عبدالرحيم التدلاوي - وظيفة الحلم والذاكرة في مجموعة "عودة مكيافيلي" للصديق أروهان.

تأتي المجموعة القصصية «عودة مكيافيلي» للقاص الصديق أروهان، لتقدم 24 قصة قصيرة في 81 صفحة. هذه المجموعة التي فازت في مسابقة رونق المغرب للقصة القصيرة لسنة 2017، تُبين عن تجربة الكاتب الأولى في هذا المجال، باعتبارها أول إصدار قصصي له، يحاذي التجربة القصصية الحديثة، محاولا المساهمة في تطوير السرد المغربي القصير.
جاء في تقديم المجموعة: إن العمل يدخل ضمن تجارب تنفتح على جماليات جديدة، تتجاوز وظيفة القصة التداولية النفعية، لصالح وظيفتها الشعرية الجمالية، ولا تسعى إلى محاكاة الواقع بل عرض الجانب التخييلي لهذا الواقع. تمتطي التجريب والتجريد على مستوى معمار السرد والتذويت والمونولوج واللغة الإيحائية والرمزية وشعرية الحذف وحوار شعري مع السرد وتتميز بتنوع تيماتها وقضاياها؛ وجودية/فلسفية، واجتماعية، ونفسية، ووجدانية.
ينهض متخيل مجموعة "عودة مكيافيلي" على الفجوة القائمة بين الحلم والواقع، بين الرغبة والموجود، بين الكائن والممكن، كما ينهض على صدمة النهوض، وشرخ الموجود. ففي لحظة، ينهار الصرح، ويرتفع الحجاب لتظهر بشاعة الواقع، وما يحبل به من قبح وزيف وفساد. يأتي الحلم بلسما يناهض الخبث، ويرسي قواعد عالم جميل يسمح للإنسان أن يعيش فيه بسلام، علم يستعيد فيه إنسانيته المفتقدة جراء الحروب المستمرة، ما تكاد تنطفئ حتى تشتعل بشكل أكثر عنفوانا، وأشد فتكا. عالم تهدر فيه إنسانيته، ولا تبرز إلا وحشيته وتفننه في الفتك.
كما أن شخصية المجموعة في عمومها حالمة، تعيش حلمها الخاص المخالف للواقع، تشبه البطل الإشكالي الذي يحمل قيما سامية في عالم منحط.
هذا الشرخ الموجود بين ما تريده وبين ما يعرضه الواقع هو ما يجعلها شخصية متأزمة، ومتشظية، تعيش قلقها المستمر، وخوفها اللامحدود.
شخصية متوترة تبحث عن معنى منفلت باستمرار؛ معنى يمنح فرصة العيش دون مكدرات ومنغصات. لكنها تبقى عاجزة عن تحقيق التغيير، كل ما تستطيعه هو تقديم عالم بديل عبر الحلم، عالم يعجبها، وتقبل به.
يقول السارد: "تخيلتني أعيش في عالم جديد كل الجدة، كما لم أعشه من قبل عالم أبيض كالثلج، وسط أناس جدد قلما يخطئون، شعارهم الاحترام في المقاهي والأمكنة العامة والشوارع التي يملؤها البياض".
ويظل هذا الحلم ذلك الجسر الرابط بين الذات والموضوع، بين الرغبة والمتاح، بين المأمول والموجود؛ حلم يمكن الشخصيات من التغلب على مرارة الواقع وخيباته، بمنحها أملا قادما. ويقدم لها فرصة التعايش مع المرفوض والمدان إلى حين؛ فالتغلب على كآبة الواقع بالحلم هو إشارة إيحائية إلى ممكنات بناء واقع بديل.
يبدو الواقع منصة لقراءة ما يحبل به من أحداث، يتأملها، لقراءة أبعادها، والتغلغل عميقا فيها بغاية فهمها لتجاوزها. يطل من تلك المنصة منها لقراءة ترديه، ومعرفة أسباب ذلك.
وتشكل الذاكرة ركيزة أساسية في بناء النص، تعمد إلى الغربلة، بحيث لا تبقي سوى ما ترسخ فيها، وبصم حضوره بقوة في صفحاتها، أما الباقي فمصيره النسيان. التخير سمة المجموعة، تركز على ما يحمل رؤيا السارد الفكرية والفنية والجمالية.
. يقول السارد: " ثمة أمور نستعجل نسيانها، وأخرى تظل محفورة في ذاكرتنا كنقوش صخرية قديمة".
فالذاكرة بمثابة صمام أمان ضد هزات الواقع، وما يمور به من نكسات. الذاكرة بيت أمان للشخصيات حتى تواصل مسيرة حياتها. وفي الوقت نفسه تشكل هوية الشخصيات ووعيها بواقعها، لا يمكنها الانسلاخ عنه.
يقول السارد مؤكدا هذا الطرح:"ما يمنح الشخص هويته هي الذاكرة، إن حدث وفقدها ضاع كل شيء".
وقد يكون الحنين إلى دفء العائلة، وحكايات الجدات، من بين الذكريات المستعادة في ظل تنامي الاهتمام بالتقنيات الجديدة التي سربت البرودة إلى العلاقات، وهددت الروابط العائلية بالتفكك. فكان من نتائج ذلك الانتصار للجدة في نص "زمن الحكاية" ص55. حين ينقطع الكهرباء، تلتف الأسرة من جديد لسماع حكايات الجدة وهي تستعيد دورها بعد ضربات عاصفة من طرف وسائل التواصل الاجتماعي، يقول السارد واصفا هذه اللحظة الحابلة بالمعاني بعد أن طلب من جدته حكي قصة من قصصها: لم يدركوا مغزى كلامي فنهضوا مسرعين تاركين لعبهم للنسيان قرفصوا كما لم يفعلوا قط. أخذت العجوز مكانا مناسبا، ظلت تصول وتجول في رأسها باحثة عن خيوط قصتها. استرسلت تحكي، فكانت تتوقف بين لحظة وأخرى ليسافر الصغار في رحلة موغلة من الأسرار. ص57.
الحكي مرتبط بالماضي الجميل، بخلاف الحاضر المليء بالقبح.
وللذاكرة وظيفة فنية تتجلى في تكسير السرد، وخلق منعرجات ساحرة له، منعرجات حافلة بالكثير من المفاجآت المدهشة للقارئ، والمراوغة لأفق انتظاره.
وفي الختام، يمكن القول:
لقد اعتمدت المجموعة على قراءة الواقع بوعي نقدي، أظهرت أعطابه، ونواقصه، وبينت حالة قلق الشخصيات وإحباطاتها، معتمدة على الذاكرة والحلم لتجاوز ذلك بغاية استمداد القوة على العيش بسلام.
كما أن الاعتماد على العنصرين السالفين، وتداخلهما ، واعتبارهما نقطة ارتكاز السرد، أعطي لبنية النص أبعادا تخيلية مختلفة وأخرجه من نمطه التقليدي، نحو تجريب مغامرة الكتابة. والكتابة ما هي إلا إعادة صياغة الواقع وفق منظور معين وبتقنيات فنية. كما ذهب إلى ذلك الناقد رشيد أمديون.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى