
تجرِي من تحتي النار
ويقطع منشارٌ صدِئٌ أنسجةً في رأسي
ينزَعُ منِّي الليلُ نياشيني
وأبقى في التيه كملكٍ معزُولٍ يسرقُ منِّي النحوَ
وأخطُو عُرْيَانَ بلا أسرارٍ من أخيلتي
لا حولَ ولا قوةَ لي
غير قيراطيْنِ من اليأسِ
وفدَّانٍ من أشجارِ دمِ الأخويْنِ
وغير سلالٍ ملأى بحرُوفِ العطْفِ
وتلكَ حرُوفٌ لا أتقنُ توظيفَ مواسمِها في النَّص .


أحمد الشهاوي
أعلى