السعيد أخي - الإنصاف في إطلاق الأوصاف

كثيرة هي الأوصاف التي تتصف بها بعض المناطق، فتصبح بها ومن خلالها تعرف ، وفي بعض الأحيان تُغني هذه الأوصاف عن ذكر اسم المنطقة ،فيكفي الوصف وحده.

و بعض المدن المغربية اتصفت بصفات عديدة ميزت بعضها عن بعض ، وذلك راجع إلى ما يسمُ المدينة من جمال المكان ، أو الثروة الباطنية ، أو المنتوج الفلاحي الذي تزخر به ، وهذا لا يعد عيبا، أو نقصا بل ثراء وتميّزا.

من خلال الأوصاف التي تميز منطقة أو مدينة ما ، يتعرّف الناس عن خصوصيات المكان وجماليته ، وترسم المدينة لنفسها في مخيال الزائر أو المهتم صورا مختلفة ،و تكاد الأوصاف في بعض الأحيان أن تعطي للمكان الموصوف طابعا خاصا ، كأن تكون المدينة سياحية بامتيّاز أو جميلة راقية ، فنقول بلد الجبال الشامخة والثلوج الناصعة أو منطقة الأصيل لجمال الغروب فيها، وهذا كله لتقريب الإنسان من المنطقة التي قد يسمع بها ولم يرها، أو لجذب الزوار لمعرفة المنطقة والاطلاع على خصوصياتها.

جميل جدا هذا التنوع في صنوف الأوصاف ذات الأبعاد الدلالية على ما تزخر به مناطق بلادنا المغرب الجميل .

وقد أجد أن الأوصاف التي تتصف بها منطقة قلعة السراغنة قد تعددت ، لكن المسيطر والغالب أن المنطقة التي ننتمي إليها توصف في بعض اللقاءات التي نحضرها بصفات من قبيل منطقة الزيتون والزيت والصردي (نسبة إلى فصيلة من الأكباش)، وتظل هذه الصفة تلاصقنا ونحن نرحل في ربوع الوطن ، كلما هممنا أن نقول: نحن من قلعة السراغنة ، لا نكاد نكمل انتماءنا لهذه المدينة حتى تتلقفنا كلمات سائلة ومستفسرة أو راغبة في المعرفة عن موسم الزيتون والزيت أو كيف أحوال الغنم خصوصا الصردي منها ، فيثني بعضهم علينا ، وعلى منطقتنا الثرية، وعلى كرم أهلها، والإيثار الذي يميز أهلنا في السراغنة . طبعا هذا يثلج صدرنا وجعل انتماءنا متأصلا لخصوصية منطقتنا ولأهلها الكرماء .

لكن حان الوقت أن يعرف غيرنا أن ثراءنا لا يقف عند حدود الزيتون والزيت والغنم . حيث إن هذا المعجم الفلاحي ، وراءه رجال ونساء وشباب ، عقدوا العزم منذ القدم لخدمة هذه المنطقة في مجالات مختلفة ، فلماذا بات التفكير مقتصرا على المعجم الفلاحي لا غير؟ ربما اللّوم يرجع لنا نحن ـ معشر ـ الشباب الذين لم نعرف كيف نقدم منطقتنا للآخر ، أو ربما غلّبنا الطابع الفلاحي على واجهات الاهتمام الأخرى.

إن هذه الأوصاف التي تميز قلعة السراغنة، تزيد من اهتمامنا بالمنتوج الفلاحي ، والإسهام في تثمينه والعناية به ، والثناء على الفلاحين الذين يثابرون في تنمية المنطقة .

لكن ما نريد أن نصوّبه ، و نهتم به هو : الإنصاف في إطلاق الأوصاف ، فلا يعقل بالمرة أن نختزل تاريخا كبيرا لهذه المدينة المجاهدة ،ولثقافة ثرية وعلما وافرا في معجم فلاحي فقط .

وعليه نقول: لإخواننا في المغرب، إن منطقة قلعة السراغنة قد أنجبت رجالا أخيارا وعلماء أفذاذا أسهموا بشكل لافت في نشر العلم وبناء صرح الثقافة داخل قلعة السراغنة وخارجها ، ومن لا يعرف شيوخ وعلماء السراغنة نقول له ، هؤلاء هم علماء، وفقهاء ،وقضاة السراغنة . علماء أجلاء ثابروا واجتهدوا وخدموا العلم بعقول متقدة وقلوب خاشعة ،وإيمان صادق ، لقد حفظوا كتاب الله تعالى، وتمكنوا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وطبعوا مرحلتهم التاريخية بالعطاء والتفاني في خدمة العقيدة الإسلامية ، وتركوا علما غزيرا ، نفعوا به أجيالا متعطشة للمعرفة والعلم . ونذكر من علماء السراغنة هذه الثلة الجليلة :

الفقيه العلامة : أبو إبراهيم الخلوفي السرغيني، والعلامة علي بن الفاضل بن مريدة السرغيني، والشيخ العلامة : عبد الله بن عبد العزيز الزمراني ، والعلامة: محمد المدني بن المعطي السرغيني، والعلامة: محمد بن محمد السرغيني ، والعلامة: العربي السرغيني البوكريني ، والعلامة: الفقيه الكبير السرغيني العنبري ، والشيخ: الفقيه محمد المكي بن مريدة السرغيني ، والفقيه: خليفة بن المعطي السرغيني الفطناسي ، والعلامة: الفقيه محمد بن الطيب ، والفقيه العلامة: الفاضل بن المكي بن مريدة السرغيني ، والعلامة الفاضل بن عبد المجيد السرغيني ، والعلامة: الحاج سليمان بن الفقيه محمد بن الطالب ، والفقيه: ابن كروم من دوار لقصور بفطناسة ، والعلامة: الفقيه أبو عيسى المهدي العوني ، قدم إلى السراغنة من دكالة وسكن قبيلة فطناسة وهناك زاول التدريس ، والفقيه: عبد المجيد بن محمد السرغيني، والعلامة: أبو عبد الله محمد بن المدني السرغيني،والعلامة: الفقيه الهاشمي السرغيني بنميرة ، والعلامة: أحمد البصري الفطناسي ، والعلامة: السرغيني محمد بن أبي بكر ، والأستاذ الفقيه: محمد بن عمر السرغيني ، الفقيه العلامة: مولاي الحسن السرغيني ، والعلامة: المفضل اعريرة السرغيني ، والعلامة: الفقيه الرحالي الفاروق السرغيني ، والعلامة: الفقيه سيدي عبد السلام السرغيني ، العلامة: الفقيه محمد العربي بن البهلول ، والفقيه العلامة: أحمد المؤذن، والعلامة:مصطفى المؤذن ، والفقيه: محمد بن سعد الحمداني ، والعلامة: الفقيه إبراهيم المؤذن ، والفقيه: الحاج مصطفى والعلامة:الفقيه سي عباس (من دوار جبيل) والعلامة الفقيه محمد مفضال الصبيحي ، والعلامة: الفقيه بن غزالة ، والفقيه العلامة: القاضي أحمد الرافعي ،والعلامة: الخلوفي عمر، والعلامة: الحاج عمر بن الحجوب الفطناسي السرغيني، والعلامة الفقيه: عمر بن محمد بن حليمة والفقيه: محمد بن التاودي السرغيني ، والفقيه مولاي إدريس والفقيه محمد بن القرشي والفقيه الهاشمي الزمراني والفقيه العربي البومنيعي .*

لقد آثرنا أن نكتفي ببسط أسماء العلماء الأجلاء ، دون الخوض في ذكر اهتماماتهم وصنوف علومهم ورحلاتهم العلمية ، حيث سنترك ذلك لمقال آخر، وحسبنا أن نقول لأولئك الذين لا يعرفون هذه الثلة من الفقهاء، إن منطقة السراغنة أسهمت وبكثير من الجدية والتجديد ، في خدمة العلم و المعرفة في ربوع المغرب ، وتركوا علما غزيرا ووافرا ، وتتلمذ على أياديهم الطاهرة أجيالا من الطلبة المتعطشين لنبل العلم وكرم أخلاقه .

ترك هؤلاء العلماء الأفاضل كنزا من العلوم استطعنا أن ننهل منه ، ونزيد عليه ، لنرسم سمتا للأجيال القادمة ونعطي نموذجا حقيقيا باعتبارنا خلفا لخير سلف في إقليم مجاهد .

إذن أين بعد ذكر العلم والعلماء من المعجم الفلاحي؟ الذي توصف به منطقتنا ، أليس من باب إحقاق الحق أن نقول: قلعة السراغنة بلاد الفقه و الفقهاء.؟

نتحدث كثيرا عن قلعة السراغنة المجاهدة ! وجهادها مستمدّ من تاريخ السراغنة في الكفاح والجهاد ضد المستعمر ، والدود عن حوزة الوطن لإجلاء المستعمر . إلى أولئك الذين لا يعرفون هذا الماضي المشرق من تاريخنا في المقاومة ، نقول : إن منطقة السراغنة تضم بين أحضانها مجموعة من الأبطال الأشاوس ، الذين نافحوا ودافعوا عن الوطن بالنفس والمال . وقد بلغ عدد المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمنطقة السراغنة أزيد من مائة وثلاثين مقاوما ومقاومة ، وسنعود لهؤلاء الأبطال لنعرّف بهم ، وببسالتهم ضد الاستعمار .

إذن هذه هي الصفحة المشرقة من منطقة السراغنة الزاهية والبهية . هي مثلها مثل مثيلاتها من المناطق المغربية ذات الصيت العلمي والثقافي . وهكذا نحب أن توصف مدينتنا : القلعة العالمة .

إن الحركة الثقافية التي تعرفها مدينة قلعة السراغنة اليوم،تجسّد انطباعا قويا واستمدادا راسخا بين الأمس واليوم ، وكأن الماضي ماثل في الحاضر، من خلال تجلياته المشرقة والايجابية . إذا كان ماضي قلعة السراغنة مطبوعا بثلة من العلماء والمناضلين الشرفاء ، فالحاضر يجسد هذا الامتداد من خلال مجموعة من المثقفين ، يسمون الحياة الثقافية بجهود علمية مشهود لها بالتميز في مجالات مختلفة .

أما العمل الجمعوي ،في إطار أنشطة المجتمع المدني ، فقد رسم الشباب بصمات حقيقية من خلال الأنشطة المُسهمة في تنمية المدينة ، حيث راهنت هذه الجمعيات أن تكون حاضرة بالفعل ، وأسست لنفسها بعدا ثقافيا ، نجني قطوفه في كل مرة وحين .

أما أطرنا الفذة العالمة والعاملة داخل المدينة أو خارجها في مدن مغربية أخرى ، فقد أبانت عن تميز قل نظيره ، كل من زاوية تخصصه يفيد ويعود إلى مدينه يغنيها بالخبرة والتجربة

ومن داخل القلعة العالمة ، نحن عاقدون العزم على استكمال، ومواصلة الطريق في نهج العمل الجاد والعطاء دون كلل ،في ميادين العلم والمعرفة، وفي صنوف الفن والإبداع .

إذن آن الأوان لنقول بملء الفم إن قلعة السراغنة بلد العلم والعلماء والفقهاء ، عوض منطقة الزيت والزيتون والصردي ، على الرغم أن هذه الصنوف الفلاحية نعتز بها ، وهي عندنا حاضرة في كرمنا وحسن استقبالنا لغيرنا .



بقلم : الدكتور السعيد أخي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى