عبدالله البقالي - المجتمع و الابداع.. هل القانون يحقق العدالة؟

حين كسر "جان فالجان "واجهة احدى المخابز من اجل الحصول على ارغفة لافراد جائعين من عائلته ، كان يقوم بتصويب لمسار العدالة المتعطل. اذ لم يستطع ان يستوعب كيف يموت البعض تخمة ، و يموت الاخرون جوعا. غير انه لم يدرك لحظتها انه بذلك الفعل قد وضع رجليه داخل مسار طويل ، سيمتد لحوالي عشرين سنة ، متوزعة بين المكوث في سجن الاشغال الشاقة و هروب و مطاردات لا تنتهي. و انه سيصبح نتيجة لذلك، محل متابعة لامهر مفتش شرطة في فرنسا. يقتفي اثره اينما وجد. و يكشف مهاراته مهما تنكر. ليعيده حيث يجب ان يكون. وان هذا المسلسل لم يمل من تكرار نفسه.
و الحققة ان نجاحات المفتش " جافير" لم يكن مصدرها دهاؤه لوحده. بل كان العمق الانساني لشخصية الهارب مساعدا له. ذلك انه في احدى المرات، كان جان فالجان قد اتلف كل اثر يدل عليه. بل و تحصن خلف وضعية اجتماعية كانت تبعد عنه كل الشبهات. و حدث ان كان مارا بالشارع حين وقع رجل تحت ثقل عربة ضخمة. و ادرك ان اي تأخر في نجدته كان يعني هلاكه. فما كان منه سوى ان اندس تحت العربة و بذل مجهودا جبارا تمكن من خلاله من انتشال الرجل و تخليصه من الهلاك. و لسوء حظه ان مفتش الشرطة جافير كان قريبا و متابعا للمشهد. و عمله ذاك اكد له ان ذلك العمل الخارق لا يمكن ان ينجزه غير شخص مر باحد سجون الاعمال الشاقة. وهو ما اكد له شكوكه بخصوص عمدة المدينة المتخفي خلف هوية جديدة. و قد قدم له ذلك السند الذي كان يفتقد اليه من اجل اعادة جان فالجان الى السجن.
و هكذا ، و بعد مسلسل طويل من هروب ومطاردة واعتقال. يصادف جان فالجان المفتش جافير و قد وقع في ورطة حين كان هو هذه المرة محل اعتقال من قبل مجموعة من الشباب ، و قد هموا باعدامه. لكن جان فالجان لم يبق في دور المتفرج. و لا شارك الفتية اعدامه. بل هب اليه و خلصه من قبضتهم. وامره بان ينفذ بجلده. وهو موقف لم يكن متوقعا من قبل جافير.
كم يمكن ان تكون هذه اللحظة قد استغرقت من الوقت ؟ و هل يمكن ان يتخيل الانسان ما الذي استطاعت فعله تلك الدقائق من تاثير ؟
المفتش جافير بدا غير قادر على استيعاب ما كان يحدث حوله. شخص خرب حياته و شتت شمل اسرته ، و زج به في السجون المرة تلو الاخرى عبر عقود من الزمن. هذا الشخص الذي مارس في حقه كل هذا الحجم من الدمار، لم يعبر ازاءه باي رغبة في الانتقام بالرغم من انه كان له كل الحق في فعل ذلك. و لا انتابه حقد . بل هو من هب لنجدته
لنتصور للحظة كيف نظر كل واحد للاخر. و قبل ذلك ، ماذا كان جان فالجان بالنسبة لجافير؟ و ماذا كان جافير بالنسبة لجان فالجان ؟
بالنسبة لجافير فجان فالجان كان افاقا. خارج القانون. وهو مصنف خطرا. ووجوده طليقا خطر على المجتمع. و هذا يجعل كل التضحيات تهون من اجل وضعه في المكان الذي يليق به.
بالنسبة لجان فالجان، فجافير مفتش شرطة. دقيق. لا يتعب. له انف خاص في تتبع الاثر. وهو مكنة لا تهدأ. الا انه يقدس قانونا لا يحقق التكافؤ.
بعد تحرير جافير. ما هو التصويب الذي احدثه جان فالجان في رؤية جافير و ما هي حدوده ؟
ماذا صار جان فالجان في نظره ؟هل هو شرير ؟ هل هو مجرم ؟ هل يحمل مواصفات من يوضعون في خانه خارج القانون؟ بل ماذا صار القانون؟ و ما هي العدالة ؟ و هل كان يعمل تحت بنود قانون من شاته تحقيق العدالة ؟
شخص يعرفه بانه مجرم. يطوي في اثره كل الافاق. و يكشف كل المساحات. يميزه من بين الاف البشر بالرغم من براعته في التنكر خلف الصفات و الاسماء يلقي القبض عليه مرات ومرات. هذا الشخص يجده في لحظة تنفيذ اعدامه هو من يهرع الى تمديد عمره. هل يبقى بعد هذا في نفس الخانات التي وضعه داخلها من قبل. اين المشكلة اذا ؟ لا شك انها متمثلة في كونه كان يقف دائما عند عتبة الاشياء دون ان يتمكن ولو لمرة واحدة في الولوج الى حيث طبيعة الاشياء. القداسة التي غلف بها فهمه للقانون منعته من ان يتساءل ولو لمرة واحدة لماذا يسرق اللص ؟ . و من هذا الباب فجان فالجان كان اقرب منه لتحقيق العدالة. فهو على الاقل قد اخلص لواحدة من اهم مبادئها وهو حق العيش. وقد مارسه بالرغم من كل الاكراهات. التزم به حين سرق الخبز لاطعام اطفال مهددين جوعا. و مارسه حين ضحى بوضعه الاجتماعي المريح حين اندس تحت العربة من اجل انقاذ روح مهددة بالموت. و فعله اخيرا حين خلصه هو نفسه من الفتية الذين كانوا ينوون تصفيته. وهو الان في هذا الوقت المتاخر يكتشف انه كان الة عمياء اعتقد انه ولد لتحقيق العدالة. لكنه اكتشف متاخرا انه كان يسهر على قانون نخبة اجتماعية خصت نفسها بالثروة. و جعلت الجوع و السجون و المنافي هي كل نصيب الفئات الدنيا.
هذه هي قوة الابداع. النظر للمالوف برؤية غير مالوفة. فهي تنظر و تعلي المبادئ حين تكون في خدمة القيم الانسانية الخالدة. المتمثلة في الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية. والابداع يبخس ما عداها و يعمل على تقويضها من اجل فضحها و تعرية الاغلفة الزائفة التي تخفي حقيقتها.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى