محمد عكاشة - غابة الذاكرة

فكرت كثيرا قبل أن أدلق ذاكرتي وأبعثرها خلف منزلي
كي أتحرر من سطوتها
أنا لا أعرف كيف أراوغها
كي تتركني ألبس سترتي
دون أن تذكرني بساعة شرائها
وماحدث لي من فتاة الحانة الماجنة
حين حاولت خلع بنطالي
لترى نصف عقل الرجل كما قالت لي
كي تتركني أسير في الطريق دون تذكر المساحات الخالية التي شغرت بأعمدة البرق
كي يمتليء خزان الذاكرة لمدة يوم واحد فقط
وأقابل العالم كل صباح بوجه جديد
أنا لا يضيرني اليوم الفائت ولا أود تذكره
أود أن أكون رائحة تهب وتتلاشى
وتتجدد كل صباح مع سقوط الندى
أو سحابة تعبأ وتمطر قبل نهاية اليوم
أنا جدران خزان ذاكرتي أملس
لاتعلق على سطحه أتربة الناس
هكذا كنت أتمنى
لهذا نمت بذور ذاكرتي كأشجار كثيفة
غابة من كل مامضى
لايعرف سبلها سواي
أنظر إليها كل مساء كي أرقب ما يحدث بها
هل ستنمحي الصغائر التي حدثت
أو تتبدد الألام التي كبرت وهرمت
هل نمى الشوق كشجرة ورد
أرى رجال تجري في دروبها
وصبية يقذفونهم بالحجارة
ورجل أربعينى يتبول في ركن مظلم
وامرأة تخلع ملابسها لصبي
وفتاة تشي بعشيقها لأمن الجامعة
أراني هناك أعلق على الأشجار سراويل داخلية للنساء
وأحفر مجرى للحيوانات المنوية لتروي الشتلات الصغيرة
وأبني أضرحة عالية للحيوانات التى ماتت
وشيخ نحيل يصلي بالناس عاريا
أراني في ذاكرتي كحمار وحشي يختال براشقته
أو كدب قطبي يصطاد الأسماك من باطن الثلج
أراني كحمار العزير تفككت عظامه ثم نمت
ذاكرتي صاخبة وشاحبة تقلقني كل ليلة
رغم أني أسد كل الشرفات التي تطل عليها
وأتسلل خفية منها كل صباح
وأغلق عليها بسور له باب
يحرسها كلب باسط ذراعيه بالوصيد
ذاكرتي ماجنة نثرتها خلف داري
أرى الزمن وهو يرسم الوجه كحبة ندى
أو ربما يرحل الماضي لتتفرق الحكايات
أو ربما ألقي عليها عود ثقاب
لتشتعل من جديد
محمد عكاشة
مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى