محمد حسن النحات - نيتشه في ليلة العيد.. قصة قصيرة

أنا الآن أكتب تحت تأثير لكمة مباغتة من خروف و تأنيب ضمير و بقايا سهرة سكر.. ليلة عيد الأضحى وجدت خروفا مسكينا مربوطا في حوش دارنا.. كنت غاضبا طوال الطريق كلما مررت بباعة الخراف أو المنازل التي يصدر منها نحيب الحملان... غدا ستمتئ الأرض بالدماء البريئة.. يا للحزن.
أبعدت خروف بيتنا عن طعامه قائلا :
" طالعني يا عزيزي بعينيك الجوهرتين"...
نظر لي ثم عاد ليدفن رأسه في البرسيم. ترنحت لهنيهة لأوازن وقفتي واستدعيت روح مارتن لوثر كنج من العدم لأتقمصه يوم خطبته الشهيرة
I have a dream
و أهتف : "
لدي حلم بأنه في يوم ما على التلال الخضراء سيستطيع أبناء الخراف العبيد السابقين الجلوس مع أبناء الإنسان السادة السابقين على منضدة الإخاء. لدي حلم إنه في يوم ما في الخرطوم بمتغصبيها العميان وحاكمها الظالم ، ستتشابك أيدي الصبيان والبنات الخراف والآدميين كإخوان وأخوات. أنا لدي حلم "
قاطع والدي أدائي المسرحي المبهر :
" ما الذي تفعله يا عاطل... لقد تحملنا سفاهتك وبوهيميتك فتتمادى لتحرم علينا اللحم!".
والدي مجرد عامل بسيط وبالتأكيد لم يقل " بوهيميتك" بل قال " وساختك" لكنني استبدلتها بالأولى لتتماشى مع السياق. رددت عليه مترنحا :
أمي تبحث عنك.
فجحظت عيناه ورفع جلبابه وعضه بين أسنانه وهرع إليها. للأسف والدي هو القاعدة الشاذة لمقولة كارل ماركس ( في البيت، الرجل هو البرجوازية، بينما تؤدي المرأة دور البروليتاريا !) لم أكن سفيها كما قال، بل مستنيرا، فقد قرأت لفريدريك نيتشه وعلمت أن الدين هو أفيون الشعوب. في البدء كان الأمر مبعثا لبعض القلق النفسي لكن سرعان ما أصبح شتم الرب شفاهة وكتابة أمرا روتينيا من باب الحداثة وساحة للتبارز مع المتعصبين دينيا وأصدقائي المثقفين.
الثقافة ليست أمرا صعبا كما يتصور العامة... قميص مزركش، قهوة، القليل من الكتب في العقل والكثير منها تحت الإبط، وصفحة فيس بوك. أكتب على صفحتي وأنا أدعو بالستر :
وأنا يا سعاد وكتين أشوفك ببقى زول فرشولو فرش الموت وعاش فتنهال علي رسائل المعجبات اللاتي لا يعلمن أن هذا شعر عمر الدوش... وقبل أن أرد عليهن أتعقب صورهن على الفيس والإنستغرام ثم أتخيرهن أنت نصف قديسة وأعني أنني أشتهيها كبقرة
وأنت نصف نبي
وتقصد أنها تشتهيني كثور أجر الخروف من أذنه و أصيح فيه : " يا صديقي.. لا يستطيع أحد ذبحك إلا لو انحنيت له" وأقسم لكم بعيني هاتين المحمرتين من أثر النبيذ المعتق أن الخروف وقف على قائمتيه الخلفيتين ككنغر أسترالي و لكمني بحافره بقوة أسقطتني أرضا.. وسمعته بأذني هاتين يقول بصوت أجش :
" صه يا نصف الملحد... اذهب و تبرز بعيدا عني "
ثم أولاني ظهره وعاد خروفا عاديا يأكل بشراهة ليسمن و يذبح غدا. لملمت نفسي وهربت إلى غرفتي.. صفعتني عدة مرات لأتيقن أنني لا أحلم.. هجست لنفسي أنها هلوسات خمر لكن الجرح الدامي على خدي كذبني.. كنت أرتجف كعار في بحيرة متجمدة.. فوجدتني أصلي ركعتين دون وضوء وأدعو الله أن يؤمن روعتي .
استيقظت عند ظهيرة اليوم التالي... تلصصت من ثقب في الجدار لأتأكد ألا وجود للخروف... وبالطبع اختفى... وقفت أمام باب بيتنا بفنيلة حمالات متسخة وبيدي سيجار الصباح ... طالعت على الأرض آثار دماء الخروف ابن الشاة الزانية... بصقت عليها شامتا وبغيظ قررت أن أبتلع على الإفطار كل لحمه وشحمه كما أفعل في كل عيد، وعلى أن يكون هذا سري الصغير من ضمن أسراري العديدة التي أخفيها عن مجتمعي المستنير.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى