أيمن دراوشة - مؤامرة

تحررتُ حين سجنني القلم، عَشِقَني كأوديب. تسرَّب الخبر إلى الورقة، تَسلَّحَتْ بالحبر، وقَتَلَتْ كل من قرأ حروفي، مستعينةً بإليكترا.! بقلم / رولا العمري / الأردن.
قراءة نقدية / أيمن دراوشة / قطر
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=

لغة رمزية عميقة تحتاج وقفات متأنية لكشف أسرارها.
تصوغ لنا الكاتبة رولا العمري قصة قصيرة جدًّا لتعبر لنا عن شدة عشقها للكتابة ، ولا شك أنَّ الكاتبة قد تأثرت بما يسود به العصر الحديث من تقنيات حديثة وأفكار وفلسفات مبتكرة ، مما أكسب القصة طابع التفرد والتميز ، كما كان لإيقاع الحياة المعاصرة المتسارعة انعكاساته الواضحة في بنية القصة وحجمها وتركيبها مما يتوافق مع طبيعة هذا العصر بنبضه الصاروخي المتلاحق.

استعانت القاصة بالرمز التراثي المعروف " إليكترا " وضِعت من قبل العالم النفسي "فرويد" كنموذج نظري مرادف لعقدة أوديب. اقترح كارل يونغ اسم عقدة إليكترا لنظرية فرويد، مستلهمًا ذلك من الأسطورة إلكترا الإغريقيّة، التي أرادت من أخيها أن يثأر لموت أبيها أغاميمنون، وذلك بقتل أمّهما كليتمنسترا، وذلك لأنّها شاركت في قتل زوجها، والد إلكترا.

إذًا القضية قضية عشق للكتابة وقد اتخذت الكاتبة عنوان "مؤامرة " مؤامرة الورقة والحبر على قتل حروفها ، فكانت إليكترا رمزً تراثيًا استخدم استخدامًا سلبيًا لتصوير حالة المؤامرة على القتل ، قتل الكتابة وتكميم أفواهها.

هذا الرمز التراثي يسمح بالامتداد الأسطوري للنص ، ومحاولة الربط بين الماضي البعيد والحاضر داخل القصة القصيرة.

القصة تجربة مع الكتابة وإدمانها ، لكن هناك من يحاول قتل الحروف ، فيبدو أن تجربة الكاتبة مع الكتابة تجربة مريرة ومعاناة مع القلم ، حتى غدا النص كمسرحية درامية حافلة بالأحداث المتضاربة ، والأفعال المتضادة ، والصور السريالية اللاواعية ، على الرغم من بساطتها وصدمتها الإيقاعية.

فهي مع سهولتها ذات مغزى عميق تؤكد حالة التمزق التي تعيشها بطلة القصة التي ترادف حالة السجن.

أما الصورة فهي من أنجح صور القصة ، وأروعها من حيث تناسبها مع الواقع ، فأعداء الإبداع والكتابة كثيرون ، فلا عجب من المؤامرات والإطاحة بمن يحاول رفع صوته من خلال قلمه ، وإليكترا هي رمز للمتآمرين والحاقدين ، فهي تقابل عقدة أوديب بالضبط.

في صيغة فنية رائعة تنهي الكاتبة قصتها بعبارة "وقَتَلَتْ كل من قرأ حروفي، مستعينةً بإليكترا.!" وكأن كاتب النص يختنق داخليًا.

قدرة لغوية زادت مناخ القصة خيالًا وجمالا، وعلى الإقناع النفسي مما أكسبها طاقة جديدة وبناء فني داخلي وخارجي متفجر بالتناقضات والرموز المأساوية ، وهو بالتالي وسيلة للتفاعل وأداة وصل تتسم بالحيوية ةالحركة الدرامية والتلون بطابع الموقف الشعوري.

القصة صرخة جريئة ملتهبة ، تصرخ بالظلم والاضطهاد، فالعمل عمل فني هو الحياة وهو صورة لها ، وينطوي على أثر معين حرصت الكاتبة على تكثيفه منذ البداية حتى النهاية فوصلت الفكرة للقارئ بصورة قوية وعذبه ، ورؤية واسعة ، واهتمام إنساني عام يتجاوز الذاتية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى