أنوار الأنوار - الدّواة مائلة..

لم تكن مالحة، كانت سرًّا كثّف في القطرة قواميسَ الحياة، لتشرق الحقيقة جليةً: وحدها الحياة مقدسة، ووحده من خلع عباءةَ الماضي منه ملك سرّ السفر.
ستدرك كنهها حين تعتنق المستقبل، فلا تتعلق بأحدهم سوى كونه مجذافًا آخر يهَب ذاته لمركب سفرك نحو ذاتك القادمة. يأتي كلٌّ في أوانه كي يرحل في أوانه أيضًا. يمّحي المجذاف بسقوطه عند مدخل موجة فتعانق مجذافًا آخر سيسقط عند موجةٍ أخرى كي تستمرّ رحلتك المقدسة. وحين تصرخ : لستُ ابن الماضي ولا نتاج الغياب ستتفتح لك أبواب أناك الأرحب لتضيف: هو القادم أبي وابني، ألده ويلدني، أخلقه فيخلقني.
سترتشف الدمعة بشفتين تتفتّحان شوقًا الى النور مثلما فعلت مَن عانقت الأملَ كلما قتلوها، ترتشفها لا حزنًا ولا ألمًا بل شهوةً دافئةً تنهمر واقعا أصفى من الأحلام.
وحدهم أبناء المستقبل يستحقون الحياة، فاترك من سكنه الماضي واختار الغياب.
لم تكن مالحة. كانت أغنيةً حرة حرّة: في الدمعة تتجلى رجولة الرجال يا صغيري، وإذّاك وحسب تنبعث الأنوثة كاملةً لتشهد: إن الحياة تكامُلٌ فاكتمل بذاتك وبهما فيك لعلك تكون.
وإذ تتذوق سرّ الرحلة ستدرك كم من الملايين قضَوا رحلاتهم يسبحون على شاطئ من رملٍ وحصى سكنته أوساخ ما ألقت الأمواج دون أن يلامسوا الماء فغابوا في وهم الحضور.
لم تكن مالحة.. كانت دافئةً كالسكر واذ انسابت على وجنتيه صبّت في قلبي نهرًا يتدفق، فانبعثت من بريق النجمة المتلألئة قرآنًا يرتفع نحو السماء لا يهبط منها، لتلتمع الآية:
تصدُق العاشقة إذ تبتسم لمرأى زهور حبيبها في أواني الجميلات على شرفاتهنّ في الجزر الممتدة، فتهتف بعين أم حانية: من هنا عبَر، وهنا تخصّبت تربة إحداهن بعبيره. وحده من كان حرًّا بارك حرية المسافرين كي تتكاثر السفن، فتغدو المجاذيف ذكرى لا يشوبها الحنين إلا نحو القادم وحسب. حينها ستعترف بذاتك، ممنّيًا نفسك أنك قد عرفت الحياة.

أنوار الأنوار


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى