سوسن علي - سجين الفراغ

سوسن علي.jpg


لا أعرف كيف ـ بهذه السهولة ـ وصلت المرآة إلى يدي. كنت أحملق في وجهي وكأني أراه للمرة الأولى، وجه غريب لا يخصني، أو إنني لم أكن أراه وجها على التحديد، بل مجموعة أشياء غريبة مثيرة للدهشة، أشياء كلما أمعنت النظر فيها، كلما زادت غرابتها، زاد تجردها، وأشعر بأنها لا تخصني.

وكانت الحملقة والدهشة تنعكس هي الأخرى في المرآة وتظهر العين بأهدابها وجفونها مثيرة للاشمئزاز، وحاولت لمسها ولكن ما شعرت به كان سطح المرآة الأملس، مما زاد الأمر غرابة، وابتدأت اقترب من المرآة أكثر، وكدت التصق بها، وكانت مسامات وجهي تتضخم وتكبر، وبدأت أرى ندب وآثار حبوب زرقاء اللون، لكن الملمس ظل كما هو -سطح المرآة الأملس- فشعرت أني فقدت ملامحي، ولمحت احمرار وجهي غضباً وأنا أرمي المرآة بعيداً ولم أرد أن أرى انعكاس وجهي على أي سطح آخر.

ارتديت ملابسي دون أن أنظر إلى نفسي، وخرجت لأتابع يومي. كان النهار في منتصفه، وكنت أجوب الشوارع وأنا بدون ملامح، ونظري يلتهم الشوارع والأرصفة وكل ما يقع تحته.

وللمرة الأولى شعرت بالانسجام أن أكون بلا ملامح يطابق تماماً أن أكون بلا انفعالات. لا تمرد لا غضب لا حزن ولا فرح، إني فارغة من كل هذا. مجرد جسد يمشي ويلتهم الكون بنظره دون دهشة.

لم تصبني الدهشة منذ مدة، واليوم، عندما أصابتني فقدت على إثرها وجهي.
وأشعر أن كل شيء يتساوى. الحياة، الموت، القلق والنوم؛ لم يعد هناك فرق بينهم.
حياتي التي لا تحمل معها الضجيج الكافي، لا تحمل الصخب الذي يعبر عنها. حياة باردة تتساوى مع الموت، إن الوجود هنا وجود لا يكاد يشكل فرق، وجود أجوف ينطوي على هروب كامل.

هروب لا يتحقق إلا بالموت، الموت الذي يلازمني.. يلازم حياتي.
إن كل ما يشغل بالي الآن، هو، كيف أكمل هذه الحياة وإلى متى تستمر.
الأمر متعب أن يظل الإنسان سجين الفراغ ويحملق به.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى