مارك أمجد - الآلهة الصغار

في غُرَفٍ معتمة وعلى فراش مستأجَر، تحت العَرق والمَني والآهات، تلتحم الآلهة تحت الغطاء، تنكمش كالصغار. تخضع، ربما للمرة الوحيدة، لقوة أعظم منها. ولو علِمنا أننا بفعلتنا هذه نغيّر مداراتها، أو بمعنى آخر جعلناها تتلاشى، لأدركنا أننا أسياد هذه الخليقة الجديدة.

حينما أردت أن أضاجع، مِن وسط كل الفتيات اللائي عرَفتهن طوال حياتي، ياسمين، كانت الجارة المسيحية هي الشيء الوحيد الذي ينبغي أن نوليه بعض اهتمامنا. لا لأنها صديقة قديمة لماما، فهُمَا الآن متخاصمتان، الأمر الذي يلغي أي فرصة للرأفة بي إذا انكشف الأمر، ويجعلنا نستبعد أيضًا احتمال مهاتفتها لصديقتها التي لم تتصل بها منذ زمن، كي تشي بي، وهو إنْ بدا في أي موقف مشابِه كارثة، إلا أنه في حالتي أرحم العواقب لأن ماما لن تملك حينَها سوى البكاء. وأخيرًا، كل ذلك يعزز فكرة اتصالها ببوليس الآداب. إذ حكت لي جدّتي أنها في شبابها كانت امرأة مجنونة تضرب رَجُلها بالجزمة، ثم بعد ذلك ألِفت الأمر مع زوج ابنتها.

وارد جدًا أن تتصل بالبوليس ثم تعود لتختبئ خلف العين السحرية تراقب ما فعلته، وبذلك تكون قد سددت اللكمة لماما. وأنا لطالما فضّلت ألا تقع عاقبة طيشي عليها، ليس فقط لأنها تتعامل مع مثل هذه الأمور كامرأة وفية لخنوع الأقلية، بل لأني حينما أرتكِب مشكلة لم أكن أسعى لها، بقدر ما يستهويني كل ما يأتي بعدَها. ثم في النهاية إذا اتصلت فعلًا بالبوليس لن يكترث أحد مِن الواشي. سيهرعون خلف القساوسة والمحاميين كي يُخرجوني في أسرع وقت قبْل أن أبيت بالقِسم.

ينبغي التوضيح بأن نعتي لها بالجارة المسيحية ليس من العنصرية في شيء. أو ربما أنا شخصية مرسومة بحنكة للعنصري الذي يمارس عنصريتَه تجاه طائفته. كثيرًا ما تمنيت لو كان اسمي حمودة مثلًا أو ياسين. إذ إن كل الفتيات اللائي وجدتهن مثيرات لم يكُنّ يؤمِنّ بأن عيسى هو الله. الحجاب الذي يفشي أكثر مما يخبئ، فساتين المحجبات منهن في الأفراح الملتزمة باللاشيء. العباءة التي هي في الأصل سر الغواية. جميعها أشياء عندي أكثر إثارة من الشعر المنسدل والفساتين العارية على نحو لا يترك أي فرصة للمواربة.

صنفتها أيضًا بالمسيحية لأن أول اقتراح سمعته، وكان مِن صديق يعمل مُخرجًا سينمائيًا، أن نفعلها أنا وياسمين يوم الأحد صباحًا وقت القداس. حينَها ستكون الجارة منشغلة بمتابعته وربما لا ينقصها ذلك الحس التنافسي الذي تملكه كل النساء، فتترك صوت التلفزيون عاليًا ولا تَسمعنا حينما ندخل الشقة. كان حلًا مبهرًا ما إن سمعناه جميعًا على الشاطئ حتى اتسعت عيوننا وانحنت رفيقة صديقي الأمريكية فجأة وطَبعت قُبلة على رأس قضيبه البارز مِن تحت المايوه. لكنه في النهاية حلٌّ سينمائي ولا يصلح إلا بموقع تصوير يتحكم فيه صديقي هذا بكل الأمور المقحمة. أمّا في الواقع، الاستديو الذي يتنازع فيه الرب والشيطان، فلا يمكن الاعتماد على خطه هشة كهذه.

“ماذا عن فيلم آرجو Argo؟” قلتُها وأنا أراقب كائنًا انبثقَ فجأة من الرمل يشبه الكابوريا أو العنكبوت.

“ماذا؟”.

“ألم ترَ آرجو Argo لبين أفليك؟”.

“بلى، رأيته”.

“علينا أن ندخل الشقة بالخدعة نفسها التي اُستُخدِمت في ذلك الفيلم. نحمل عددًا من حقائب معدات التصوير وإذا رآنا أحد من أصحاب المحلات بالأسفل أو الجيران بالأعلى لن يتجاوز خيالُه فكرة أننا نقوم بتصوير فيلم”.

“لكنكما في النهاية شاب وفتاة، هذا ما سيراه الجميع ويدعوهم للشك”.

“حسنًا، ما رأيك أن تصعد معنا؟”.

“سيظنون أنها حفلة نكاح جماعي”.

“لا تستفزني”.

“دعنا نواصل حلك، مع إضافة شيء واحد”.

“ما هو؟”.

“أننا سنصور فيلمًا حقيقيًا”.

لم يستلزم الأمر منه كتابة سيناريو لهذا الفيلم المزيف، إلا أنه بقيت حاجتنا لممثلين حقيقيين. الأمر الذي اضطرني لأستعين بخمسة عشر مِن صبيان كشافة الكنيسة.

***

حينما اتصلتُ بياسمين لم يأتِني ردها كمثل بقية الفتيات في هذا الموقف؛ لم تتراجع عن قرارها في أن تفقِد عذريتها (بالمعنى الذي يخص جسدها وليس الغشاء، إذ اتفقنا على تركِه) ولم تعُد مرة أخرى لفكرة أن عضوي الذي دُهِن وأنا صغير بزيت الميرون وتُليت عليه صلوات كي يصير للاستخدامات المسيحية فقط، لا ينبغي أن يلمسها. كل ما أزعَجها هو وجود كل هذا العدد من الناس بصحبتنا في أول مرة لها تمارس الجنس. وقد كنت أتفق معها لحد كبير، بيْدَ أني ظللت أراه الحل الأنسب.

تَناقشنا حول الأوضاع التي سنصنعها. أخبرتها بأن تكون أكثر وضاعة من عاملات البوفيه. فطلبتْ أن ألتزم بسلوك البواب حينما يعاشر زوجته. سألتها إنْ كانت ترغب في حلاقة شَعر عانتي. وافقت. تضايقت أني عرضت هذا.

ليلتَها اشتريت كل ما هو لازم؛ كريم نسائي لإزالة الشعر، واقي ذكَري بنكهة الشوكولاتة، بلسم شفاف للتدليك ولتسهيل إدخال عضوي في الثقب الذي سيعجبني. في الصباح كنا نقف جميعًا أمام محطة القطار في انتظارها. صديقي المُخرج، صديقته الأمريكية التي تمنت لي التوفيق، الخمسة عشر صبيًا في شورتات وقبعات كاكية ومناديلَ حمراء حول أعناقهم، يمسكون بالطبول والآلات الموسيقية. ما إن ترجلت من القطار حتى هرعت إليها بالزهور وقبّلت وجنتيها. هالها منظر الواقفين بيْدَ أنها انصرفت عنهم سريعًا، أو تظاهرت بذلك وراحت تبتسم لي.

طوالَ الطريق كان عضوي واقفًا فاضطررت أن آخذ منها الزهور وأضعها أمامَه. صعدنا جميعًا سلالم العمارة في شكل ملفِت وفقًا لخطتنا. فليس هناك مَن ينوي ارتكاب مصيبة ويختار الظهيرة توقيتًا لها، خاصة وسط هذا العدد الملائم لرحلة مَدرسية.

دخلنا الشقة، كان وضْعها افتراضيًا بالنسبة لأسرتي، هجرناها منذ سنوات إلا أنه مِن وقت لآخر آتي أنا وأصدقائي للسهر فيها. رائحة عطنة استقبلتنا عند الباب، أغلب الظن أنها نفس رائحة المرحاض. حوض المطبخ به أشياء لم تُغسَل لشهور، حبّات العنب في تعريشة السقف لها طعم التراب، أطباق فارغة عند التلفزيون بها بقايا أرز باللبن، زجاجة بيضاء لشراب الجن ملقاة في إحدى الزوايا. أمّا غرفتنا، أقصد أنا وياسمين، فقدْ أعددتها بالأمس. كنستها وفرشت ملاءة نظيفة على السرير، تركت السماعات السوداء الضخمة على مائدة صغيرة تحسبًا إذا اعترتها نوبة من نوبات الرقص. وضعت من عطري في هواء الغرفة كي تذهب رائحة التراب. في الجوار كان هناك باب زجاجي يفضي للشرفة، ولسوء الحظ لم يكن أمامَه شيش، فاضطررت أن أغطيه من أعلاه لأسفله ببطانية سميكة تمنع نفاذ الضوء تمامًا، الأمر الذي انتقص مِن بهجة المغامَرة، لكنه جعلها مغامرة فعلًا.

حجزنا الصبية في الشرفة التي كان يدفعنا طولها ونحن صغار كي نجعلها ملعبًا. بدأ صديقي المُخرج ينزلهم من الشقة واحدًا واحدًا وقد وزَّعَ على كل منهم خمسة جنيهات ومَصاصة. وفي النهاية انسحب هو وصديقته دون أي إخطار.

صرحتْ بأنها بدأت تتألم، فتوقفتُ عن حكّ عضوي بها. نهداها كانت آثار أسناني تنطبع عليهما في بُقَع متفرقة. قذفتهم مرتيْن على ظهرها ثم رحت أغمس إصبعي في لبَني وألطخ به شَعر ظهرها الخفيف في حنو. تأنِ، حلو، واصل. طلبتُ أن أدخِلَه من الخلف. رفضت. حرام شرعًا. وضع الكلب، 69، متقابلين كما الكوريين. استلقت على جانبها. تطلب أن أضع إصبعي مكان قضيبي.

“هل اختبرتِ أن يضع أحدهم إصبعه فيكِ، يداعب نتوءًا لا أعرف عنه شيئًا سوى أنه طري ويوجد بالأعلى، حينما ألمسه ستشعرين بكتلة من الشمع تحرق فخذك؟”.

نفت برأسها كطفلة.

طلبتُ منها أن تعود لوضع الكلب ثم نزلتُ أسفلَها كطائرة أقوم بإصلاحها. كان عضوها يشبه ثمرةَ خوخ ملتهبة شقَّها أحدهم من الوسط. طاردتُها حتى ارتعشت. خربشت الملاءة وتأوهت بصوت عال، ثم انطرحت بجانبي في وضع جنائزي.

حينما تحدثت عن خبَل الجارة المسيحية لم أذكر تلك الواقعة بينَها وبين أمي. كانت الأخيرة هنا ذات مرة تتحدث على الهاتف الأرضي وتشكو جارتنا لأحد الأقارب، فإذ بالجارة ترسل لها في ذات الوقت برسالة وضيعة على هاتفها المحمول. لقد سمعت أمي حتمًا وهي تشكوها. كيف؟ فسّرت جدّتي؛ يكفي أن تضع أذُنك على الحائط حتى تسمع ما يدور في الجانب الآخر. هل سمعت الجارة ياسمين وهي تتأوه. كان صوت الأخيرة عاليًا رغمًا عنها. نهضت من السرير، عضوي المرتفع يهتز كماسورة نزعها أحدهم من مسارها. ألصقت أذُني بالحائط. أتاني الصوت كأنه لغريق يتحدث من تحت المياه “لقد فعلوها على نحو لم نعهده في شبابنا يا ليندا”. أرجعتُ رأسي والتفت لياسمين خلفي “ارتدي ملابسك حالًا!” برقت عيناها وقامت مهرولة. هرعتُ للنافذة التي تطل على الشارع وفتحتها. بالأسفل يقف زوج الجارة الأصلع ومعه بعض من مُلّاك المحلات الملاصقة للبناية. عدت إليها مضطربًا “اهدأ، حينما يدخلون هنا سنكون بملابسنا، لن يمسكوا علينا شيئًا”.

“يا غبية، أنتِ مسلِمة. سيجعلونك ترحلين مِن قبل حتى أن يسحبوني للقِسم”.

“أنت الغبي هنا لأنك لم تذكر أمر هذا الجدار الفاضح”.

تناهَى إليّ صوت أقدامهم على السلم.

“أين الشال الذي رأيته على كتفيكِ في المحطة؟”.

***

أمسك زوج الجارة العجوز بمقبض الباب الموُارب ودفعه حتى انفتح بشكل كُلي. رشمَ علامة الصليب ثم دلف وخلفه زوجته مع بقية رجال الحي بعيون تلتهِم كل ما يصادفها. هناك في العمق رأوا فتاة قد غطت شعرها بشالٍ ثقيل، متخذة من اللحاف سجادة صلاة، وإلى جانبها انتصب شاب حافي القدمين يقلد خطواتها.

صرخت الجارة المسيحية “ماركوس! ماذا تفعل؟”.

سمع الرجال اسمَه فكبّروا وتبسمت وجوههم. أمّا هو فلم يُعِرهم انتباهًا.

إذ كان منهَمِكًا في الصلاة.

* القصة من مجموعة تحمل نفس الاسم، صدرت عن دار الثقافة الجديدة في سبتمبر 2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى