إدورد وليم لين - 37 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر - للأستاذ عدلي طاهر نور

هناك طريق استخارة أخرى، وهي أن يمسك المستخير حبتين من حبات السبحة بعد أن يتلو الفاتحة ثلاث مرات، ثم يعد ما بينهما من الحبات قائلاً عند الأولى: سبحان الله؛ وعند الثانية: الحمد لله؛ والثالثة: لا إله إلا الله؛ ويردد هذه العبارات على التوالي حتى الحبة الأخيرة. فإذا وقعت العبارة الأولى على الحبة الأخيرة، كان الجواب إيجابياً ومناسباً. أما العبارة الثانية، فلا تدل على شيء والأخيرة نافية. ويمارس الكثيرون هذه الطريقة

وكذلك يلتمس البعض عندما يرقدون ليلاً أن يوجههم الله في المنام فيجعلهم يرون شيئاً أبيض أو أخضر أو ماء، إذا كان العمل المنتوي يستصوب، أو إذا كانوا يتوقعون توفيقاً قريباً، وإلا جعلهم يرون شيئاً أسود أو أحمر أو ناراً، فيقرءون لذلك الفاتحة عشر مرات ولا ينقطعون عن ترديد هذه العبارة (اللهم صل على سيدنا محمد) حتى يغلبهم النعاس

يؤمن المصريون بالأحلام إيماناً عظيماً. وكثيراً ما ترشدهم الأحلام في بعض أمور حياتهم المهمة. ولديهم في تفسير الأحلام مؤلفان كبيران لابن شاهين وابن سيرين. والأخير تلميذ السابق. ويستشير المصريون حتى المتعلمون منهم هذين الكتابين بثقة كاملة. وعندما يقول شخص لآخر: لقد رأيت رؤيا، يجيبه الآخر: خير، أو خير إن شاء الله. وقد جرت العادة عندما يرى أحدهم رؤيا سيئة أن يقول: اللهم صل على سيدنا محمد؛ ويبصق من فوق كتفه اليسرى ثلاث مرات لمنع كل شر.

ويوجد في مصر، كما يوجد في أكثر البلدان الأخرى، خرافات تتعلق بأيام الأسبوع فيعتبر بعضها سعيداً والآخر نحساً. ويعتبر المصريون يوم الأحد مشؤوماً بسبب الليلة التي تليه.

إذ يعتبر المسلمون ليلة الاثنين منحوسة لأنها ليلة وفاة الرسول (صلعم): غير أن البعض يراها سعيدة للدخول بالعروس خاصة، وإن لم تعتبر موافقة لهذا الأمر بقدر ليلة الجمعة. ويعتبر البعض أيضاً اليوم التالي يوماً سعيداً والبعض الآخر يراه مشؤوماً. أما الثلاثاء فيعتقدون أنه منحوس ويسمى (يوم الدم). إذ يقال إن عدة شهداء أفاضل قتلوا في هذا اليوم، ولذلك يعتبرونه يوماً مناسباً للفصد. والأربعاء لا يدل على شيء. ويسمى الخميس (المبارك) ويستمد بركته خاصة من الليلة واليوم التاليين. ويعتبرون مساء الجمعة سعيداً جداً وخاصة للدخول بالزوجة. والجمعة أبرك الأيام إذ هو يوم الراحة عند المسلمين ويسمى (الفضيلة)، أما السبت فهو أنحس الأيام. ويرون من الخطأ العظيم أن يسافر المرء في ذلك اليوم. ويمتنع أكثرهم عن حلق الذقن أو تقليم الأظافر فيه. وكان أحد أصدقائي متردداً في رفع قضية على خصمين في مثل ذلك اليوم المنحوس. وقرر أخيراً أن ذلك اليوم هو خير أيام الأسبوع لرفع القضية، لأن النحس لا بد واقع على أحد طرفي الخصومة فقط. ولا شك أنه سيقع على خصميه لأنهما اثنان وهو واحد. وهناك أيام من السنة تعتبر ذات حظ كبير من اليمن مثل أيام العيدين الفطر والأضحى. والبعض الآخر يعتبر يوم الأربعاء من الأسبوع الأخير من شهر صفر نحساً، فيعمد الكثيرون إلى البقاء في منازلهم لاعتقادهم أن المصائب تقع على الإنسان في ذلك اليوم. ويستدل بعض الناس على الخير والشر من الأشياء التي يرونها عند خروجهم من المنزل صباحاً؛ فعلى حسبها يكون اليوم سعيداً أو نحساً. ويعتبرون الأعور علامة سوء وخاصة من فقد عينه اليسرى.

الفصل الثاني عشر

السحر والتنجيم والكيمياء

لو صدقنا ما يقصونه في مصر عادة لظهر لنا أن بهذا البلد في هذه الأيام سحرة لا يقلون مهارة عن حكماء فرعون وسحرته الذين تتحدث عنهم التوراة.

ويخلط عقلاء المصريين بين نوعين من السحر: (الروحاني) و (السيميا). والضرب الأول سحر روحي يعتقدون أنه يحدث عجائبه بفعل الملائكة والجن وأسرار بعض أسماء الله ووسائل أخرى خارقة للعادة. والضرب الآخر سحر احتيالي غير موحى به، ويعتقد أقل المسلمين تصديقاً أن أهم عامل في ذلك هو تأثير بعض العطور والعقاقير في البصر والمخيلة تأثير الأفيون تقريباً. ويظن البعض أن الأفيون يستخدم في أعمال هذا السحر الأخير.

وينقسم السحر الروحاني الذي يعتبره المصريون عموماً سحراً صادقاً، إلى (علوي) و (سفلي) أو (رحماني) نسبة إلى الرحمن إحدى صفات الله، و (شيطاني). ويقال إن السحر العلوي والرحماني علم يستند على عون الله وملائكته والجن الصالحين وعلى أسرار شرعية أخرى، وأنه يستخدم دائماً لأغراض طبية وأنه لا يدركه ويمارسه غير الصادقين الذين يتعلمون من الحديث أو القراءة أسماء هؤلاء العاملين الذين يفوقون الطبيعة البشرية، وأدعية تكفل إجابة رغباتهم. وتتصل كتابة الاحجبة لغرض صالح بهذا الفرع من السحر والتنجيم وعلى أسرار الأعداد. وأقصى ما يدرك في السحر العلوي هو معرفة (الاسم الأعظم) وهذا هو أعظم أسماء الله الذي يعتقد المتعلمون أنه لا يعرفه إلا الأنبياء والرسل. ويقال إن من يعرف هذا الاسم يستطيع بمجرد النطق به أن يحيي الميت ويميت الحي وينتقل على الفور حينما يشاء ويأتي بأي معجزة أخرى. ويظن البعض أن أفاضل الأولياء يعرفون هذا الاسم. ويعتقدون أن السحر السفلي يقوم على عمل الشيطان وأشرار الجن، وأن أشرار الرجال يستعملونه لأغراض خبيثة. وإلى هذا الفرع ينسب علم السحر الذي يطلقه العرب على الرقية الشريرة فقط.

ويعمد هؤلاء الذين يمارسون (ضرب المندل)، وسأسرد أمثلة له، إلى تنفيذه بواسطة الجن أي باستخدام علم الروحاني؛ إلا أن هناك رأياً آخر في هذا الموضوع سأذكره تواً. وقد بينت إحدى الوسائل التي يعتقد بعضهم أن الجن يساعدون بها السحرة في الفقرة الثانية من الفصل العاشر.

ويرى المتعلمون أن (السيميا) علم كاذب وفن احتيالي ينتج آثاره المدهشة بتلك الوسائل التي ذكرت سابقاً ويعتبرون أن (ضرب المندل) تابع للسميا بسبب استعمال البخور في إجرائه.

ويدرس الكثيرون في مصر علم النجوم والتنجيم. ويستخدمونه على الأخص لحساب المواليد وتعيين أوقات السعد الخ ولمعرفة أي البروج يخضع له الشخص، ويتم ذلك بحساب القيم العددية لحروف اسم الشخص واسم أمه. وكثيراً ما يكون ذلك في حالة إقدام اثنين على الزواج للتحقق من توافقهما. وقد أخبرت أن (علم الرمل) يسند غالباً على التنجيم. ويزعم القائمون به أنه يكشف الماضي والحاضر والمستقبل بواسطة علامات يرسمونها عرضاً على الورق أو الرمل ومن هنا سمي هذا العلم.

(يتبع)

عدلي طاهر نور



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى