كرة القدم جليل طليمات - كرة القدم كموضوع أدبي

في كتاب " ذاكرة النسيان " نقرأ لمحمود درويش توصيفاً وتحليلاً أدبياً لما جرى ذات يوم من صيف 1982 في بيروت حيث كان يجري نهائي كاس العالم باسبانيا وبيروت تعيش أهوال الحصار الإسرائيلي . آمل أن يتأمل الغوغائيون والمتعصبون و بعض أغبياء الإعلام الرياضي والحكام والمسؤولين من مستويات عليا.. في هذا النص لعلهم يحيدون عن لغوهم وغيهم وإساءاتهم لجمالية هذه "للعبة الساحرة " ولروحها الرياضية الخالصة النبيلة , و" لمتعتها البريئة" .
النص :
"... ونحن أيضا نحب كرة القدم، ونحن أيضا يحق لنا أن نحب كرة القدم. ويحق لنا ان نرى المباراة، لم لا؟ لم لا نخرج قليلا من روتين الموت؟.
في أحد الملاجئ استطعنا استيراد الطاقة الكهربائية من بطارية سيارة. وسرعان ما نقلنا «باولو روسي» إلى ما ليس فينا من فرح. رجل لا يرى في الملعب إلا حيث ينبغي أن يرى. شيطان نحيل لا تراه إلا بعد تسجيل الهدف، تماما كالطائرة القاذفة لا ترى إلا بعد انفجار أهدافها.
وحيث يكون باولو روسي يكون الجؤول، يكون الهتاف، ثم يختفي أو يتلاشى ليفتح مسارب الهواء من أجل قدميه المشغولتين بطهو الفرص وإنضاجها وإيصالها إلى أوج الرغبة المحققة. لا تعرف إن كان يلعب الكرة أم يلعب الحب مع الشبكة.
الشبكة تمنع، فيغويها ويغاويها بفروسية ايطالية أنيقة على ملعب اسباني حار. ويغريها بانزلاق القطط الهائجة المائجة على صراخ الشهوة. وعلى مرأى من حراس العرض المصون الذين يعيدون إغلاق بكارة الشبكة بغشاء من عشرة رجال. يتقدم باولو روسي بكامل الشبق، يتقدم لاختراق شبكة قابلة للنيل من عضلة هواء مرتخية عجزت عن المقاومة، فاستسلمت لاغتصاب جميل.
كرة القدم،
ما هذا الجنون الساحر، القادر على إعلان هدنة من أجل المتعة البريئة؟ ما هذا الجنون القادر على تخفيف بطش الحرب وتحويل الصواريخ إلى ذباب مزعج! وما هذا الجنون الذي يعطل الخوف ساعة ونصف الساعة، ويسري في الجسد والنفس كما لا تسري حماسة الشعر والنبيذ واللقاء الأول مع امرأة مجهولة..
وكرة القدم هي التي حققت المعجزة، خلف الحصار، حين حركت الحركة في شارع حسبناه مات من الخوف، ومن الضجر."



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى