علجية عيش - هل سيجمع الحراك الشعبي الشَّتَات الجزائريّ و يضع حدًّا للهجرة نحو الخارج؟

منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر يطرح العديد من الفرنسيين من أصول جزائرية كيف يمكن تحديد هوية المرء و إعادة إنشاء روابط مع دولة تتطور بسرعة عالية؟ و الرد عى هذه الأسئلة يقود إلى طرح قضية هجرة الجزائريين إلى فرنسا، وبخاصة هجرة الأدمغة، و لعل خروج الطلبة الجامعيين في مسيرات سلمية رسالة بأنه لن تكون هناك موجة خامسة لهجرة الجزائريين نحو الخارج و بخاصة فرنسا التي لنا معها تاريخ دموي عمره 132 سنة لا يمكن نسيانه أو محوه من الذاكرة الجماعية

في سؤال وجه إليه حول موجات الهجرة الجزائرية إلى فرنسا، ذكر المؤرخ بنيامين ستورا أربع موجات، إذ يقول: كانت لدينا عدة موجات من الهجرة إلى فرنسا: الأولى من الطبقة العاملة الكلاسيكية، خاصة من منطقة القبائل في ثلاثينيات القرن الماضي ، ثم موجة ثانية خلال الحرب الجزائرية، و موجة ثالثة خلال إنهاء الاستعمار، و أخيراً موجة رابعة غير معروفة، لكنها موثقة قليلاً في التسعينيات، بعد ظهور الإسلاميين، في إشارة منه إلى الحرب الأهلية التي دارت بين جماعة الفيس و النظام ، كان للرأي العام الفرنسي رأي خاص حول مصطلح الحرب الأهلية و كان له ما يبرره لأن الحكومة في نظره كان لديها مدنيين مسلحين شكلوا مجموعة للدفاع عن النفس و في كل منطقة فيما أطلق عليه اسم الحرس البلدي، كما استأنف المجاهدون السابقون في حرب التحرير الوطني ، خدمة دعم الجيش في نضاله لتجفيف بؤر الإرهاب.

و كان هذا الإصطدام سببا في جعل المجتمع الجزائري مجتمعا مجزأ، و بحكم أن الجزائر بلد شاب يتحمل آثار تاريخ استعماري مؤلم، دفعه هذا الوضع إلى البحث عن هويته بين التقاليد والدين والحداثة، حسب التقارير، الهجرات الأخيرة مست القُصَّر، و هؤلاء كانوا غير مصحوبين بأهاليهم ( الحرقة) ، في حالات كثيرة يكون السبب هروبا من الحروب و القمع و الجوع و من الظلم و الإضطهاد أيضا، أو هروبا من نظام فاسد، استولى على ثروات البلاد و أموال الشعب، خاصة بالنسبة للذين وصلوا إلى فرنسا من أفريقيا أو جنوب الصحراء أو من أوروبا الشرقية، و أعدادهم في تزايد مستمر، تقول الأرقام أن 40 ألف و264 من القُصَّر غير المصحوبين بذويهم وصلوا إلى فرنسا في الفترة من 1999 إلى عام 2018، و عدد كبير من الوافدين في الثلاثي الأول من عام 2019 ، مما يجعل البلد المستقبل يجد صعوبة في التكفل بكل هذه الأعداد من المهاجرين، خاصة بالنسبة للقصر، الذين يشكلون نسبة 95 بالمائة ، و هذا يجعل العلاقات الفرنسية و دول افريقية و منها الجزائر أكثر تعقيدا بحكم ما يربطها من تاريخ دموي يعود إلى أيام الإستعمار تميز بالهيمنة و العنف التي ظلت محل تساؤل الكثيرين .

بخصوص الجزائر، لا يزال تراث 132 سنة من الاستعمار ذكرى أليمة في عقلية المجتمع الجزائري، تشير المعطيات أن ثورة 22 فبراير 2019 ( الحراك الشعبي) كانت بداية توقف الهجرات نحو الخارج، لأن الشباب صار أكثر وعيا، و له نضج سياسي، يجعله أكثر تمسكا بوطنه، و هو عن طريق الحراك و المسيرات الشعبية يسعى لبناء جزائر جديدة، بعدما يقضي على الوجوه القديمة للنظام، و إيقاف حلقة العنف التي عرفتها البلاد في بداية التسعينيات، و التي وصفت بالعقد الأسود، و ما وقع من مذابح، ما زالوا يتذكرونها إلى اليوم ، لاسيما المذبحة التي خلفت أكثر من 300 قتيل في 29 أوت 1997، لكنها اتسمت بالعفو عن الإرهابيين التي بدأها النظام الجزائري في عام 1999 وأعيد تأكيدها بميثاق السلام والمصالحة الوطنية الصادر في عام 2005، كل هذا الشتات الجزائري ، يبني فضاءً ثقافياً واجتماعياً مختلطاً بين ضفتي المتوسط.

و هنا يأتي دور المثقفين، الذين كانت لهم إسهامات في مواجهة الإرهاب و وقف العنف و منهم الطاهر جاووت ، كان لدى المثقفين قراءة مفارقة تاريخية لهذا العنف ، الموروثة من تجربتهم في النضال من أجل حرية التعبير.، كذلك بالنسبة للطلبة، باعتبارهم أهم الفئات للمؤثرة في المجتمع، و كذلك التنظيمات الشبانية، ليس لأن أغلب الساسة و الشخصيات قد انحدرت منهم، بل لأنها تتخذ مواقف مختلفة حول القضايا المطروحة بطريقة مؤثرة و صارمة، فقد تعدى دور الطلبة مثلا مجالات أخرى، و عندما نقول الطلبة نقول الشباب أيضا ، حيث لم يعد يقتصر هذا الدور على المطالبة بحقه في العمل و السكن و الدراسة ، بل في حقه في المشاركة في النقاشات العامة التي تخص البلاد، سواء السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و كذا النضال و الوقوف ضد الظلم و الإستغلال لنصرة القضايا العادلة، فاصبح بذلك قوة حية في المجتمع، و من هذا المنطلق ، من حقهم أن يشاركوا في الإختيارات الكبرى للأمة الجزائرية.

علجية عيش
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى